الوصف في الفانتازيا
الوصف في الفانتازيا.
كتبٌ في كلِّ مكان، رفوفٌ تطفو في الهواء دون ركيزة!
همساتٌ تنطلقُ من كلِّ صوب، صوتُ تقليب صفحاتِ الكتبِ اخترق سمعي بشكلٍ مزعج، خطواتٌ كثيرةٌ صادرةٌ من اللاشيء.
فتحت آليس عينيها تحاول إبصار ما حولها وذلك كان ما رأته.
«أين أنا؟» كان أوّل تسائلٍ تبادر إلى ذهنها بينما تحدّق بدهشةٍ في هذه الكتب الكثيرة.
وقفت تستند بجسدها على حافة أحد الرّفوف التي تطفو بينما تحاول اِكتشاف سرِّ اِرتكازها هكذا دون وقوعها!
غاصت داخل أفكارها ولم يوقظها من شرودها سوى صوت الأرنب الذي كان ينادي باسمها وكأنّه يبحث عنها، توجّهت نحو مصدر الصّوت ووجدته جالسًا على أحد الرفوف، تساءلت قائلةً: «ماذا تفعل هناك؟ هل تعلم أين نحن الآن؟»
«لا أعلم، لكنّ المكان هنا رائع! وجدتُ العديد من الكتب التي كنت لطالما رغبتُ باِمتلاكها» أجابها بينما يبعثر الكتب من حوله بمرح.
«انزل من عندكَ وتعالَ نخرج من هنا، الطريق أمامَنا ما زال طويلًا» أكملت سيرها بعد أن اِنضم إليها الأرنب،كان الطّريق متعرّجًا بشكلٍ كبير وذو تفرعاتٍ تمتد إلى جميع أنحاء هذه المكتبة، كما كان شاهق الارتفاع، تقدّمت من إحدى الحواف ونظرت إلى الأسفل وما قابل أنظارها كان عظامًا كثيرة على بعد كبيرٍ من نظري ما بثّ الرّعب في نفسي.
وصل الاثنان إلى باب عملاقٍ ذو نقوشٍ غريبة، حاول الأرنب فتحه ولم يستطِع كما حاولت آليس بدورها أيضًا دون جدوى. أخذت آليس تمعنُ النّظر في الباب لعلّها تجد ما يرشدها لفتحه بينما دارَ الأرنب حول نفسه وهو يفكّر.
شعرٌ أسودٌ طويل نهاية أطرافه على شكلِ أذرعٍ تطفو في الهواء، عينانِ ذهبيّتان تشبهان عيونَ القِطط وقد ارتسمَ حولهُما السّواد، ابتسامة غريبة مرتسمةٌ على وجهها، ترتدي فستانًا أسود مزخرفًا بالّلون الذّهبي وتطالعنا بنظاراتٍ مستمتعة... كانت أُنثى تفيض جمالًا على نحوٍ مرعب.
«من أنتِ؟» تسألت آليس بجزعٍ بينما أتراجع نحو الباب.
«ملكة الكُتب وسيّدة الأزمان، ولدتُ من رحم كتاب أساطير الأكوان وبيتِي هو هذا المكان... أنا خيلَاء» نبست باِسمها بعد توقفها عن الحديث برهة.
«أهلًا سيدة خيلاء، نحنُ مُسرعان فهل بإمكانك فتح هذا الباب من فضلكِ؟ نرغبُ بالمرُور ولا يوجد الكثير من الوقت معنَا» اخترق صوت الأرنب الهدوء الذي سادَ المكان بعد قولِ تلك المرأة الغريبة، بينما يتقدم نحوها بنظرةٍ راجية وقد اكتسى الخوف صوته.
«يمكنني ذلك أيها الأرنب، لكن عليكم أولًا الإجابةُ على أربعِ أسئلة ولن تمرّوا قبل فعلكُم هذا» قالت ذلكَ ثم توجهت نحو عرشٍ قد ظهر من العدم وجلست عليه بكل عظمةٍ تطالع الاثنين بغرورٍ ودون اِكتراث.
«ألن تنتهي هذه الأسئلة؟» بتذمّر نطقَ الأرنب ولم ينتبه لحالِ رفيقته التي تمسكُ بشيءٍ ما تطالعه بصدمة.
«ماذا بكِ؟» بفضولٍ تسائل الأرنب بينما يتجه نحو أليس وقد وجّه أنظاره نحو ما تمسكُه.
«إنّها شبح! ليست حقيقة إنها شبح!» مصدومة.
«ماذا تعنين! كيف علمتِ؟» بنبرةٍ مليئة بالسخرية قال.
«هذا، أُنظر الخبر الأول من الصحيفة هو موت الملكة خيلاء بعد اِشتعال المكتبة العظيمة!» كانت آليس تشير إلى الصحيفة التي وجدتها ملقاة على الأرض.
