٢٠ | النهاية.

جاء الصيفُ...
فتعرّق قلبي وطرد السموم التي إحتلته طيلة الشتاء، طردك يا شون! أو هذا ما حاولتُ تصديقَه...

أتفحّصُ قائمة الطعام بينما ذهني شارد، شعرتُ بفقدان شهيّتي فجأةً، فطلبتُ النادل ليأتِني بالقهوة وقطع الكعك المُحلّى، لو علمت بتلاشِي رغبتي في الأكل فجأة لما خرجت لأتناول العشاء في هذا الوقت المُتأخِّر مِن الليل.

كم كرهتُ نظرات الناس لي حيثُ أجلِسُ وَحيدة، يُتابعوا حركاتي بفضول.. وكلّما إلتفتّ لأحدهم حوّل ناظريه بعيدًا.

هل يعرفوني؟ فمظهري ليس كأعمالي! لا يعرفه الكثيرون سوى من تابع المؤتمرات والمسابقات الأدبية في الآونة الأخيرة.

نقلتُ أنظاري بينهم فوجدتُ أنهم يجلسوا في أعدادٍ كبيرة، عائلات هُنا وهُناك.. وعُشّاق على كُل طاولة...

أطلقتُ تنهيدةً طويلة، لأسبح في أفكاري مُتسائِلة إلامَ سأظلّ وحيدة؟

جاء طلبي سريعًا فنظرتُ نحو النادل وهو يضعهُ لأبتسِم قائلة "شُكرًا لك!" ثم أرفعُ عيناي إليه..

تجمَّدَت أطرافي، توسّعت عيناي وشُلّ لِساني وتسابقت ضرباتُ قلبي.

لملمتُ نفسي مُتسائِلة بخفوت بينما أُحدّق بعينيه البُنيّتين "شون؟!!"

"المعذرة؟!" تهكّم وإبتعد ليختفي عن بصري، وأتناول رأسي بين يداي بينما أشعُرُ أنّ قلبي يكاد أن ينفجِر لسُرعة خفقانِه...

إسترجعتُ تحديقي به في مُخيّلَتي، وقد كانت تفاصيل وجهه مُماثِلة تمامًا لخاصةِ شون! وعطره الرجوليّ الصارِخ الذي إلتصق بأنفي حين دخل.. ونبرة صوتِه! وهيكله بالكامل! حتّى طول شعره ولكن بقصّة مختلفة! بات شعره أطول، يستحيلُ أن يُشبههُ أحدٌ بهذا الشكل ولهذا الحدّ...

لا، ليس هو... تبًا، لقد تعالجت! هل سأمرض وأعود للجلسات مُجددًا؟!!

أجل، رُبما عاد لي مرضي!

هل أنا أهذِي؟ هل أصبحتُ أرى ملامحَ شون في كُل الوجوهِ فعلًا؟

القهوة لَسَعَت لِساني فألَمَني، وقلبي تلسَعهُ نيرانُ إشتياقي يوميًّا ويحتبِس صرخاتَهُ بداخِلِه...

حاولتُ جاهِدة أن أطرد الأفكار مِن رأسي، وأمسكت بالكعكة الحُلوَة لأقضِم منها ثم أرتشِف مِن القهوة وأُحدِّق من الجِدار الزُجاجيّ لَدَى المطعم.

قضمةٌ وراء الأُخرَى وطعم الكعكات يزدادُ حلاوةً، حتى شعرتُ بشيءٍ غريب في فمي! أمسكتُ بمنديلٍ لأبصُق فيه وأجِد قطعةً صغيرةً مِن الورق..

إتجه بصري للكعكة على الطبق فإكتشفتُ أنّ هُناك وُرَيقةّ تتدلّى من مُنتصفها.

كعكة حظ!

سُرعان ما سحبتُ تلك الوُرَيقة وقرأتُ ما كُتِبَ بها، فإختلَّت ضرباتُ قلبي لأشعُر بهِ يخفقُ خارج صَدري..

("غادِرِي المكان حالًا..
وقابليني عِند تقاطُع الشارعين!")

تسارَعَت أنفاسي لأتلفّت حَولي بعينين غائرتين في محجريهما لشدّة الخوف..

إزدردتُ رِيقي ثم بدأتُ أُهَدِّيء أعصابي، وضغتُ الوريقة في حقيبتي ثم حملتها ونهضت بعد أن تركت المال على الطاولة، لاحظتُ إختفاء ذاك الشاب شبيهُ شون لترتجف أطرافي وأشعُر بنبضات قلبي تزداد إضطرابًا بينما أُغادِر المكان.

