الفصل السابع
7- هارب من نفسه.
وقف بيرس في أعلى البرج، وهو يحدق نحو البحر الذي ينيره ضوء القمر. يجدر به أن يغرق في جمال هذا الليل. لكن عوضاً عن ذلك، جل ما استطاع التفكير به هو وجه تلك الفتاة الصغيرة المرتعب، التي تركها للتو. المخاوف! مخاوف عديدة تطاردهم جميعاً. كيف سيتمكن من مواجهة مخاوف وندي، في حين أنه لم يتمكن من مواجهة مخاوفه الخاصة بعد؟
" إنها نائمة" .
جعلته كلمات شاني يستدير. جاءت شاني إلى جانبه، فوقفت على مقربة منه، حتى أنها كادت تلامسه. كانت قد لفت جسمها ببطانية. " أردتها أن تبقى في السرير معي، لكنها أرادت النوم مع آبي. لذا أعدتها إلى سريرها، وانتظرتها حتى غفت ".
ترددت شاني، ثم قالت: " أكنت تعلم أنهم كانوا يسيئون إليها؟ ".
تجمد بيرس مكانه. قال: " هل أساؤوا إليها . . .؟ ".
قاطعته شاني: " ليس كام تصورت، لكن يبدو أن آخر شريك اتخذته مورين، كان يضربها باستمرار. كان يحتجزها في الخزانة في الظلام .
قال بيرس بتثاقل: " خمنت شيئاً من هذا القبيل ".
" أحقاً ".
" أخذت الأولاد إلى أخصائي في علم نفس الأطفال بعد وفاة مورين. كانوا جميعاً مصدومين إلى حد ما. حسناً! من الطبيعي أن يكون هذا حالهم بعد وفاة والدتهم، لكن أجفال وندي كلما رفعت صوتي . . . رفضت أن تتكلم مع الطبيب النفسي، ولم أستطع القيام بأي شيء كي أجعلها تتكلم ".
" يا له من التزام اخذته على عاتقك "
تكلم بيرس وهو يحشر يديه في جيبيه، قائلاً: " الله يعلم أنني لم أقصد ابداً أن أفعل ذلك ".
" إذا لماذا أخذتهم بعهدتك؟ ".
قال بيرس منفجراً: " ظننت أن الأمر سيكون سهلاً. قبل وفاة مورين لم يسمحوا لي أن أفعل أي شيء. كانوا هادئين . . .هادئين بشكل غير اعتيادي . . . لابد أن مورين أمرتهم أن يدعوني وشأني، ولا يسمحوا لي أن أفعل أي شيء لأجلهم. بعد أن أعطيت وعدي وقمت بالعهد، بدأت أرى الهوة التي قفزت إليها ".
" الهوة؟ ".
أجاب بيرس: " خططت لأن أوظف مدبرة للمنزل، ثم أعود إلى المدينة بدا هذا أمراً سهلاً. فكرت أنه يمكنني أن آتي خلال عطلات نهاية الأسبوع، حين يتسنى لي الوقت، فأربت على رؤوسهم. وينتابني شعور جيد لإبقائهم مجتمعين، ثم أتركهم من جديد ".
" لكنك وجدت أنهم بحاجة ماسة إلى شخص عطوف، وليس مجرد مدبرة للمنزل؟ ".
" لا يمكنني أن أفي بهذا النوع من الالتزام ".
" لماذا؟ ".
" هذا ليس من شأنك ".
حسناً! متى كانت الأمور التي ليست من شأنها سبباً يمنعها من التدخل؟ لم يعد بإمكانها أن تتراجع الآن. سألته بحذر: " الأنك كنت تعود إلى والدتك تارة، ثم تبتعد هنها تارة أخرى؟ ".
ظنت شاني لوهلة أن بيرس لن يجيب، إلا أنه هز كتفيه، وقال: " كنت أعود إليها كلما أقامة علاقة جديدة مع رجل ما ".
" كيف كان يسير هذا الوضع؟ ".
" أحبت امي أن نلعب دور العائلة السعيدة، إلا أنها أرادت أن تحصل علينا معاً: الزوج والأبن او لاشيء. لذلك، كنت أعود إلى دور التبني كلما أنهت إحدى علاقاتها العاطفية، وأعود إلى روبي إن كنت محظوظاً ".
صفرت شاني، وقالت: " يا إلهي! الطبيب النفسي يمكنه أن يعمل معك لسنوات ".
أصبح وجه بيرس متجمداً، شاحباً. قال: " أنا ذاهب إلى النوم ".
