الفصل الخامس عشر
الفصل الخامس عشر|| طيفها
ماذا لو قررت الفرار من سجن ما ثم وجدت حارس السجن واقفا في وجهك؟ ألن تحاول الهرب مجددا؟
ذاك هو شعور يوسف حين قابل خليل، استطاع أن يرى ذلك العتب في عينيه بوضوح، تلك النظرات المليئة بالألم ظل يحدق بها نحوه، إن العيون بنظراتها تحمل ما يعجز اللسان عن قوله في كثير من المواقف، التي يبغي القلب فيها إيصال رسالة ما
أغمض يوسف عينيه بقوة ثم استدار محاولا الهرب، يديه يدفنهما في جيوب سترته، ليس كما لو أن الجو باردا، هو فقط يشعر بالبرد، لم يفض ذلك العناق بين يديه وجيوب سترته، إشارة أدرك خليل منها أنه لا ينوي الركض، رغم أنه بالفعل ينوي الهرب، أمسكه من ذراعه اليمنى وهتف:
_انتظر!
لم ينظر يوسف ناحيته لكنه حاول التملص منه قائلا:
_ليس لدي ما أقوله، دعني وشأني
كاد أن يفلت منه حينما سار إلى الأمام لكنه أمسك ذراعه بقوة وقال:
_أرغب حقا في تنفيذ تهديدي وتحطيم رأسك لولا أن الأمر لا يسمح لي بذلك، لذا توقف رأسك في أمان
بقدر ما كان الأمر مؤلما بقدر ما بدا مضحكا بعد جملة خليل هذه، توقف يوسف حينها وهو يعي تماما أنه لا يملك شيئا لقوله، استشعر حجم القوة التي يمسكه بها خليل خوفا من هروبه، حدثه مطمئنا:
_على رسلك... لن أهرب، أفلت ذراعي قليلا
لم تكن تلك الجملة كافية لإقناع خليل الذي بات خائفا من خسارته، أعاد يوسف طلبه بشكل آخر:
_أعدك... لن أهرب، أفلت ذراعي، من فضلك
ارتخت قبضة خليل أخيرا ليحرر يوسف يده أيضا من جيب سترته، شعر بالتيه في تلك اللحظة، لن يستطيع أن يفتح بابا للحديث مطلقا، ربما ذلك التردد كان يخالج قلب خليل أيضا، لكنه لم يخرج وسط وحشة الليل ليبقَ صامتا هكذا، قرر أن يتحدث بما يشعر به فحسب، نطق أخيرا:
_سأكون صادقا معك، أليس هذا معنى أن تكون صديقا؟ أرجو أن تتحملني
في الماضي لم يكن ليطلب منه أن يتحمله، بل وبرجاء أيضا! كان كل منهما يفهم الآخر بشكل جيد، لا يحتاجان إلى تلميح أو مواراة أو ما شابه، لكنه الآن في وضع مختلف تماما، عليه مراعاة ذلك مهما كان، تحدث بصراحة بعد ذلك الرجاء:
_عُد إلى بيتك يا يوسف، لا تبقَ مع أمجد، إنه شخص لا يُؤمَن جانبه، صدقني سنتحملك بأخطائك التي ارتكبتها، هذا أهون بكثير أن تصل إلى مرحلة ترتكب فيها ما هو أفظع
نظرات مصدومة أخذ يوسف يطالعه بها، من أين أتى هذا الكلام؟ بل ماذا يعني هذا؟ لاحظ خليل ذلك في قسمات وجهه، عقب على ذلك:
_قد يكون الأمر صعبا فهمه عليك ولكن ثق بي، ثق بي يا يوسف يجب ألا تبقى معه
يوسف يدرك ويقر أنه لا يعلم الكثير عن أمجد، ولكن كيف عرف خليل شيئا عنه؟ من أخبره؟ لم يجد نفسه إلا وهو يسأل:
_وكيف عرفت أنه شخص خَطِر؟
لن يتكلف خليل الجواب، رد عليه بتلقائية:
_من أين سأعرف مثلا إلا من شخص جلس معه وعرفه على حقيقته، معاذ هو الذي أخبرني
_معاذ؟
بصدمة وتساؤل نطق اسمه، وشعور بالشك أخذ يساوره حيال هذا الشخص، أفَعلَ ما فعل ثم يرد التهمة على غيره؟ لقد كان معاذ مؤهلا لأخذ تهمة ما حدث له أكثر من أمجد، فهل كان يسعى لهذا منذ البداية؟
شعور بالقلق سرق الطمأنينة من قلب خليل بعد تساؤل يوسف، أراد أن يعيد المياه إلى مجاريها فقال:
_أما زلت تشك فيه؟ على الأقل أنت تعرفه أكثر من أمجد