أهو مَن يُريد مُقابلتي؟ لِمَ؟

إلتفّت الأسئلة حول رأسي فأصابتني بالدوار، حتى فكّرت في التراجُع عمّا أكاد أفعلهُ، لكنّ جزءٌ بداخلي كان يدفعني لتنفيذِ ما ذُكِر في قطعة الورق الصغيرة.

توقّفتُ عِند تقاطُع الشارعين كما هو مَذكور، ثم بدأ التوتُّر يعصِفُ بي بينما أبحثُ عن هذا الشاب بمُقلتاي التائهتَين..

إهتديتُ إليهِ، يقِفُ على بُعدٍ مِنّى وبدأ في الإقتراب حينما لاحظ تحديقي بِه، هيأتهُ ليست واضحة لغرقِنا في الظلام..

إتّضحت ملامحهُ شيئًا فَشيئًا حين إقترب منّي، فكان الشكّ بداخلي في محلِّه.. إنهُ النادِل في المطعم!

سيطر الصمتُ على الأجواء بينما نُحدِّق ببعضِنا البعض دون إنقِطاع.. كتمثالَين جامِدَين لا يتحرّكان. قطّبتُ حاجباي لعدم تدارُكي للموقِف، والأسئلةُ تكاد تقضي عليّ وإرتباكي يهِزُّ أوصَالِي.

يُشبِه شون لدرجةٍ تُذيب قلبي حنينًا ووجعًا!

تحرّك ليقتُل هذا السكون، ومدّ يدهُ في جيبِ مِعطفهُ ليُخرِج شيئًا ما ثم يضعهُ في فمِه، تحت أنظاري المُتعجِّبة.. أُراقِبُ تفاصيلهُ شارِدةً مُغيَّبة.

مَدَّ لي ورقةً كانت بحوزتِه، فإلتقطتُها لأُحارِب جيوش الظلام وأقرأ مُحتواها: عِلكة بنكهة البطيخ.

فرفعتُ عيناي إليهِ سريعًا، والصدمةُ هزّت كياني حتى شعرتُ بالأرضِ تدور أسفل قدماي..

إفترّت شفتاهُ في إبتسامةٍ عذبة بينما يقول "أتعلمين أنكِ لستِ وحدكِ مَن يعرِف كيف يكتُب؟" ثُم أخذ خُطوةً قرَّبتهُ مني فغَمَر عِطرُه أنفي ليُشعِل نيرانَ إشتياقي.

"إلتفّ حول جسدِها فُستانٌ كُحليّ لامِعٍ كنجومِ السماء المُتناثِرة، وهي القمرُ الذي لا يُضاهَى حُسْنًا وجمالًا! تلوّنت وجنتاها بلونِ الوَرد، وشعرها بلونِ الذهب.. فأصبح جمالُها خارج عن السيطرة، كَلَوحةٍ فنيّةٍ يَعلَقُ بصرُك بها ولا تُحوِّل عينيك عنها أبدًا." حدّق بعيناي مُباشرةً، لتترقرق خاصتاي بالدموع ويفوحُ كُل جزءٍ مِن جسدي مُعاتِبًا، يصرُخُ به ويؤنّبهُ على غيابِه الطويل الذي سَلب رُوحي دُون رحمة..

"ألِكس، حدِّثيني!" إقتَرَب أكثَر حتى أطلقتُ سؤالي في هدوء..

"كيفَ أتيتَ إلى هُنا؟"

ثُم لحقتهُ بسؤالي الثاني لتسقُط دمعةٌ حارِقة إحتبستها طويلًا "وهل أتيتَ لِتُعلّقني بك فترحَل مُجددًا؟"

إمتدّ إصبعهُ ليمسَح دِمعتي ويقول "بعضُ الأسئلة لا إجابة منطقيّة لها، صحيح؟" فتمتمتُ غاضِبة "شون!" ليضحك قائلًا "حسنًا سوف أُخبرُكِ."

"حين ذاعَ في عالم الخيال أنّ هُناك فتاة من أرض الواقع تدخُل إلى عالمِنا عن طريقي قاموا بتهديدي بالنفي من عالمي إن ذهبتُ إلى أرضكِ مرّةً أُخرَى.. لأنهم خافوا أن يغمُر البشر عالمنا ويقضوا عليه كما فعلوا في عالمهم الخاص. لكنّي خالفتُ القوانين وأتيتُ إليكِ في آخر مرّة حين كُنتِ على وشكِ الذهاب للطبيب، هذا كان سبب إختفائي لمُدّةٍ طويلة قبلها لأنني لم أجِد وقتًا مُناسِبًا بعيدًا عن مُلاحظة الجميع لفِعلتي! وبرغم ذلك قد علموا بأنني عصوتُ الأوامر فقاموا بنَفْيي لعالمكم، فهذا في عالمنا يُعَد أسوأ عِقاب." تنهّد ليُكمِل في حُزن "لِذا عملتُ طوال تلك الفترة على إيجاد وظيفة وشراء منزل وبناء حياة خاصة بي هُنا حتى أتمكّن مِن الوصول إليكِ."

