الفصل التاسع والعشرين
الفصل التاسع والعشرين|| صراعات
_ماذا تقول؟ لا حول ولا قوة إلا بالله!
استطاع الخوف أن يجد إلى قلبه طريقا بعد أن سمع والده يتحدث مع لؤي في الأسفل بتلك الكلمات، لسوء الحظ لم يسمع ما كان لؤي يقوله، نبت من قلب الخوف سؤال دوى في عقله: ماذا لو حدث ما كان يخشاه؟
كان واقفا عند باب غرفته ينوي النزول، غير أن ما سمعه قد شلَّ حركته، انتظر حتى يسمع شيئا أكيدا، وإذ بوالده يقول:
_هل لديه أقارب ليحضروا الجنازة؟ أم ستكتفي عائلته بتشييعه لوحدهم؟
تنهد لؤي بأسى ثم قال:
_لا أعلم حقا، حتى الآن لم أستطع الذهاب إلى هناك، أريد أن أذهب الآن، هل تريد شيئا قبل ذلك يا أبي؟
_فقط كن خير معين لهم، سوف ألحق بك، وانتبه لمنذر جيدا، لا شك أن هذه مصيبة كبيرة عليه
هوى يوسف جاثيا على ركبتيه فور سماع تلك الكلمات، تطرق في رأسه جملة واحدة (لقد توفي معاذ إذن!) ومنها انبجست أسئلة عدة: ما الذي حدث؟ أهو بسبب ما فعل؟ أكان ذا حظ سيء ليموت معاذ بدلا من تفقد سيارته كالعادة؟ أهنا تبدأ رحلة انكساره؟ أم أنها قد بدأت قبلا، وما حدث الآن ليس إلا القشة التي كسرت ظهر البعير؟ لا يعلم جوابا لأيِّها، لكنه يعلم أنه قد دخل منعطفا آخر، أكثر حدة مما سبقه
أعاد فتح باب غرفته ليدخلها زحفا، تكبله قيود الخوف، وتهزه زلال عذاب الضمير، لا يدري أي جحيم ولج بابه، ولا أي طريق هو الذي سلكه، غير أنه يوقن أن الماضي ليس أسوأ مما هو آت، فكما أن ما يحدث الآن لم يكن في حسبانه يوما، فما لا يتوقع حدوثه الآن لن يعني أنه لن يكون، لن ينفي احتمالية وقوعه مستقبلا، وذا ما زاد أرقه أضعافا، وبنى فوق قلقه قلاعا من خوف ووجع!
**********
انهمر غيث غزير جادت به سحائب ذلك اليوم، وكأنه راق لها أن تشارك أهل الأرض حزنهم، وتجود بسخاء مطرا كدموعهم، غسلت الشوراع وبللت الملابس، وغمرت أجسادا تجمَّع أصحابها لتشييع فقيدهم، يحمل جنازته من وثق بهم واقترب منهم في نهاية حياته، تكفلوا بكل شيء له كأنه ابن لهم، ليسوا إلا تلك العائلتين اللتين لا تزيد المحن أواصر علاقتهم إلا قوة، سعيد وعبد العليم وأبناءهما، إضافة إلى عائلته وبعض الأصدقاء الآخرين
اثنان تخلفا عن هذا الحدث المهم، الأول تجبره حالته الصحية على عدم الحضور، والآخر تقيده حالته النفسية عن التقدم في وسط هذا الجمع الغفير، لم يكن لديه أدنى رغبة في الحضور بتاتا، غير أن ذلك الصوت اللائم في أعماقه لم يتركه وشأنه، وكحل وسط بين عدم رغبته بالحضور وبين الهرب من ذلك الصوت العميق -قرر أن يكون موجودا، ولكن خلف الحضور
يوسف هو وقد أضحى في جُبِّ بؤس يُرى فيها ولا يمكن إليه الوصول، في داخله عالم وأحداث غير تلك التي تتراقص من حوله، وما لذلك العالم من مقتحم ينتشله منه، ليس لأنه لم يحاول أحدهم ذلك، بل لأنه يصدهم عن تحقيق ما يرنوا إليه، يخاف أن تتخطفهم وحوش ذلك العالم المظلم المقيت، يحميهم من الأخطار بتلقيه لها بدلا عنهم، يحوط الأخطار بيديه كي لا تلسع نارها محبيه، فيكتوي بها وتتلظى فتحرقه، حتى تكاد أن تجعله رمادا يذروه الرياح
انسل بخطوات وئيدة حتى اقترب منهم حين أدنوا معاذا من قبره، ينده صوت في صدره بعتاب: أكان ذا الذي تراه أمامك سيئا كما حُكي لك، وكما صدقت؟ يلحق ذلك التساؤل مزيدا من التقريع واللوم الشديد، ليفجر في داخله سيطرة الرغبة بالبكاء، احمرت تلك العينان ثم انهالت دموعها، وتمردت شهقات من سعير، كانت تختبئ في جوفه الملتهب
في لحظة ما جعلته غير مستوعب لما حوله، تلتهم الأفكار عقله، والشعور بالذنب قلبه، ليبقى ساكنا بلا حراك، إلى أن فاجأه جمال بالوقوف أمامه ناطقا اسمه بذهول:
_يوسف!
