الشخصيات الحقيقية

الشّخصيّات الحقيقيّة.

سلامٌ لآليس من مفصّلات الباب التي أصدرت صريراً ترحيبياً فورَ دخولها برفقة الأرنب، الظّلامُ الدّامس يكتسح الحُجرَة مصعّباً الرؤية على مقلتَيها، اقتربت مع الأرنب تتعمّق بالحُجرة أكثر، فبدأت تلمح بصيصًا من نورٍ صغيرٍ مؤقت الظهور، أمعنت النظر أكثر في نواحي المكان، حتى وقعت عيناها على قطعةٍ معدنيّةٍ تتلألأ في حركتها، كانت هي مصدر النّور.

لم تكن تتحّركُ لوحدها، بل كان هناكَ مخلوقٌ أزرقٌ صغيرٌ يجلس على الأرض، مستنداً على البوابة ويلعبُ بالقطعة، وبينما كانت آليس تتجوّل بنظراتها في المكان بتفحّص، نطق بمرح مقاطعًا بحثها: «ألديكِ اهتمامٌ بالقصص والرّوايات؟»

ردّتْ من فورها: «اقرأ أحياناً في أوقات فراغي، لكن لِم سألتني؟»

«ربما تقرأ روايات اسمك وتبكي عليها آخرَ الليل» سخر الأرنب منها لتحمّر آليس بغضب ثم تضربه على رأسه، ليطلق صوتًا متذمرًا.

ضحكَ الكائن الغريب ودوّر القطعة المضيئة على الأرض كاللّولب قائلاً: «سأعطيك أحجيةً سهلةً وأنتِ عليكِ حلّها كي تعبري، ولكن هذه الأحجية لن يحلّها من يقرأ التفاهات» أنهى جملته ساخراً منها ليضحك الأرنب بإعجابٍ من سخريته.

«سأكون موجودًا للمساعدة، لا تقلقي» همس بها الأرنب لآليس بعد أن توقّف عن الضّحك وبدأ يتابع الأمر بجديّة.

«هات ما عندك» قالتها بحزمٍ بينما عزمت أمرها على تجاوز هذه المرحلة.

«حسناً أيّتها الشّقراء، فرسانٌ أربعة، الأوّل يعيشُ في الداخل، الثّاني مجرّدُ اسمٍ وسمعة، الثّالث مرئيّ، الرّابعُ متواربٌ بينَ الأوّل والثّاني، فمن هم؟»

تصنّمت آليس في مكانها بينما عقدت حاجبيها باستنكار من هذا اللّغز الغريب: «أما من تلميحات؟»

«ابحثي، فأنتِ لستِ مقيّدة»

شعرت بيد الأرنب ينكزها، نظرت إليه فإذ به يخبرها بأن تتّجه للبحث عن الإجابة في الجهة اليمنى، بدا وكأنّه لاحظ شيئًا هناك؛ فقامت آليس بتتّبع نصيحته وراحت تبحث بعينيها على الجدران عن أيّ شيء يدلّها على الإجابة، كان البحث صعبًا وقريبًا للمستحيل؛ فالنّور خافتٌ ويكاد أن يكون معدوماً، باعتبار أنّ الإنارة لا تأتي إلّا من قطعةٍ معدنيّة صغيرة.

كانت تتلمس الجدران وتمشي بـتَأنٍ دون أن ترفع قدميها عن الأرض؛ حرصًا على ألّا تكون ضحيّة لحفرة ما.

وكلما التفتت للكائن الأزرق المريب وجدته يراقبهما بترّقبٍ ويعبث مجدّدًا بالقطعة، كان يصعّب الأمر كلما اقترب الإثنان من حفرة ما؛ حيث أنّه يخفي مصدر الإضاءة الوحيد بين كفتي يده، يتركهما يتخبّطان في الظّلام الدّامس.

أكملت السّير على هذه الوتيرة، إلى أن بدأ الأرنب بالشّعور بالحر؛ ليخلع السّترة الرّسميّة ثمّ قام بالإشارة إلى شيءٍ أثارَ بصره، اقتربت ممّا يحدّق به وقامت بتلمسه بفضول وأمل، بدا لهما وكأنه كان كرويّ الشّكل؟ حملقت فيه بتمعّن لعلّها تستطيع رؤيته بوضوح، وبالكاد حتى أبصرت ما كان بوضوح!

