«كان يا ما كان في قديمِ الزّمانِ، كان هناك شخصٌ ظالمٌ يرغب بأنْ يعبده النّاس كما كانوا يعبدون الله، وأن يصلّوا له ولكنيسته بدلًا مِن الكعبةِ. و لمَّا لم يصلِّ له أحدٌ، قرّر أنْ يهدم الكعبة! فجمع الكثير مِن الأفيال، وقرّر أنْ يوجّه الفيل الكبير حتّى يهدم الكعبةَ، لكنّه أبى ورفض أنْ يتحرّك. وفجأةً أرسل اللَّه سربًا مِن الحمام تحمل كلّ حمامةٍ ثلاثةَ أحجارٍ، واحدةً في فمها واثنتين في رجليها، وكلّ حجرٍ يسقط على أعداء الله، يُسقطهم قتلى، وهكذا ربُّ البيتِ حمى الكعبةَ مِن الكفّارِ.»

أنهيتُ روايةَ القصّةِ، ونظرتُ إلى الطّلاب أمامي أحاول رؤية أفكارهم عن طريقِ ملامحهم.

«إنّها قصّةُ أصحاب الفيل الّتى تمّ ذكرُها في القرآن، يكاد يكون الكلّ يعرفها بالفعلِ، لكن أحببتُ أنْ أقصّها عليكم لغرضٍ، هل يعلم أحدكم ما هو غرضي؟» سألتُ منتظرةً إجابتهم، وعيني تتنقّل فيما بينهم حتّى لمحتُ زاجلَ، وهي ترفعُ يدها راغبةً في الإجابة، لأعطيها الإذن بهزّةٍ مِنْ رأسي.

«المحاضرات عنوانها أدب الأطفال، وبما أنّ القصّة اليوم كانتْ عن أصحاب الفيل، فهنا تمّ التّخصيصُ في أدب الأطفالِ، حيث أدبُ الأطفال في القرآن.»

سمعتُها وهي تبهرني بذكائها، فأذنتُ لها بالجلوس فور انتهائها، ولم أنسَ التّعبير داخليًّا عن إعجابي بفطنةِ زاجل، وسرعةِ البديهةِ لديها.

«أحسنتِ قولًا يا زاجل، لكن عنوان محاضرتنا اليوم ليس فقط عن أدب الأطفال في القرآن بل هو أيضًا يضمّ قصص الحيوان، والقصص الشعبيّة في أدب الأطفال.»

قلتُ أسترسل حديثي «دعونا نتحدّث في البدايةِ عن القصص الدينيّة في أدب الأطفال، فهي تشمل قصص القرآن، وسير الأنبياءِ، والخلفاءِ، والأبطال الخالدين الّذين دافعوا عن قضيّةِ الدّين، إذًا ما رأيكم؟ إلى ماذا يهدف هذا النّوع مِن القصص؟»

«بما أنّها قصصٌ دينيّةٌ، فهي تهدف إلى بثّ تعاليم الدّين ليجد فيها الطّفل الموعظةَ الحسنةَ، والمثل الأعلى.» قالتْ القرمزيّة تجيب على سؤالي بشكلٍ صحيحٍ.

«بالفعل صحيحٌ، أحسنتِ، فإنّ النّبع الأوّل والمصدر الأساسيّ لقصص الأطفال هو القرآن الكريم، ومِنْ خلال تلك القصص توجّه نفوس الأطفال إلى كمال القيم الأخلاقيّة والسلوكيّة، وتُبَيّنُ عاقبة الضّياع والتّفريطِ في حقوق الله.»

«إذًا هل القصص القرآنيّةُ تتميّز بطريقةٍ خاصّةٍ في أدب الأطفال؟» سألتني نيسان.

فأجبتُ بكلّ حماسٍ:
«ّسؤالٌ جميلٌ، نعم، يتميّز بطريقته الخاصّة، حيث لا يهتم بالتّفصيلات الدّقيقة في أحداث القصّة، ولا بأسماء الشخصيّات، إنّما كلّ ما يعنيه أنْ يصل المرء مِنْ خلال خيوط القصّة الرئيسةِ إلى العظةِ والعبرةِ، وتتكوّن لديه الرّغبة في أنْ يبتعد عن الشرّ ويحرص على فعل الخير.»

«هناك نوعٌ مِنْ قصص القرآن يجتذب إليه الطّفل عن غيره، وهو ذلك الّذي يكون للحيوان دورٌ بارزٌ فيه، مثل القصّة التي قصصتها منذ قليلٍ، وأيضًا مثل قصّة النملة، وهدهد سليمان، والكثير.
إنّ لقصصِ القرآن جوانبَ عديدةً يمكن طرحها على الأطفال، فهل يعلمها أحدكم؟»

«قصصُ الخير والشرّ وانتصار الخير.
قصص وحدانيّة الله والتعرّف على الله.
قصص الطّمع والجشع وعاقبةُ ذلك.
قصص الأنبياء.
قصص الأمثال القرآنيّة.»
قالتْ تاليا برتابةٍ.