على وقع اسمه بذلك الصوت انتبه إلى واقعه، لبرهة حدق به ثم عاد القهقرى، وانطلق في رحلة هروب كما غدت عادته في الآونة الأخيرة، أضحى هروبه أكثر منطقية حين أدرك أن جمالا قد لحق به، اجتاز الجموع ثم المقبرة، ثم انزوى في أحد الزقاقات القريبة، لم يكن ليختفي عن أنظار الصقر الذي قرر اللحاق به، بيد أن تلك الانعطافة سببت في خوف هذا الملاحق له من أن يتمكن من الهروب منه
انعطف خلفه ليفاجأ به يهاجمه مثبتا إياه على الحائط خلفه، يسأل من دون تأخير:
_أين الحقيبة التي كان معاذ يبتز بها أمجد؟
لم يفهم جمال نيته من هذا السؤال، لم يجبه ما دفعه ليكرر سؤاله وهو يضغط عليه، نطق مجيبا له بغضب يزيده حالهم تأججا:
_أتظن أنها لو كانت لا تزال موجودة لتمكن أمجد من اختطافك منا ونحن ننظر هكذا بلا حول ولا قوة؟
أعقب كلامه بدفعه قوية ليوسف أبعدته عنه، لم ينتظر سماع تعليق يوسف بل أردف قائلا:
_لقد احترقت في السيارة التي كان فيها، وهذا من سوء حظنا على ما يبدو
_لا تظن أن كذبة كهذه يمكنها أن تنطلي عليّ
علق يوسف محاولا التأكد من صحة ما قيل، فأتاه رد جمال بلا أدنى مجاملة:
_لقد انطلت عليك مئات الكذبات فلمَ تدعي الفهم حين وصلت إلى الحقيقة؟
بمثابة صفعة كان ذلك السؤال بالنسبة ليوسف، أغضبه الرد فقال:
_كلنا قد وقعنا في فخ الكذب ولقينا العواقب، الأمر فقط مختلف بنسبة النتائج من واحد إلى الآخر
بالسخرية نطقت نظرات جمال ما جعل نار الغضب في قلب يوسف تزداد، لكنه فضَّل عدم البقاء في هذا المكان أكثر مما كان، استغل وجود كثير من الأتربة على الأرض فأثارها في وجه جمال ليجعله في وضع دفاعي أجبره على عدم معرفة الاتجاه الذي هرب منه، شعر ببعض الندم على طريقته في التعامل مع يوسف، لكنه يعلم الآن أن الكلام لن يجدي معه نفعا، بل إنه حان وقت الفعال
**********
بوجه يلتحف السواد، وعقل يغشاه الشرود، وجسد يسير بثقل -عاد إلى منزله، يلجمه سوء ما فعلته يداه، تعصف به زوبعات من أسئلة عاتبة، ويصهر آخر صرح بقي له بركان من لوم وتقريع، تخبره تلك الأفكار الثائرة: كم أنه بات شخصا سيئا، اقترف السوء وقد كان له ألا يفعل، تخبره: أن ذلك الإنسان الجيد الذي عاش دهرا في داخله قد مرض فمات، ولم يبقَ سوى شخص شرير لا تمثله ولا تدل على وجوده إلا الأفعال السيئة