كرةٍ خشبيةٍ مثبّتة، منقوشٌ عليها رمز الفارس في الشّطرنج أربع مرات متتالية، وكأنّه يرمز لفارس، بالتّحديد أربع فرسان، ذلك ما دار في عقل آليس لتهتف بحماس: «إنّه تلميحٌ!»

ثم وقفت بجدية تستدير نحو الكائن الغريب أو كما تسمّيه في عقلها الأزرق المريب: «ربّما المقصد أن المكان كروي الشكل، وأن هناك أربعة مراحل، لكلِّ مرحلة فارس!»

صفق الأرنب بسعادة دافعًا آليس للشّعور بالفخر.

ولكن سرعان ما عاد الأزرق المريب للسّخرية منها عندما سألها: «وما دخل ذلك بالرّوايات والقصص؟»

شتمته آليس في سرّها، ثمّ راحت تناظر رفيقها الأرنب بتفكير لعلّه يساعدها، اقترب منها هامسًا: «دعينا نتخلص من ذلك الكائن، هو صغيرُ الحجم ووحيد ونحن اثنان قويّان، سنتمكّن من التّخلص منه».

دفعته آليس بمزاح لتلتفت للكائن الذي استند على البوّابة من خلفه يبتسم بجانبيّة، طوله القصير لم يكد يصل حتى لمقبض البوّابة، الأمر الذي جعل الأرنب يشير على حجمه ويسخر منه.

«يمكنكما إكمال البحث» قاطع أفكارهما طالبًا منهما المتابعة بالبحث.

كان المكان كبيرٌ بالفعل، ومع الضّوء القليل هذا كان شبه مستحيلٍ، كان اليأس بدأ يتغلغل في نفس آليس، وهنا قرّرت أن ترسل الأرنب ليطلب من الأزرق الصّغير أن يعطيه تلك القطعة المضيئة، وهذا ما قام به.

وقفت آليس تراقب الأرنب الذي قفز ناحية الكائن، يحادثه ببراءة: «هلّا أعطيتني القطعة التي معك؟»

رفع الأزرق بصره نحو الأرنب: «لكنّها لعبتي!»

«لن أبتلعها... فقط سأستفيد من نورها ثمّ أعيدها إليك» ردّ الأرنب بسخريّة بينما يحاول سحب القطعة المعدنيّة من يد ذلك الكائن.

«ماذا ستعطيني في المقابل؟» سأله باهتمام بينما يخبّئ القطعة وراء ظهره معيدًا الظلام للسيطرة على المكان،انشغلت آليس بمحاولة الرؤية بينما تكمل البحث ولكن لفت انتباهها تغير لون الإضاءة في الغرفة بشكلٍ طفيف، لتنظر إلى الاثنين المتعاركين لتجد الكائن الغريب يتحوّل من الأزرق إلى لون أحمر مضيء بشكلٍ بدا لها خطيرًا، تزامن تغيّر لونه مع حركةٍ غريبةٍ من الجدران والأرضيّة التي كانوا يقفون عليها.

اشتدّ الكلام بينهما؛ لتشعر آليس بالغضب المسيطر على الأجواء بسبب علوِ أصواتهما، لتخمن آليس بأنّ الأرنب قام باستفزاز كتلة الاحمرار هذه وجعل لونها يتغيّر إلى ما هيَ عليه.

«أنت. كفّ عن مضايقته!» صرخت آليس بهُ وبينما راح الهلع يرسم تفاصيله على محياها ما إن لاحظت تضخم ذلك الكائن ذاك شيئاً فشيئاً.

بينما كان الأرنب يتذمر متجاهلًا من تركه وراء ظهره «أخبريه أن يعطيني القطعة وإلا... اهربي!»

أخيراً وعى على شكلِ المخلوق من خلفه كيف يتغير بشكلٍ مخيف ليصرخ بها.

حركةُ الجدران التي كنت شعرا بها، تزامنت مع غضب المخلوق، لتبدأ بتضييق الخناق عليهما وتشتعلُ تدريجيًا بلهيب أزرق بسبب غضبه، أمّا بالنسبة للقطعة المضيئة فلم يعد لها فائدة، فالمخلوق تحوّل إلى كتلةٍ من النار وأضاء العصور الوسطى، ليس فقط المكان.

