الفصل الثاني
في تلك الأثناء كانت المجموعة تجهز طعام العشاء بينما يتبادلون أطراف حديث لطيف، سمعوا صوت الرعد فجأة فارتعبوا لأنه يعيد شريط ذكرياتهم ليوم الحادثة الأليمة التي جعلتهم يتركون منازلهم ويغادرون القرية دون أي تردد بحثًا عن الأمان، وقد ظنوا أنهم سيكونون بأمان هنا بعيدًا عن الخطر لكن ها قد عاد شبح الرعب ليطاردهم مجددا قبل أن تتم فرحتهم.
- ألم يعد الرجلان اللذان خرجا لجمع الحطب بعد؟
سألت امرأة من بين المجموعة التي وصلت حديثا رفقة لومان والذعر واضح من نبرة صوتها المرتعدة
- ومتى خرجا؟
سألتها أفوان لتجيب
- بعد العصر.. قال زوجي أنهما لن يتأخرا بالعودة لكنهما لم يظهرا حتى الآن.. صوت الرعد هذا يحيي في ذاكرتي مشاهد أليمة ويبث في قلبي الرعب..
- أيها العجوز! ما الذي سنفعله الآن؟
التفتت أفوان محدثة العجوز ليجيبها..
- لاشيء! هذا مصير من لا ينتبه على نفسه…
قال بينما يعد مفروشات ليجلس عليها..
- ما الذي تعنيه بلا شيء؟! أنت من جلبنا إلى هنا بغرض حمايتنا! عليك أن تفعل شيئا ما لإنقاذهما، صرخت تلك السيدة والغضب يعلو محياها.
- لا يمكنني إنقاذكم دائما فالجرة لا تسلم كل مرة!
قال العجوز ببرود بعد أن جلس أرضًا لتناول ما قدمته له أفوان من طعام، أما تلك السيدة فقررت الانتفاض في سبيل إيجاد زوجها وجهزت نفسها للخروج.
- إن أردت خسارة الجنين الذي بأحشائك... اخرجي!
قال العجوز مجددًا فارتجفت تلك السيدة بعد أن توقفت عن السير، وضعت يدها على بطنها لتحسس الروح التي أُعْلِمَت توًا بقدومها ثم سقطت جاثية على ركبتيها، فقد فشلت قدماها في الحفاظ على ثباتها للحظات.. توقفت أمسيهار عن إطعام تسوكي ونظرت ناحية تلك المرأة فوجدت أنها وقفت مجددا لتواصل في تنفيذ ما قررته متجاهلة ما قاله لها العجوز توًا محدثة نفسها بصوت مسموع..
- لن أدع الصغير يعيش بدون والده، وإن حدث لي شيء فسنلتقي في الحياة الأخرى.
استوقفتها أمسيهار ساخرة بينما تكمل إطعام شقيقها..
- فقط لا تصرخي طلبا للنجدة بالخارج، لأنه لا أحد سيتمكن من المساعدة.
تقدمت أفوان نحو السيدة لتوقف تهورها الذي قد تدفع حياتها وحياة جنينها ثمنا له
- الصغيرة أمسيهار على حق لن يتمكن أحد من المساعدة لذا تعالي وتناولي الطعام معنا كي تحافظي على صحتك وصحة الجنين.
-'صغيرة!'
تمتمت امسيهار وهي تبتسم بسخرية بسبب ما فتحته هذه الكلمة من صفحات مطوية من كتاب ذاكرتها، لكنها سرعان ما أعادت طيها وواصلت في إطعام شقيقها ثم جعلته ينام بعد أن غنت له تهويدة لطيفة، وضعته على المفروشات التي جهزتها له مسبقًا ثم استلقت بجانبه تراقبه بهدوء محاولةً طرد الشعور السيء الذي يطغى في دواخلها.. أشياء بالأرجاء تزعجها، همسات متكررة من اللامكان تخترق طبلتي أذنيها، قلبها منقبض أكثر من أي وقت مضى، شعور الأمان ذاك لم يعد له وجود، لأنها.. وبشدة تشعر أنها في حضن الخطر، وتخشى أن تستدير لتجده خلفها مُطارِدًا إياها، كيفما حاولت أن تبعد هذه الهالة الغامضة السوداء عنها لم تتمكن، وبسبب هذا قضت الليل بطوله على نفس الحالة دون أن يغمض لها جفن.