" هل احتجزت احدهم يوماً في خزانة؟ ".
راح بيرس يحدق نحو البحر، فيما حاول ألا ينظر إلى شاني. ساد صمت ثقيل، ففكرت شاني أنها تخطت حدودها. همست قائلة: " أنا . . . احتجزوني بعيداً عن سوزبي بيل ".
أختنق بيرس من الضحك، وجعلها ضحكه تبتسم. هذا ما هدفت شاني إليه. أقرت برقة: " إنها ليست مأساة فعلية. كما أخبرتك من قبل أنا فتاة شقية، وسوف أتعاطى مع صدمتي بنفسي بعدئذ تلاشت ابتسامتها، وتابعت: " لكن وندي لا تستطيع أن تفعل ذلك بنفسها ". " سوف أتكلم مع جون يوم غد. إنه أخصائي مجاز في علم نفس الأطفال، ولطالما عمل مع أطفال تعرضوا للأذى ".
" أود أن آخذ وندي للتسوق غداً ".
رمش بيرس، وبدا مرتبكاً. سألها: " لماذا تريدين الذهاب للتسوق؟ ".
ترددت شاني، ثم قالت: " العلاج بالتسوق. أظن أنه وقت مناسب كي تمنح الأطفال الاهتمام الفردي الذي يتوقون إليه. عليهم أن يتعلموا كيف يكونون مستقلين، ويتمتعون بشخصيتهم الخاصة " .
-"وهل سيساعد التسوق في ذلك؟ ".
" بالطبع! يمكنك أن تسأل جون ".
" أنا لست بحاجة . . . ".
" آه! إنك مكتف بنفسك. حسناً! ليس بعد الآن، بما أنك تبنيت هؤلاء الأطفال. إن لم تكن حذراً، فسوف ينتهي بك الأمر لأن تحتاج إليهم بقد ما يحتاجون هم إليك ".
" لست أفهم ما تقصدين ". ابتسمت شاني ابتسامة عريضة، وقالت: " لا يمكن للرجل أن يسير منفرداً. حتى طرزان كان لديه جاين ".
حدقت نحو البحر، في محاولة لإيجاد بعد المسافة العاطفية بينهما، ثم قالت: " لم لست تعمل؟ ".
" كنت أعمل ، كنت في البهو حين سمعت وندي، ثم جئت إلى هنا لأفكر ".
" هل أقاطعك عن التفكير؟ ".
" نعم ".
قالت شاني وهي تقهقه: " هذا جواب فظ ".
" يجدر بك أن تكوني في السرير. بالكاد نمت ليلة أمس. أنا آسف لأن وندي أيقظتك ".
قالت: " أنا والأطفال محتاجون جداً ".
" هلا توقفت عن هذا؟ .
هزت شاني كتفيها، وابتسمت مجدداً قائلة: " أنا لست بارعة في الخروج مما لا يعنيني. هذا يبقى تفكيري بعيداً عن مشاكلي الخاصة. فضلاً عن ذلك، أنت تدفع لي حتى أعتني بالأطفال ".
أجاب بيرس بكلام لاذع سريع، فيما بدا ساخطاً: " إذا، اعتني بالأطفال، ودعيني خارج الموضوع ".
" لكنكم جميعاً خلطة واحدة، أنتم عائلة غير فعالة ".
" نحن لسنا عائلة ". بدا كلام بيرس زمجرة فعلية، فاجفلت شاني، وتراجعت خطوة إلى الوراء قائلة: " أنت لا تعني ذلك ".
" نعم . . . لا . . . اللعنة، شاني! أنا لم أقصد أبداً . . . حسناً! الأطفال سوف يتعافون هنا، وأنا سوف أنجز أعمالي. بعدئذ سوف نعمل على إيجاد مدبرة منزل لائقة".
بدات شاني تدرك أن بيرس مازال ذلك الولد المهشم الذي تعرفت عليه من ما يقارب العشرين سنة. قبل أن تدرك ماهي فاعلة، تناولت يدي بيرس بين بيديها. منحها الإحساس بيديه شعوراً جيداً، فيداه كبيرتان دافئتان ومطمئنتان. فكرت وهي تشعر ببعض الارتباك أنها تطمئنه. إنها لا تأخذ منه الدفء، بل تعطيه إياه. " لاباس أن تحب الأطفال، فالحب ليس مخيفاً حقاً ".
" أهذا ما تقوله السيدة صاحبة الدلو المملوء بالثلج؟ ".