هرعت آليس والأرنب والأدرينالين ثالثهم، باحثين عن تلميحٍ لفكّ لغز المخلوق هذا «أليس، التماثيل حية! المكان مملوءٌ بالتماثيل!» لم ترَ آليس الأرنب خائفاً كما في تلك اللحظة.

وبحركةٍ سريعة، قام الكائن بتجميد التماثيل «وما حال التماثيل حالياً؟»

«جامدة، كقلبك أيها الوحش» نطقت بها آليس بسرعة بدون تفكير؛ لأنها كانت تحت تأثير الخوف.

«بالضبط، لقد فعلتُ ذلك لمساعدتكما، وصفكما للتماثيل هو تلميحٌ آخر قوي» لم يشعرا بشيءٍ سوى بفرقعة أصابع المخلوق، الذي عاد أزرقاً، وعادت الجدران وكل شيءٍ إلى طبيعته.

كان يتلاعب بمخيلاتهما! ذلك ما فكرت به آليس قبل أن تبدأ بربط كلّ شيء ببعضه.

حدّق الاثنان ببعضنا ليهمسا باستغراب «حية وجامدة؟»

«كرة ثابتة؟» تابع الأرنب بينما يحكّ مؤخرة رأسه بتفكير.

«فرسانٌ أربعة، الأول يعيشُ في الداخل، الثاني مجردُ اسمٍ وسمعة، الثالث مرئيّ، الرابعُ متواربٌ بينَ الأول والثاني.»

وهنا رددت اللغزَ بينما تدور حول الأرنب بخطواتٍ بطيئة، بغية التفكير بجدية.

ومن خلال مشاورات وجدالات كثيرة وبعد عذاب من التفكير والربط بكلّ ما قرآه من قبل، خطرت للاثنين كلمة واحد لمعت في عقليهما... الشخصيات!

«عنصرُ الشخصيات تنطبق عليه كل هذه التلميحات بالفعل، فالفرسان الأربعة هم جوانب الشخصية الأربع! النفسي، وهو الذي يعيش في داخل الشخصية، الاجتماعي، فهو حقاً اسمٌ وسمعةٌ بين الناس، الخَلقي، يمثل المظاهر والشكل أي بشكلٍ ملموسٍ ومرئيّ، الأخلاقي، فهو مجموعٌ للجانب النفسي والاجتماعيّ.

أمّا عن قصده للكرة الثابتة، فهي أنواع الشخصيات، كروية، وثابتة... أخيراً وليس آخراً الحية والجامدة، كان يُقصد بها أدوار الشخصيات، فالحيةُ تمثل دوراً كبيراً في الروايات أو القصص ولا تمرّ مرور الكرام، عكس الشخصية الجامدة، التي دورها كدورِ المخلوق الأزرق هذا، ثانويةٌ او اقل من ثانوية، لكن هذا لا يقلل من أهميتها»

«لقد حللتُ اللغز أيها المُخادِع المتلاعب»

مشى الأرنب مختالاً متباهياً وكأنه حل اللغز بذكائه وحده وبذكاء بدلته التي خلعها نتيجة الحر.

امسكته آليس من ياقته لتجره للخلف حيث تقف، ثمّ تقدمت خطوتين وهتفت «بل حللناه سوياً... إنه الشخصيات»

ضيق المخلوق عينيه «غريب، كيف لقارئة مبتدئة أن تدرك الإجابة؟»

«المهم أننا حللنا اللغز، ألن تسمح لنا بالمرور؟»عدّل الأرنب ربطة عنقه بعد أن ارتدى سترته بينما يتحدث.

وقف المخلوق الصغير من أجل أن يعبر الاثنان أخيرًا، أعطى في النهاية الأرنب القطعة المضيئة كتذكارٍ لطيفٍ منه، وعندما ودعاه في طريقهما للخروج من البوابة، أشار لهما بالنظر إلى القطعة قائلاً بأسف: «كانت كلمة الشخصيات مكتوبةٌ على القطعة، رغم بساطة الحلّ إلا أنكما أحمقان... بالطبع لن تلمع لتضيء دربكما» أسند رأسه على كتفه بينما يتحدث ساخرًا من الاثنان الأبلهان.

وبعد أن أُغلقت البوابة فهم الاثنان شيئًا أخير، أن الوهم الذي جعلهما يتخيلانه كان أكبر تلميحٍ على أهمية القطعة، لكنهُ أضلّهما وهما من دونِ خداعٍ، كانا يبدوان أحمقين.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top