الفصل الثاني: الراعي الكذاب
«كان يا ما كان في قديمِ الزّمانِ، كان هناك ولدٌ يعمل راعيَ أغنامٍ في قريةٍ صغيرةٍ، وفي يومٍ مِن الأيّامِ، كان يشعر بالملل، لذا قرّر أنْ يصرخ ويطلب النّجدة مِنْ أهلِ القريةِ، قائلًا لهم أنّ هناك ذئبًا يريد أنْ يفترس الأغنام، عندها يأتي أهل القرية سريعًا ليقتلوا الذئب، لكنّهم يكتشفون أنّ الولد يضحكُ منهم، وليس هنالك ذئبٌ. فيعودونَ إلى بيوتهم غاضبينَ.
وفي اليوم التّالي يصرخ الولدُ مرّةً أخرى ويطلب النّجدة صارخًا بأنّ هناك ذئبٌ يريد أنْ يأكل الأغنام، ليأتي أهل القرية مرّةً أخرى ويجدوا أنّ الولد يكذبُ، لذا لقّبُوه بالكاذبِ.
وفي اليوم التّالي أتى ذئبٌ حقيقيٌّ يحاول أنْ يفترس الأغنام، حينها الولد صرخَ وصرخَ وطلب النّجدةَ مِنْ أهلِ القريةِ، لكنّهم لم يأتوا وظنّوا أنّه يكذبُ هذه المرّةَ أيضًا.
لكنّ الذئبَ كان قد أكل الأغنام بالفعل، وحينها الولد خسر عمله وخسر ثقةَ أهل القرية فيه بسبب كذبهِ.»
ختمتُ حديثي بصوتٍ منخفضٍ أنظر إلى الصّغير بجواري لأجده قد غفى. القصص حقًّا لها مفعولٌ سحريُّ على الصّغير، كما لو أنّني أعطيته دواءً منوّمًا.
نظرتُ إلى شقيقتي في تحدٍّ قائلةً بابتسامةٍ قاصدةً إغاظتها: «لقد نام صغيركِ بعد سماع قصّة الرّاعي الكذّاب.»
«لم يكن ينام مهما فعلتُ، لَمْ أصدّق أنّ قصّةً قد تجعله يهدأ وينام.» قالتْ مغتاظةً بالفعل كونها تحدّتني سابقًا أنّ صغيرها لن ينام إنْ قرأتُ له قصّةً.
«ما دمتِ لم تجرّبي لا تحكمي.» قلتُ رافعةً أحد حاجباي بحكمةٍ، لا لوم، الإنتصار حقًا شعورٌ جميلٌ.
«رائع لقد نام الآن، لكن بفعلتكِ هذه سوف يعتاد على أنْ أقصّ له قصّةً قبل النّوم يوميًّا!»
«حسناً، وما المشكلة؟»
«المشكلة أننّي لا أريده أنْ يعتاد على الأمر، إنّه صداعٌ.» قالتْ لأنظر لها بعدم تصديقٍ، إنّها تمزحُ بكلّ تأكيدٍ!
«هل تعلمين فائدة قصّ القصص على طفلكِ حتّى؟»
«لا، هل لها فائدةٌ؟»
«بالتّأكيد!» صحتُ بها مؤكّدةً لتنظر لي بعينين متّسعتين تنبّهني لصغيرِها النّائم.
تنهّدتُ وأخذتُ نفسًا حتّى أقلّل مِنْ حدّة انفعالي، هي شقيقتي لكنّها مختلفةٌ عنّي تمامًا.
«دعيني أعرّفكِ على عالم الأطفال، عالم أدب الأطفال بالأخصّ، وحينما نستعرض مصطلح أدب الطّفل سنجد أنّ هذا التّركيب الاصطلاحيّ يقوم على كلمتين: الأدب، والطّفل.» قلتُ لتهزّ رأسها بفهمٍ، ممّا جعلني أكمل حديثي.
«وهنا نكتشف أنّ أدب الأطفال هو الأدب الموجّه للأطفال، سواءً مِن الكبار أو مِن الأطفال أنفسهم. ويشمل كافّةَ الصّورِ الأدبيّةِ مِنْ: قصّةٍ، وشعرٍ، وحكايةٍ، وكتبٍ، ومعلوماتٍ، وكتبٍ عمليّةٍ وأخلاقيّةٍ، ومسرحيّةٍ، وموسوعاتٍ للطّفولةِ، وألوانٍ كثيرةٍ مِنْ هذا الأدب.»
