الفصل الخامس والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون|| مهلا يا صاح!
(سلام عليك يا سمي الكريم بن الكريم بن الكريم، يا سمي حبيب يعقوب من ولده، ورحمة من الله تغشاك في حلك وترحالك، وبركات تملأ ساعاتك وأيامك
إن مثلي لا تعجز عن الكتابة إلا حين يعلو مقام من تكتب إليه، ثمن الحبر باهظ، وقد لا أقدر على دفعه، فلتقبل أحرفي الصغيرة هذه، المنسوجة من القلب
لا أعلم كيف أصيغ لك كلماتي!
أقف على ناصية السطور فلا أعلم كيف أبدأها، وأسير بها خطوات فلا أدري كيف أنهيها!
يوسف إنك تحمل اسما عظيما، وإن أردت الصدق فأنا أخشى أن تتعرض لمحنة عصيبة ذات يوم، وكلي أمل أن هذا إن حدث فلن تكون إلا صابرا محتسبا، قوي العزم والإرادة
وإن حدث عكس هذا فاعلم أنك لست يوسف الذي عرفته، عد إلى شخصك الذي كنت عليه، ولا تيأس، فمهما اشتدت ظلماء الليل، لابد أن يعقبها فلق الصباح
يوسف قد تستغرب هذه الكلمات، لكنني وعدتك أن أكون معك صادقة، وأن أخبرك في هذه الأوراق كل ما يجول في خاطري، أخاف من هذا التفكير، لذا وجب علي إخبارك به
في النهاية يا عزيزي دعني أسألك إن كنت تقرأ، أو تتذكر هذه الكلمات وقد وقعت في محنتك: أظلماء مصيبتك الآن أشد من ظلام جُبِّ يوسف عليه السلام؟ أحالك أشد بؤسا من حاله وقد فارق والده وقرة عينه بذلك العمر الصغير؟ أأنت في وضع أبشع من وضعه حين رمي في السجن لبضع سنين مع تلك التهمة الحقيرة؟
لا أود لك أن تمر بظروف صعبة، تستطيع تمزيق هذه الورقة إن أردت، لكنه أمر أقلقني، فأحببت أن أبوح لك به
جمَّل الله أيامك بالراحة والطمأنينة_ ميمونة.)
ختمت الرسالة باسمها الذي ذيلته كتوقيع في نهاية الورقة، لن ينسى اللحظة التي قرأها فيها أول مرة، استغرب، ثم استنكر، ورغم تسلل جزيئات من الخوف إلى قلبه إلا أنه قهقه ضاحكا، لا يدري ما نوع تلك الضحكة، أكانت ساخرة من توقع ميمونة الخائف؟ أم أنه لا يرى نفسه شخصا يستحق الابتلاء؟ أو ربما هو ظن نفسه بعيدا عن أن يحيد من الطريق الصحيح ذات يوم، بمحنة أو بدون؟
لكنه الآن يقرأها عند ذلك الجسر، الذي شهد كثيرا من الأحداث في الفترة الأخيرة، عبق من أصدقائه لا زال هناك، وطيف من ماضٍ زاهٍ، لكنه لم يكن سعيدا تلك اللحظة، لم يكن قويا؛ كانت دموعه تتدفق بغزارة من عينيه، نقض البكاء تجلده
أكانت ميمونة تستشعر حدوث ذلك؟ أم تراه فألا سيئا نطقت به عليه؟ وأيا كان فها هو الآن ينتحب في حزن شديد، يرى كل شيء معتما، الآن لم يعد يهتم لتلك الكلمات، مزق الورقة ثم رماها لتذروها الرياح، ضرب بقبضتيه على سطح السور الذي يحد الجسر من أحد طرفيه، يطبق على أسنانه بقوة؛ بغية الصمت وعدم الانهيار، لكن لا شيء سيمنع انهياره الآن؛ لقد ذهب كل سند له في الحياة
فبين دم يظن أنه سفكه، وبين جنين حرمه من الحياة قبل أن يلجها، وبين قلبَي والدين معذبين على تغيره، وبين قلوب محبين تئن وتتوجع بسببه، وبين عبادات وواجبات أهملها -وجد نفسه، لا يلتفت قيد أنملة حتى تصفعه إحدى هذه الحقائق، حقائق مرة صنعها بنفسه، ضد نفسه
