١٩ | خطوات اقدام.
مرّ أربعة عشر يومًا وأنا راقِدة على فِراش الإعياء لا أُحرِّكُ ساكِنًا، قضيتهُم في سُباتٍ عميق، وألمٍ شديد.
إبتسمتُ حين دخل الطبيب مُبتسِمًا، وباشر بالحديث "أعتقِدُ أنّهُ الوقت المُناسِب لإختبار نجاح العمليّة. ما رأيكِ؟"
أومأتُ برأسي في هدوء، ليسألني بإهتمام "أقادرةٌ أنتِ على فعل هذا الآن؟" فإلتزمتُ الصمتَ طويلًا.
"أتفهّمُ هذا.. لم تَكْفِ جلسات العلاج الطبيعي لإخماد الوجع." إبتسم مُهوِّنًا، فرفعتُ رأسي عن مُستوى السرير لأقُل "لا، بإستطاعتي فعل هذا الآن!" فإندهش ليومئ مؤيدًا في حماس.
أغلقتُ عيناي لأسحَب نَفَسًا عميقًا ثُم أبدأ بالمُحاولة الأولى للوصول إلى أطرافي المَشلولة بينما يُرفرِفُ قلبي أملًا..
بدأتُ بسَحبِ قدماي خارج السرير، فتحرّكا وِفق إرادتي!!
أنزلتهما وبدأتُ أستنِد على الفِراش لأنهض، حتى وقفت عليهما بإتّزان، تأملتهما طويلًا حتى إغرورقت عيناي بالدموع.. ورفعتُ عيناي للطبيب لأجده يبتسِم بسعادةٍ كبيرة.
أفرجتُ عن فرحتي قائلة "أنا أسير! أُحرِّك قدماي أيُّها الطبيب..!" وأخذتُ أتحرّك في الغُرفة عشوائيًّا، وأبسِطُ يداي كفراشةٍ إشتاقت للتحليق بعدما كُسِر جناحَاها، حتى ظنّت أنها نَسَت كيف تُحلِّق!
"مُباركٌ لكِ إستعادكِ لقدميكِ يا ألِكسندرا، إنّ إرادتكِ قوية بحق! أصبحتِ المريض الخامِس الذي تعالَج من الشلل." حدّثني الطبيبُ لأبتسِم بتوسُّع وأشعر بنبضات قلبي تنتعِش مع كُل نَفَسٍ يدخُلُ رئتاي.
يتملّكني شعورٌ جامح بأن ألُفّ الكُرة الأرضية ركضًا! وتلك الفكرة ستقضي على قدماي قبل أن أنعَم بهما.
عليّ كبحُ حماستي بعض الشيء!
*****
شكرتُ النادِل بعد أن دلّني على مكان الطاولة وسط الطبيعة الساحِرة.. بعيدة عن جُدران المقهى وتلك القيود المُزعِجة.
توجّهتُ نحوها وأنا أبتسِم بتوسُّع لرنينِ خطوات قدماي في اذناي، وقعٌ جديدٌ على مسامعي! يا لهُ مِن شعورٍ رائع أن أرتدي كعبًا عاليًا يُصدِر أصواتًا فاضِحة تجعلني محطّ أنظار الجميع في أي مكان أتواجد به كأيّ شابة في عُمري! وأخيرًا تبدّل جَرّي للعجلات بجَرّي لقدمٍ خلف الأُخرَى.
سحبتُ الكُرسي وجلست لأترُك حقيبتي مُتسائِلة "هل تأخّرت؟" فرفع تاد عينيه ثم شهق وتوسّعت حدقتاه في صدمة، بقى مُندهِشًا رغم مرور الثواني وكُلّما حاول أن يتحدّث كان يُرافقه التلعثمُ حتى قهقهتُ بصخب، فأنا لم أخبرهُ بأنني خضعتُ لعمليّة جراحيّة بَعد.
رويتُ لهُ ما حدث معي مؤخرًا، فأبدَى إعجابه بشجاعتي وهنّأني على نجاح العمليّة ثم تجاذبنا أطراف الحديث، مرّت ساعة وإثنتان ونحنُ نطلُب الشاي ونُثرثر بمواضيعٍ عِدّة، وكأن الكلام لا ينتهي!
حلّت فترةٌ مِن الصَمت جعلت كلانا يُريح عضلات لسانه، حتى تحدثتُ بينما ألتقِطُ كوب الشاي الرابِع بين كفّاي "تاد، لقد إنتهت إجازتي من الكتابة! وأنا مُستعدّة لأن نعمل معًا إن كُنتَ مُتفرِّغًا."
