نشرةُ أخبار النّقد.

ازدحامٌ وضوضاء ملئا المكان يتحرك مُحدثوها في الأرجاء؛ محاولةً لإنهاء التحضيرات، تُلقي عليهم بيل المتوترة أوامرها مشيرةً بكُلّ اتجاه: «هيّا بسرعة، لقدّ تأخرنا كثيرًا، أنتَ، عدّل زاوية الكاميرا، وأنتِ أيضًا تأكديّ من إشارة القناة! ستكون كارثة إنّ تقدّمت علينا القنوات الأخرى بسرقتها.»

لم يفهم عليها الشاب الكثير لأنّها لا يفهم في أمور التصوير لاختصاصه بالأزياء. تُعطي المخرجة العزيزة سومر بعينيها الوعيّد لما بدر من الأولى من تأخيرٍ شديد قائلة: «أنجزي يا بيل ما عليك، انتظرنا الكثير من اهمالكُ الكبير»، رّد بيل كالمذنبة: «لم يبقى الكثير.»

انفعلت سومر: «لم يبقى الكثير! وآسِر ما زال قيد التجهيز.»

شهقت بيل تتمتم بعدها متذكرة: «تبًا، نسيت أنّ أوجّه خبيرة التجميل إليها»، مسّدت سومر جبهتها: «لقدّ انتهيتي يا فتاة.»

ابتلعت الأخرى رمقها تتخيّل ما سيحلّ من كارثة وقالت لمرة أخرى: «أنا حقا آسفة» هزّت سومر رأسها تهوّن عليها: «لا عليكِ، فقط وجّهي الأعضاء وتأكديّ من العمل وسيكون كُلّ شيءٍ بخير.»

ابتسمت بيل لها وانطلقت لعملها، لم يأخذها الكثير من الوقت حتى جاءت سومر تعلن بدأ النشرة: «ثلاثة، إثنان، واحد, ابدأ!.»

ابتسم آسِر للكاميرا يُحييّ المتابعين: «مرحبًا مشاهدينا الأعزّاء، عُدّنا معكم آتين بما لدينا من مُفيدٌ وشيّق، فقدّ وردتنا أخبارٌ عن إعلان لجّنة المسابقات عن وجوب كتابة فريق النقد لإيضاح عما هيّة الفئة الإجتماعيّة وبالأخصّ السياسيّة التي أغلبنا إنّ لم يكن جميعنا قد مرّت علينا اسمها، ولنتعرف على مزيدٍ من المعلومات نتواصل وإيّاكم مع الآنسة آرسيليا، نّاقدة لها صيّتها وسمعتها في مملكة النّقاد.»

نقل بصره للجالسة بجانبه: «مرحبًا آنسة آرسيليا، كيف هي أخبارك؟» ابتسمت آرسيليا برسميّة: «أهلًّا بحضّرتك، الحمد لله في تمام الصحة والعافية.»

استرسل آسِر بالحديث ليدخل بصُلّب الموضوع: «أدام الله حمدكِ، إذن آنسة آرسيليا هل يمكنك اخبارنا عن صحة ما وردّنا من معلومات حوّل إعلان لجّنة المسابقات عن وجوب توضيح عما هيّة الفئة السياسية؟»

أومئت آرسيليا بخفّة: «نعم هذا صحيح»، أكمل آسِر يسأل: « إذن لم تكنّ إشاعّة، هل ليّ المعرفة من حضرتك وأنّ تتفضليّ علينا بمعلوماتٍ حوّل هذه الفئة؟»

أجابت آرسيليا: «بالطبع، ولكن قبل أنّ أتطرق إلى موضوع السياسة سأخبركم عن الفئة الإجتماعيّة بالتفصيل لكوّن السياسيّة فرعٌّ منها.»

أشار لها آسِر: «سيعجبني هذا، تفضلي.»

ابتدأت آرسيليا تُعرف: «الفئة الإجتماعيّة كتعريف هي أساسّا فئة تختصّ بمناقشة قضايا إجتماعيّة موجودة على أرض الواقع عن طريق تخيّل أحداثٍ وصناعة شخصياتٍ ننسجها بالقلم داخل صفحات الكتاب.»

انتهزّ آسِر الفرصة ليسأل: «هل يمكنكِ إخبارنا عن المواضيع التي تناقشها هذه الفئة؟»

أومئت آرسيليا مستحسنةً الفكرة: «لو أردنا عدّ المواضيع التي تناقشها هذه الفئة فلن ننتهي أبدًا، ولكن الأبرز منها هي الفقر، العبوديّة، العنصريّة، الدينّ، العِرق والزواج».