ضحكت شاني ضحكة مكتومةن وقالت: " اترى؟ لو لم أظن أنني وقعت في الحب، لما قمت برمي الماء البارد على ذلك حقير وصديقته ".
" أنت مجنونة ".
" أعلم. لكنني على الأقل لست أخشى من التجربة ". قالت شاني ذلك وهي تستجمع كرامته قدر المستطاع، لكن هذا بدا صعباً نوعاً ما، فيما هي ترتدي لباس نوم مطبع بالخنازير الزهرية وقد صار غطاؤها حول كاحليها.
" أتقصدين تجربة الوقوع في الحب؟ ".
قالت بنبرة واثقة: " بل تجربة الحياة ".
" أتقولين لي أنني أخشى الحياة؟ ". حدقت شاني إلى الأعلى نحو بيرس للحظة طويلة. بدا وجه تحت ضوء القمر غامضاً وصلباًن لكنها علمت كيف يبدو حين يبتسم. أرادته ان يبتسم مجدداً. قالت له: " تعال، ورافقنا في رحلة التسوق يوم غد ".
" قد يستاء الآخرون . . . " .
" لو فسرنا لهم أن وندي تحتاج إلى بعض الرعاية الخاصة، أراهن أنهم لن يبدو أي اعتراض ".
" الرعاية الخاصة ".
" أعني الرعاية الرقيقة المحبة " حاول بيرس سحب يديه من بين يديها، لكنها لم تفلته " كف عن القلق "
" أفلتي يدي " إن امرأة سواها أكثر عقلانية، كانت لتنسحب منذ فترة طويلة. قالت: " أنا مهمشة أيضاً، أتذكر؟ لا مجال إطلاقاً لأن أنزلق إلى علاقة غبية اخرى، لذلك أنت بامان، لكنك لست آمناً من الجميع بيرس. لا يمكنك أن تبقى في عزلة إلى الأبد. هذا لا يعطي إحساساً جيداً ".
ابتسمت ممازحة. قالت: " إنه أمر رائع. فقط أغمض عينيك، واقفز ".
وقبل أن يتمكن بيرس من التفوه بأي كلمة، وقبل أن يقوم بأي خطوة لحماية نفسه، أفلتت شاني يديه، ثم وضعت يديها على كتفيه، وجذبته نحوها، واحتضنته. أرادت أن يكون الامر مطمئناً، وأن يكون مختلفاً عن الليلة السابقة. لعلها مجنونة لتقوم بمبادرة كهذه بعدما حصل ليلة أمس، لكنها فعلت سواء كان ذلك صائباً أم لا. احتضنها بيرس بين ذراعيه، وبادلها العناق. إنه مجنون! شاني قصدت هذه المرة أن تكون امرأة متحكمة بالموقف، فتغيضه ممازحة قليلاً، وربما تسخر منه. لكن الأمر لم يبدو كذلك. إنها مدركة لشيء واحد فقط: الإحساس ببيرس وعناقه الدافئ. إنه مدهش مدهش! هذا العناق غير عالمها، أما الشبكة الركيكة التي حبكتها حول نفسها للسيطرة على ذاتها فقد تشتتت. ولم يعد أمامها سوى الغرق بإحساسها به والتمسك به، من دون أن ترغب بإفلاته أبداً. لكنها على سطح برج في دار للأولاد، وفي البناء خلفهما هناك خمسة أولاد في عهدتهما. هذا الجنون يجب أن يتوقف، وهذا ما حصل. فتح باب في مكان ما تحتهما، ثم غمرت الأنوار سطح البرج. إنه صوت امرأة ينادي من الأسفل: " أهذا أنت بيرس؟ "
انفصل بيرس وشاني عن بعضهما، كما لو أنهما مراهقان مذنبان تكورت البطانية حول قدمي شاني، فانحنت شاني لتسترجعهما. شعرت بالرتباك والضياع، فيما جاهدت لاستعادة صورة الواقع، تاركة بيرس ليجيب من يناديهما. كانت هذه سوزي، ليدي لوغانايك. نادى بيرس بصوت بدا مرتعشاً: " مرحباً "
قالت سوزي باعتذار: " كان يجدر بي أن أخبرك. لدينا جهاز إنذار، يرن إذا ما صعد أحدهم إلى هنا ".
آه، اللعنة! فكرت شاني بصمت، ثم قامت بمسح شامل للمكان بعينيها لترى إن كانت هنالك لآلات تصوير. نادى بيرس: " نحن آسفان حقاً لأننا أيقظناك".
