٦ | أنت تلمسني!

لازلتُ لا أستوعب هذا اللفظ...

ولا أستوعب وجود شون أمامي مِن الأساس!

وقبل أن تتحرّك شفتاي ناطِقة بأيّ حرف، وجدتُ نغمة رنين هاتفي تدوي في المنزل.

نظرتُ لـ شون فأومأ لي بقبول، توجّهت نحو هاتفي الموضوع علي المنضدة وتناولته لأري إسم لاري بيكر يُضيئ الشاشة، كتمتُ صرختي لأشعُر بأنفاسي تتسارع وبقلبي يتراقص داخل قفصي الصدري.

لاري بيكر هو صاحب أكبر دار للنشر في كندا، لطالما راسلتهُ علي بريده الإلكتروني وعرضت عليه أعمالي التي لم أنشرها بعد، لطالما تمنيت أن يُجيبني لكنه لم يفعل، وها هو يتّصل بي علي حين غرّة!

لاحظتُ أنني شردت في أفكاري وإنشغلتُ في فرحتي وصدمتي المُمتزجان حتي أنني نسيت أن أُجيب علي المكالمة، وإنتهي الرَنين...

تباً! لاري لن يُعاوِد الإتصال أبداً، لستُ بالشخص المُهِم ليفعل.

تنهّدتُ في إحباط، لقد أضعتُ فرصة عمري! من يعلم رُبّما قد إتصل بشأن قبوله لأحد أعمالي!

كدتُ أن أُهشِّم الهاتِف لشدّة غضبي، لكن قبل أن أقوم برميه علي الأرض وجدت إسم لاري يُضيء الشاشة مجدداً ونغمة الرَنين ترتفع.

لاري إتّصل بي مرّتان!

مما يعني بأنّهُ لم يطلُب الرقم الخطأ في المرّة الأولي! مما يعني بأنه يُصِرّ علي مُحادثتي! مما يعني بأنّهُ مهتم بالحديث معي..

تذكّرت مجدداً أنني كِدتُ أتجاهل إتصاله للمرّة الثانية بسبب غرقي في دوّامة أفكاري، فإستعدتُ وعيي ونقرت علي الزر الأخضر لأضع الهاتف علي اذني وأبتسِم دون أي سبب.

"مرحباً سيّدة جروفر، معكِ لاري بيكر من كندا، صاحِب دار 'خيال' للنشر والطباعة." تحدّث بنبرته الرسميّة مُرحِّباً، ومن لا يعرفك يا بيكر؟

"مرحباً بِك سيّد بيكر!" أجبتُ بذات النبرة، فسُرعان ما وصل-لاري للنقطة الأساسية في الحديث "إذاً آنِسة ألِكسندرا، لماذا قصدتِ دار خيال للنشر؟"

أجبت سريعاً "لأنها دار مشهورة ومرموقة وذات سُمعةٍ طيّبة وصيتٍ وشُهرة."

"ولماذا تظنين أننا قد ننشر كتاباتكِ؟"

"لأنّها تستحق أن تُنشَر.. لتصل لشريحةٍ أكبر مِن القارئين حول العالم."

"لكنّكِ لازلتِ في مقتبل العُمر ولستِ معروفة كفاية لنثق بكتاباتكِ!"

"هذا ليس مقياساً لأي شيء! ثم أنهُ يكفيني أنني أثق بها."

"أعمالكِ المنشورة وغير المنشورة تحمل أفكاراً غريبة ومعتقدات عجيبة، ألا يُخيفكِ هذا؟!"

"لأنني لستُ أُحِبّ إتّباع المألوف والكتابة المبتذلة التقليديّة، ثم أن هذا ليس مُخيفاً أبداً.. ففي النهاية هي معتقداتي وأفكاري التي سأفتخر بها لطالما حييت."

"إن طلبنا منكِ تغيير شيء ما في محتوي القصة والحبكة أو حذف حدث معيّن، هل ستوافقين؟"

"قطعاً لا! أنا مقتنعة كُليّاً بكتابتي منذُ أول حرف حتي الأخير."

"لكن يا آنِسة.. أري أن أعمالكِ الغير منشورة ليست جديرة بالنشر، أعتذِر.."

تنهّدت وأغمضتُ عيناي قائلة "شُكراً لك سيّد بيكر، لا بأس بذلك.. سأُحاول مع دار أخري."

كِدتُ أن أُبعِد الهاتف عن أذني، لكن أوقفني صوتهُ الفَرِح الذي أسمعه لأوّل مرة بينما يقول "تهانينا!"

لم أرُد وإكتفيت بعقد حاجباي بعدم فهم، ففسّر لي قائلاً "تهانينا سيّدة جروفر، سنُرسِل لكِ تفاصيل نشر الكتاب... لقد أجريت معكِ إختباراً سريعاً، فأنتِ تعلمين أن دار كبيرة كخاصتي لن تطبع أي كتاب لأي كاتِب! وأنتِ حتماً لستِ أي كاتبة.. لم أتوقّع إجاباتكِ تلك أبداً، حاولت قدر الإمكان أن أُشعركِ بالإحباط.. أعذريني، أردتُ رؤية مدي إيمانك بموهبتكِ وتمسُّككِ بحلمك، ولقد أعجبتِني حقاً!"

