الشخصيات الخيالية

الشخصيّات الخيالية
مساحةٌ شُبه واسعةٍ خاويةٌ كالغرفة المُغلقة بإحكامٍ تامٍّ تمامًا، فيها نوافذٌ بنصفِ دائرةٍ بارزةٌ للخارج، كان السيّد أرنب مُلتصقًا بها يُحدق في الكوكيبات الّتي تطفو في الفضاء، ويشاهد ارتطام بعضها بدهشةٍ مُتمعّنًا بالانفجار القويّ الّذي يتسبّبان به.

لم تَكن أليس مهتمّةً بالبحث عن وجهتهم في هذهِ السّفينة الفضائيّة بقدر اهتمامها بالبحث عبر النّافذة عن كوكب الأرض والمجموعة الشمسيّة كاملة.

فُتح باب حجرة القيادة ودخل شخصٌ يرتدي ثياب روّاد الفضاء مع خوذته، لم يُبان منهُ شيئًا عدا ذلك الّذيل الأحضر الطّويل خلفه. فزع ما إن رأى الاثنان ملتصقان بالنّوافذ يحدّقان بالخارج، ولكن ما إن استوعب أنّهم زوّارٌ جددٌ حتّى هدأ.

وقف بمنتصف الغرفة الّتي هم فيها يحدّق بظهريّ الزوّار وهما لا يعلمان بحضوره مندمجان بمراقبة الفضاء، فملّ الانتظار وتوجّه إلى غرفة القيادة ليغطّي النّوافذ ويمنع رؤية الخارج عنهما، وعاد للغرفة لافتًا انتباههما بتصفيقه، قاطعًا تذمّرهما على إغلاق النّوافذ.

«أهلًا بالزوّار!» قال مرحّبًا بهما، لتردّ أليس بعد أن حدّقت لبعض الوقت باستغرابٍ فيه:-
«مرحبًا، أنا أليس وهذا السيّد أرنب، ستكون مرشدنا في هذه المرحلة؟»

«نعم!» ردّ المُرشد، ليتحدّث السيّد أرنب طالبًا الدخول بصلب الموضوع:-
«حسنًا ما هو اختبار هذهِ المرحلة؟»

صُدم الغريب مِن كلماته وقهقه بسخريةٍ وتساءل قائلًا: «لما الاستعجال؟»

«أريد مشاهدة الفضاء!» قال السيّد أرنب بترجّي، ليضحك بقوّةٍ مُرشد رحلتهما ويقول معرّفًا عن نفسه:-
«أنا دايفيد سررت بلقائكما فعلًا! أتريدان أن أباشر بطرح أسئلة الاختبار أم أشرح بعض المعلومات قبله؟»

صرخت أليس بحماسٍ قبل أن يطلب الأرنب المباشرة بالاختبار بدون شرحٍ قائلة: «الشّرح أوّلًا!»

«حسنًا لكِ ذلك.» ضحك بخفّةٍ مع تلفّظه بكلماته، خلع خوذته عن رأسه، ليكشف ملامح وجهه البشريّة، عيناه سوداوان، مع بشرةٍ بيضاء وشعرٍ أسود، أنفٌ صغيرٌ مع فمٍ مثيلٍ، وملامحٌ أقرب للآسيويّة.

ذُهلت أليس من شكله، فكيف يكون بشريًّا مع ذيل ديناصور؟ فتساءلت قائلة: «كيف لك أن تكون هكذا؟ أقصد بشريٌّ بذيل ديناصور؟!»

تبسّم ديفيد قَبل أن يشرع بالتّوضيح وتناول موضوع الشّرح الّذي سيباشر به قبل الاختبار: «في الحقيقة أنا لست بشريًّا بالكامل! لديّ حراشف سمكةٍ على جسدي وذيل ديناصور، ووجه إنسانٍ طبيعيٍّ وأطراف ضفدع، أنا شخصيّةٌ خياليّة، هل تعرفين ما هي الشخصيّة الخياليّة؟»

نفت برأسها أليس مع السيّد أرنب، ليسترسل دايفيد مُتحدّثًا: «الشخصيّة الخياليّة هي الّتي تكون من وحي الكاتب، وغير موجودةٍ على أرض الواقع، حيث أنّ وجودها يعدّ أمرًا غير مألوفٍ بالنّسبة للبشر، عرفتماها الآن؟»

أومأ كلاهما برأسيهما، ليطرح دايفيد سؤالًا آخر قبل أن يسمح لهما بالتحدّث: «وهل تعرفان الفرق بين الشخصيّة الخياليّة والحقيقيّة؟»