كَسَت البهجةُ ملامحه مُداعِبًا "طبعًا مُتفرِّغ يا ألِكسندرا! هذا ما أنتظرُ سماعَهُ، عودي إلى رُشدكِ يا إمرأة.." فضحكتُ، ثم سألتهُ والحماسُ يُغلّف نبرتي "إذًا، أُريدُكَ أن تُطلِعني على أقرَب مؤتمرٍ أدبيّ، من حيثُ التوقيت لا المسافة! فأُريدُ أن يعلم الجميع أن إجازتي قد إنتهت رسميًّا."
أضاف بدراميّةٍ كبيرة "إطمإنّي سوف تكون عودتكِ كارثيّة!"
"أعتقِدُ أقرَب مؤتمر سيُعقَد بعد ثلاثة أيام، هُنا في باريس. هل أُهاتِفُهُم لنحصُل على دعوتَين؟"
إبتسمتُ وأومأت برأسي، لأشاهدهُ يعبث بهاتفه بينما أرتشِفُ ما تبقّى مِن كوبي وأُراقِبُ العصافير تُغرِّد فوق أغصان الشجر.
*****
"مُتوتِّرة؟" سألتني صوفيا بينما ترُشّ لي مِن عطري وأنا أضع أحمر الشِفاه أمام المِرآة.
"جدًّا! فأنا لم أحضر مؤتمرًا من قَبل، لطالما تابعتُ تلك الأشياء خلف شاشة التلفاز وحضوري في مناسبةٍ كهذه كان كحُلمٍ صعب المنال، بالإضافة إلى أنّ الناس سترى مَن هي ألِكسندرا جروفر لأوّل مرة! مُتوتِّرة جدًّا."
"أتُريدين قهوةً بالحليب؟" لحقتني بسؤالها بينما تُناولني الماسكرا، فأدرتُ عيناي لِأُمازحها بقولي "صوفيا إنسي المأكولات والمشروبات تمامًا. ستأتي معي لأنّكِ صديقتي لا مُربيتي التي تُعِدّ لي قهوةً بالحليب كُلّما أتوتّر!" فضَحِكَت لِتُغادر الغُرفة فجأة.
إنشغلتُ بتمشيط شعري الذي زاد طولهُ، حتى عادت ومعها عُلبتَين كرتونيّتَين، رفعتُ عيناي لها لتظهر علامات الإستفهام في مُقلتاي حتى إسترسَلَت مُبتسِمة "إنهُما حذائان جديدان، واحدٌ للمؤتمر والآخر للحفلة."
"حفلة؟!"
"أجل، تلك التي تُعقَد بعد المؤتمرات والندوات إحتفالًا بنجاح المؤتمر وتلك الأشياء التي تخصّكم أنتُم الكُتّاب!" ضحكتُ على ردّها قائلة "إنها لا تُعَدُّ حفلةً، لكن شُكرًا لكِ." ونهضتُ لِأسحبها في عناقٍ وَدود، ثم خطفتُ منها إحدى العُلبتَين قائلة "أريني الأحذية!"
*****
إنتهى المؤتمر الذي جعل مَعِدتي تكادُ تتقطّع لشدّة التوتُّر بينما أنا في هذا الزحام وسط كل هؤلاء البشر عاشقي القراءة.
الجميعُ يخرُج من القاعة في نظام، وأنا أنتظِرُ تاد.
جاء أخيرًا ليُناولني حقيبتي ثم يهمِس في أذني "إبتسمي فالكاميرات في كل مكان. دقائق وستجدي عددًا لا حصر لهُ مِن مُذيعي المحطّات الفضائيّة يوجّهون مُكبِّرات الصوت نحوكِ." أومأت لهُ وإبتسمت في حماس حين لاحظتُ مجموعةً من المُذيعين يتسارعون في الوصول إلى الكُتّاب قبل مُغادرتهم، حتى أصبحتُ واقِفة في المُنتصف بين الكثير منهم وبدأوا يطرحوا أسألتهم التي لم أسمع مُعظمها.
"مرحبًا بكِ تحت الأضواء." مازَحني تاد لأكتِم ضحكتي.
"آنِسة ألِكسندرا، ماذا سيكون أوّل عملٍ لكِ بعد تلك الاجازة الطويلة؟"
إبتسمتُ بخفّة ثم أجبتها "سوف أعود لكتابة الخواطر، لا الروايات! حتى أتفطّن لفكرةٍ جديدة أبدأُ بها عملًا جديدًا.. فأنا لن أُكمِل آخر روايةٍ كتبتها."
