رحلة الى الشمس

يركض بأقصى سرعته بين الأشجار المرتفعة بينما يحمل في يديه خريطته التي تدله إلى لغزه القادم، حتى وصل إلى ضفة النهر، توقف يلتقط أنفاسه المتسارعة مخرجًا من حقيبته منظاره الأسود، قربه من عينيه الزمردية ليتتبع مجرى النهر، حتى عثر على مراده، فتحة المغارة الجليدية الواقعة أعلى قمة الجبل الشاهق لامعةً بتوهج لانعكاس ضوء الشمس عليها.

أنزل المنظار من عينيه ليقول بابتسامة زينت شفتيه:

«لم يتبقَ كثيرٌ على رحلتنا، لكن لاتزال الطريق طويلة للوصول إلى وجهتنا القادمة، لذا علينا الإسراع أكثر للوصول قبل مغيب الشمس يا صديقي»

ليسمع صوت فحيح الثعبان المسترخي على الصخرة قرب النهر محركًا ذيله بحماس.

تقدم همام نحو الجبل الشاهق الواقع منتصف الغابة قاطعًا المرتفعات والمنخفضات متجاوزًا وعورة الأرض التي تحولت من طينية إلى صخرية دون أن يأبَه للمخاطر. بهمّة وعزيمة تسلق الجبل حاملًا ثعبانه في حقيبته حتى وصل إلى مراده أخيرًا، لتشق الابتسامة وجهه إذ وقف يتأملُ المغارةَ مذهولًا.
انعكست صورته على الجدران الجليدية بفعل الضوء الخافت المنعكس فأضاءها لتزداد جمالاً.

سار بهدوء إلى الداخل يستكشف المغارة، حتى وصل إلى بحيرة مياه عذبة وسط إحدى الحجرات الواسعة، نظره ناحية الجدار الطويل المنحوت عليه رسومات ورموز باللغة القديمة. لكن بطلنا يعرف تمام المعرفة بأنها ليست ما تبدو عليه، إنما هي اللغز الذي يجب عليه حلّه. أسرع بإخراج دفتر ملاحظاته بينما أعطاه ثعبانه القلم من حقيبته، فدوّن الرموز و حلها واحدة تلو الأُخرى.

ليكون اللغز:

«عبره نهتدي إلى موضوع قصتنا، فطُرقه تحملنا نحو أسفارٍ لم نطأها بأقدامنا قبلًا ولن نفعل. بأحد تفرعاته نبصر عوالم ليست بحقيقية محسوسة كأنها الواقع يتجلّى أمامنا. إن عرفت من يكون، اختر الحجر الصحيح المتبقي لحل اللغز في قاع البحيرة.»

قرأ همام اللغز مرارًا وتكرارًا بهدوء وتركيز عالٍ، زفر بانزعاج وجلس على الأرض بغضب مكتّفًا يديه ضامًّا إيّاها لصدره واضعاً الدفتر أمامه، ينظر إلى الجدار بينما يقطب حاجبيه.

زحف الثعبان من الحقيبة و بدأ ينظر بتساؤل ناحية همام الذي شرد بالرموز يهسهس بفحيحه، يجذب نظر همام من الجدار إليه.

قال همام :اللغز إجابته تحوي على عنصرين، وربما أكثر، ما يحير أنّ إحدى العناصر جزء من عنصر آخر.

نظر الثعبان إلى اللغز وقد هز رأسه باستيعاب وبدأ بالفحيح من جديد، كأنه يتحدث إلى همام الذي بطريقة ما يفهم ما يحاول إيصاله إليه.

ردَّ همام بدهشة: أنت محق حيث تكمن أهميته في كونه  يترجم الأحداث الخيالية لنصوص خيالية، فمن خلاله نهتدي إلى موضوع القصة. يجعلنا نغادر الواقع إلى عالم القصة الخيالي في حين يكون العنصر الآخر مساعدًا في إعطائنا الصورة الكاملة للحدث المترجم.

ليتحرك الثعبان بحماس بينما يحرك رأسه لأعلى وأسفل، فيبتسم همام بسعادة إذ حل لغزه بمساعدة صديقه الثعبان.

قال همام بسعادة:  بالطبع إنهما السرد والوصف، هما متلازمان وأحدهما يكمل الآخر.»

نهض همام بسرعة متوجهًا نحو البحيرة، رمى حقيبته ونزع ملابسه وحذائه بسرعة وقفز في البحيرة يسبح نحو الأسفل بمهارة، حتى وصل للقاع وأخذ يبحث عن الحجر الصحيح بين الصخور في الأسفل، حتى شعر بنفاذ الهواء من رئتيه ليسرع للسطح ليستنشق أكبر كمية ممكنة من الأكسجين، فعاود السباحة للأسفل من جديد، حتى لمح عدة أحجار متوهجة في منتصف القاع، سبح ناحيتها بسرعة فوجدها منحوتةً برموز قديمة مشابهة للرموز المنحوتة على الجدار.