«هذهِ خياليّةٌ من وحي الخيال قد تمتلك قوّةً خارقةً أو شكلًا غير مألوفٍ لا يمتّ للواقع بصلة، وتلك حقيقيّةٌ تلامس جوانبها الواقع، حيث أنّها لا تمتلك قوًى خارقةً للطّبيعة أو شكلًا غريبًا غير مألوفٍ بتاتًا؟» فتح دايفيد عينيه مُبيّنًا إعجابهُ بجواب أليس، ليقول بنبرةٍ مرتفعةٍ بعض الشّيء:-
«صحيح! جوابٌ صحيحٌ بالفعل!»

تبسّمت أليس بفخرٍ وصرخت قائلة: «رائع!»

عقبها الأرنب بسؤالٍ موجّهًا إيّاه لدايفيد بِكُلّ اهتمام:«ولكن كيف تكون الشخصيّة خياليّةً؟ وما هي جوانبها المختلفة عن الشخصيّة الحقيقيّة؟»

«سؤالٌ جيّدٌ وفي محلّه، ثّمة طريقتان لبناء شخصيّاتٍ خياليّةٍ في مجال الفانتازيا، الأولى تتضمّن وضع شخصيّةٍ تمتلك صفاتًا واقعيّةً في مكانٍ خياليّ، مثل أن يكون هناك رجلٌ طبيعيٌّ شبيهٌ جدًّا بالنّاس المعاصرين، مركّب، صلب، ومقنع، وحتّى عادي، يوضع في إطارٍ خياليّ، كأن يكون في المرّيخ أو على سفينةٍ فضائيّة، أو كوكبٍ تعيش عليه كائناتٌ فضائيّة.»

«مثلي أنا الآن في مركبةٍ فضائيّةٍ وأنا بشريّة!» قالت أليس مُستنتجةً بحماس، ليومئ دايفيد لها بالإيجاب ويُكمل:-
«بالضّبط، أمّا عن الطّريقة الثّانية فتعتمد على الشخصيّات الخياليّة الّتي تكون ذات موصفاتٍ أكثر صرامة، ولا تكون كشخصٍ طبيعيٍّ من أرض الواقع، كأن تكون الشخصيّة مخلوقًا فضائيًّا، متحوّل مصّاص دماء، أو غيرها من هذه الشخصيّات، وتكون هذه الشخصيّات مختلفةً عن الشخصيّات الحقيقيّة اختلافًا كبيرًا، ويتمّ وضع هذهِ الشخصيّة على أرض الواقع، حيث يكون المكان واقعيًّا ملموسًا والشخصيّات خياليّةً من وحي الخيال.»

«الأمر بالعكس، الخياليّ للواقع، والواقعيّ للخيال.» طرح الأرنب الضّخم استنتاجه وهو يُنزل قبّعته من على رأسه بهدوء، ليقول دايفيد معلّقًا:-
«بالضّبط، استنتاجاتكما صحيحةٌ تمامًا، ولكن ألا يراودكما سؤالٌ ما؟»

صمت كلاهما يحدّقان بدايفيد باستغراب، ليتنهّد الآخر بعد طول صمتهما ويتحدّث قائلًا:«هل يمكننا وضع مخلوقٍ فضائيٍّ أو بطلٍ خياليٍّ في بيئةٍ غريبة؟ سيكون الجواب بالتّأكيد نعم! ولكن ينبغي وجود شخصيةٍّ رئيسيّةٍ من عالمنا أيضًا، شخصٍ مثلنا لإدراك الغرابة، كوجودنا الآن هنا، أنا والسيّد أرنب شخصيّتان خياليّتان، وأنتِ يا جميلة بشريّةٌ من أرض الواقع!»

«فهمت!» قالت أليس، يؤيّدها الأرنب بإيماءةٍ من رأسهِ، فيقول دايفيد مُكملًا حديثهُ بينما يقترب منهما ببعض خطواتٍ وهو يحتضن خوذته بين يديه:-
«بالنّسبة لسؤالك الثاني، تفُعتبر الجوانب هي القوى الخارقة الّتي تمتلكها الشخصيّة أو الهيئة، أو الشّيء الّذي يميّزها عن الشخصيّة الحقيقيّة، فلا بُدّ من إبراز هذه الجوانب بعدّة طرقٍ أساسيّةٍ وضروريّةٍ لتوضيح الشخصيّة الخياليّة في عمل الكاتب.»