بات يرى أن ما عاد له قدر، وما عاد لوجوده من داع، بات الهواء حتى كثيرا في حقه من وجهة نظره، أي حماقة دفعته ليصمت عما حدث معه؟ ولِمَ سلم نفسه لأمجد سريعا؟ كيف صدقه؟ ولِمَ لا زال يشفق عليه؟ كلها أسئلة أجادت العبث به أكثر وأكثر، فانهار جاثيا على ركبتيه
رفع يديه على سور الجسر ليسند جسده المنهار، ظل ناكسا رأسه، استمرت دموعه بالجريان، وكأنها تنتقم من حبسها طوال المدة الماضية، لكن صوت نحيبه خبا حتى انتهى، وبعد قليل استنزفت الدموع، وظل على حالته تلك حتى داهمته الأفكار من جديد
وهذه المرة أخذت الأفكار السوداء تلح عليه (قاتل، لا قيمة لك، عاق، مغفل، عاصٍ، لا أحد يهتم لأمره، عديم الفائدة، قليل الحيلة، ضعيف الإرادة، لم يعد لوجوده أهمية) وعند هذه النقطة بالذات توقف، هنا حقيقة ما هرب منه طويلا، ما كافح لإنكاره كثيرا، فهل أثبت عكسها ولو لمرة؟
عدل جلسته فاهتز معطفه ليدله على شيء خبأه فيه، شيء ظل رفيقه دائما في الآونة الأخيرة، أدخل يده ليلتقطه من الجيب، ليخرج خنجرا صغيرا أعطاه إياه أمجد قائلا: ستحتاجه ذات يوم
لم يحتجه للدفاع عن نفسه ولو لمرة واحدة، فماذا لو كان عدوه هو نفسه؟ ماذا لو استخدمه للإضرار بذلك العدو الذي هو منه وفيه؟ هل سيتوقف كل هذا العناء؟ هل سينتهي كل شيء هنا؟ هل سيهتم أمجد؟ هل سيقلع عما هو عليه؟ هل سيتوقف عند هذا الحد؟ هل سيتركه وشأنه؟
حتما لن يفعل، لن يفكر به أمجد كما يفكر هو به أبدا، هو يمنحه الفرص عمدا ليرى أين سيصل، هو يتساهل معه، يعامله كالطفل الصغير، ورغم ذا ورغم حقده عليه لا زال يتمنى أن يعدل عن الطريق قبل أن يقبض عليه
وعند هذه النقطة تحديدا وقف يتفكر، إن كان يريد لأمجد العودة إلى طريق الصواب فلمَ لا يعود هو أيضا؟ ألن يكون دليلا له عن طريق الفعل بأنه يمكنه ذلك؟ فعل يستطيع؟
تداخلت الأفكار في رأسه وتشعبت، لكنها ألهته عن تمزيق تلك الأوردة التي تقع تحت سكينه مباشرة، لا يفصل بينهما سوى الجلد الرقيق الذي على رسغه من الأمام، حركة متهورة باتت فكرتها تتأجج في عقله، لكنه خائف، خائف من الموت رغم اليأس الذي وصل إليه، لا يمكنه بعد أن يخاطر أكثر
باغته أحدهم بيديه التي طوقته من الخلف، ثم أمسكت يده التي فيها الخنجر لترفعها للأعلى، في حين قيدت الأخرى يده الطليقة، فزع وكاد أن يتهور أكثر لولا الصوت الذي هتف من جانب أذنه:
_يوسف هذا يكفي!
صوت يعرفه جيدا، يحفظه منذ سنوات، ويميزه من بين جميع الأصوات، صوت حرك المياه الراكدة في قلبه، أشعل نار الحنين في فؤاده، صرخت الأفكار السيئة في داخله محاولة ثنيه عن الاستسلام لصاحب الصوت، قاومه بضعف وهو يتمتم بكلمات متعثرة:
_دعني… دعني وشأني يا خليل
التقمت يديه يدان أخريتان حين استدار ليفاجأ بجمال أمام وجهه، كانت دموعه لا تزال عالقة على وجهه، أدرك أنه قد وقع في موقف مخجل، سلم ذلك الخنجر لجمال الذي سارع لانتزاعه بعد استدارته
أطلقه خليل حين استشعر عدم مقاومته، أخذ يمسح دموعه بعيدا عن مرآهم وهو ينطق بانزعاج ممزوج بعبرته التي لم تختفِ:
_لم أنتما هنا؟ اغربا عن وجهي!