الأول كان منحوتًا عليه رمز الشمس، والثاني نُحت عليه رمز النجوم، والأخير رمز العين.

احتار همام قليلًا بين أي من الأحجار هو الحجر الصحيح، إلّا أنه شعر بالاختناق وأنّ أنفاسه تُسلب، أسرع بحمل الحجر ذي رمز الشمس والصعود نحو السطح، أخرج رأسه من الماء مستنشقًا الهواء بكميات كبيرة، فاستقبله ثعبانه الذي يتحرك بحماس، خرج همام من البحيرة  والحجر بين يديه.

اهتزت الأرض تحت قدميه وبدأ السقف بالسقوط على الأرض بقوة جعلت الخوف والقلق يدب في قلبه، خصوصًا وأن باب المغارة يكاد أن يُغلق بسبب الثلوج التي سدت الفتحة. زحف الثعبان بسرعة مختبئًا في حقيبة صديقه الذي هرع نحو الجدار يضع حجر الشمس في مكانه لعل الاهتزاز يتوقف، لكن لم يؤثر بشيء. استمرت الأرض بالاهتزاز بشدّة وتساقط الثلج على الفتحة حتى أُغلقت.

بدأت البحيرة بالفيضان و قد ملأت المياه الأرض، كان الهلع والارتباك واضحين على ملامح همام، فهو لم يعد يعرف ماذا يفعل الآن بموقفه الذي لا يحسد عليه، شعر بتسلق شيء ناعم جسده ليجد الثعبان الذي يهسهس و يخرج لسانه من حلقه، ينظران بتوتر إلى الماء الذي تصاعد الى صدر همام بسرعة كبيرة.

وفجأة!

تحرك الجدار جانبًا ليظهر خلفه مجرى نهر سريع الجريان، حمل التيار المائي همام وأغراضه و الثعبان إلى الخارج بقوة، لم يتمكن همام من السباحة عكس التيار أو فعل شيء؛ لقد كان الماء أقوى منه حتى رماه خارج الكهف بالكامل على ضفة النهر وبقربه ثعبانه.

كان همام يحاول التقاط أنفاسهِ واستيعاب محيطه، إلا أنه كان خائر القوى بالفعل، لكن ثعبانه لم يتركه فقد قام بذيله بشد يد همام وإجباره على النظر له و النهوض.

لكنه فور نهوضه تسمر بمكانه و عجز عن التحرك، وبذهول بدأ بتأمل المحيط من حوله.

الأزهار الملونة منتشرة على ضفتي النهر ذي الماء الصافي، حيث كان بإمكانه رؤية الأسماك الذهبية تسبح في الماء، والأرانب تقفز هنا وهناك، بينما الشلال ينهمر بغزارة من الجبل إلى الأسفل.

كان مأسورًا في مشاهدة الطبيعة الخلابة التي هي أشبه بالنعيم على الأرض، ولم يستفق من شروده هذا لولا الثعبان الذي يلتف حول ساقه.

قال همام بخفوت: أعتذر، لم أقصد تجاهلك.

فضل الثعبان ترك ساقه والزحف ناحية شجرة كبيرة رسم عليها رمز الشمس مشابه للمنحوت على الحجر بوضوح، فتتسع أعين همام ويركض ناحيتها بسرعة يمرر أصابعه على الرمز.

قال: إنه رمز الشمس! لابد أن يكون هذا دليل من نوع ما.

نظر همام إلى أسفل الشجرة حيث وضعت صخرة صغيرة نحت عليها ذات الرمز، ليجلس على ركبته و يبعدها قليلًا ويبدأ بالحفر تحتها بيديه، حتى شعر بشيء قاسٍ أسفل يده، فحفر على جانبه وأخرجه، فإذا به صندوق قديم رُسِمَت عليه عدة رموز حول رمز الشمس. حمله بيديه وتوجه إلى حيث رماه التيار من الكهف. تربع أمام النهر وففتح الصندوق بحماس إذ غلبه الفضول، فور أن رفع الغطاء وجد مخطوطتين ملفوفتين بترتيب، حمل الأولى بين يديه فتسلق الثعبان كتفه يقرأ محتواها مع صديقه البشري.