«فيمَ يتميّز أدب الأطفال عن أدب الكبار؟» قالتْ تقاطعني، لكن لكرمي تغاضيتُ عن هذا، هي بالنّهاية شقيقتي الكبرى يجب أنْ احترمها، أليس كذلك؟
«الإجابة هنا ستكون أنّ أدب الأطفال موجّهٌ، يسير على أسسٍ تربويّةٍ وأخلاقيّةٍ دقيقةٍ، لا تخرج عن قيم وأخلاق ودين المجتمع الّذي يسوده هذا الأدب عكس إبداعاتِ الكبار الّتي يطلق لها العنان في مختلفِ الاتّجاهاتِ.
وليس كلّ أدبٍ مقدّمٍ للكبار يصبح للأطفال بمجرّد تبسيطه، إذ لا بدّ لأدب الأطفال أنْ يتوافق مع قدرات الأطفال ومراحل نموّهم العقليّةِ والنفسيّةِ والاجتماعيّةِ، ولا بدّ أنْ يكسب مضمونه في أسلوبٍ خاصٍّ.»
ضيقتْ بين حاجبيها لأعلم أنّها لا تفهم شيئًا ممّا أقول، وبدأ صبري ينفد، هل قلتُ أنّني يجب أنْ أحترمها؟
«هذا يعني أنّه لا بدّ أنْ يكون في أدب الأطفال هدفٌ وقيمةٌ يعبّران عن قيمةٍ تربويّةٍ أو أخلاقيّةٍ نريد أنْ نُعَلِّمها للطّفل. مثلًا القصّة التى قمتُ بقصّها على صغيركِ منذ قليلٍ، القيمة التى كانتْ تحتويها هي قيمةٌ أخلاقيّةٌ، وهي أنْ يتعلّم أنّ الكذب سيءٌ وله أضرارٌ. أمّا فيما يخصّ أنْ ليس كلّ أدبٍ مقدّمٍ للكبار يصبح بتبسيطه مقدّمًا للصغار، هو أنّ هناك الكثير مِنْ الأدب الموجّهٌ للكبار الّذي يتزيّن بالتّعقيد، ومِنْ الممكن ألّا يحتوي على أيّ قيمٍ، هو فقط موجودٌ لتسلية الكبار، هنا لا يمكن تقديم هذا العمل للطّفل حتى لو قمنا بتبسيطه حتى يفهمه الطّفل.
لابدّ أنْ يكون الأدب مقدّمًا للأطفال بطريقةٍ يستطيعون فهمها مِنْ خلاله. وأيضاً تختلف طريقة تقديم القصّة مِنْ عمرٍ لآخرٍ، أيّ أنّ الطفل في عمر ثلاث سنواتٍ لا يفهم كلّ الكلماتِ الّتي يستطيع طفل السّادسة فهمها، لذا عند تقديم الأدب للأطفال يجب أنْ نراعي أعمارهم أيضًا.» قلتُ موضّحةً لتهزّ رأسها بفهمٍ.
«كلّ ما تحدّثتُ عنه هو عن ماهية أدب الأطفال، لكن الآن سأخبركِ عن أهمّية هذا الأدب بالنّسبة لصغيركِ.»
قلتُ بعد أنْ سحبتها مِنْ يدها وجلسنا في غرفةٍ أخرى بعيدةٍ عن الصٌغير حتّى لا يستيقظ على صوتي حينما أعنّف والدته، ليس جيّدًا في حقي أنْ يجد خالته عنيفةً.