دافعها بقوة، كذبها، رفضها، وحين آن وقت عمل جيد ليقوم به بانت آثار تلك الأفكار في نفسه: الصلاة، صلاته التي لم يتركها منذ أكثر من عقد، يخبره صوت في أعماقه: ألا يدنس بيديه المجرمتين مكانا طاهرا كمكان الصلاة، مجرم مثله لن يكون سوى منافق حينما يؤدي العبادات، حينما يقوم بعمل صالح، تثقله تلك الأفكار وتبعده عما يجب عليه القيام به، ينظر نحو سجادته وكأنها تعلن تبرأها منه، ينسحب قرب نافذته وكأن المسجد يهتف بجرمه، ينظر نحو نفسه في المرآة فلا يرى سوى شبح رجل قاتل يدعي أنه على خير، يجر خطاه ليتوضأ فترتعد يداه حين تغطيها المياه، في نظره المنبثق من فعله يراها دماء، الدماء التي سفكها على حين جهل، يصرخ نافضا إياها ثم يعود ناكصا على عقبيه
يمضي الساعات تنهشه دقائقها كأنياب السباع، تنهال عليه الأفكار كمطر من رصاص مذاب، تعصف في داخله أعاصير، فتأتي على كل ما بقي من قلاع شامخات، فتخلفها أطلالا لا يسكنها سوى الدمار والظلام، يتقاتل مع نفسه فتسفر النتائج بخسارته في كل الأحوال، وفي كل المحاولات، ينقضي يومه الأول بلا طعام أو شراب، شحوبه بات ظاهرا للعيان، وما عاد لرغبته بالبوح لشقيقته أي وجود
أيخبرها أنه قد تخطى كثيرا من المراحل وأصبح في صف القتلة والمجرمين؟ أيخبرها أن شقيقها الذي تحبه قد أصبح خواء تحركه أفكار من جحيم؟ أيخبرها أنه غدا سيئا إلى درجة أنها ستفر منه هي دون ندم؟ أنى للسانه أن يستطيع الحديث بعد اليوم؟
تلك الانتكاسات التي باتت تطاله شيئا فشيئا لم يعد أمرها سرا على من يراه، تلحظ عائلته ذلك فيتنامى الخوف في صدورهم، للوهلة الأولى ظنوه حزنا على فقيدهم، لكن أنى له أن يحزنه بهذا الشكل وهو الذي ظل كارها له حتى آخر يوم من حياته؟ غمائم الحزن السوداء التي تحوطه لا تنبئ بذلك، استفسروا منه فعادوا خائبين كما اعتادوا، ولكن صبره لم يطل، فقاده ضغط ما يمر به إلى الانفجار
كانت تلك اللحظة التي قصدت يسرى غرفته محاولة إقناعه بأن ينهي سجنه هذا وينزل ليتناول معهم الطعام، وحين أبى أرادت معرفة حقيقة ما يحدث، وليتها لم تفعل، هاج يوسف وبدأ يصرخ ويتحدث بجمل لم تفهم لها معنى، أخذ يرمي الأشياء من حوله، حطم الكثير في غرفته، ألجمها صنيعه لتقف واجمة بخوف على الباب
الضوضاء التي باتت تعلو من غرفته دفعت الآخرين إلى القدوم عليه لمعرفة ما يحدث، لكن تلك الأشياء التي كان يحطمها باتت تطير نحو الخارج، أصابت يسرى لتجعلها تنهار في مكانها وهي تصرخ، ليصبح لؤي هو الهدف الآخر، بالكاد استطاع هذا الأخير إغلاق الباب عليه، ثم سحب يسرى نحو حجرته، لديها جرحان نازفان الآن، واحد على جبينها من الناحية اليمنى، والآخر في ذراعها الأيمن، ذلك الاتجاه الذي كان مقابلا للباب -تلقى أكثر الإصابات
لم يسلم لؤي من الإصابات أيضا، لكنه كان أقل ضررا من يسرى، لم ينهوا استكشاف حالتهم حتى خرج يوسف من غرفته بوجه من ظلام، وملامح من غضب، حاول الهروب بعد أن أدرك فداحة ما فعل، لكن والده قابله بضرب عنيف أرجعه إلى غرفته مرغما، يخور كثور يكاد أن يذبح، أوصد الباب على نفسه، تركوه وذاك، فلم يعد لدى أحدهم رغبة بإخراجه، التفتوا إلى حالهم، يضمدون جراحهم، ويهتمون لشأنهم، وما لشأنه أحد لا زال يهتم
