1. SASUKE

كونوها، مايو 2018.

1.

مددت ذراعي نحو المكان الفارغ بجانبي، تُدَفِّئُه أشعّة الشمس المتسربة من الشرفة. عادت إلى ذهني لحظاتٌ من الليلة الماضية بَسَطَت شفتايَ في ابتسامة. لم أنم جيّدًا هكذا منذ فترة. دفنتُ وجهي في الوسادة أستنشق رائحتها.

أحبّها. أحبّها كثيرًا، ولكن، كما لو أنّ فكيَّ ينفصلان أو أنّ لساني ينشلُّ كل مرّة أوشك على الاعتراف بذلك، تتصارع الكلمات للخروج من فمي. إن لم أستطع التعبير عن هذا الشعور لفظيًا دون أن تخونني العبارات، فأنا أريد على الأقل أن أنقله لها من خلال أفعالي. هل ستصدّقني حينها؟

فتحت دُرج الطاولة جنب السرير وأخرجت حاسوبي المحمول. قبل أن تغادر الحمّام، سارعت بحجز غرفةٍ لنا في فندق في كومو. عطلة لمدة أسبوع في الريف، بعيدًا عن هنا، ستساعدنا على إحياء علاقتنا وصداقتنا. لن أعطيها خيار الرفض!

ناديتها مازحًا:

— هيناتا؟ هل غرقتِ؟

لا رد. اقشعر جلدي. تسارعت نبضات قلبي. كلا، ما الذي أفكر فيه؟ ماذا لو... لا، لا! فتحت باب الحمّام بفزع. هيناتا؟

— أين أنتِ... هيناتا؟

حوض الاستحمام فارغ. أين ذهبت؟ لا... أنا أتخيّل أشياءً. هدّئ من روعك يا ساسكي، ربما ذهبت للتسوّق. أجل، لتعدّ لنا فطورًا شهيًا كالمعتاد...

ارتديت سروالي والتقطت قميصي. ورقة على طاولتها الجانبية لفتت انتباهي. رسالة؟

صّررت على أسناني وأنا أتفحص الكلمات المكتوبة عليها. سحقًا! اتّصلتُ بها فدوّت رنة هاتفها الكئيبة في الغرفة. صرخت غاضبًا:

— هيناتا!

مرتبكًا ومتوتّرًا، بحثت عنها في منزلنا من الأعلى إلى الأسفل، فلم أجدها! سيارتها ليست في المرآب. كيف لم ألاحظ ذلك؟ كيف لم أنتبه لرحيلها؟ سلوكها الغريب، وقصة شعرها الجديدة، وضحكتها الهستيرية... كيف تجاهلت كل هذه العلامات؟

قدتُ سيارتي نحو وجهة مجهولة. المقبرة؟ المستشفى؟ مركز الشرطة؟ أين يمكن أن أبحث عنها، أن أجدها؟ كل ثانية في تلك الإشارة الحمراء اللعينة تمثِّل وقتًا مهدورًا. زوجتي قد رحلت، زوجتي...

التقطت هاتفي وأجبت دون أن أنظر إلى الشاشة. كفاي متعرّقان، ورؤيتي ضبابية، أنا أتوقع الأسوأ.

— ساسكي، مرحبًا؟

— سأكلِّمكِ لاحقًا، كارين، أنا مشغول.

— الأمر يتعلّق بـ هيناتا، إنّها هنا!

كونوها، أكتوبر 2013.

2.

دراسة الطب لا تنتهي أبدًا؛ طالب، متدرّب، طبيب مقيم، مساعد... يمكنني أن أقضي بقية حياتي مسمّرًا على هذا المكتب. في أوجّ سذاجتي، كنت أراها حلمًا وهدفًا وتحديًا، لكن الجراحة ليست هواية. الرجل الذي أصبحت عليه يدرك ثقل هذه المهمّة. ومع ذلك، هذا خياري وعليّ أن أتحمل مسؤوليته، أليس كذلك يا أخي؟

ألقيت نظرة على ساعتي: العاشرة ليلًا! ما زالت تنتظرني مجموعة من فصول التشريح لأراجعها، لكن لا فائدة ترجى من الضغط على نفسي الآن، فالإرهاق قد تمكّن منّي ولست قادرًا على التركيز. حمّام بارد وليلة نوم هادئة سيُفيدان ذاكرتي.

أطفأتُ مصباح مكتبي ومددت ذراعيّ متثائبًا. هيّا! على بُعد خطوتين من باب الحمام، استوقفني رنين هاتفي. أوه، لا! هيناتا. سوف تزعجني ثانية بقصصها. لقد سئمتُ سماع بكائها بسبب ذاك الفاشل ناروتو.

— مرحبًا.

— هاي، سا-سو-كي. كيف الحال؟

اللعنة، إنها ثملة.

— ما الأمر يا هيناتا؟

— همم... أنا لا أستطيع القيادة، كما تعلم، أخشى أن أهرس أحدهم!

انفجرتْ ضاحكة. آه، سائقكِ الشخصي في الخدمة، طبعًا... وإلّا، لِما قد تتصل بي؟ حسنًا، على الأقل طلبت مساعدتي. هذا ما أسميه التعلّم من الأخطاء!

— أين أنتِ الآن؟

3.

أيقظت أضواء الملهى الليلي المزرقّة صداعي. شقّيت طريقي وسط حشدٍ من الشباب المتعرّقين وهم يتحركون مثل الأمواج على إيقاع الموسيقى. صراخهم يخترق طبلة أذني. لكن أين هي، أين؟ يجب أن أخلد للنّوم قبل منتصف الليل!

