أوصاف وحوارات عاطفية

في وسط حديثٍ دام لعدّة دقائق، أجابت فئة العاطفيّة بانفعالٍ شديد، على عكس ما سبق من هدوءٍ وقالت وهي تنظر لعينيّ الناقد كمن ينتظر إجابة تشفي غليله:
«لا أعرف كيف أصف نفسي، أو حواراتي الدّاخلية والخارجيّة، أنا مشتّتة للحدِّ الذي يجعلني غير قادرةٍ على جمع كلماتي! لا أعرف ماذا أفعل.»

أجابها النّاقد بهدوء، وهو يحاول تخفيف حدّةِ الموقف من عصبيّة وانفعالات عاطفيّة:
«اهدئي يا آنسة عاطفيّة، سأخبركِ بشيء قد يُبهجك!»

وقف ليَنظر إليها وهو يبتسم ابتسامةً تدلُّ على بساطة ما سيقوله الآن:
«لعلمكِ يمكنك وصف تشتّتك، حتّى لو كانت كلماتك مبعثرة وغير مرّتبة، كلُّ ما عليك فقط هو وصف الأمر، وذلك سيكون صعباً في البداية، لكنّكِ ستتجاوزين الصّعوبة مع الممارسة.»

خفّت تعابير الانفعال والحزن من وجه عاطفيّة، لتردَّ عليه بطريقةٍ لبقة:
«لكن… كيف هذا؟ هل أقول أنّني مشتّتة وحسب؟  ألن يبدو هذا سطحيًا بالنّسبة لمشاعري المرهفة العميقة؟»

أخذ النّاقد شهيقًا عميقًا ثمّ تلاه زفيرٌ أعمق، وقال:
«يُمكنكِ وصفه بأوصافٍ عميقة، وأن تشبّهي تشتّتك بأشياءَ عميقةٍ تجعل القارئ يُلامس إحساسك.»

ثمَ حرك يداه في الهواء، وهو يحرّكها ذهابًا بإتّجاه آنسة عاطفيّة ويرجعها إيابًا بإتجاهه ويقول:
«على سبيل المثال أنتِ قادرة على تشبيه تشتّتك، أنّ عقلك يعتصر كعصر برتقالة ما بقوّةٍ، وطبعًا هناك الكثير من التّشبيهات الجميلة الأخرى، التي عن طريقها تبنين حلقة وصلٍ بينكِ وبين القُرّاء، وتكمن أهميّة الوصف العميق في تجانسه بشكلٍ ممتاز مع قلب القارئ، فيبدأ بالاندماج مع ما يقرأه من نصوصٍ عميقة، ويحسُّ بالكلمات وهي تتداخل في قلبه شاعرًا بمعناها.»

ثمَ أضاف بنبرةٍ هادئةٍ جدًا، تُشير إلى أنّه سيُنهي كلامه:
«وبهذه الطّريقة تكونين قد أوصلتِ كلامكِ بعمق.»

ردّت عليه العاطفيّة ببهجةٍ وقد لمعت عيناها الّتي هي بلون الزّمرّد، كلمعان الشّمس عند بزوغها فجرًا من رحم الظّلام:
«دائما ما تُقدّم لي نصائحَ مفيدةً، أنا ممتنة حقًا!»

كانت تُريد أن تُضيف بعض الكلمات الأخرى، وتغدق النّاقد بالإطراءات وبعض الجمل التي تُعبّر عن مدى امتنانها، لكن سرعان ما خطرت مشكلةٌ أخرى على رأسها، وكانت تريد طرحها لدى النّاقد لولا أنها شعرت بتثاقلٍ في طرح هذه المشكلة للنّاقد، كما لو أنّها مزعجة؛ لذا صمتت بخجل.

لاحظ النّاقد سريعًا ببديهته التي اكتسبها من خلال خبرته الطّويلة في عمله أنّ هناك خطبًا ما في آنسة عاطفيّة، فقال لها بتساؤل:

«هل كنتِ تريدين قول شيء؟»

فقالت بصخب مُعاكس لهدوئها السّابق، وهي ترفع خصلات شعرها الورديِّ للخلف بعدما أحسّت أنّه يحجب الرّؤية عن عينيها:
«نعم!»

ثمَّ أردفت بهدوء بعدما أحسّت أنّها سبّبت إزعاجًا وصخبًا كبيرين له، لتقول بخجل:
«أنا فقط، أريد أن أعلم، كيف يمكنني اصلًا أن أحاور الأخرين لأصف لهم مشاعري.»

ردَّ النّاقد بضحكةٍ ذات صوتٍ منخفض، مفاداها أنّه ليس عليها الخجل من طرح أسئلتها:
«حسنًا، بالنّسبة إلى الحوارات، فصدقًا إنّها ليست بالشّيء الهيّن، لكن لا عليكِ، فالموضوع عند شرحي له سيبدو هيّنًا.»

صمت قليلًا إعلانًا منه أنّه سيدخل الآن في صلب الموضوع:
«الحوارات شيءٌ ضروري بالنّسبة لكِ لأنّكِ بطبيعة الحال عاطفيّة، ومن أبرز الأشياء التي تجعل الحوارات جميلةً ومميّزة، إضافة المشاعر ووصفها والانفعالات والأحاسيس وبما تفكّر الشّخصيّات، ويُمكن إدراج هذا بالنّص عن طريق وصف المشاعر وإقحام الوصف بالحوار.»