عندما رأت أول شعاع من أشعة الشمس يعلن قدوم الصباح بعد تلك الليلة المريرة وانتبهت أن جارتها أفوان استفاقت لتحضير الطعام، حملت معها تسوكي -الذي بدوره استفاق ما إن شعر بتحركات شقيقته- وذهبت لمساعدتها في تحضير الطعام، تركت تسوكي يلعب مع بقية الأولاد، وبدأت المساعدة.
أثناء العمل على الأمر، انتبهت أفوان أن المياه قد نفذت فطلبت من أمسيهار أن تجلب لها البعض منها، وما كان على أمسيهار سوى أن تنفذ، توجهت لمكان جرات المياه -المتواجدة بالغرفة المجاورة- لكنها كانت فارغة، أعلمت أفوان بأنها ستخرج لملئ بعضها، ثم سارت نحو حقيبتها سحبت منها خنجرها وعلقته على حزام فستانها -أخذًا للحيطة لأي شيء غير متوقع بالخارج- بعدها ارتدت عباءتها وهمت بالخروج، مخلفة بعض الكلمات..
- لا تبعدي عينيك عن تسوكي أثناء خروجي.
- أجل، لا تقلقي… احترسي، ولا تبتعدي كثيرا.
رفعت أمسيهار يدها دون أن تلتفت خلفها -كإجابة صامتة أنها ستفعل- مواصلة طريقها للخارج، حيث فرصة العثور على الأمان منعدمة.
اتجهت إلى ضفة النهر القريبة من القصر الذي خرجت منه، وضعت إحدى الجرتين قربها وراحت تملأ الأخرى، ما إن انتهت من الأولى التفتت لشمالها لتملأ الثانية..
والمفاجئة…
لم تجدها حيث وضعتها.. التفتت خلفها لكن لا يوجد شيء.. وقفت من مضربها وتفحصت المكان بناظريها.. ولا.. أي.. شيء.. و.. ها هو الأمر يتكرر مجددا.. حاولت تجاهله.. مكملة بحثها عن الجرَّة التي اختفت من المكان بغرابة.. لكن.. لا.. لم يعد الأمر يطاق الآن.. إنها تتزايد.. تتكاثف.. تلك الهمسات تطاردها.. صداها يقترب أكثر فأكثر.. إنها كفحيح أفعى يخترق آذان فريستها التي تعتصرها بقوة أثناء التفافها عليها.. وقفت ساكنة مكانها لوهلة، تحكم قبضتها بقوة.. وقد اجتاحها الغضب بصورة غير متوقعة.. لم تفكر مرتين ولم تتردد في اتخاذ ذلك القرار.. الذي وبكل تهور -أو شجاعة ربما- يقتضي بالتوجه نحو المكان الذي يصدر منه الصوت.. التمثال هناك .. تمثال أبو الهول.
.
.
بين أروقة تمثال أبو الهول، تتجول امسيهار مخترقة الظلام، مطاردة ذلك الصوت، الذي يبدو أنها تعلم مصدره جيدًا، فهو يناديها باستمرار ويكاد يصيبها بالجنون، لقد كانت تسير بالداخل وكأنها ترعرعت في هذا المكان أو كأنها شاركت في تشييده..
واصلت السير بحذر إلى أن وصلت لنهاية موصدة، كانت غرفة بأربعة جدران، شبه مظلمة، بداخلها العديد من المرايا المعلقة على طول محيطها، ظلت هناك لدقائق تبحث عن مصدر الصوت الذي اختفى فجأة ما إن دخلت..