— ساسكي!

جالسة مع رجل غريب أشقر، لوّحت لي بذراعها ضاحكة. تلك الغبيّة! أخذ دمي بالغليان... أكره، لا بل أمقت رؤيتها تتصرف هكذا. صررت عن أسناني وأمسكت بقوّة بمعصمها النحيل أجرّها إلى المخرج، غير آبهٍ بشكاوي الناس الذين اصطدمنا بهم أثناء سيرنا.

— مهلًا! على رسلك! أنت تؤلمني! ساسكي!

توقّفتُ وسط موقف السيارات وحرّرت يدها. خلعَتْ حذائها و أخذت تدلّك كاحلها.

— لقد آلمتني! لا أستطيع المشي!

التواء؟ هذا ما كنّا نبغي!

— أتعرفين ما الذي يؤلم أكثر من ذلك؟

سألتني ببراءة:

— ناروتو؟

ابتلعت ريقي وحملتها بين ذراعيّ. نعم، أنتِ هنا بسبب ذلك الوغد، لكنك ستكونين بخير، ستتجاوزين هذا الأمر. لن أتخلى عنكِ!

— بل أن يغتصبوك ويرموك في الشارع مثل الجورب القديم!

أطلقَت صرخةَ فزعٍ ودفنت رأسها في عنقي.

— أنت تخيفني بكلامك هذا!

— هذا يبشّر بالخير.

فتحتُ باب السيارة، لكن قبل أن أضع قدمي صديقتي على الأرض، تناثر قيؤها على قميصي. تعجّبت مرحة:

— ويحي!

صررت على أسناني. هذه الرائحة النتنة، هذا الإحساس المزعج بالقماش المُتّسخ على جلدي؛ لقد بلغ صبري حدوده، سأفقد صوابي!

أمرتها بهدوء:

— اركبي السيارة! ستكون هذه آخر مرة أقلّك فيها. إن لم تستطيعي البقاء صاحية وفي كامل قواك العقلية، استأجري سائقًا.

امتلأت عيناها بالدموع، ودون أن تنطق بكلمة أخرى، استقرّت في مقعد الراكب وربطت حزام الأمان.

— هل يمكنك دعوتي على فنجان قهوة في منزلك؟ يجب أن أستحم أيضًا! لا أريد أن تراني هانابي هكذا.

تنهّدت بيني وبين نفسي. أنا حقًا، حقًا، لا أستطيع أن أرفض لها طلبًا!

4.

أدخلت كبسولة في ماكينة القهوة وقمت بتشغيلها. بينما يمتلئ كوب هيناتا، جثوت على ركبتي لأفحص قدمها.

— تحتاجين إلى إراحة أربطة قدمك، سأحضر لكِ دعامة للكاحل.

— ساسكي...

— همم؟

— شكرًا على كل شيء و... آسفة على ما حدث سابقًا.

لان قلبي وتبدّد غضبي. نهضتُ، ودون أن أنظر إليها، بحثت عن حقيبة الإسعافات الأولية في خزانة المطبخ.

— لا أحب أن أراكِ هكذا، أنا لم أعد أعرفكِ.

— كيف هي أنا التي تعرفها؟

فتحت الحقيبة وأحضرت دعامة الكاحل ومرهمًا مُخَدّرًا.

— حذرة... حكيمة... هادئة... محتشمة... انسي الأمر.

— فهمت... هل لي بحمّام قبل وضع ذلك؟

أشارت بسبّابتها إلى الأنبوب الذي أحمله. أومأت برأسي.

— بالطبع... اعتبري نفسك في منزلك.

قالت ضاحكةً:

— شكرًا!

في غرفتي، أعرتها بدلة رياضية وثوب استحمام.

— سأغتسل بسرعة تحت المرش ريثما يمتلئ حوض الاستحمام، يمكنك احتساء قهوتك حتى أفرغ.

— يمكننا أن نفعل ذلك معًا أتعلم!

نفعل... سألت بتوتّر:

— نفعل ماذا؟

— أنا أمزح، أمزح! أنت حقًا في كامل قواك العقلية!

سحقًا، هذا ليس مضحكًا البتة!

5.

على الأرجح، لم تأكل شيئًا الليلة... لذا سخّنت لها بقايا الطعام من العشاء، وغسلت فنجان قهوتها. أعدت ترتيب حقيبة الإسعافات الأولية. غريب، لم أستخدم عدّة الخياطة منذ زمن، لماذا هي مفتوحة؟

مهلًا... أعدت فتح العدّة وتفقّدتها: حامل إبر، ملقط تشريح، مقص و... أين شفرة المشرط؟ ليست موجودة! غير ممكن... غير معقول...

— هيناتا!

طرقتُ على باب الحمّام. ما من جواب! أدرتُ المقبض؛ لا فائدة، إنه مقفل من الداخل.

— هيناتا، أجيبي، أرجوك!

لم يصلني سوى صدى سيلان الماء من الحوض. فتحت دُرج الطاولة الجانبية لسريري أبحث عن المفتاح الاحتياطي، فلفتت نظري ورقة مطوية على الطاولة:

آسفة، لم أعُد قادرةً على التحمّل.

لا أريد أن أزعجك أكثر من ذلك...

شكرًا على القهوة!

اللّعنة، ماذا فعلت؟ هذا خطئي! لو أنّني لم أعاتبها على اتّصالها... لو أنّني لم أخبرها بأنني أكره رؤيتها على ذاك الحال... لما فكّرت هيناتا بأنها عبءٌ ثقيل علي، لما فكّرت أبدًا... أبدًا في الانتحار.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top