فأثنيتُ عليها:«ممتاز، أحسنتِ تاليا كما أحسن الجميع، يبدو أنّكم أذكياء.»

«هذا لأنّك أجبرتنا أنْ ندرس قبل محاضرتنا، وأجبرتنا كذلك على أنْ تحاضِرينا.» قالتْ تاليا بغيظٍ، يبدو عليها أنّها قد كتمتْه كثيرًا.

«حسنًا مخصومٌ منكِ خمسُ نقاطٍ.» قلتُ بهدوءٍ، هل أكون سيئة حينما أجبرهم على المعرفة؟ ناكروا الجميل!

«والآن سنتحدّث عن قصص الحيوان في أدب الأطفال، ونلاحظُ أنّ الأطفال مولعون بقصص الحيوان، لأنّهم يتقمّصون شخصيّاتها، ويقيمون صداقاتٍ معها، كما تربطهم علاقاتٌ وجدانيّةٌ بها، لأنّها أقرب إلى نفوسهم.» قلتُ متجاهلةً صياح تاليا وغضبها لفقدان النّقاط، بينما كانتْ تسعى لتكون أفضل عضوٍ لهذا الشهر، حسنًا لستُ قاسيةً، أنا أفعل هذا لأجعلها تكون أفضل عضوٍ على الدّوام، منطقيٌّ أليس كذلك؟

«قصص الحيوان عليها إقبالٌ مِن الأطفال أكثر مِنْ قصص الفكاهة والتّاريخ، كما أنّها أقدم أنواع قصص الأطفال، فقد عُثِر على قصصٍ مكتوبةٍ على أوراق البرديّ عند القدماء المصريّين منذ نحو أربعة آلاف عامٍ.
والآن هل يعلم أحدكم ما هو مضمون قصص الحيوان في أدب الأطفال؟»

قامتْ تاليا تجاوب على مضضٍ لعلّي أعيدُ لها نقاطها: «قد يكون علميًّا، أو أخلاقيًّا، أو فكاهيًّا، أو حتى مغامراتٍ تمثّلها الحيوانات، أو مغزًى تربويًّا.»

«صحيح، أحسنتِ لكن بلا نقاط.» قلتُ بينما تجلس بعنفٍ ويمكنني أنْ أسمع صوت ثرثرتها مِنْ موقعي البعيد نسبيًّا عنها.

«الأطفال يتعلّمون مِنْ قصص الأطفال، مِنْ خلال إعجابهم بشخصيّة الحيوانات الشُّجاعة مثل شجاعة الأسد، ويتعلّمون النّظام مِن النحل والنمل. قصص الحيوان تربّي في الأطفال مَلَكَةَ الاستماع، وتمييز الأصوات بدرجاتها ومصادرها واتّجاهاتها، وذلك مِنْ خلال تقليد أصوات الحيوان.»

«والآن نيسان، اذكري لي أنواع قصص الأطفال التي يستمتع الأطفال بها»

«ثلاثة أنواعٍ: القصص الّتي تقوم فيها الطّيور والحيوانات بما يقوم به الأطفال والكبار مِنْ أعمالٍ تفسّر لهم جوانبًا مِن الحياة، بهدف أنْ يتعوّدوا على آداب السّلوك الّتي تفيدهم في الحياة.
والقصص الّتي تقوم فيها الطّيور والحيوانات بأعمالها الحقيقيّة في البيئة، مثل قيام الكلب بالحراسة.
والقصص الّتي تقدّم على لسان الطّير والحيوانات، هذا يكون ظاهره التّسلية وباطنه الحكمة، أو النقّد السياسيّ أو الاجتماعيّ، وهذا النّوع تقوم فيه الحيوانات بدور الإنسان لحلّ مشكلاتها في الحياة بطرقٍ غير مباشرةٍ.»

«أحسنتِ نيسان، لك خمسُ نقاطٍ.» قلتُ، لتبتسم نيسان بينما تاليا تعضّ على شفتيها وتنظر إليّ نظرةَ قاتلٍ محترفٍ، حسنًا أنا لا أميّز أحدًا عن الأخر نيسان فقط مطيعةٌ، أليس هذا واضحًا؟

«وصلنا أخيرًا إلى النّوع الأخير معنا اليوم وهو القصص والحكايات الشعبيّةُ، وهي القصّة الّتي ينسجها الخيال الشعبيُّ حول حدثٍ تاريخيٍّ، أو بطلٍ يشارك في صنع التّاريخ لشعبٍ مِن الشّعوب، يستمتع الشّعب بروايتها والاستماع إليها، ويتمّ توارثها، وقد اتّخذتْ القصّة الشعبيّة اتّجاهين، الأوّل هو قصّة البطل، مثل عنترةَ بن شدادٍ، والثّاني هو قصّة الأمّة أو القبيلة كقصّة الهلاليّة، هل ما أقوله واضحٌ؟»

-«نعم واضحٌ.» قالوا جميعًا بصوتٍ واضحٍ.