فكرت شاني، الحمدلله إنه يستطيع التكلم، لأنها لا تظن نفسها قادرة على ذلك. نادت سوزي: " أنتما لم توقظاني. كنت في المطبخ، أحلم بتناول مخلل نبات الشبث ".
تكلمت شاني بحذر، وهي تسترق النظر من فوق الحافة قائلة: " أأنت حامل؟ "؟.
نادت سوزي بابتهاج: " آه! مرحباً، شاني. نعم، أنا حامل ". نادى صوت رجولي من داخل أبواب القصر المفتوحة: " سوزي! أين أنت بحق السماء؟ ".
" أنا هنا . . . في الخارج، أحمي سطوح الأبراج ". ما لبث أن خرج هاميش، لورد لوغانايك من الأبواب الخشبية الأمامية الضخمة. زمجر وهو يقبل زوجته برفق على قمة رأسها: " من هناك على سطح البرج؟ " استدار ليحدق إلى الأعلى، وهو يحمي عينيه من وهج الأنوار الكاشفة. كانت شاني وبيرس مضائين كالتماثيل التي تزين الفتحات الجانبية للبرج. حدقت شاني ببيرس، إنه مشعث الشعر، مع ذلك بدا رائعاً. فجأة ضحكت ضحكة مكتومة، فوجئت هي نفسها بها. طالبها بيرس قائلاً: " ما المضحك الآن؟ ".
" أفكر أننا تمثالان رائعان ". قالت شاني ذلك بصوت مرتفع بما فيه الكفاية، كي يسمعها الزوجان في الأسفل. زمجر بيرس: " تكلمي عن نفسك "
" تمثال السيد والسيدة ". قالت شاني ذلك، وقد قررت أن المزاح هو الأسلوب الوحيد للخروج من هذا الموقف. علقت سوزي: " ربما أنت على حق. أفترض أن التماثيل تتجول ليلاً، حين يكون الآخرون في أسرتهم ".
سأل هاميش: " هل أنتما بخير؟ ".
أجاب بيرس: " نحن بخير ".
" والأولاد؟ "
" نائمون. نحن كنا فقط . . . نتكلم عن الأولاد ".
ردت سوزي وهي تبتسم ابتسامة عريضة: " هذا ما بدا عليه الأمر ".
طالب هاميش زوجته وهو يستدير نحوها مجدداً: " إذا لم أنت مستيقظة؟ ".
" كنت أبحث عن مخخل نبات الشبث ".
" مخلل نبات الشبث؟! ". " لم ليس لدينا مخلل نبات الشبث في مكان حفظ المأكولات؟ أو السردين؟ السردين المعلب. لا يمكنني أن أجده في أي مكان تكلم هاميش بنبرة تنم عن الرضوخ، فقال: " هذا سوف يكون حملاً طويلاً. أتريدنني ان أوقظ بقال خليج الدلافين الآن، فأطلب منه إيصال طلبية مستعجلة من المخلل؟ ".
تنهدت سوزي قائلة: " يمكنني أن أعيش من دونه الليلة، شرط أن أحصل عليه في الصباح الباكر ".
" أود أن أذهب إلى البلدة غداً، لقص شعر وندي ". نادت شاني بذلك، وهي تحاول أن تتحكم بالحديث. تابعت: " يمكنني أن أحضر مخلل نبات الشبث حينها قالت سوزي: " سآتي معك ".
" هاي! أنا قادم أيضاً ". قال بيرس ذلك، فخرج الحديث عن مجراه مجدداً. لم قال ذلك؟ نظرت شاني إليه، ثم أشاحت بنظرها. بدا بيرس أكثر إرتباكاً منها. علق هاميش: " يمكننا أن نذهب جميعاً ".
" لا! ". على الأقل بدا كلام اللايدي لوغانايك عازما، إذ تابعت: " لا يمكنك. في الواقع . . . لا يمكنني أنا أيضاً، لأننا وعدنا الأولاد بتمضية اليوم بأسره على الشاطئ. يا لها من متعة أن تعلمهم كم أن الماء ممتع. و . . . تذكرت الآن . . . هنالك عجينة الأنشوقة في المطبخ، أظنها ستفي بالغرض".
قال هاميش: " فليكن الله بعوننا! ".
أجابت سوزي بكلمات سريعة: " إننا نهدر الوقت. إذ بمقدوري أن أدهن الخبز المحمص بعجينة الأنشوقة في هذه اللحظة بالذات. عمتم مساءاً يا رفاق ".