«يا إلهي! هل نحادثُ شبحًا منذ البداية؟» تساءل الأرنب مرتجِفًا، بينما يبدل ناطريه بين الجريدة وبين تلك التي تجلس أمامهما.
«يبدو ذلك» بلعت ريقها بخوفٍ ونظرت حولها بتشتت.
«ماذا سنفعل؟ يجب علينا الخروج من هنا بسرعة!» نبس بهلعٍ.
«يجب علينا الإجابة على الأسئلة، سمعت ما قالت» دار هذا الحديثُ بين أليس وأرنبها بينما تطالعهم الملكة خيلَاء بهدوءٍ تنتظر انتهائهم من نقاشهم هذا.
«بلغني أنّكِ يا أليس تريدين الوصول إلى مملكة الفنتازيا، هذه المملكة العظيمة التي لم يستطع الوصول لها أحدٌ من قبل صحيح؟» سألت خيلاء بينما تطرق بأصابعها على مسند العرش.
«صحيح أيّتها الملكة» ردّت آليس بخفوت.
«معنى هذا بأنّكِ تعلمين الكثير عن هذه المملكة؟» بتلاعبٍ أكملت خيلاء.
«أجل» تحرّكت خصلٌ من شعر الملكة خيلَاء فجأةً في الأطراف، إحداها قد أحضرت مقعدين وأخرى حبالًا، بينما التفت إحداها حول أليس وأرنبها تحضرهم أمام الملكة ما جعل الأرنب يصرخ خوفًا بينما شهقت أليس بصدمة.
«إذًا لنبدأ أسئلتنا» قالت الملكة خيلَاء بعد أن انتهت أطراف شعرها من العمل الذي كان ربطَ أليس وأرنبها بالمقاعد لضمان عدم هروبهما.
«السّؤال الأوّل، بالتّأكيد قرأتِ عن الوصف صحيح؟»
«صحيح»
«إذًا أرغبُ منك سردَ الفرق بين الوصف الحيّ والوصف الجامد، أرجو منكِ جعل إجاباتكِ مختصرة ووافيةً للغرض».
«الوصف الحي يملك دالتين، الأولى هي أنّ الوصف الحي يُعنى بوصف الكائنات الحيّة، والثّانية أنّ الوصف الحي هو الوصف الذي لا تخلو المتعة والوضوح منه، يستعمل الوصف الحي في وصف الطّبيعة أيضًا ويعتمد على التّفاصيل والأسلوب، الوصف الحيُّ للجماد يكون بوصف شكله ولونه بالاعتماد على مقوّمات الوصف الحي المناسبة. أمّا الوصف الجامد، فقد يكون وصفًا لأيٍّ كان، سواء وصف الجماد أو كائن حيّ، لكنّه يمتاز ببهوت الحياة فيه وجموده كما لو كان حجرًا ثابتًا، دون أن تستشعر هذه الرّوح وذلك النبض في الوصف لكنّك بكلِّ تأكيد تصل إلى نفس درجة الفهم والتّصوّر من خلاله» أجابت آليس بينما تحاول التّحرّر من الأربطة التي تقيّد يديها.
«ولا ننسى أنّ الوصف الحيّ هو محبوب الجماهير الذي يساعد القارئ على تشغيل مخّيلته بعد أن يحبَّ ما وصفه الكاتب، فالوصف الحي يساعد على تدعيم السّرد وجعله حيًّا وممتعًا» تابع الأرنب حديث آليس بينما يقرّب سنّيه الأماميتين من الحبال يحاول تقطيعها.
«جيّد جيّد، إجابة ممتازة!»
رفعت الملكة خيلَاء يديها بينما تصفّق قائلةً: «السّؤال الذي يليه»
ارتفع جدار شاهقٌ يفصل بين أليس وأرنبها وارتسمت بعض الكلمات عليه، ثم قالت الملكة: «سيتمّ عرض السّؤال هنا إن لم تعرفِي الإجابة فإن أرنبكِ سيذهب إلى الهاوية».
لم تعلّق أليس على ما قالته الملكة واكتفت بتوجيه أنظارها بترقّبٍ نحو الجدار بينما تدعو بداخلها أن يكون السّؤال سهلًا.
ارتسم على الجدار بخطٍّ من نار كلماتٌ عجزت أليس عن فهمها في البداية إلا أنّها استطاعت بعد ذلك تجميعَها في رأسها: «في بلاد العجائب كان له الأثر الأعظم، ما هي أهميّة الوصف في قصص الفانتازيا آنستي؟»
قرأت الملكة خيلَاء السّؤال تأكيدًا على ما فهمته أليس وقد نظرت لها تنتظر إجابةً وافيةً منها، استغرقت آليس بعض الوقت بالتفكير لتحرّك خيلاء يديها بمعنى أنّ الوقت ينفذ.