_معرفة سطحية، سطحية يا خليل
قالها يوسف بعصبية وهو يمرر أصابعه بتوتر بين خصلات شعره الفحمية، نفخ الهواء بقوة أظهرت حجم غيظه المكبوت تجاه معاذ، وقف خليل محتارا من ردة الفعل هذه، وعلى أية حال فهو محق، منذ متى تعمقوا في معرفتهم بمعاذ؟
يوسف يحاول إخفاء حقيقة أنه قد وقع ضحية لأحد ما دس المخدرات له في شرابه، وخليل بكلامه العفوي يجره إلى الخروج عن صمته دون قصد، نطق الأخير بنوع من الاستسلام لحقيقةِ ما قيل:
_أتفق معك أننا لم نتعرف عليه بالشكل الكافي، لكنني لا أستطيع الشك فيه أبدا
_إذن ماذا تسمي دعوته لي إلى المطعم، ثم لم يحدثني بشيء؟ ماذا لو كان في رأسه أمرا آخر؟
خليل هو الآخر لديه ما يقوله، صمت يوسف منحه الفرصة للكلام فقال:
_لقد أخبرني عن هذا، لقد قال أنه أراد تحذيرك من أمجد لكنه لم يعرف كيف يبدأ الحديث معك، وبعد كل شيء معه حق في كل ما قاله عن أمجد، واضح كم أنه قد استطاع التلاعب بك رغم أنه لم يمر الكثير من الوقت لك معه
جملة (استطاع التلاعب به) كانت مستفزة بالنسبة ليوسف، هو يخبره بما فعل معاذ بينما هو يخبره بناءً على كلام معاذ كيف أنه وقع ضحية لأمجد، شعر لوهلة أن خليلا يستهين به حقا، نطق بحنق:
_لم أجلس مع أمجد حتى حدث لي ما حدث، معاذ وحده هو الذي حصل على فرصة لفعل هذا، لماذا تصر على الاستهانة بي وكأنني طفل لا يعي أين مصلحته ولا يقدرها؟
_أنا لا أستهين بك، أنا خائف عليك، فرق يا يوسف، فرق بين الأمرين
نطق خليل بتلك الكلمات بحسرة، إن يوسف ليس على ما يرام، لم يكن لتستفزه كلمات كهذه من قبل، بعد كل شيء هو لا يملك خيارا سوى مداراته الآن، ليس من صالحه إن أفلت من يديه، سأله محاولا فهم الأمر:
_ثم ما الذي يمكن أن يفعله معاذ؟ من الذي حشى هذه الأفكار في رأسك؟
هل ثمة أحد غيره؟ أمجد بالطبع صحيح؟ هكذا حدا التفكير بيوسف، ورغم أن خليل محق هذه المرة إلا أن انزعاج يوسف قد أعمى بصيرته، كلما أشار بأصابع الاتهام نحو معاذ أبعدها هو عنه، من وجهة نظر يوسف الآن فخليل هو الذي يُتلاعب به، إنه ضحية معاذ كما سبق وأن قال أمجد أول مرة عرف فيها خليلا (ضحية جديدة بعد إمام جامع النور)
من وسط هذا الصمت تحدث خليل قاطعا تفكير يوسف:
_أمرك غريب حقا! من الأفضل أن تعود إلى منزلك، صدقني هذا أفضل لك بآلاف المرات، مهما كان الشيء الذي ستواجهه
اتهام بالسير في طريق خاطئ بدا فعل خليل وكلامه بالنسبة ليوسف، أمور عدة تتخطفه الآن، عليه استقبال كثير من اللوم والعتاب حين يعود، وليس من شخص واحد حتما، هذا وحده يقض مضجعه، امتحاناته أيضا على الأبواب، والآن شكه بمعاذ لا بل اعتقاده فيه سيبقى محل جدال بينه وبين خليل، الأمر ثقيل عليه، يظن أن خليلا لا يقدر ذلك
إن أكثر شيء يزعجه هو أن خليل لا يكتفي بالدفاع عن معاذ، بل يزيد الأمر إلى توجيه أصابع الاتهام إلى أمجد، إنه لا يعلم لمَ يفعل ذلك، لا زال يذكر أول مرة تحدث فيها مع خليل عنه، لقد قال له (لا تتهور) إنه منذ اللحظة الأولى ليس مرتاحا له، لمَ يفعل ذلك وهو الذي لم يتدخل في علاقته بجمال، ثم معاذ من بعده؟ بل إنه وقف معه وأيَّد رأيه، وكان سعيدا جدا بما حققه معهم، وحين وصل الأمر إلى ابن عمه هو أصبح خليل أول المعترضين!