_هذا الوجه الباكي كان آخر عهد لي بك يا يوسف، أتظن بعد هذا أنه يمكننا الصمت على ما تفعل
رد عليه جمال مباشرة ليجعله يتوقف عن محاولة طمس (جريمة) ماء العيون، قلب أنظاره بينهما لينطق بجفاء:
_لا أذكر أنني طلبت شفقة أو مساعدة من أحد
وقف خليل أمامه مباشرة وقال:
_لن نبتعد أكثر من هذا، يكفي ما حدث حتى الآن، أم أنك تود بشدة أن تلاقي مع أمجد ذات المصير؟
_أتساءل عن سبب بكائك على معاذ رغم أنك تصرح بكراهيتك له؟
أعقب جمال بذلك السؤال، أراد يوسف الرد لكن جسده خائر القوى هوى به أرضا، سارعا للاطمئنان عليه فأبعد أيديهم بوهن، جثى على ركبتيه بصمت مطبق، بات يشعر بالدوار حقا، وضع كفه على جبينه محاولا استرداد بعض القوة، الآن فقط تذكر أنه لم يتناول شيئا منذ الصباح، لقد فقد شهيته تماما
جلس خليل جواره وقال:
_ربما ليس هذا هو الوقت المناسب لقول ذلك ولكن… هل حقا أنك كنت تنوي الانتحار؟ هل كنت تود قطع شرايينك يا يوسف؟
_لا شأن لك، هي حياتي ومصيري!
نطق غاضبا فلاحت تقطيبة انزعاج بين عيني خليل، حاول ضبط أعصابه قبل أن يعقب:
_مصيرك جهنم ما الذي تظنه مثلا؟ تعلم أن (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) ثم إنه لم يمر كثير من الوقت منذ أن تغيرت يا يوسف، أتستسلم بعد عام فقط أو أزيد بقليل؟
_أنت لا تفقه شيئا، وإن كان عاما فهو عام من جحيم
_وعودتك الآن أفضل من أن تهوي في النار سبعين خريفا، هذا فقط عمقها، فكيف بمدة البقاء فيها؟
أصابه كلام خليل في الوتر الحساس، استيقظت قليلا من مشاعره النائمة، انحنى جمال حتى جلس قبالته وقال:
_أنت لا تود قتل نفسك يا يوسف، أنت تود قتل الأشياء السيئة التي في داخلك، فرق يا يوسف وأفق، صدقني نحن معك وسنكون معك دائما، هاك أرواحنا، فقط توقف عن تعذيب نفسك وتعذيبنا معك
أردف خليل وقد أخذ الحزن من لبه مأخذا:
_لا مزيد من الخسارات يا يوسف، اسمح لنا بمشاركتك همومك، دعنا نخاطر معك، لا تهتم لشيء، لا تهتم لفقدنا، ألم نعد بعضنا ألا نستأثر بشيء على الآخرين؟
دكت كلماتهم آخر حصونه التي تمركزت بشدة في الآونة الأخيرة، أمسك رأسه بكلتا يديه وأخذ يقول بشحوب:
_ربما… يمكن لكل شيء أن يعود، إلا هو
_من هو؟
نطق الاثنان معا فشكل ذلك ضغطا عليه، استحثه خليل بتربيتة على كتفه وبضع كلمات:
_يوسف تكلم وثق أنك ستلقى جوابا يريحك
_لقد قتلته، هل تفهمون الآن؟ لقد قتلت معاذا، هل تستطيعون تخيل حجم تلك المصيبة؟ هل تستطيعون؟
حملق به جمال بصدمة، في حين سأله خليل:
_وكيف قتلته وهو توفي بسبب حادث سير؟
_لم يكن حادثا عاديا، لقد عبثت بسيارته
وحين أنهى جملته ابتسم خليل حتى بانت أضراسه، ضرب على كتفه بخفة كما كان يفعل دائما وهو يقول:
_إذن دعني أشرح لك ما حدث
طالعه يوسف بنظرات تشكيك قبل أن يعدل هو جلسته ويقول:
_لقد شككت في أن يكون هناك من عبث بسيارته حين علمت عن أن ذلك من إحدى حيل أعدائه، فسألت منذرا عن الأمر، فأخبرني أن معاذا قد نهض باكرا في ذلك اليوم، وقام بإصلاح السيارة، قال أنه طلب مساعدته حينها لأجل ألا نتأخر، ما حدث في الحقيقة هو أنه باغتته نوبة ألم بسبب مرضه، نتيجة لذلك انحرف مقود السيارة الذي كان بيده فانحرفت بقوة عن الطريق، ومع سرعتها تلك لم يحتج الأمر سوى لصدمة صغيرة على الرصيف فانقلبت بنا