بعدئذ سحبت زوجها نحو المطبخ من دون أي كلمة أخرى، تاركة شاني وبيرس بمفردهما و ما إن دخل الزوجان إلى القصر حتى أطفئت الأنوار الكاشفة. من الواضح أن هاميش وسوزي قررا أن الشخصين الموجودين على سطح البرج يحتاجان إلى الظلام تماماً كما الوحدة. تراجعت شاني بضع خطوات إلى الوراء. تدبرت أن تقول: " ما من داع لأن تأتي أنت إلى البلدة يوم غد. وندي وأنا سنكون بخير ".
" إنها تجفل حين أكون قريباً منها ".
" فقط حينما تنسى . . . أنك أنت ". " إذا ربما يجدر بي أن أعمل على ذلك ".
" ما أهمية ذلك، ما دمت ستتراجع وتنسحب ". قالت شاني ذلك بحياء، وهي تحاول جاهدة ألا تفكر كم هو قريب منها، وكم تتوق إليه بشدة. لو أنه يأخذ بيديها مجدداً. كي . . . قالت لنفسها، لا! ثم تدبرت أن تقول: " إذا كنت فعلاً تخطط لإيجاد مدبرة للمنزل، ورؤيتهم فقط خلال عطلات نهاية الأسبوع . . . ".
" إنه الشيء المنطقي الذي يجب أن أفعله ".
" أحقاً؟ ".
" أنا لا أرغب بالارتباط ". قال بيرس ذلك وهو يبدو مرتبكاً، فأومأت شاني. حسناً! إنها فتاة تملك عزة نفس قوية. " وأنا كذلك ". إنه تصريح بأن ما حصل للتو بينهما كان انحرافاً عن المسار.
" أنا آسف لأنني عانقتك ". قال بيرس ذلك، ما برهن أنه يفكر مثلها تماماً. تكلمت شاني بحذر، وهي تحاول جاهدة أن تبقى صوتها طبيعياً، فقالت: " كان عناقاً جميلاً جدا، إذ لم يعانقني أحد من قبل على سطح البرج " .
" أترغبين بأن نفعل ذلك مجدداً؟ ".
مهلاً! إنه يسأل. ما الذي تراه يفكر به؟ قالت شاني: " لـ . . . لا! ".
قال بيرس برزانة: " هذا أفضل، فنحن لا نرغب بإعطاء انطباع خاطئ عن التماثيل ".
" صحيح ". يجدر بها أن تستدير حول نفسها، وأن تتجه إلى الداخل. فكرت شاني بذلك، لكنها لم تقوى على حمل قدميها لأن تستدير. قالت: " إذا أنت لا تنوي أبداً أن تتزوج، وأن تنجب أطفالاً؟ ".
أتراها فقدت عقلها بطرحها أسئلة كهذه عليه؟ " لدي خمسة اولاد ".
" أنت اتخذت ذلك القرار قبل أن تجد نفسك مع خمسة أولاد ". قالت شاني ذلك وهي تلتزم بدفاعاتها متابعة بعد تردد: " لندع الأطفال. لم بالكاد تقابل روبي؟ ".
" أنا أزور روبي. فأنا أمر بها مرة في الشهر كي ألقي التحية، أو على الأقل كنت أفعل ذلك قبل أن يصير لدي خمسة أولاد اعتني بهم بمفردي ".
" هل تحب روبي؟ ".
" أنا أدين لروبي بكل شيء ".
" بالرغم من ذلك، تزوجت وتبنيت خمسة أولاد، ولم تخبرها ".
" لأنها سترغب بالتورط معي ".
" إذا أنت تنقذ روبي من نفسها، كما أنك تنقذ نفسك ".
قالت شاني ذلك بحذر، فهذا الإحساس العميق في داخلها راح ينمو مع مرور كل دقيقة. هذا الإحساس بأنها وقعت في حب هذا الرجل بشكل ما منذ عشرين سنة، وأنها كانت تنتظره منذ ذاك الحين. إنه شعور غبي، لكنه موجود، ما جعلها تمارس الحذر والانتباه. قالت: " لكنني بدات اتساءل . . . هل تعرف أن روبي تعيش لأجل التورط. أتعلم أنها فقدت زوجها بعد مرور ثلاث سنوات فقط من زواجهما؟ كاد الأمر يقضي عليها، لكنها عوضاً عن الإنغلاق على نفسها، فتحت قلبها لتستقبل كل ولد محتاج".
" مثلما فعلتٌ أنا " .