«أدب الأطفال له أهمّيةٌ قصوى في عمليّات تنشئة الصّغار وتربيتهم، لأنّ الأطفالَ في هذه الفترة الحسّاسة مِنْ عمرهم، يكونون بحاجةٍ إلى مَنْ يساعدهم على تحقيق النّمو السليم المتكامل في مختلف النواحي. كما أنّ أهمّية هذا الأدب تعود إلى أنّ ما يكتسبه الطّفلُ في سنوات عمره الأولى مِنْ عاداتٍ وقيمٍ ومُثلٍ تكون صعبةَ التّغيير أو التّعديل فيما بعد. أيّ أنّ أيّ قيمةٍ ترغبين في تعليمها لطفلكِ أفضل وقتٍ لتعليمها له وهو صغير، لأنّه سيعتاد عليها ومِنْ الصعب أنْ يُغَيِرَها، وأفضل الطّرائق لتعليم الأطفالِ هي عن طريق الأدب، لأنّه مِنْ خلاله يستطيعُ الطفل أنْ يستمتع، وفي الآن ذاته يكتسب قيمًا بشكلٍ غير مباشرٍ.»
هزّتْ رأسها بتفهمٍ ممّا جعلني أكمل حديثي
«وعندما جاء الإسلام، أكّد القرآن الكريم أهميّة القصص في التّربية وتنميةِ الفكرِ الناقّدِ والذهنِ المتفتحِ، حيث يقول سبحانه وتعالى: «فاقصص القصصَ لعلهم يتفكّرون»، وحتى بعد وفاة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ كان الآباءُ والأمهاتُ المسلمون يزيدون أجيال الأطفال التي لَم تعاصر النبيّ _عليه الصلاةُ والسلامُ_ بقصصٍ عن حياته، وسيرتهِ الأخلاقيّةِ، ومعاركه، وقصصٍ أخرى عن بطولاتِ المسلمين حتى يقتدوا بها.»
«حسنًا، اقتنعتُ قليلًا.»
«قليلًا فقط!» قلتُ صارخةً، بعد كلّ هذا تقول قليلًا!
«انظري لن أترككِ حتى تقتنعي تمامًا أو أقتلكِ، وليس هناك خيارٌ ثالثٌ، لأنّ صبري يكاد ينفد حقًّا.» قلتُ بعصبيةٍ فهزّتْ رأسها بمللٍ، تعلم أنّني لن أحلّ عنها حتى أقنعها.
«لأدب الأطفال أيضًا أهدافٌ، فالهدف مِنْ الكتابة للطّفل كما تقول ليلى سالم في دراستها هو تسلية الطّفلِ، إعلامه وتعليمه،والمزج بين الاثنين، التسليةُ مع الإعلام والتعلم.
كما أنّه يمكننا القول أنّ مِنْ أهدافِ أدبِ الأطفالِ هو تنميةُ الانتباه لدى الأطفال بصفةٍ عامةٍ، وتعتبر القصّة وسيلةً هامةً لتدعيم الثقة المتبادلة بين الراوي والأطفال.
فمثلاً لو أنّنا قصصنا القصص على الأطفال فسوف نقوم بتسليتِهم وتعليمهم بعض الكلماتِ الجديدةِ، وهكذا نزيد مِنْ قاموسهم اللغويّ، وإذا تركنا الطفل يتصفح كتابًا مصورًا لقصّةٍ ما، فسوف يتعلم أشياءَ جديدةً مِنْ الصور. والأمر سيّان إن استمع الطفل لشعرٍ ما، فسيصبح لديه حسُّ فنيُّ، ويزداد لديه عدد الكلمات، هذا دون ذكرِ القيم التي يكتسبُها بشكلٍ غير مباشرٍ.»
اختتمتُ حديثي أنظر لها، و قبل أنْ تقول أيّ كلمةٍ قاطعتُها بتكملةِ حديثي، لن أسمح لها بألّا تقتنع، لا مجالَ.
«أدب الطفل يجب أنْ يحقق أمرين، أولهما مساعدةُ الطفلِ على وعي معنى الحياةِ، وثانيهما مساعدته على وعي ذاتِه وعلاقتهِ بالآخرين، والمقصود بوعي معنى الحياة هو الاحساسُ بها وبقيمتها وبأنّها جديرةٌ بأنْ تعاش وفق مقاييس العطاءِ والسعادةِ، وفي إطار قيمٍ إيجابيّةٍ، ومِنْ البديهيّ أنّ هذا الوعي لا ينبثقُ تلقائيًّا، كما لا يتولّدُ مكتملًا، بل يحتاج إلى تفاعلاتٍ وتجاربٍ وخبراتٍ.»