صمت حين تذكر ذلك الموقف العصيب، لكن يوسف بدا غير مستوعب لما سمع، نطق برجاء:
_أنت لا تكذب عليّ لأجل استدراجي؟
نفى خليل بإيماءة من رأسه ثم رد عليه بثقة:
_لن أكذب عليك في شيء كهذا، فأرواح الناس ليست هينة، ودماؤهم ليست للعب
وكأنه بذلك الجواب نفض الظلام الذي كان يحيط بيوسف، تلفت يمينا ويسارا، بدأ يبصر ما حوله على حقيقته، الشارع ليس مظلما كما كان يراه، المكان ليس موحشا، أصدقاؤه بخير، وسيكونون كذلك، انهمرت دموع الفرحة من مقلتيه بغزارة، مشاعر دافئة عانقت قلبه، ابتسامة عريضة رسمت على شفتيه، وحينها انهار مغشيا عليه، لتستلقفه أيديهم القلقة
حملاه إلى سيارة حسين التي أخذها جمال خلسة من والده، كان أخف وزنا مما عهداه، يمكن للعين أن تدرك ذلك حتى، فقد غدا نحيلا شاحب الوجه، لم يعرفا أين يتوجهان به سوى للمشفى
**********
استفاق ورؤية ضبابية أحاطت نظراته، كرر محاولة الرؤية حتى أدرك مكانه، أخذاه إلى المشفى، وهو الآن ممدد على سرير في قسم الطوارئ، انتبه لجليسيه حينما تقدما نحوه للاطمئنان عليه
دار بينهم حوار عادي قصير استفهم منهما حالته، ليجيباه بما قاله الطبيب، نقص في عدة فيتامينات، وهبوط بالضغط، استقبل جسده ذلك المحلول الذي قرره له الطبيب، ليغادروا بعد انتهائه بهدوء
وحين ركبوا في السيارة آثر خليل الركوب معه خلف جمال، ليبدأوا جميعا نقاشا عميقا وجادا حول رغبتهم بالإمساك بأمجد، فاتحا باب الحديث جمال بقوله:
_لماذا لم تقتل أمجد قبل أن تقرر إنهاء حياتك يا يوسف؟ حسنا هي أفكار مجنونة لكن أي شخص يمكنه أن يفكر بهذا، حتى لو لم يقدم عليه
أجابه يوسف بنبرة واهنة:
_هذا لأنني رأيت الجانب الآخر لأمجد، ذلك الجانب الذي فيه ضعفه، رأيت كيانه المهزوز، لا أعلم كيف أصف الأمر بدقة لكنني رأيت أمجد الذي عانى، أمجد الذي تعب، أمجد الذي ظُلِم، لقد رأيت أنه لا زال يستحق أن يعطى فرصة عله يعود
أعقب جمال بسرعة على تلك الجملة:
_لكنه لم يعد. يوسف اسمعني، كل شخص منا له جانبين، الجانب الجيد والجانب السيء، لكن إن أردت أن تحكم على شخص ما أو أن تتصرف حياله بشيء فأنت ستحكم على الجانب الطاغي منه على الآخر، إن كان جيدا فلن تمانع قربه، ولن يكون لديك مشكلة في أن تمنحه فرصة ليتحسن أو يغير شيئا سيئا فيه، والعكس بالعكس أيضا، ولكن حتى الأشياء السيئة هي أنواع، منها ما يمكن تجاهله، ومنها ما لا يمكن غفرانه أبدا، القتل على سبيل المثال، ولا أظن أمجد سالما من هذا
صمت وقابله الصمت من قبل يوسف، صمت بدا لجمال عدم رضا فأردف يقول:
_هل تعرف ماذا يعني أن تقف في وجه أمجد الآن؟ هل تعرف لماذا يجب أن تتوقف عن إعطائه فرصة بعد الآن؟ هذا يعني أنك ستوقف الكثير من عمليات القتل، ستنقذ الكثير من الأرواح، ستحرر الكثير من قيود المخدرات، وسَتُسْلِم آخرين منها، ستحفظ الكثير من العلاقات، وستوقف الكثير من الخصومات