إندفعَت بسؤالها الآخر نحوي "ما السبب؟"
شعُرتُ بالهواء يتقلّص في رئتاي، حتى أجبتها باسِمة "لِنقُل أنها تتعلّق بأحداثٍ أعملُ على نسيانِها مُنذُ فترة."
سألوني كثيرًا حول العديد من الأشياء ورأيي في المؤتمر وأسئلةٍ تخُصُّ أعمالي السابِقة.. حتى طلبتُ مُكبِّر الصَوت من أحد المُذيعين لِأوجِّه كلمةً لأحدهم.. فقرَّبهُ منّي مُستجيبًا لي.
"في نهاية المؤتمر أودُّ أن أوجِّه كلمةً لفتاةٍ ما.. لورا، أعلمُ أنّكِ تُشاهدين البثّ الآن!" تنهّدتُ لِأُتابِع "أعتذِرُ لكِ عمّا بدر منّي. أشكُركِ على دعمكِ وإهتمامكِ بي وتشجيعكِ الدائم، وأتمنى أن تُسامِحيني! بالمُناسبة.. أنا أُحِبّ كُلًّا مِن الورود البيضاء والنرجِس.. للغاية." إختتمتُ حديثي بإبتسامةٍ واسِعة، آمِلةً أن تُشاهدني.
*****
"أيُمكِنني تخطّي الجلسة القادِمة رجاءً؟ لديّ ميعاد مُهِم جدًّا!" بدأتُ ألِحّ فور أن ردّ الطبيب على إتّصالي، كطفلةٍ تتمسّكُ برغبتها مهما كانت العواقب.
فقد هاتفتُ لاري بيكر ووافق على أن يعطيني ميعادًا جديدًا لمُقابلته، وصادَف أن يكون في نفس اليوم والساعة للجلسة العلاجيّة القادِمة!
"مُستحيل يا ألِكسندرا." جاء ردّهُ الذي جعلني أصيح غاضِبة "لِمَ؟"
"لأنها الجلسة الأخيرة. هلّا هدأتِ الآن؟"
صعقتني جُملتهُ، ثم تعجّبتُ مُستفسِرة "حقًا؟ أتعافَيت؟"
"نعم، تبقّت جلسة واحدة فقط، لا يمكنكِ تخطّيها أو تأجيلها."
"ولا لساعةٍ واحدة حتى؟" عُدتُ اسألهُ في يأس، ليُفاجِئني بتنهيدتهُ الطويلة وهو يقولُ "سوف أرى."
*****
"لقد شاهدتُ المؤتمر كامِلًا. أيُمكنني مأن أُقابلكِ فيما قريب؟"
قرأتُ رسالة لورا لأبتسِم وأكتُب لها الرد..
"متى؟"
جائني ردّها بعد ثوانٍ "في أيّ وقتٍ تُريدينهُ يا مُلهِمتي." فتوسّعت إبتسامتي، ثُم عُدت أكتُب لها "لازلتُ أتساءَل.. كيف حصلتِ على عُنواني؟"
قضى عليّ النُعاس بينما أنتظِرُ إجابتها، لم تُجدِ القهوة نفعها اليوم.. فقد كان يومًا شاغِرًا بالأحداث المُنهِكة.
سمعتُ صوت إشعارٍ جديد فسُرعان ما إلتقطت هاتفي لأقرأ رسالتها: "لقد بحثتُ في حسابكِ طويلًا بالفترة التي تغيّبتِ فيها عن قُرّائكِ.. ووجدتُ صورةً إلتقطتِها لكلبكِ ونشرتِها فوقعت عيناي على الموقع.. حينها أخبرتكِ بأنني علمتُ أنكِ في باريس."
وصلتني رسالة أُخرى "ألازلتِ تحتفظين بالوَرد؟"
فإبتسمتُ لِأُراسِلها مُتجاهلةً النُعاس..
*****
إيه رأيكوا في أحداث الشابتر ده؟
في اعتذار ألِكسندرا؟
وبما إن الشابتر اللي جاي هو الأخير.. فا تتوقعوا ايه اللي يحصل فيه؟
شون فين يا ترى؟
طبعًا النهاية جاهزة بس التفاعُل بيقلّ، أنا مش هحُط شروط عشان أنزلها لأنه مش اسلوبي بس اتمنى بجد تعملوا ڤوتس كتير وكومنتس تعبر عن حماسكوا عشان تشجعوني أنزلها النهاردة قبل بُكره☹️💕
وخُدوا لفّة كده في فصول الرواية لو مش عاملين ڤوت على فصل من اللي فاتوا اعملوا💕
وتصبحوا على خير❤️
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top