بعدما أجاب الجميعُ شعرتُ بالرّاحة، وأكملتُ حديثي «القصّة الشعبيّة تعبّر عن المشاعر الفطريّة التي تعيش في الإنسان، تعبّر عن مشاعر الجماعة وعواطف الجماهير، إذًا برأيكم هل للقصّة الشعبيّة سماتٌ تتميّز بها عن غيرها؟»

-«نعم لها سماتٌ مميّزةّ، مثل: العراقة حيث تقودنا إلى المسالكِ التاريخيّة لأسلافنا.
أيضًا الصّدق في الملامح العامّةِ، حيث يجب أنْ ترتكزَ على أساسٍ مِن الحقيقة، فالبطل حقيقيٌّ، والقبيلة لها أصلٌ تاريخيٌّ، والقصّة نفسها تعبير الشعب عن حدثٍ ما.
وهناك أيضًا ثَمّة الجماعة، حيث أنّ القصّة الشعبيّة مجهولةُ المؤلّف، لأنّ دور الفرد في إنشائها معدومٌ.»

«صحيحٌ، أحسنتِ زاجل، إليك أيضًا خمسُ نقاطٍ.»

«والآن تاليا هلّا أخبرتني ما هي وظائف الحكايات الشعبيّة؟»

-«لا أعلم.» ردّتْ بمللٍ.

فطالعتها بمكرٍ وقلتُ:«حسنٌ لا بأس، كنتُ سأضيف لكِ خمس نقاطٍ أنتِ الأخرى.» ولمْ أنسَ نبرةَ الأسف الزّائفة.

«لقد تذكّرتُ، سأقول.» انظروا لها تعبث معي، مِن الجيّد أنّني أعرفها جيّدًا.

-«مِنْ وظائف الحكايات الشعبيّة هي تلبية الحاجات الاجتماعيَّة الفرديّة، حيث أنّها تتّصف بالمرونة، لكن وظيفتها تبقى كما هي لا تتغيّر. أيضًا الوعظ والتّعليم وبثّ قيمةٍ أخلاقيّةٍ مِنْ ضمن وظائف الحكايات الشعبيّة، الوظيفة الأخيرة هي الوظيفة النّفسيّة حيث يجدُ الإنسان متنفّسًا له مِنْ كلّ أنواع الضغوط.»

«أحسنتِ تاليا، إليكِ خمس نقاطٍ أيضًا.» قلتها ورأيتها تجلس وقد عادتْ ابتسامتها، لا لا أنا لستُ قاسيةً عليها.

«الآن وباختصارٍ يمكننا القول أنّ القصص الدينيّة يمكن تقديمها للأطفال أيضًا لأنّها تجعلهم يتّسمون بالقيم الأخلاقيّة، وتساعدنا على تربية صغارنا بالقيم والمواعظ، وقصص الحيوان هي أفضل القصص الّتي يحبّها الأطفال ومِنْ خلالها يمكننا أنْ نستغلّ هذا الجانب ونعطي الطّفل بعض الإرشاداتِ المبطّنة مِنْ خلال قصّ قصص الحيوان عليه، وفي النهاية فإنّ الحكايات الشعبيّة تجعل الطّفل يدرك الماضي والتّراث ويتعرّف على الأبطال والتّاريخ، وتنمّي لديه حسّ المسؤولية والبطولة.»

قلتُ ألملم أشيائي حتّى أخرج مِنْ قاعةِ المحاضراتِ
«وفي النّهاية لم أنسَ بالطّبع أنْ أعطيكم بعض الأسئلة الّتي يجب الإجابة عليها كواجبٍ.
ونفتتحها بـ:
ما الفرق بين قصص الحيوان في القرآن وقصص الحيوان عامّةً؟
وبرأيكم ما أهمّ نوعٍ مِنْ أنواع القصص للأطفال التى تحدّثنا عنها اليوم؟
وبالنّهاية هل يمكنكم مشاركتنا قصّةً مِنْ تلك الثّلاث تكتبونها للأطفال؟»

كانت معكم زُريقاء النّقد آيرى💙

المراجع:
-كتاب الأهدافِ التربويّة لقصص الأطفال.
-مصدر القصة:
https://islamicsham.org/nashrah/2746