أخذ نفسا عقب ذلك الحديث الطويل ثم نطق مجددا:
_دعني أسألك شيئا، ماذا لو أن أمجد أراد أن يقتل لؤيا؟ بل ماذا لو قتله؟ كيف ستفكر حياله؟
صفع ذلك السؤال يوسف فأيقظه من غيبوبة عواطفه، مجرد تخيل أن لؤيا سيتأذى جعله يشعر بالغيظ، هو أساسا لم يصبر على أمجد لأي شيء أكثر من رغبته في حماية من يحبهم، في مقدمتهم عائلته بالطبع
انتزعه من وسط أفكاره كلام جمال الذي لم ينتظر رده:
_ستكرهه حتما، ستحقد عليه، ستتمنى له الموت، لن ترحمه أبدا، بل قد تسعى إلى قتله بنفسك، فهل تشعر الآن بمعاناة الناس الذين فقدوا قريبا لهم بسببه؟
تبخرت الكلمات من عقله عقب ما أنهى من كلام، لم يَرُقْ له الصمت الذي اكتسح المكان، نطق من وسط انزعاجه:
_خليل تكلم، لمَ صمت؟ قل شيئا أيضا
تنهد خليل بإحباط ثم علق بقلة حيلة:
_لا أعلم ماذا أقول أكثر مما قلته، ولكن كشخص عانى من أمجد، وكشخص يعلم أهميته عندك يا يوسف دعني أسألك: هل هان عليك معاناتنا مما فعله أمجد، والتي لا زالت مستمرة إلى الآن؟ هل هان عليك كل شيء إلى هذه الدرجة؟ هل تستطيع مسامحته على ما فعل إلى هذه اللحظة؟
تلقى الجواب صمتا من قبل يوسف، فأردف بجدية:
_أعلم كم أن الأمر صعبا أن تتركه ليلقى مصيره المظلم، وأعلم كم أنه قد عانى حتى أصبح ما هو عليه اليوم، ولكن عليك أن تفكر به كما غدا حاله الآن، لا ما كان عليه في الماضي، عليك أن تفكر به فيما لا زال يلطخ به نفسه دون نية للرجوع، لقد رمى نفسه في وحل الإجرام القذر ولن يستحق منا أن ننظر إليه إلا ما أصبح عليه، كل شيء في الحياة وله ثمن، وقد يكون هذا الثمن تضحية، لذا علينا أن نضحي إن كان المطلوب شيئا يستحق، لا بد أن تضحي بشيء لكي تحصل على شيء آخر، فالجبن والخوف لن يحفظا لك ما بين يديك، ولن يعطياك ما زال بعيدا وأنت بحاجة إليه
تسللت تنهيدة حارة من جوف يوسف، نطق بعدها باستسلام:
_ليس كما لو أن نسيان ما فعل أمر يمكن فعله بسهولة، ولكن أنا لم أشأ أن أكون في قائمة الظالمين له، على أية حال لقد انتهت الفرص التي منحته إياها، وسأذهب معكم الآن لنرى ما سنقدم عليه مستقبلا
كلمات حملت البشرى بين طياتها لصديقيه اللذين يجلسان معه الآن، وكأن السماء غدت مضيئة بعد عتمة، والأرض أضحت رحبة بعد ضيق، فما هو المصير المنتظر لأمجد الذي طال عذابه على الآخرين؟
¶____________________¶
انتهى الفصل الخامس والثلاثين
أخيرا ظهر عنوان الرواية :) ❤
كلمة (يتوجأ) معناها (يطعن) والنص المذكور عند تلك الفقرة هو حديث نبوي، وفيه نهي عن الانتحار بأي طريقة كانت، وفيه وعيد لمن يفعل ذلك
على أية حال وصلنا إلى حدث مهم جدا، أظن الآن بدأتم تشعرون بالرضا :)
هل كان هناك أحد يتوقع أن موت معاذ كان بسبب يوسف؟ وهل هناك من توقع غير ذلك؟
هل تستطيعون توقع القادم؟
سأحاول إن شاء الله نشر الفصول في فترات متقاربة حتى ننهي الرواية، هناك أمر مهم عليَّ أن أنشغل به في هذه الفترة، لذا يجب ألا تكون هذه الرواية عائقا لي
دمتم بخير وإلى لقاء قادم بإذن الله 🌸
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top