"مهلاً سيّد لاري.. أنت وافقت علي طبع كتابي؟" وضعتُ يدي علي فمي لأحتبِس صرخاتي داخل حلقي.

"أجل بالطبع.. في الواقع لقد أُعجبت بفكرة الكتاب، جديدة ومختلفة جداً.."

"شُكراً علي الإطراء! هذا يعني لي الكثير بالفعل.." إبتسمت بتوسُّع، وكادت وجنتاي أن تتمزّقا لكثرة الإبتسام.

أخبرني لاري بأنه سيُرسِل لي التفاصيل، وأنهيت المُكالمة التي لم أُرِد أن تنتهي أبداً.

تأكّدت مِن أن المُكالمة إنتهت، فصرخت بسعادة لأبدأ بتحريك قبضتاي معاً لأعلي وأسفل في حماسٍ شديد، فإنتفض شون ونظر لي بتعجُّب.

"ماذا؟ أُصبتِ بخللٍ في عقلكِ؟"

"لا أيُّها الأحمق!" أخبرته ضاحكة، ثم أردفت "لاري بيكر إتّصل بي مرّتان، وافق علي طباعة كتابي، وأثني علي كتابتي وأُعجَب بي! أتتخيل؟"

رفع كتفيه قائلاً "لا يُمكنني أن أتخيّل، لأنني خياليّ في الأصل."

تنهّدت بحُزنٍ يتملّكني.. وقُلت "أتعلم؟ لو كُنت بحالٍ أفضل لنهضت ورقصت الآن!" ثُم إنطلقت عيناي للأسفل مُحدِّقةً في الكُرسيّ ذو العجلات الذي أجلس به... طالَت فترة جلوسي به، وكأنني مَلصوقة عليه.. يفوتني الكثير والكثير دون قدماي.

لم أشعُر بالدموع تتجمّع في عيناي إلا عندما سقطت واحِدة علي يدي لِتُبلّلها، شعرتُ بيدٍ ترفعُ رأسي وتقوم بمسح دموعي بخفة.

صرختُ بفزع حين إتّضح لي أنهُ شون.

شون.. المخلوق الخيالي الغريب العجيب المُريب الرهيب، قام بلمسي؟ لقد شعرتُ بملمس أطراف اصابعه علي وجهي، لقد شعرت به فعليّاً!

"أنت تلمسني!"

"إهدأي آلي!" رفع لي يديه مُهدِّئاً إيّاي، وظهرت صوفيا راكضةً نحوي بينما تسألني بقلق "ألِكسندرا هل أنتِ بخير؟ لماذا صرختِ؟"

رفعتُ عيناي لِأنظُر إلي شون.. فوضع سبابته ضِدّ شفتيه مُشيراً لي بألّا أتفوّه بأيّ شيء.

نظرتُ لصوفيا مجدداً وتجرّعت ريقي، زيّفت إبتسامة قائلة "لقد قَبل لاري بيكر بنشر كتابي!"

"هل هذا يجعلكِ تبكين؟" سألتني بِشَك بينما تُحدّق بي جيّداً.

"أجل، دموع الفرح.." إبتسمت لها بتوسُّع، ثم أدركت أن كذبتي لم تنجح معها فأضفت "أنتِ لن تُدركِ مَدَي فرحتي لأنّكِ لا تعرفين لاري بيكر، لذلك تفضّلي وإملأي صحن أوسكار بالطعام، فأنا أسمعُ نباحه مِن موقعي هذا!"

"حسناً.." كادَت أن ترحل، وأخذت تُطالِعني بشكّ بينما تُضيّق لي عينيها بطريقةٍ جعلتني أضحك قائلة "هيا إذهبي! ما خطبكِ؟"

رحلت أخيراً، فتنفّستُ الصعداء وإبتسمت لِأنظُر لـ شون الذي تقدّم نحوي كاتماً لضحكاته.

أفرجنا عن ضحكتنا معاً، فإبتسم لي ثُم قال "علي أي حال، أنا أكره ذلك الـ لاري بيكر لأنّه قاطعنا وكُنّا في مُنتصفِ شيءٍ هام!"

"أجل، صحيح.. عالم الخيال؟" لمعت عيناي بحماسةٍ شديدة، فأومأ لي وتناوَل يدي قائلاً "هل أنتِ جاهزة للذهاب معي الآن؟"

وللمرّة الثانية.. شعرت بلمسته، إلهي.. كَيف؟

"لكنّ صوفيا ستحضّر العشاء وستبحث عني لأتناوله معها، لا يمكنني."