بالنسبة ليوسف هذا غير عادل، لم يشأ أن يسرد على خليل كل هذا، اكتفى بأن يعرض عليه عرضا قائلا:
_اسمع إن أردت أن نصل إلى حل حيال هذا الأمر فاقبل هذا العرض الذي سأعرضه عليك
هكذا افتتح الأمر مع خليل الذي ظل يستمع إليه بإنصات، سارع إلى طرح عرضه بعد هذا الصمت قائلا:
_اترك معاذ، في المقابل سأترك أنا أمجد
أخذ خليل يحدق به مذهولا ليهتف غير مستوعب لما سمع:
_بجدية؟
_أنا لا أمزح!
بتلك الجملة رد يوسف بجفاء، لم ينل هذا العرض إعجاب خليل، هز رأسه يمنة ويسرة كناية عن عدم رضاه، وحين كاد الصمت أن يحول الأجواء حولهما إلى جمود سمعا وقع أقدام تسير باتجاههما من الجهة المقابلة، التفت الاثنان نحو الصوت ليطل من هناك أمجد بشحمه ولحمه، ورغم أن هذا لم يكن في حسبان أحدهما إلا أنهما تظاهرا بعدم التأثر حين رؤيته، سار حتى وصل قبالتهما وطالع يوسف متعمدا تجاهل خليل قائلا:
_أنت هنا إذن، لقد بحثت عنك في كل مكان، لمَ لمْ تخبرني بأنك ستخرج؟
حاول خليل كبح البركان الذي بدأ يتأجج في صدره، استفزاز مضاعف يقوم به أمجد ناحيته، أراد أن يرد عليه لكن يوسف كان أسرع بالجواب إذ قال:
_لست طفلا لتخشى عليّ إن خرجت في هذا الوقت، ثم إنني خرجت لأريح نفسي قليلا، هل عليّ إخبارك بذلك لتلحقني بثرثرتك المزعجة!
الاستفزاز هو لعبة أمجد المفضلة، ليس كما لو أن كلمات يوسف قد حركت ساكنا فيه، علق ساخرا:
_واضح أنك تريد أن تريح نفسك بعيدا عن الآخرين!
أدرك الاثنان مقصده وقد نجح في استفزازهما حقا، هذه المرة رد خليل عليه:
_الصديق شيء آخر، فحتى ثرثرته راحة، أم أنك لم تجرب ذلك؟
بدا واضحا حجم سخرية خليل منه، حدق به أمجد بنظرات فاحصة، بدا واضحا حجم الغيظ الذي يكبته خليل تجاهه، لوهلة شعر خليل بالندم لما قال، قد يحاول أمجد الانتقام بسبب ذلك، فوجئ كلا من خليل ويوسف بالمفاتيح التي أخرجها من جيبه وأخذ يلوح بها ويقول:
_للأسف لم يحدث لي الشرف بتكوين صداقة مع شخص هكذا، سأكون سعيدا إن حدث هذا مع يوسف، بما أنك تثق به إلى هذه الدرجة
رمى المفاتيح نحو يوسف وقال:
_خذ! حينما تعود افتح لنفسك، سأذهب لأنام، لن أنتظرك حتى تعود، فأنا لست والدتك
أكمل جملته وهو ذاهب ليتركهما تحت الحيرة، وربما الغضب بسبب استفزازه، بالنسبة لخليل فقد كان منزعجا، وأمجد زاد الأمر عليه، ما إن اختفى من مجال رؤيتهم حتى نطق بحنق:
_كم هو بغيض! كيف تستطيع احتمال شخص مثله؟
لسبب ما وجد يوسف نفسه يتبسم ضاحكا، ربما لأنه لم يسبق أن رأى أحدا ما يستفز خليلا هكذا، أما هو فربما أنه قد اعتاد على أسلوب أمجد هذا، أدخل المفاتيح في جيبه ليعلق على كلام خليل:
_إنه هكذا دائما، لا أنكر أنه يستفزني أحيانا لكنني اعتدت على هذا منه، يبدو أنها طريقته في الحياة
_يا لها من طريقة!
عقب خليل مغمغما باستياء، رمى أمر أمجد جانبا ووجه سؤالا إلى يوسف:
_ماذا قلت الآن؟ هل ستعود أم أنك تنوي الانحياز حتى منتصف الشبكة؟
_مجددا!