إبتسم ليلمِس وِجنتي مُتسائِلًا "هل إشتقتِ لي؟" فسقطت دِمعتي على يدِه ليدفَع وجهي نحو صدرِه، وسحبني في عناقٍ دافئ إحتضرتُ طويلًا للحصول عليه في الفترة الماضية..

"إنتظرتُكَ طويلًا يا شون، طالَ غيابُك بحقّ.." أغمضتُ عيناي دافِنةً رأسي في عناقِه.

"أنا فخورٌ بكُلِّ ما حقّقتِهِ مِن إنجازٍ بفترة غيابي. فتاتي الصغيرة أصبحت إمرأةً قويّة جدًا!" قَبَّل مُقدِّمة رأسي لِأبتسِم بتوسُّع..

حدّقنا ببعضِنا مُطَوِّلين، حتى سَمِعنا دقّات ساعة باريس الضخمة تُشير إلى مُنتصفِ الليل، فإقتربنا لنَقضي على المسافاتِ بيننا ونُسجِّلُ قُبلتَنا الثانية.

مُنتصفُ الليلِ في باريس. هذا العُنوان كان يحمِلُ ذكرى سيّئة وفصلًا كئيبًا مِن حياتي، لكنّهُ اليوم أصبح عُنوانًا لأفضل لحظاتِ حياتي!

خَسِر شون عالَمهُ بسببي، وخسِرتُ عقلي بسببِه، وفي نهاية المَطاف شَكَّل كُلٌّ مِنّا أكبر مَكسَبٍ في حياة الآخر.

أشعُرُ بالطمأنينة تغمُرني، لستُ خائفة مِن الغد ولا من مُفاجآت المُستقبَل! فهُناك يدٌ سأُمسِك بها مع كل خطوةٍ أخطوها، هُناك عناقٌ سوف أختبئ فيه، وهُناك كتفٌ سأبكي عليه.. هُناك مَن يُشاطِرني أحزاني وأفراحي.

جميلةٌ هي الروايات حين نتحكّمُ بأحداثِها وبنهايتها ونُمسِكُ بزمامِ الأمور، ليتنا نتحكّم بحياتنا بتلك السهولة.. صحيح؟ لكنّي أرى أن الأمر ليس بهذه الصعوبة، نحنُ نختار أيّ مسارٍ نسلُك وأي قرارٍ نأخُذ وأي إنطباعٍ نترُك.. إمّا أن تقود نفسك للبؤس أو الفرح، وتذكّر أن حياتك لن تخلو من الإثنين، تذكّر أيضًا أن كُل الطُرُق ليست مُمهَّدة.. ستُقابِل المطبّات والعراقيل فتحلّى بعزيمةٍ قويةٍ لِتنهض بعد سقوطك وتُتابِع طريقك حتى تنَل المُفاجأة الكُبرَى في نهايتِه.

"ألِكسندرا؟" إبتسم شون فأومات لهُ ليُتابِع "أُحِبُّكِ كثيرًا!" فإبتسمتُ لِألُف ذراعاي حول خصرِه وأُتمتِم بينما أضعُ رأسي على صدرِه "أُحِبُّكَ كثيرًا أيضًا."

لا أُريد أن أُبصِر سوى عينيه، ولا أسمع سوى صوتِه، ولا أشُمّ سوى عِطرهِ... لعلّي أُشبِع إشتياقي لهُ.

مسحَ على شعري مُتسائِلًا بإهتمام "أحقًا توقّفتِ عن كتابة روايتي؟ أقصِد روايتكِ التي أكمُنُ فيها." فضحكتُ مُتعجِّبة "أكُنتَ تُراقبني؟"

"فعلتُ ما بِوِسعي لأحصُل على أخباركِ." رفع كتفيه مُبتسِمًا، فحرّكتُ رأسي قائلة "أجل هذا صحيح، لن أُكمِلها."

فَهَا قد حان الوقتُ لِأكتُب قِصّتي الخاصة...

*****

تمّت بحمد الله في 14/4/2019⁦❤️⁩⁦

- مش بعيط لأ -

إيه رأيكوا في النهاية؟

وفي الرواية كَكُل؟

أتمنى تكونوا حبيتوها وسابت في قلوبكم أثر لطيف⁦❤️⁩

حد توقَّع أيّ حاجة من اللي حصلت؟🤷

تحبّوا أعمل شابتر إضافي بعدين؟

وجِّهوا كلمة ليا؟

أشوفكوا على خير في عمل جديد بإذن الله⁦❤️⁩

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top