"لا تقلقي بشأن هذا، يُمكنني إعادتكِ إلي هُنا متي أردتِ!" شدّ علي يدي بترجّي، فحدّقتُ بعينيه المُشابهة للون البُندُق، وإبتسمت رافعةً كتفاي بإستسلام، لأري إبتسامته تنمو علي ثغره الجميل.

لو لم يكُن شون بطلاً خيالياً لقصّتي الخياليّة لكُنتُ أُعجبت به دون شَك، إنهُ فتي أحلامي، قُمتُ بِوَصفِه في قصّتي بمواصفات فتي أحلامي تماماً.. وها هو الآن يظهر أمامي ليقتلني لشدّة جماله.

"جاهِزة؟" رمقني بنظرةٍ قَلِقَة يفوحُ مِنها التساؤل والإهتمام، فأومأت وأخذت نفساً عميقاً.. فسمعته يقهقه قائلاً "هل سنقفِز في المُحيط؟"

إكتفيت بتجاهله ورميته بنظراتٍ مليئة بالسخط، فتحتحم وسحب الكُرسي الخاص بي ليدفعني نحو مكتبي الذي يحمل الكومبيوتر، حيثُ أكتِب..

جيّد، شون بإمكانه لمسي، ويُمسِك الأشياء المادية، ويتحكّم بها ويُحرِّكها كأي إنسانٍ عاديّ، ثُم يدّعي بأنه مخلوقٌ خياليّ!

أُقسِمُ بأن عقلي لن يتحمّل، أنا أُفكِّر في شون أكثر من أي شيء آخَر.

أمسك بيدي وشدّ عليها بقوّة، فنظرت لهُ بتعجُّب، إمتدّت يدهُ الأُخري ليُغلِق لي عيناي وأغلق خاصتيه كذلك، تمتم ببعض الأشياء الغريبة التي لم أتمكّن من سماعها.. ثم شعرت بالكُرسي الخاص بي يندفِع للأمام بقوّة، حاربت رغبتي في فتح عيناي... وبعد مرور ثوانٍ معدودة إستسلمت لرغبتي وفضولي لأفتحهما، فتحت عيناي ولم أغلقها مُجدِّداً منذ ذلك الحين...

وكأنني وقعتُ بَين أحضان الطبيعة الحالِمة، أمامي جِبال علي بُعدٍ طويل.. وقممها مُغطّاة بالثلج الأبيض الناصِع، ويبدو بأنني متواجدة أعلي أحد السهول الساحليّة.. أري أحد المحيطات يَلُفّ المكان بأكمله مُضيفاً صفاءً ونقاءً خلّابَين، رفعتُ عيناي لأري السماء.. فكانت زرقاءً صافية لا يلوّثها أي شيء، والشمس مُتألِّقة وتُسدِل فخصلات شعرها الساطِعة لتضيف بعض الحرارة.. والغيوم بيضاء كبياض الثلج، تِلك التُحفة الفنيّة لم أري لها مثيلاً في حياتي، ولن أفعل.

"هل أعجبكِ؟" إنتبهتُ لـ شون الذي كان يُتابعني بصمت وإبتسامته الخلّابة تنمو علي شفتيه.

"أعجبني؟ لقد أذهلني، أدهشني، أنا حرفياً.. مصعوقة!" أردفت بفرح لأضحك بسعادة لسماع صوت الطيور تُغرِّد علي أحد الأشجار.

أنزلتُ يداي نحو عجلات الكُرسي لأدفع نفسي للأمام راغبةً في الإقتراب مِن الطيور، لكنّني لم ألمِس شيئاً، فنظرتُ نحو يداي لأكتشِف بأنهُ لا وجود للكُرسي الخاص بي مِن الأساس!

أنا أقِفُ علي قدماي.

"أنا.. أنا أقِفُ علي قدماي!" همست لنفسي بذهول، كرّرت تلك الجملة عدّة مرات وفي كُلّ مرة بنبرةٍ أعلي وأعلي، تجمّعت الدموع بعيناي لأبكِ بفرح.

أخذتُ أركُض وأركُض، مُستمتِعة بملمَس الرمال الرطبة والحشائش لقدماي، كطيرٍ كان محبوساً وأطلقوا سراحه ليُحلِّق بإشتياقٍ وحَنين، أو كسمكة كانت تحتضِر علي اليابِس فألقوا بها في المياه مجدداً لتدبّ فيها الحياة، كُنتُ مُغطّاةً بالفرح وقهقهاتي تملأ المكان.. وأخذت أستعمل قدماي دون توقُّف.

لكن لحظة.. كَيف حدث ذلك؟

*****

هآلو بيبيز❤

الشابتر قصير نوعاً ما بس عشان أشوّقكوا يعني:"❤

تفتكروا ألِكسندرا واقفة علي رجليها إزاي؟

وشون بيلمسها إزاي؟

توقعاتكوا للشابتر اللي جاي؟

أشوفكوا علي خير❤


Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top