استسلمت بعد أن أدركت أنها لن تجده مهما بحثت فهمَّت بالخروج، لكن كالخيال، ما إن تزحزحت من مكانها لتغادر انتشر النور في كل مكان، فقد وصلت الشمس لعلو سمح لبعض أشعتها بالدخول من ممر في أعلى الغرفة ثم تساقطت على أحد المرايا التي هناك وبسرعة لا يدركها شيء انعكست -بعد أن تجمعت في شعاع واحد- من مرآة لأخرى، مشكلة بهذا نجمة خماسية.. تبعها ظهور رموز غريبة مشعة في كل جدران الغرفة.. كانت عبارة عن كتابات ورسومات فرعونية قديمة مشعة جذبت انتباه أمسيهار -الواقفة أمام مخرج الغرفة- المتفاجئة إليها ولوهلة جعلتها تنسى ما جلبها إلى ذلك المكان..
لكن ذلك الصوت ظهر مجددًا وجعل الرعب يدب في داخلها بوحشية، فقد كان كما لو أن أحدهم همس بالقرب من أذنها… استدارت بسرعة على وضعية الدفاع لتنذهل بما رأته، ذاك الانعكاس الذي تشكل في الغرفة، باستسلام تقدمت إلى مركز النجمة، الصوت جذبها إليه وهي بهدوء وبلا أي تردد تبعته، وكشخص منوّم مغناطيسيا غرقت تحت تأثيره..
ما إن أصبحت بمركز تلك النجمة، وجدت نفسها تقف في مكان ليس بالمكان الذي دخلته توًا، ولا أي صلة تربط بين المكانين، كان مكانًا لم تطأه قدماها يوما، هو يشبه أرضية الحرب إن صح القول، الدخان في كل مكان، السماء ملبدة بالغيوم القاتمة، كأنها انتقلت من مكانها في لمح البصر أو ربما دخلت في وهم من صنع عقلها دون أن تدرك. قبالتها وُجِدَ شيء شد انتباهها، تمثال لشخص يخترقه سيفٌ بغرابة، وتحيط به الأعمدة من كل مكان..
ظلت تنظر لعيون التمثال بلا انقطاع، لا لف ولا دوران، لا نحو اليمين ولا الشمال، شيء ما يجذبها، يدعوها، يشدها لهذا التمثال الحجري، ثم في لحظة غير منتظرة، مباغتة، غير متوقعة، مفاجِئة، رفع التمثال رأسه! توهجت عيناه، وصدر صوت صارخ مختنق منه…
"ملعون!"
.
.
بداخل القصر أين يتواجد الأشخاص الناجون، كانت أفوان تسير ذهابا وإيابا والقلق بادٍ على ملامحها، تسأل نفسها هل تتحرك بمفردها؟ أم تنتظر قليلا بعد، ولكن إلى متى ستظل تنتظر، هي لم تعد منذ الصباح إلى الآن، وقد مر موعد الظهيرة بالفعل، لا بد أن مكروها قد حدث، لا بد أنها ضاعت بالخارج، أو أسوء.. ربما.. ربما..حسنا، حسمت أمرها وقررت إخبار لومان
- أفوان… أين أمسيهار؟
بلا عناء، لومان بنفسه أتى إليها، طرح سؤاله فارتجفت، ترددت وارتبكت.. لكن ما بيدها حيلة، عليها إخباره في نهاية المطاف..
- في الحقيقة.. خرجت هذا الصباح لتجلب بعض المياه.. لكن..
-لكن ماذا؟
سأل لومان بفارغ الصبر، فأجابته وهي تتحاشى النظر إلى عينيه وتُشابك أصابعها لصعوبة الموقف الذي وجدت نفسها به..
- لكنها لم تعد بعد.