ثمَ نصب سبّابته وقال:
«إظهار الصّراعات سواءً كانت داخليّةً أم خارجيّة، في الحوارات يجعل للحوارات فائدة وقيّمة، فيخدم هذا القصّة بكاملها، ولا أنسى إظهار جوانب الشّخصيّة: النّفسيّة، الاجتماعيّة والخلقيّة، كُلُّ هذه الجوانب تجعل العاطفيّة تلمع وتتمّيز أكثر فأكثر.»

قالت آنسة عاطفيّة وهي تشعر أنّ كلَّ هذا صعب ويتجاوز فهمها:
«لكن كل هذا مُعقّد، كيف سأقوم به؟»

ردَّ عليها ناقد وهو يعدّل ياقته الصّفراء سريعًا قائلا:
«لا بأس سأشرح. تستطيعين إقحام الصّراعات بسهولة وتوظيفها عن طريق مزجها مع جوانب الشّخصيّة، فعلى سبيل المثال قد يُعاني البطل صراعات مع شكله ويظنًّ أنّه قبيح، فيبدأ  عن طريق حواراته توضيح صراعه، فيتبيّن لنا ضعف ثقته إثر الحوارات التي يقولها، والتي تفيد بأنّه يعتقد أنّ شكله قبيح، ويبدأ بعدها بوصفِ كيف أنه يشعر بالنّبذ، كما لو كان نجمًا وحيدًا بالفضاء انقطع عن سربه من النّجوم.»

ثمَّ أردف: «كذلك يمكنك تطبيق الأمر مع الجانب الاجتماعيّ وعرض معاناة البطلة مع فقرها ومعاناتها من العنصريّة الطّبقيّة، في حوارات توضّح أنّها غير قادرةّ على التّعايش مع نظرات المجتمع، إلى أن التقت مثلًا بصديقة أشعرتها أنّها محبوبةٌ ومقبولة، فأحبّتها كصديقة، فتبدأ تعبّر لها عن مدى شكرها لها قائلة: كنتُ أشعر على الدّوام بأنّني بسبب فقري غير مُرحّب بي في المجتمع، وأحسستُ بأنّني خردةٌ لا قيمةَ لها، وكأنّما حياتي وموتي لا يُهمّان أحدًا...إلخ، من المهم توضيح الصّراعات التي تعيشها الشّخصيّات بالحوارات وأحاسيسها وإقحام المشاعر، مثلما تمَّ استخدام كلمات مثل: أحسّت وشعرت.»

قال وهو يختتم كلامه: «أظنُّ أنّ الأمر مفهوم الآن، لكن بقيَ شيءٌ واحد أريد إضافته لكلِّ ما سبق.»

قالت آنسة عاطفيّة وهي مغمورة بالسّعادة لفهمها كل هذه المواضيع التي بدت سابقًا صعبة والآن سهلة، وبحماس: «أكمل كلامك وقل ما شئت فكلّي آذان صاغية.»

ابتسم وعيناه البُنيّة قد امتلأت فخرًا بمريضته آنسة عاطفيّة التي بدت كما لو أنّها مستجيبة كُليًا له وتتجاوب مع كلامه: «من الأشياء المهمّة إضافة بهارات الدّراما والمشاعر والانفعالات والتّركيز عليها، ففي النّهاية نحن نتحّدث عنكِ أنتِ أيتّها العاطفيّة.»

توقّف وهو يحاول ترتيب أفكاره وجمع شتاتها، ثمَّ أكمل: «البناء الحقيقيّ للحوارات هنا، يكمن بتوظيف المشاعر بشكلٍ مؤثّر، إضافة أشياء بالجانب الخلَقي مثل الدّموع والانفعالات العصبيّة أو حتّى الحزينة، وتعابير الوجه، والوصف والكلام المُعبّر العميق، وتضمين كلٍّ من الجانب النفسيّ والاجتماعيّ إضافةً إلى الخُلقي؛ ممّا يجعل الحوار أكثر واقعيّة وأكثر تجانسًا مع الفئة.»

ابتهجت الفئة العاطفيّة بمرح وقالت: «أعتذر على صخبي وحماسي الزّائد، لكن أنا حقًا شكورةٌ لكلِّ ما قدّمته لي.»

ابتسم ناقد ثمَ قال: «هل هناك أيّةً مشاكل أخرى تواجهينها حاليًا؟»

ثمَّ أردف بصوت منخفض: «دعيني أغيّر صيغة السؤال، هل أنتِ خجولة من طرح أسئلة أخرى؟»

ردّت عليه عاطفيّة بابتسامة: «ليس لديّ حاليًا، لكن ما إن يأتي على بالي سؤالٌ لن أتردّد في طرحه.»

ضحكوا جميعًا ثمّ غادرت الآنسة عاطفيّة بعدما أنتهى وقت الجلسة، بينما بقيّ ناقد جالسًا على مكتبه.

دُمتم سعداء، آمون.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top