«وما هي هذه الطّرق؟» تساءلت أليس.

«هذا هو اختباركما.» قال ديغفيد وابتسم بملءِ ثغرهِ مستمتعًا بمشاهدة ردّة فعلهما المصدومة.

«هذا صعبٌ هذا صعب!» شدّ الأرنب الضّخم أذنيه بينما راح يصرخ متوتّرًا، فأغمضت أليس عيناها بقوّةٍ وتحدّثت بعد مرور بضع ثوانٍ:-
«لا تقل هذا أنت تجعله صعبًا بقولك أنّه صعب! فكّر معي! لو كنت قارئ عملٍ خياليٍّ فما الّذي تريد أن يظهره الكاتب لفهم ومعرفة جوانب الشخصيّة الخياليّة؟»

«لا أدري؟»

«آه بربّك أيّها الأرنب عديم الفائدة فكّر معي!» أنبّته آليس بينما تجرّ له إحدى أذنيه.

«ربّما الوصف؟» هتف بسرعةٍ وبدون تفكير.

«وكيف ذلك؟» تساءل دايفيد باهتمام

ابتلع الأرنب ريقهُ قبل أن يجيب قائلًا: «كون الشخصيّة خياليّة، توجد بعض النّقاط الّتي يجب مراعاتها لإظهار البطل، منها الوصف الكامل للشخصيّة كونها شخصيّةٌ غير مألوفةٍ لذا تحتاج وصفًا شاملًا لتحديد وإيصال صورةٍ واضحةٍ للشخصيّة الخياليّة.»

أومأ دايفيد برضى بعد جواب السيّد أرنب وقال:«صحيحٌ، وماذا لدينا بعد؟»

فكّرت أليس قليلًا قبل أن تتحدّث قائلة: «أرى أنّ على الكاتب عرض ما يفعله البطل عوضًا عن وصف مميّزاته بنفسه.»

أُحيطت أليس بنظراتٍ مستغربةٍ على جوابها هذا، فتحدّثت مرّةً أخرى موضّحةً كلامها أكثر: «أقصد ما يمتلكه البطل من مميّزاتٍ كونه شخصيّةً خياليّة؛ على الكاتب عرض مميّزاته من خلال سلوكه وتصرّفاته وتفاعله مع الأحداث، بدلًا من أن يجلس ويعدّدها بنفسه، لأنّ القراءة التخيّليّة مشوّقةٌ أكثر من مقاطع العرض الطّويلة، لذا اعرض ولا تصف.»

أومأ مجدّدًا دايفيد مُثنيًا على جواب أليس، ليتحمّس الأرنب ويتحدّث قائلًا: «ربّما من الأفضل أن يحرص الكاتب على أن يكون البطل متماسكًا. فرغباته ومجتمعه وسلوكه يختلف عن المجتمع وسلوك ورغبات البشر لذا يجب أن يجعله متماسكًا دون ثغراتٍ من هذه النّهاية.»

عقبته أليس مسرعةً بكلامها دون إعطاء فرصةٍ لدايفيد بالثّناء على السيّد أرنب: «أن يفسّر كُلّ ما يخصّ الشخصيّة الخياليّة، فلو كان البطل يتمتّع بقوى السّحر، ينبغي أن يكون السّحر متماسكًا وواضح الجوانب والأسباب والقدرات. هل ولد بهذه القوى؟ أم يحتاج للتّدريب للسّيطرة عليها؟ أم كليهما؟ ما هي الظّروف الّتي يصبح فيها السّحر ممكنًا؟ الإجابة عن كُلّ هذه التّساؤلات يجعل الشخصيّة منطقيّةً ويبتعد الكاتب هكذا عن الوقوع بالخطأ فيها.»

«أحسنتما فعلًا! لقد اجتزتما الاختبار بكفاءةٍ عالية!»

«يمكننا مشاهدة الفضاء من خلال النّوافذ الآن؟»

تساءل السيّد أرنب ليجيب دايفيد باستياءٍ بينما يفتح لهما بوّابةً تقع بالقرب من حجرة القيادة الّتي تعمل بشكلٍ تلقائيّ: «لا، ستعبران البوّابة.»

تذمّر الأرنب ليمسك بيد آليس مستعدًّا للعبور

«أتمنّى أن نطفوا في الفضاء عند المرحلة التّالية!»

صرخت أليس بفرحٍ وجرت نحو البوّابة ليلحق بها الأرنب واضعًا قبّعته على رأسه وقبل أن يعبرا البوّابة.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top