**********
_لم ننتهِ بعد؛ تلك الحقيبة لا بد أن نستعيدها
جملة افتتح بها أمجد حديثه ليوسف بعد أول زيارة له بعد الحادث، جاءه رد يوسف باردا كمشاعره لحظتها:
_لقد سعيت لذلك قبل أن تفعل، لسوء الحظ هي ليست موجودة من الأساس
كلمات قليلة لكنها كانت كافية لتبعث الصدمة في صدر أمجد، بانت ملامح الجد على وجهه وهو يقول:
_ما الذي تقوله؟ كيف يمكن أن تكون غير موجودة؟ إذن ما الذي كان معاذ يبتزنا به؟
_كما سمعت، لو كانت تلك الحقيبة موجودة لما كنت جالسا هنا الآن
رد جافٍ أدلى به يوسف دون الكثير من الكلام، نوع جديد من تبادل الأحاديث اكتسبه بسبب الصدمة الأخيرة التي عانى منها، لكن الأمر لم يكن هينا على أمجد، أبقيَ ذليلا خاضعا لشخص يكرهه بشيء لا وجود له من الأساس؟ نهض من مكانه يشتعل كالفتيل ويصرخ:
_أكان يخدعنا طوال الوقت بلا شيء؟ هل استطاع إذلالنا هكذا بكذبة؟ لا، لا مستحيل!
أخذ يصرخ ويدور في المكان غاضبا، كان يحترق غيظا، ويلعن معاذا مرارا، ضعفه هذا جعل يوسف يفكر: هل هذا هو الوحش الذي كنت أخاف منه؟ تذكر حين أخبره معاذ أن أمجد جبان وضعيف، وأنه يدعي القوة ادعاء، أدرك أنه يمكن لكذبة كهذه أن تدمر أمجد، ولكن… معاذ تحمل كثيرا حتى استطاع النيل منهم، فكم سيستغرق الأمر منه هو؟ وأي ثمن سيدفعه لأجل ذلك؟
ذكرى قديمة لمعاذ زارته حينها، كانوا عائدين إلى منزلهم بعد فسحة صغيرة أخذوها ليصفوا دواخلهم من وعثاء الحياة، لاحظوا لوحة كبيرة معلقة، كُتِبَ فيها ما معناه: تحذيرا عن خطر المخدرات، وطلبا من المواطنين أن يبلغوا عمَّن يعرفون عنه أنه يتاجر بها، أو يشتريها، حينها علق يوسف قائلا:
_كيف يمكن لأحد يعلم الحقيقة المرة للأمر الذي هو مقدم عليه، ثم يستمر في فعل ذلك؟
وهنا أتاه رد معاذ مفسرا حالة أولئك مجيبا عن تساؤله:
_العالم الذي تود الهروب إليه حينما تضيق عليك الأرض بما رحبت تصنعه المُسْكِرات، لا أحد يتعاطى المخدرات لمجرد التعاطي، هم يهربون بها من وطأة واقعهم القاسي، مهما كانت الأضرار التي ستطالهم، ومهما كان حجم معرفتهم بذلك
هذه الإجابة التي أعطاها معاذ آنذاك لن ينكرها يوسف اليوم، بعد أن أصبح واحدا من هؤلاء، هو يفهم ويصدق ذلك تماما
خروج أمجد عن طوره أزعجه وقاطع تفكيره، ولا يدري كيف انسلت لسانه ليقول له:
_إذن معاذ كان شخصا جيدا، وأنت فقط كذبت عليَّ لتتمكن من استغلالي!
عاد أمجد ببصره إليه تشوب عينيه نظرات مريبة، نطق بملامح لشخص فاقد عقله:
_هل اكتشفت ذلك الآن أيها الغبي؟ اكتشاف متأخر!
