بين الأرياف والمدن

في هذا العالم الواسع، هناك الكثير من التّناقضات التي تشكّله وتضمن استمراريّته وتوازنه، الإلكترونات والنيوترونات مثلًا، تنافرهما يجعل من الخليّة متماسكة لا تتفرّق ولا تتشتّت، وليس هذا وحده بل هناك تناقضاتٌ عدّةٌ، أوسع وأشمل، وهي مكمّلةٌ لبعضها لا متضادّةٌ كما يعتقد الكثيرون، فبدون الواحد لن يستمر الثّاني؛ وهذه التّناقضات نذكر منها الماء والنّار، البرد والحر، والمدينة والرّيف.

بربِّكم، كيف يستطيع سكّان المدن العيش من دون ثروات الرّيف وخيراته؟ الخضراوات، الفواكه، الألبان والأجبان والأشجار التي تقوم بتصفية الهواء، إلخ.
وكذلك سكّان الرّيف لا يستطيعون قضاء مصالحهم دون الحاجة للمدينة التي تتمركز بها كلّ الإدارات تقريبًا ولسكّان الرّيف طبائع كثيرةٌ تختلف اِختلافًا كبيرًا مع طبائع سكّان المدن وتميّزهم عنهم، وقد تظهر في فنّهم وكتاباتهم أيضًا!

فهل قرأتم من قبل قصصًا عاطفيّة جرت أحداثها في الرّيف؟

لنتّخذ قصّة بول وفرجيني (الفضيلة) للكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي كمثال: ما هي مميّزات العلاقة بين بول وفرجيني؟ ألم تظهر فيها التّضحية؟ حين ضحّت فرجيني بسعادتها من أجل تأمين مستقبلٍ مشرقٍ لها مع بول، مما جعلها مضطرة  لعيش حياة تكرهها قرب عمّتها لمدّةٍ من الزّمن.
كما تميّزت بصدق المشاعر والإخلاص وهذا ما نلاحظه عندما لم تستطع العيش بعيدة عن حبيبها لتعود إليه في النّهاية، أو حين كان آخر من تذكرتْهُ قبل غرقها وربّما تجلّى أيضًا حين أصبح بول هائمًا على وجهه هنا وهناك إلى أن خرّ صريعًا بسبب حزنه عليها.

لنأخذ مثالًا آخر: عنترة بن شدّاد العبسي وابنة عمّه عبلة.
على الرّغم من أنّها قصّةٌ حقيقيّةٌ لكنّها مثالٌ صادقٌ عن نبل المشاعر والتّضحية والشّجاعة والقوّة في سبيل من نحب؛حين أخلص عنترة لابنة عمّه التي أحبّها إلى آخر رمقٍ في حياته أو حين كان يتغنّى بكونه أشرف من قومه وأعزّ منهم، ولولا هوى عبلة ما ذلّ لهم، فكان يتقدّم في الحروب بكلّ جسارةٍ متذكّرًا إيّاها مع لمعان السّيوف على حدّ قوله.

هذه القصص وغيرها، نستنتج منها أنّ البيئة الرّيفيّة التي لا تخلو من صعوبات الحياة، والتي يحبّ أهلها الأرض ويخلصون لها فتعلمهم الوفاء للمحبوب وتحمّل المصاعب في سبيل ذلك، لتتكلّل نهايتهم غالبًا بالزّواج أو بمأساةٍ أسطوريّةٍ  تخلّد الحبّ كشعور سامي ومقدّس.

إذًا، ماذا عن القصص العاطفيّة في المدينة؟
يتميّز النّاس في المدن بركضهم الدّائم وراء لقمة العيش، وكثرة مشاغلهم وملهياتهم رغم حياة الرّفاهية التي قد تبدو عليهم، كما أنّ سعيهم الدّائم لتحقيق هدفٍ كبيرٍ بالنّسبة لهم ينعكس على شخصيّاتهم كذلك.
لا أعمّم في قولي هذا، لكنّ فئة كبيرة منهم متسلّقةٌ للمجد أو يائسةٌ منحدرةٌ للسّقوط، وهذا بسبب التّنافس بينهم وقد نلاحظ أنّ علاقاتهم العاطفيّة تتأثّر بذلك أيضًا، فمثلًا روايات دان براون، فالبطل «لانغدون» لم يرغب بالارتباط فعليًّا ولو أعجبته الفتاة، ولعلّ ذلك لعدّة أسبابٍ منها -كما صرّح الكاتب- لشعور البطل ورغبته بالتّحرّر من أيّ ارتباطٍ، والتّحرّك من دون قيودٍ قد يشعر بها بسبب العلاقة.

أو لعلّنا نذكر رواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي، رغم أنّ لها أبعادًا سياسيّة، إلّا أنّ القصّة العاطفيّة فيها لا تخلو ممّا ذكرته سابقًا، حين تخلّت البطلة المتحرّرة عن حبّها للرّسّام الفقير لتتزوّج من هو أغنى منه وأعلى منصبًا وجاهًا، فجسّدت بصدقٍ الشّخصيّة المتسلّقة التي تريد الرّجل الجاهز حتى على حساب الحبّ الصّادق.

ولا نقول أنّ سكّان المدن هكذا أو أنّ قصصهم العاطفيّة كلّها ذات اتجاه واحد، فلا تخلو كذلك من التّضحية والنّهايات السّعيدة، ولعلّ روايات غيوم ميسو خير مثالٍ على ذلك، لكن تبقى قصص الرّيف تتميّز بالبساطة وعدم التّعقيد في المشاعر، وأغلب المشاكل التي تواجه الأبطال تأتي من المحيط الخارجيّ لا من ذواتهم. في حين أنّ قصص المدن من الشائع أن أبطالها يعانون من عدم فهمهم الواضح لمشاعرهم أو صراعاتهم مع ذواتهم واضطراب علاقاتهم بسبب ذلك.

وأنتم يا رفاق، ما رأيكم بهذا القول؟
ننتظر منكم التّجديد في كلَا النّوعين وكتابة قصصٍ نستمتع بقراءتها في مسابقة العاطفيّة المُقامة من قبل فريق النّقد.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top