وهنا تم إعلان حالة الطوارئ في أعماق لومان، كما لو أن إعصارا انفجر من العدم قلبت أحاسيسه رأسا على عقب بداخله، بل أسوء، كما لو أن نهاية شيء ما أعلنت، ولم يجد أمامه شيئا لفعله سوى أن ينفجر بوجه أفوان صارخا..
- كيف تركتها تخرج من هنا أفوان؟ ألا تعلمين من تكون؟ أين ذهب عقلك لحظتها؟
بعد ذاك الهجوم الصارخ ارتد صوته من جدران القصر ليخترق طبلتيه رفقة بكاء تسوكي وتصلب عضلات جسم أفوان إثر هذا الهجوم الغير منتظر من طرف عجوز حكيمٍ رزينٍ مثله، رأى لومان أن من الأفضل له أن يوقف الصراخ على الجدران كي لا تعيد إليه صراخه كرد فعل عليه، ويهدأ نفسه قبل أن يخرج للبحث عنها، أما أفوان فقد حملت تسوكي لتهدئ بكاءه وهي ترجو السماء أن يكون كل شيء على ما يرام.
.
.
بداخل غرفة تمثال أبي الهول، كانت أمسيهار شاردة، متصنمة مكانها بمركز النجمة الخماسية، فروحها كانت بمكان غير الذي هو فيه جسمها،
……
"ملعون!"
طريقة تحرك التمثال الصخري الذي كانت تنظر نحوه، وتلك الحمم التي ظهرت بين تشققاته، وصوته المختنق الصادر كفحيح الأفعى، جعلها تنتفض وتهتز من أعماق جوفها، كردة فعل عادية، وفي محاولة دفاع في لحظة ارتعابها، أمسكت بخنجرها ورمته ناحيته، خرجت من حلم يقظتها ذاك وعادت للمكان الذي كانت به من البداية -غرفة تمثال أبو الهول- لأن خنجرها حطم المرآة التي تواجدت قبالتها ما أفسد تتابع الحلقة الضوئية وأدى لاختفاء النجمة، فعادت الغرفة لتكون شبه مظلمة.
وسط أنفاسها المتقطعة حاولت تمالك نفسها، تقدمت للأمام لتسترجع خنجرها، وبمجرد أن التقطته التفتت خلفها وهي تلوح به في الهواء، فالهمسات عادت لتكسر ذلك الصمت المرعب برعب أكثر تركيزًا، وما يثير هذا الرعب بدواخلها أكثر كان حقيقة خلو المكان من أي كائن غيرها… هي بمفردها تماما في الأرجاء.. لكن ما تسمعه يبدو صادرًا من جيش بنفس المكان الذي تقف فيه.
خرجت من الحجرة مسرعة وهي تشق طريقها نحو المخرج النهائي لهذا المكان، لأنها وفي لمح البصر أصبحت مُطَارَدة بعدما كانت مُطَارِدة، أو هذا ما شعرت به بعدما سرق الخوف جزءا كافيًا من روحها ليعشش فيه…
يُقال أن الخوف سجن بلا قضبان،
بمجرد أن تدخل إليه، لن يتمكن شيء من إخراجك منه ولو طلبت النجدة بكل الطرق.
و..
يُقال أيضا...
أن مناخ الخوف أعظم مأوى لجرثومة الضلال.
وهذا ما أصبحت عليه أمسيهار، مأوى للضلال والضياع، والمخرج أصبح كخرافة داخل هذه الأروقة التي تركض فيها.. فبعد أن شقت مسارها للداخل وكأن المكان ملكٌ لها، أصبحت الآن حبيسة بين جدارنه، فريسة داخل مصيدته، ضائعة داخل متاهته..
كانت تركض هنا وهناك بهلع شديد، فالهمسات لم تعد تظهر كما في السابق، بل صارت تبدو انها تطاردها من الخلف، بل أكثر، يبدو وكأن المكان برمته يهمس، فقد صارت تسمعها في كل زاوية في كل رواق، محملة مع النسيم الذي يجول بين الأروقة، لم تستطع أمسيهار إيجاد مخرج النجاة بعد، وحيث ما زالت تهرب من تلك الهمسات وسط الظلمة، ظهر شيء آخر،..