«هذا يعني أنّ الطفل يكتسبُ خبراتٍ وقيمٍ مِنْ أدبِ الأطفالِ؟» سألتْ مستنتجة مما قلته سابقًا.
هززتُ رأسي موافقةً وقلتُ: «وهذا يقودنا إلى توضيح علاقة أدبِ الأطفالِ بمراحل الطّفولةِ، فأدب الأطفالِ خبرةٌ أو خبراتٌ لُغويّةٌ ممتعةٌ تنمّي الطّفل حين يمرُّ بها ويتفاعلُ معها. فالأدب فنُّ يستخدم اللغةَ ويصوّر بها العواطف الإنسانيّةَ، ويرسم بها صور الحياةِ على اختلافها، ومواقف البشرِ وشخصيّاتهم، بإيجابيّاتِها وسلبياتِها.
وعلى هذا فإنّ كلّ موقفٍ أدبيٍّ مقروءٍ أو مسموعٍ أو مرئيٍّ أو مشاهدٍ مِنْ خلال وسائطٍ تقدّم الفنون الأدبيّةَ، يتفاعل معه الطّفل، ويتركُ أثرًا في وجدانه، فسلوكه ثمّ عقله، وغالبًا ما يساعد على نموه ويتمّ ذلك مِنْ خلال استمتاع الطفل بالعمل الأدبيّ دون أيّ سلطةٍ أو تسلّطٍ مِنْ الكبارِ.»
أنهيتُ جُملتي أشربُ الماء حتى أكمل حديثي:
«والطّفل حين يستمتع بأيّ عملٍ أدبيٍّ يتقمّص لا شعوريًّا بعض القيم والعادات والاتجاهات ونماذج السلوك التى تروق له في العملِ الأدبيِّ، ومع تكراره لها تصبح جزءًا مِنْ كيانه، وهكذا يتمّ نمو الطفل مِنْ خلال تقمّصها، فالطّفل يكرر ما يعجبه، وهذا التكرار يكسب الطفل عاداتٍ ترسخ في سلوكه، وينمو مِنْ خلالها حتى تصبح مِنْ ذاته.»
«كلّ هذا لتخبريني أنّ القصّةَ التى رويتيِها لطفليّ قبل النوم كانتْ توجيهّا غير مباشرٍ له، أيّ أنّها وسيلةٌ ترفيهٍ له، وفي ذات الوقت أنتِ جعلتِيه يتعلّمُ قيمًا جديدةً لم أكن أستطيع أنْ أُعلمها له بسهولةٍ، مهما حاولتُ أنْ أُظْهِرَ له أنّ الكذب سيءٌ لن يقتنع، لكن مع مثال القصّة هو الآن يعلم أنّ الكذب سيءٌ دون أنْ أقول له. أيضًا جعلتِيه يكتسب مفرداتٍ لُغويّةً جديدةً، والأمر سيان بالنّسبة لأيّ لونٍ مِنْ ألوان أدب الأطفال، هذا صحيح؟»
«لا أصدّق، لقد اقتنعتِ!» قلتُها غير مصدّقةٍ، لقد اقتنعتْ أخيرًا بما أقول، يا إلهي.
«بلهاء.» قالتها وتركتني ذاهبةّ للنوم!
أشعر بالحزن على صغيرها، صغيرٌ يعيش بلا أمٍ، لأنّي سوف أقتلها الآن وحالًا.
مَنْ منكم كان مثل شقيقتي المرحومة لا يعلم مقدار أهمّية أدب الأطفال؟
ومَنْ هو مثقّفٌ مثلي -نظراتُ ثقةٍ- يعلم مقدار أهمّية الأمر؟
برأيكم هل يختلف أدب الأطفال في كلّ مرحلةٍ مِنْ مراحل الطّفولة؟
هل هناك قصصٌ لا تصلح للأطفال؟
وإذا كان هناك فما هي؟
-كانتْ معكم زُريقاء النقّد آيرى💙
المراجع:
1.الأهدافُ التربويّةُ لقصصِ الأطفالِ.
2.مدخلٌ إلى أدبِ الأطفالِ.
3.جريدةُ نشّر القصّة: https://annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=759582&date=25042008
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top