بنوع من الانزعاج علق يوسف، يبدو أن خليلا لن يأمن أمجد أبدا، عقب ذلك بالقول:
_سأعود حالما أنهي مراجعتي للطبيب، أرجو أيضا ألا تخبر أحدا بالأمر، سيما معاذ، وإن حدث لي شيء مما أنت خائف من حدوثه فببساطة تعال وخذني منه!
ظل المعني يطالعه بصمت، لقد حجزت كلمات يوسف لسانه خلف قضبان العجز، أحس الأخير بشعوره لكنه لم يتجاهل شعوره الخاص أيضا، تحدث بنبرة هادئة غلفها حزن جلي:
_أنت لا تدرك كم أن الأمر صعب عليّ أن أواجهها، ذلك الوجه الباكي يهزمني، ويجعلني ضعيفا أكثر مما يُظهر من ضعفها
ميمونة! لكن هو الآخر يكره رؤيتها حزينة، يكره ذلك (الوجه الباكي) الذي تحدث عنه يوسف، هل تأجيل مواجهته حلا سليما؟ لم يجد خليلا شيئا ليفعله أو يقوله، على أية حال اذا كان أمجد حذرا كما يقول معاذ فهو لن يتهور بإسقاطه في وحله وهو جليسه الوحيد، تمنى أن يكون تفكيره هذه المرة هداه إلى الصواب، نظر ناحية يوسف وقال محاولا مد جسر يبقيه على صلة به:
_يوسف عِدْنِي أن تعود بعد إكمال علاجك
أدرك حجم قلقه من نبرة صوته وملامحه، وكذا كلماته، في العادة إن طلب منه وعدا فهو يكون خائفا وقلقا عليه، أراد طمأنته بما أنه يرى أن كل شيء بخير، فقال مبتسما:
_أعدك أنني سأعود، كُفَّ عن القلق
لم يستطع خليل كبح قلقه والمضي بهدوء، عانق يوسف بقوة وكأنه يخشى خسارته وأخذ يقول:
_يوسف لا تقع، لا تسقط وأنا حي، اعتمد عليّ، سأسندك بكل قوتي، لن أسمح بانهيارك مهما كلفني الأمر
_شكرا لك!
بذلك فقط علق يوسف على كلامه، لا يستطيع قول شيء حينما يكون خليل في موقف كهذا يُبرِز كم أنه صديق وفي له، أخذ يبتعد عنه شيئا فشيئا، يشعر كما لو أنه يترك قلبه مع شخص لا يأمنه، أجل! فبقاء يوسف عند أمجد لا يروق له أبدا، لكن ما بيده من حيلة في الوقت الراهن، عليه أن يجازف وينتظر ذلك اليوم الذي سيعود فيه بكامل إرادته، وإن لم يعد سيتدخل رغما عن الجميع
**********
مرت ليال عجاف بعد تلك الليلة وانقضى آخر موعد مع الطبيب، ليشرق يوم عودة يوسف المرتقبة، جمع أشياءه التي أحضرها له والده يوم زيارته الأولى، بين كل حين وآخر من تلك الأيام المنصرمة كان أحدهم يذهب لزيارته، عدا معاذ بالطبع، إنه يكره العودة إلى ذلك المنزل الذي يحمل معه ذكريات أليمة، وفوق هذا لقد أخبره خليل عن كون أمجد قد حرضه ضده، لم يفصح له عن طبيعة ذلك التحريض؛ كون يوسف طلب منه ألا يخبر أحدا بحقيقة ما حدث معه، كان الأمر مؤلما بالنسبة لمعاذ، لكنه حاول إقناع نفسه أنه يستحق ما حدث له؛ كونه أجَّل الحديث معه عن ابن عمه هذا
حمل تلك الحقيبة الصغيرة وغادر منزل أمجد، على أمل ألا يحتاج إلى العودة إليه مجددا، رحل صوب منزله تحمله أقدامه على بساط مشاعره الهائج، لا يعرف ما يفعل أو يقول، لكنه سيعود على أية حال
حظي باستقبال حافل رأى من وجهة نظره أنه لا يستحقه، حاولت العائلة عدم ذكر ما حدث آنذاك؛ كيلا يفسدوا حفل الاستقبال هذا، لكن غرفته احتجزت كل شيء لتفجره في وجهه دفعة واحدة حين دخوله
لا زالت أدوات الزينة على منضدتها أمام المرآة، وكأنها تنتظر صاحبتها لتعود، فراشه مرتب يحمل الخواء ولا غير، السكون يتوزع في الأركان، بدت مخيفة حقا بعد أن كانت ميمونة تحييها، على الأقل بجنونها