قرأ همام بصوت مسموع: السرد لا داعي للتفصیل في أھمیته في الروایات الحركیة -الأكشن- خاصة أنها تعتمد على الصراعات والحركات القتالیة و...إلخ
لذا یجب أن یكون السرد والوصف كافیين لترجمة تلك الحركات السریعة ونتائجھا. كما أن السرد یجب أن یكون مشوّقًا. و نجد في السّرد دلالات زمكانية، وما نعنيه بالدّلالات الزمكانية هي تعبيرات وتلميحات لغوية ورمزية وأوصاف خاصة بطبيعة الزمكان.
ولا داعي للغطرسة الكتابیة، من ناحیة تنمیق اللغة، واختراع التراكیب الغریبة في اللغة العربیة، فروایات المغامرة یمكن القول أنھا أدب تسلیة، نوع من الكتابة یحمله القارئ إلى مخدعه لیتسلى قلیلًا قبل النوم. لذا لن یرغب في وجود تلك التعابیر الوعرة، ویبحث عن مرادفات الكلمات ومعانيها. فبدلاً من أن یستمتع بھا ویدخل في أجوائھا، سینفر منھا ببساطة. لذا على الكاتب الاعتماد على أسلوب جمیلٍ، سلس، وبسیط.

بعد أن انتهى همام من قراءة اللفافة الأولى أرجعها مكانها كما كانت، وأخذ اللفافة الأخرى ليفتحها فيجد أنها فارغة عدا رمز الشمس الذي يزين أعلاها. نظر لها همام باستغراب. فتساءل: هل من الممكن أنهم خدعونا؟ كيف لهم ترك هذه الورقة فارغة؟!

هز الثعبان رأسه بقلة حيلة، وبدأ بالفحيح المتذمر من صديقه الذي يرافقه في كل مكان، لينظر له الآخر ببرود قائلًا: لم يكن لي علم بأن الثعابين تشتم، ألا تراها أمامك فارغة؟ أين الغباء في كوني لا أجد غير هذه الشمس هنا...

ليقطع كلامه فجأة بينما فتح عينيه باستيعاب لما قاله للتو.
بسرعة رفع اللفافة الفارغة أمام الشمس، وما هي إلا لحظات حتى بدأ الرمز بالتوهج مع ظهور الخطوط الخفيفة بالتوهج لتملأ اللفافة بالكامل وتظهر خريطة لغزه القادم. صرخ همام بسعادة غامرة وقد نهض من مكانه بفرح:
إنها خريطة! يا إلهي لقد حصلت على خريطة مختصرة للوصول إلى وجهتي القادمة.

نظر همام بسعادته الغامرة إلى ثعبانه فأكمل :كنتُ أعلم أنك أذكى ثعبان في الكون يا صديقي.

ظهرت ابتسامة متكبرة على فم الثعبان ليقول همام: اخبرتك لا تبتسم هكذا أنت تبدو مخيفًا بابتسامتك هذه.

نظر له الثعبان ببرود، فانفجر همام بالضحك على صديقه، حتى خفتت ضحكاته و تحولت لابتسامة كبيرة تعلو ثغره بينما يلاحظ غروب الشمس من على الجبل، فجلس بجانب النهر يتأمله بهدوء.

لونت الشمس الملتهبة السماء بلون متوهج ناريّ انعكس من بين الغيوم التي تهمس للشمس بالخلود إلى النوم بعد هذا النهار الطويل، بينما تقبلها الطيور المحلقة أعلى الجبل بسرب كبير يتراقص بينها بانسيابية. كان رؤية الغروب بهذا المنظر البديع من أعلى الجبل شيئًا تمناه همام منذ الصغر.

دنا منه صديقه الزاحف يتأمل المنظر معه باسترخاء، لكن تبادر لذهن هذا الثعبان المحب للمعرفة والعلم سؤال لم يجد له إجابة، لماذا اختار همام رمز الشمس بالذات؟ وما علاقة السرد و الوصف بالشمس؟ لذا أخرجه عن طريق هسيس سائلًا صديقه الذي استغربه هو الآخر إلا أنه أجاب بكل صراحة قائلا:

لم أختر الشمس لمعرفتي بمعناها، لقد كان الاختيار عشوائيًّا للغاية. كاد الهواء ينفد مني وأوشكت على الاختناق بينما احترت في أيّ رمز هو الصحيح لحل اللغز، أي بمعنى آخر لم أعرف ما علاقتها بالسرد والوصف لكن بعد التفكير بالأمر وجدت الحل.

إنّ السرد هو الذي يدلنا على سير الأحداث وتعاقبها للقصص في جميع فئاتها -خصوصًا فئة المغامرة- تمامًا مثل الشمس عند شروقها وغروبها، أما الوصف فهو نورها الذي ينير لنا الحدث، من وصف الأماكن ووصف المشاعر والأحداث. إنه مثل نور الشمس، من دون ضوئها باهتة ومظلمة. هكذا هما السرد والوصف كالشمس تماما.

ختم همام كلامه تزامنًا مع غروب الشمس تمامًا، وانتشار الظلام الذي لوّح لهم في الأفق من بعيد، في السماء التي سطعت نجومها تتغزل بجمال القمر البهي.

_لافندولا فيرا.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top