الأسدُ والجرو.

كان يا ما كان، في زمنٍ ليس ببعيدٍ، وفي أرضٍ يكسوها الثّلجُ الأبيض ببهائه كان يعيش العمُّ العجوز (ليو).

كان العمُّ ليو يخرجُ كلّ فترةٍ ليقابل الصّغار الّذين يلعبون بالقربِ منزله، ويجلس مقابلًا لحلقةٍ يشكّلها الأطفالُ عندما يجلسون لسماعه وهو يروي إحدى قصصه الاعتياديّةِ.

وكما العادةُ بدأ العمّ ليو جلسته بالتنقّل بين أعين الجميع، ليتأكد مِن انتباههم، وحينها بدأ يقصّ قصّةَ (الأسد والجرو).
-

كان هناكَ أسدٌ اسمه (دورو) يعيشُ في قفصٍ معدنيٍّ كبيرٍ. كان دورو يتمشّى فيه كلّ يومٍ، ويحدّقُ مِن خلف القضبانِ المعدنيّةِ إلى الخارجِ، وحينما يحينُ موعدُ الطعام، يجلبُ له الصّيادون القطط والكلاب ليتناولها.

وفي ليلةٍ مِن اللّيالي خرج الصّيادون كما المعتادِ ليجلبوا طعامًا لدورو، وحينما بحثوا في أزقّةِ المدينةِ، وجدوا جروًا صغيرًا يختبئُ خلف صندوقِ القمامةِ فأخذوه.

وصل الصّيادون إلى قفص دورو، ورموا الجرو الصّغير فيه ليأكله دورو. حدّق دورو في الجرو، وراقب عيني الجرو الكبيرتين وهما تراقبانه، وجسده الّذي يهتزُ خوفًا منه، وذيْله الّذي يقبع بين ساقيه بينما هو يتحرّكُ حتى وصل لزاويةِ القفص.

أغمض الجرو عينيه منتظرًا أنْ يأكله دورو، ولكنّ دورو لم يأكله، بل ربّتَ على رأسه بكفِّه الكبيرةِ.
ومع الأيّام صار دورو صديقًا للجرو الّذي كان يحمل اسم (يوري).

مرّتْ الأيام، وفي إحدها مرض يوري ذو العام الواحد، وظلَّ مريضًا لا يتحرك مِنْ مكانه حتّى مات.
فاقترب دورو منه وبدأ بتغطيته بكفّيه ليدفئه، لكنّ يوري لم يحصل على الدّفء، وحزن دورو على رحيله.

كان دورو لا يتحرّكُ مِنْ مكانهِ، ويراقبُ المكان الّذي كان يوجد فيه جسد يوري، وظلّ هكذا لمدّةِ خمسةِ أيامٍ، حتى مات في اليوم السّادس.

النّهاية.
-
العمُّ ليو، وربّما بعضكم سيعرفه أكثر عبر ذكر اسمه الكامل، ألا وهو (ليو تولستوي) الرّوائيّ الروسيّ الشّهير، وهو أيضًا مزارعٌ نبيلٌ، حيث قام
بإدارة مزرعة أسلافٍ تسمى (ياسنايا بوليانا)، تضمّنتِ مدرسةً صغيرةً لأطفال الفلّاحين الّذين عملوا هناك. كان مِن المعروف أنّ تولستوي يتراجع مِنْ وقتٍ لآخرٍ ويشارك القصص التي كتبها بنفسه، والتي، وبتواضعه المعتاد، توقّع أنْ يقرأها الآلاف بل الملايين.

في عام ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانيةٍ وثمانين، قام روائيُّ الأطفال والخبير الرّوسيّ (جيمس ريوردان) بترجمة العديد مِنْ هذه الكتب لمجموعةٍٍ بعنوان: (الأسد والجرو، وقصصًا أخرى للأطفال).

وقد قال (جون بايرون كونر) وهو كاتبُ مقالٍ:
(ستدمّر قصص الأطفال لليو تولستوي أطفالكَ وتجعلك ترغب في الموت)، أنّ وباء (الكورونا) الّذي حلّ فجأةً عليهم جعله يراقب أطفاله وهم يتوقّفون عن الذّهابِ إلى المدرسةِ، ويبقون في المنزلِ، لذا كان لا بدّ مِنْ شيءٍ يجعلُ أذهانهم متّقدةً، وكانت القراءةُ هي الحلّ.

فعندما أُعجبوا بغلاف القصّةِ السّابقةِ قرّر أنْ يقرأها على أطفاله ولم يكن يتوقّع نهايةً كالتي قرأها، ووجًه أطفاله أسئلةً مثل: «أبي، لماذا يُطعِم النّاس الجرو للأسد؟» و«بابا، لمَ مات الأسد؟»

لذا قرّر كتابة هذا المقال، ولفتَ نظرنا إلى الحكايات الشّعبيّةِ، والتي من المعروف جيّدًا عنها أنّ العديد من قصص الأطفال التّقليديّة فيها قاتمةٌ أو حتّى مروّعة، وتحتوي على عنفٍ مخيفٍ، كقصص (الأخوين جريم).

لكنّ تولستوي وكما هو معتادٌ منه كانتْ قصصه خاليةً مِن عمق العلاقاتِ المروّعةِ والكراهيّة، التي تتمثّلُ في زوجةٍ شرّيرةٍ وأطفالٍ يهربون ويموتون، واستبدل كلّ ذلك بنوعٍ مِن العاطفةِ المسدودةِ، حيث تبدأ باللّقاء، يحدث شيءٌ سيّئٌ، ثمّ هناك شخصٌ حزينٌ ونصل إلى نهايةِ القصّةِ.

فهو يذكّر الكبار أنّهم رغم حديثهم عن الأشجار الجميلةِ فهم يقطعونها في النهايةِ، أليس كذلك؟
وليس النّاس كلّهم سعداء!
فحكاياتُ تولستوي تقرأ المشاعر السّلبيّةِ غير المهضومةِ التي توجد في الحياةِ، والتي يتمُّ توجيهها للأطفال بشكلٍ مؤسفٍ.

لذا ربّما يجب أنْ نمنح الأطفال بعضًا مِنْ حكم الحياةِ العميقةِ، ومساعدتهم على تقبّلها، فَهُمْ بلا شكّ سيواجهون الموت، رحيل الأحبّاء، الحزن، الخوف، الغضب وغيرها، وستأتي كلّها معًا أو تباعًا.

إلى الموجودين خلف الشّاشاتِ ويقرؤون حروفي، لا تخافوا مِنْ كتابةِ شيءٍ يجعلُ طفلًا ما يبكي، أصدقُ المشاعرِ قد تخرّجُ مع تلكَ الدّموع.

ذكّروهم أنّ العالم رماديٌّ ممتزجٌ بلونٍ ورديٍّ باهتٍ، ذكروهم أنّ الحزن جزءٌ منهم طالما هم بشرٌ، وأنّهم يمكنهم أنْ يملكوا السعادةَ أيضًا.

لا تكذبوا عليهم بعالمٍ ورديٍّ فاقعٍ، فهم يكرهون الكذب.

انتهى.
كانتْ معكم فراسةُ النقّدِ أيلونالا🖤.

المصدر:
https://lareviewofbooks.org/article/leo-tolstoys-childrens-stories-will-devastate-your-children-and-make-you-want-to-die/

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top