في كل مرة يفتح باب الغرفة ليدخل إليها وتكون هي قد سبقته يجدها تفعل شيئا ما، لا زال يذكر حينما دلف ذات مرة ووجدها ترسم بأحمر الشفاه على المرآة، وقف بجانبها مصدوما وسأل:
_ماذا تفعلين؟
أفلتت ضحكتها التي حاولت كتمها منذ أن دخل، علقت وهي تبتسم:
_ماذا أفعل مثلا؟ إنني أرسم
ضرب جبهته بكفه ثم علق غير مستوعب لما يراه:
_بأحمر الشفاه يا ميمونة؟ هل جننتِ؟ لستِ طفلة لتتصرفي هكذا
مطت شفتيها متصنعة الغضب وقالت:
_لست مجنونة ولست طفلة، أنا هكذا أحب أن أفعل أشياء غريبة، من قال لك أن تستعجل الزواج بي إن كنت تراني لم أعقل بعد؟
أشاحت بوجهها إلى الناحية الأخرى لتجعله واجما لبرهة، اقترب ليرى ما رسمته وهو يقول:
_لم أقل أنك لم تعقلي أو ما شابه، لا تفسري الأمور بغير مقصدها
طالع الرسمة التي على المرآة، كانت عبارة عن قلبين مدموجين فوق بعضهما، يحوط أحدهما جناح في الطرف الحر منه، والآخر تتفرع بتلات ورد حول طرفه الحر أيضا، وحرفين مرسومة وسط كل واحد من القلبين، كل قلب حظي بحرف منهما، لم يكونا سوى الحرفين الأولين من اسميهما، شقت ابتسامة متمردة طريقها على ثغره، لاحظت ذلك لأنها كانت ترقب ردة فعله، علقت بثقة:
_أرأيت؟ أنا مبدعة، ها أنت ذا تبتسم
أراد أن يثني عليها لكنه خشي أن يأتي بعد شهر وقد أكملت مساحيقها على المرآة رسما، تنتح مبتعدا ثم علق:
_لا يهمني إبداعك حينما تقضين على مساحيقك، لن أشتري لك شيئا، تذكري هذا
طالعته متذمرة من ردة الفعل هذه، لقد توقعت أن يمدحها بعد تلك الابتسامة، لكن لولا فضولها الذي دفعها لتتكلم قبل أن يتكلم لكانت سمعت ثناءً، ربما!
أخذت هاتفها لتعوض عن كسرة الخاطر هذه، التقطت صورا لتلك الرسمة تحت نظراته، التي تحكي ضحكة مكتومة في أعماقه، لم تبالِ بأمره، حين استكفت من الصور أخذت مناديل لتمسح تلك الرسمة
محتها من المرآة لكنها لم تمحها من ذاكرته، أخذ يتلمس محل الرسمة في المرآة وتلك الذكرى تجول في رأسه، تنهد بحرارة، مضى نحو سريره ليستلقي عليه، في الوقت الراهن عليه أن يترك الذكريات جانبا ويحاول النوم، غدا سيذهب إلى بيت عمه لأجل الاعتذار إليهم وإعادتها، لا يمكنه أن يستعيدها بقلب مكسور، لكن هذا الأمر ذاته هو أكثر ما يقض مضجعه، إنه لا يعرف كيف يفعل، أو ما يقول، لكن ربما إن قابلها سيكون أهون مما يظن، ربما حينما تفتح هي باب الحديث سيسهل عليه أن يرد، حالته مزرية حقا، لكن ما بيده من حيلة، فليترك كل شيء للغد، وفي الغد يحصل كل خير.
¶____________________¶
انتهى الفصل الخامس عشر
ولله الحمد والمنة!
أعتذر عن الأخطاء الإملائية إن وجدت
حاولت أن أحاكي الرسمة التي رسمتها ميمونة على المرآة
ملاحظة:- يمنع الضحك :)
هل أنا وحدي من أظن أن الوصف تطور عن الفصول السابقة؟ أم إن هذا ما حدث بالفعل؟
بالمناسبة لقد فضلت أن أجعل ميمونة زوجة يوسف في هذه النسخة، بدلا من خطيبته فقط؛ بناء على نصيحة إحداهن، سأذكرها في الفصل الأخير إن شاء الله، عند حدث معين
هنالك الكثير من الأحداث ستدور حولهما، ترقبوا فقط :)
ستكون التحديثات للفصول يومية إن شاء الله، ما لم يشغلني شاغل، دعواتكم
في أمان الله
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top