«يعتبر أهمَّ عنصر فيها فبدونه لن يستطيع الكاتب التّقدم خطوةً في روايته، حيث أنّ أحداث روايات الفانتازيا تدور في أماكن خياليّة لا وجود لها والكاتب هو الوحيد الذي يحمل صورة المكان بمخيّلته لذا فإنّ عليه ترجمة تلك الصّورة إلى نصٍ وصفيّ دقيق قادر على جعل القارئ يلج بمخيلته لهذا العالم الجديد» أجابت أليس بهذه الكلمات بينما تدعو داخلها أن تعجب ملكة الكتب وتنقذ صديقَها ممّا هو فيه.
«صحيح صحيح، لم أتوقّع منكِ الإجابة!» قالت الملكة خيلَاء وقد ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ غريبة خافت أليس منها.
«تبقّى سؤالين، هل أنتِ مستعدة؟»
«أجل هيّا، لننهي هذا» أومأت آليس مؤكدة.
«الجريدة التي رأيتِ فيها خبر موتي إنها أمام قدميك، امسكي بها واِقرئي السؤال الموجود في آخر صفحةٍ منها» أخبرتها خيلاء لتعقد آليس حاجبيها باستغراب بينما تنظر إلى الحبال.
بإشارة من خيلاء اختفت الحبال والكرسي لتسقط آليس على الأرضية، تنهّدت آليس ونفّذت أليس ما قالت الملكة خيلَاء بينما علت إمارات الصّدمة وجهها ممّا يحدث.
«الدّاخل والخارج كلٌّ لهُ أهمية، وضّحي لنا الفرق بين الوصف الداخليّ والخارجي آنستي».
«سؤالٌ سهل!» أردفت آليس بسعادة فورما سمعت السؤال.
«الوصف الدّاخلي هو وصف المشاعر والانفعالات الدّاخلية للشّخصية والتي تتطلّب وصفًا جميلًا يوصلها للقارئ بسهولة ويجعله يحسّ بها كشعور الحزن والسّعادة، أمّا الوصف الخارجي فهو وصف الأماكن وذكر ممّيزاته والشّخصيّات شكليًا وخُلُقيًا» أجابت أليس بهذه الكلمات بعد أن أخذت عدّة دقائق تستجمع المعلومات في عقلها.
«جيّد جيّد، أنتِ تقتربينَ من النّهاية آليس» نهضت الملكة خيلَاء من مكانها واِختفت فجأة دون سابق إنذار ليختفي الجدار بين آليس وأرنبها لينظرا كليهما إلى بعضهما بصدمة ممّا حدث.
«إذًا أليس، السؤال ليس موجّهًا لكِ بل لأرنبكِ الأبيض هذا» ظهر صوت الملكة خيلَاء بالقرب من الباب بينما انطلقت إحدى خُصل شعرها تلفّ كلًّا من أليس والأرنب نحوها.
«ماذا! أنا؟ أنا لا أفقه شيئًا ممّا تقولونه!» مشاعر كثيرة تخللت نبض الأرنب، خوف وصدمة وتشتت.
«لا تجزع! أليس من ستقولُ لكَ الإجابة وأنت من ستلقيها على مسامعِي».
«حسنًا» باستسلامٍ ردّ الأرنب بينما يطالع آليس بنظرات خائفةٍ من القادم.
«بعد ثالث سؤال يأتي الرّابع: الدّاخل والخارج كما الماء والنّار، اسرد لي أهمية الوصف الخارجي والداخلي في قصص الفانتازيا»
«الوصف الخارجيّ مهمٌ للشّخصيّات والبيئة المكانيّة؛ فالكتاب هو من يستطيع إيصال الصورة للقارئ بالشّكل الصّحيح، عن طريق وصف الأماكن وشكل شخصيّآت القّصة،كذلك إنّ الوصف الداخليّ مهمٌ أيضًا، لكنّ الخيال يستوجب رعايةً أكبر بوصف الشخصيات والبيئة المكانيّة، إذما استعان الكاتب بالوصف الداخليّ فهذا سيكون لدعم الجانب النفسيّ لشخصياته، ووصف المشاعر التي تراودهم وأفكارهم الداخليّة» ألقى الأرنب هذه الكلمات على مسامع الملكة خيلَاء بعد أن أخبرته أليس بها بصوتٍ منخفض، وقد ارتجف صوته في نهاية حديثه خوفًا من الفشل.
«كانَ هذا رائعًا، أحسنتُما بهذه الإجابات، ولكن! أنا لا أعتقد أنكّما ستغادران الآن!» ضحكت خيلاء بعد أن أنهت جملتها، لتبتسم بعدها بخبث وتترك آليس والأرنب يطالعان البوّابة المغلقة بخوف ويحاولان استيعاب ما الذي سيحدث لهما.
الخوف يسيطر على الأجواء، ولا أحد يعلم ما الذي ستؤول إليه الأمور.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top