" أنت لم تفتح قلبك لأي شخص. أنت مازلت تتكلم عن توظيف مدبرة منزل ".
" لا يمكنني أن أتأقلم مع الأولاد بمفردي ".
" أنت تريد من مدبرة منزلك أن تتأقلم معهم بمفردها ".
" لا! أنا لا أريد هذا ".
" لكنك مازلت تفكر أنه سيكون من الجميل أن تراهم خلال عطلات نهاية الأسبوع. بالرغم من ذلك ينفطر قلبك حين ترفضك وندي ".
" اللعنة! شاني . . . ".
قالت شاني بحكمة: " أنت لا تعرف ما الذي تريده. اشتريت مزرعة كبيرة رائعة في الريف لأنك ظننت أن روبي ستتمكن من استعمالها لإنقاذ بضعة أطفال آخرين، وحين فكر أخوتك بالتبني أن روبي بحاجة لأن تتقاعد وترتاح، جاريتهم، مع أن ذلك يعاكس معرفتك الفطرية، التي كانت صحيحة أصلاً ".
" اللعنة! أنا كنت أفكر بالتبني المؤقت، لا بالاعتناء التام بخمسة أولاد بدوام كامل . . . "
" روبي قد تتعامل مع هؤلاء الأولاد كأحفاد لها، بيرسز هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى جدة ".
" لن أفعل ذلك بها. أخوتي على حق. يجب أن نحميها من نفسها ".
" آه! بيرس ".
" من الأفضل أن تعودي إلى السرير، إن لم ترغبي بأن أعانقك من جديد ".
هذا التعليق فاجأها، فقالت: " إذا بقيت هنا، هل ستعانقني؟ " .
ما قالته له للتو كان نوعاً من التحدي، ما جعل بيرس يتراجع: " أنا بحاجة لأن أعمل ".
قال ذلك من دون أن يرد على سؤالها، ففكرت شاني أنها بدت غبية بطرحها هذا السؤال. قالت: " صحيح ".
سألها بيرس وقد بدا فجأة غير واثق: " هل ما زلت ترغبين بالبقاء هنا لأسبوعين؟ ".
" إنها إجازة مجانية ".
" أنت تعلمين أننا لا نمانع لو رغبت فعلاً بالإقامة لدى روبي ".
" شكراً، لكنني سوف أبقى هنا ". هذا ليس تصرفاً حكيماً، لكنها متورطة سواء رغبت بذلك ام لا. لو ذهبت إلى منزل روبي، فهي سوف تمضي وقتها متساءلة عما يفعله الأطفال، وعما يفعله بيرس. منذ ثلاثة أيام كانت غارقة حتى أذنيها بالكارثة المالية والعاطفية، والآن ها هي منشغلة بخمسة أولاد معوزين ورجل معوز واحد. إنه . . . بيرس. بيرس المرتبط بطفولتها . . . بيرس الذي عانقها الآن، إلا أنه لا يريد أن يعانقها مجدداً. قال لها بيرس: " يمكنني أن أقرضك المال ".
سادت لحظة جمود، فقالت شاني: " أتريدني أن أرحل؟ ".
" اللعنة! شاني، أنا فقط لا أريد أن تسيئي الفهم ".
" أتعني، لأنك عانقتني؟ ". جاء الغضب لمساعدتها الآن . . . السخط الصافي الصرف، فتابعت قائلة: " أنا لست طفلة. إذا كنت تظن أن ذلك العناق كان شيئاً مميزاً . . . " كلاهما علم أنه كذلك، لكنها لن تقر بالأمر، هي تفضل الموت على للإعتراف به. أجبرت نفسها على أن تبدو ساخرة وهي تقول: " إنك لست تتكلم عن علاقة غرامية لليلة واحدة. بل مجرد عناق ".
ما زال بيرس يبدو غير واثق وهو يقول: " هذا صحيح. إنه فقط عناق وحيد ".
ذكرته شاني قائلة: " في الواقع . . . عناقان. لكن الأمر سيان . . أنا ذاهبة إلى السرير ".
تراجعت نحو الباب الزجاجي. لم يتحرك بيرس بل قال: " عمت مساءً ".
ردت شاني: " عمت مساءً ".
حدقت بشكله للحظة اخيرة مطولة، لكن بيرس لم يتحرك. أخيراً استدارت، وذهبت إلى غرفة نومها الموجودة في البرج. فكرت باسى أنها منقلبة رأساً على عقب، بسبب وقوعها في حب بيرس ماك لاكلان..
............................
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top