نوع جديد من الرعب -في حين أن مصدر الأول كان مجهولًا، فإن مصدر الثاني معلومٌ ويظهر بوضوح- بأحد تلك الأروقة، بريق ظهر، كانت كعيون وحش، عيون بنفسجية متوهجة مخيفة ومرعبة، تجمدت الدماء بعروق أمسيهار وتصنمت مكانها ما إن رأت ذلك، لكن سرعة بديهتها حركتها وجعلتها تُحكِم قبضتها على مقبض خنجرها، أوقفت تنفسها من الصدمة حتى لا تصدر أي ضجيج محاولة بذلك الاندماجَ مع الظلام والسكون، حتى تصبح وكأنها غير متواجدة بالمكان، لكن لا يمكن تحقيق هذا، فالزمجرة التي صدرت من حنجرة الصمت، والتي كانت صادرة من ذاك الوحش -مجهول الشكل- صاحب العيون المشعة، جعلتها تركض بالاتجاه المناقض له، تعود أدراجها، غير مدركة للاتجاه الذي يجب أن تسلكه.
يا لطرافة ألعاب الحياة!... بعد أن كانت تتوغل في المكان لاستكشافه... أصبحت تبحث عن مهرب منه، أو على الأقل مكان للاختباء، لكن أين ستختبئ وهو يظهر في كل مكان تلتفت نحوه؟! وفي كل مرة تصبح زمجراته حادة أقوى من ذي قبل، غاضبة متعطشة لشيء ما، ما إن سارت بإتجاه ألا وتغير مسارها للهرب منه… وبأعجوبة بعد مدة قليلة، والتي بدت لها كدهر لا نهاية له، وجدت المخرج وركضت نحوه بكل ما تبقى لها من طاقة، أخيرا… النجاة!
ارتمت على الأرض -بعدما نزلت من قمة تمثال ابي الهول- كي تسترجع أنفاسها، بل لأن قدميها لم تعودا قادرتين على حملها أكثر، إنهما ترتعشان، ترتجفان وغير قابلتين للانصياع لأوامر العقل…
بعدما تمالكت نفسها، واستعادت القدرة على التحكم بأطرافها، وقفت، مقررة العودة لمكان مكوثها فقد انتبهت أن الشمس تكاد تنهي رحلتها اليومية.
في طريق عودتها التقت لومان، ولأول مرة منذ لقائهما رأته على هذه الحالة التي لا تشبه الهدوء في شيء، الهلع والاضطراب باديان بشكل لا يصدق على ملامحه، هدأ فجأة ما إن لمحها وتوقف عن السير، انتظر قدومها وأخبرها أن يعودا معًا فواصلت السير معه بهدوء ظاهري مناقض للفوضى التي تحدث داخلها، تساؤلات عديدة تتضارب في ثنايا عقلها لكنها للأسف لم تحصل بعد على إجابات لها، ولا زالت ترغب في البحث عنها لأن الطَرْقَ المتكرر الناجم عن تضاربها بين جدران عقلها سبب لها الصداع.
من يكون هذا العجوز؟
لماذا يساعدهم؟
ولماذا جلبهم لهذا المكان بالتحديد؟!
ولمَ يقوم بمراقبتها بهذا الشكل؟
نظراته تتبعها منذ شهر، حاولت بشدة تجاهلها لكنها الآن ما عادت تتحمل، وأصبحت ترغب في كشف ما يخفيه هذا الغريب.
وصلا وأخيرًا للقصر الذي يمكثون فيه، وبمجرد أن ظهرا قرب المدخل ركض تسوكي نحو شقيقته والدموع تملأ مقلتيه حاول تشكيل بعض الكلمات المفيدة وسط شهقاته بلغته الطفولية والتي تحمل صدق مشاعره رغم بساطتها
- تسوكي… لأمسيهار… اشتاق
حملته بين ذراعيها ومسحت دموعه براحة كفها، سارعت أفوان إليها تتفحصها ثم رمت نظرات خاطفة ناحية لومان فلاحظت أنه عرج للداخل بهدوء..