أخذ يضحك بشكل هستيري، بدا ليوسف كما لو أنه تلبسه شيطان، لكن جوابه ذاك قد أزعج يوسف وجعله ينتفض واقفا وهو يسأله:
_أكنت تكذب حقا بخصوص معاذ؟
ذلك السؤال ترافق مع صور عدة من ذكرياته مع معاذ، آخرها صورته وهو يوسَّد الثرى، بدأ الغيظ يشتعل في دمه، ملامح وجهه تطفح غضبا، قابله أمجد بتحدٍ وقال:
_وما الذي ظننته غير ذلك أيها المغفل؟
وكأن أحدا ما فتح الباب ليوسف ليُفرغ غضبه تلك اللحظة على أمجد، كل ما عاناه طوال المدة الماضية كان مبنيا على كذب وخداع، رغم أنه وعده بأن ينفذ له ما يريد شريطة ألا يؤذي أحدا عزيزا عليه، ورغم ذا بدا حمقا أن صدقه على معاذ
صاح بأعلى صوته وانطلق نحو أمجد، خاضا صراعا شديدا كاد أن ينتهي بهما إلى المشفى، لكن جسد يوسف الذي أوهنته المخدرات لم يصمد أمام أمجد كما صمد أمام خليل، انهار رغم رغبته الشديدة بالانتقام من أمجد في تلك اللحظة
علا صوت لهاثهما واغتسلت وجوههما بالعرق المتصبب إثر ذلك العراك الشديد، لم يبقَ لهما سوى نظرات نارية يحدق بها كل واحد منهما تجاه الآخر، انتصر أمجد ولكنه لم يعد يقوى على صراع جديد، لم يستطع يوسف تقبل هذه الهزيمة، راح يسبه ويشتمه، حتى أنه شتمه بألفاظ لم تعهد لسانه الحديث بها من قبل، ومثل تلك اللعنات التي وجهها أمجد لمعاذ تلقى من يوسف، ثم راح هذا الأخير يتحدث بانهيار عن أفكار مجنونة، أدرك أمجد أنها إن استمرت بعقل يوسف، فلن يجلب له سوى المشاكل مستقبلا، لذا بدأ البحث عن فكرة تساعده بحل هذه المعضلة
**********
صبيحة اليوم التالي أعلنت نتائج الامتحانات الجامعية، كان الثلاثي قد حقق نجاحا، وكما لم يتوقع يوسف فقد كانت درجاته عالية، لكنه لم يهنأ بهذا الإنجاز، لا زال يرمي بنفسه في منزل أمجد الآخر، يبكي بمرارة، تعتصر قلبه الأوجاع وتضيق صدره، وكلما مرت عليه ذكرى حدث ما منذ أن دفع ميمونة ذلك اليوم -حتى يزيد انكسارا وانهيارا، يندب حظه العاثر، ويبكي عمره الذي لم ينقضِ، ويرثي ماضيه الذي رأى شمسه تغرب، وربما لن تعود فتشرق من جديد
وعلى نحو مشابه كان حال خليل، لم يهنأ فرحه، بل غُصَّ به في عز حزنه، بيد أن لحزنه كان ثمة شريكا، جمال الذي تفوق هو بنجاحه، يحزنه حالهم، ويؤرقه ما باتوا عليه، تراوده ذكرى يوسف في المقبرة، فتثور الأسئلة في ذهنه ويحتدم ضجيجها، ما يجعله يكرس فكرة أن: فرحهم الحقيقي لن يكون إلا حين يعود إليهم يوسف كما كان.
¶____________________¶
انتهى الفصل التاسع والعشرين
بدأت حلقة جديدة من صراع يوسف النفسي
أظنني قد وفقت بالوصف هذه المرة
أعلم أن الأحداث أخذت منعطفا حادا، وربما بدأت تسوؤكم، لكن في النهاية كل شيء له سبب، وكل حدث وله آثار وتبعات
اقتربنا من النهاية كثيرا لذا: الصبر الصبر، أعيروني صبركم
إلى لقاء في فصل قادم بإذن الله
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top