- أين كنت طوال اليوم أمسيهار؟ بعثتكِ لجلب بعض المياه فجعلتني أعض أصابعي ندما.
- فقط.. أنا.. ضعت في الخارج.. و.. لم أجد طريق العودة بسهولة كما ظننت.
أجابتها أمسيهار وهي تداعب تسوكي حتى يتوقف عن البكاء، أحاطت أفوان ذراعها على كتفي أمسيهار، و دخلتا بعدما طلب منهما لومان ذلك، لأنه وقت المغيب..
- هيا، وجهك شاحب، تعالي اشربي بعض الماء لا بد أن حرارة الشمس لم تتهاون في ترك أثرها عليك، وخذي قسطا من الراحة فأنت تتصببين عرقا. سأتولى إطعام تسوكي الآن، أظنه سيقبل الطعام بعد أن رآك بالجوار.
- لا عليك... سأتولى مسألة إطعامه بنفسي
قبل أن تعرج للداخل، رفعت رأسها باتجاه تمثال أبي الهول، شعور يخالجها.. بأن هناك شيء ما يتواجد بالقرب منها ليراقبها ويتبعها من هناك، لكنها لم تظل واقفة أمام المدخل طويلا فقد نادتها أفوان مجددا.
بداخل القصر، أين يتواجد الجميع، جلست أمسيهار مع تسوكي في مكانهما المعتاد راحت تطعمه، وبينما هو يمضغ طعامه بدأ يحاول تكوين جمل صغيرة ليروي لشقيقته ما حدث في غيابها..
-لَما أمسيهار ذهبت.. العم العجوز كان يصرخ! بع.. بعدها اختفى الجميع!.. قال رافعًا ذراعيه نحو السماء بغتة ليشاركا هما أيضا في السرد ثم واصل بصوت خافت حزين بعد أن ارتسمت على ملامحه صفات الحزن، فبكى تسوكي..
أومأت أمسيهار وهي تبتسم بلطف له لطمأنته وقالت له:
-واصل القصة عندما تنتهي من مضغ طعامك أيها الصغير..
فجأة هزيم الرعد هز المكان، انتفض كل من بداخل القصر، أما أمسيهار فقد توقف قلبها لبرهة من الصدمة، ليس بسبب الصوت بل بسبب ما قاله تسوكي ما إن سمع صوت الرعب الصادر من الخارج..
- أبي.. جاء.
ما الذي يعنيه، لِمَ وفي لحظة كهذه بحق السماء يلفظ هذه الكلمات التي جعلتها تبرد وتسخن في نفس الوقت بسرعة الصوت؟! لَم تُحدث أية ردة فعل في محاولة منها للحفاظ على برودة أعصابها وألا تلفت الأنظار، وأكملت إطعام شقيقها وإطعام نفسها بهدوء..
لكن وبشكل مفاجئ، زوجة الشخص المفقود نهضت من مكانها لإعلان الفوضى..
- أيها الناس، لنطرد هذه الفتاة من هنا.
رفعت أمسيهار رأسها لترى من المتحدث، فوجدت تلك المرأة تشير إليها بغضب، نظرت حولها لتجد الجميع ينظر ناحيتها بغرابة، ما عدا أفوان التي بدت عليها ملامح القلق فأخذت تحرك نظراتها بين المرأة والعجوز الذي جلبهم إلى هنا، أما لومان فلم يحرك ساكنا، كان يواصل أكله بهدوء غير مبالٍ بما يحدث.. فما كان على أفوان إلا أن تسأل بتردد..
- وما الذي يدفعك لقول هذا الآن فجأة؟ بعدما حل الليل؟
- إنها من الأعداء!!!
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top