أكملت آرسيليا قائلة: «وتتميّز هذه الفئة بارتباطها بالواقع، لكننا نلخّصها بأنّها يمكن أنّ تندرج تحتها الكثير من الفئات ما دام أنّها تناقش قضايا واقعيّة، فيمكن للفئة الخياليّة أنّ تكون خياليّة واجتماعيّة في آنٍ واحد على سبيل المثال، كما أنّه من الممكن أنّ تناقش قضايا من بيئة الكاتب المحيطة وبهذا نقول أنّها مرصدٌ للعديد من التغيرات السياسيّة والإجتماعيّة والاقتصادية أيضًا».

تقدّم آسِر مبتسمًا: «كنت سأسأل عن هذا، وبما أنّكِ أجبتيّ فهل هنالك عناصر تبرز بشكل واضح ومميّز بحيث تسلط الأضواء عليها دون غيرها في هذه الفئة؟ إنّ كان جوابكِ نعم، فحدثينا عنها من فضلك.»

ارتشفت آرسيليا من القهوة لتردّ: «نعم هنالك، وهي عديدة، أولها الفكرة، فهي العنصر الأساسيّ الذي يجعل النصّ الأدبيّ يندرج تحت تصنيف الفئة الإجتماعيّة، وهذا ما يشير إلى أهمية تواجد فكرة متعلقة بقضايا اجتماعيّة بغض النظر ما إذا كانت القضية معاصرة أم لا، وبالطبع فأنّ أفكار هذه الفئة كثيرةٌ ومتعددة نظرّا لأنّ لكُلّ مكانٍ وزمان قضية خاصّة به، كما ويجب على الكاتب أنّ يطوّر من أفكار هذه الفئة نائيًّا بها إلى عالم اللا مألوف حيث لا مكان للابتذال هنا، إما عن طريق الأفكار الثانويّة أو الأحداث المشوقة.»

حركتّ يدّها تشرح: «ولتنوّع الأفكار بالزمكان فأنهُ سيكون الثاني بالترتيب، فمن المهم أنّ يكون واضحًا وبارزًا فهو العنصر المرتبط بتكوين الشخصيات في هذه الفئة، وأغلب القضايا تقوم بشكلٍ مباشر على الظروف في مناطق معينة، كالظروف السياسيّة والاقتصاديّة، الأعراف وغيّرها من الظروف والزمان الذي حدثت فيه، فالقضايا قد تتشابه بالجوهر وتختلف من عصر إلى عصر فلا يمكننا قول أنّ العنصريّة ضد ذويّ البشرة السوداء قديمًا هي ذاتها في الوقت الحاضر، مع ملاحظة أنّ الزمان والمكان ليسا الشرط الأول حتى تكون القصة اجتماعيّة، لكنهما مهمان جدا في أمرين، الأول هو تحديد سيّر الأحداث وثانيها تكوين الشخصيات.»

سأل آسِر مركزًّا: «سمعت أنّ للشخصيات دورًا بالسياسة، فهل هذا صحيح؟»

وافقته آرسيليا: «أجل، فالشخصيات تنقلنا هي إلى العنصر الثالث حيث تكون نواة سيّر الأحداث في الفئة الإجتماعيّة، فهي بناء من عدّة جوانب أحدها الإجتماعيّ لتبني صورةً واضحة في ذهن القارئ عن القضية وترتبط ارتباطًا وثيقًا لا يمكن حلّه مع الزمكان والحوار والصراع، فكُلّ ما يدور حول الشخصيّة في هذه الفئة له علاقة وطيدة بجانبها الإجتماعيّ، ومن خلال الجانب النفسيّ أيضًا للشخصيات يصلّ الكاتب القارئ بالفكرة عن كيف يمكن أنّ يكون شعوره لو مرّ بذات التجربة أو عاصر ذات الفترة الزمنيّة، كما ولا ننسى أنّ الفئة الإجتماعيّة تميّزها الانفعالات النفسيّة التي تقوم هي الأخرى على هذا الجانب من عنصر الشخصيات، فمن خلال معرفة القارئ للظروف الاجتماعيّة التي مرّت بها الشخصيات ليتفاعل القارئ معها ويتعاطف لتكون جزءًا من القصة.»

ابتسم آسِر ليعلّق: «كلماتك سهلةٌ للنّاقد، فهل يمكنكِ شرح ما قُلتيّ للكاتب والقارئ وما علاقة هذا كُلّه بالفئة السياسيّة؟»

استوعبت آرسيليا أنّها تشرح لتناقش عن الفئة السياسيّة فقالت: «علاقة هذا بالفئة السياسيّة أنّه لا وجود لِفئة تكنى بالسياسة، إنّما السياسة هي علومٌ واقتصاد ونظريات وفلسفة وعلاقات ومنهجيّة وإدارة، ليست إلا قضية تحتويها الفئة الإجتماعيّة وبناءً على هذا نقول أنّ ما ينطبق على الفئة الاجتماعيّة من مميزات وعناصر ينطبق على هذه الفئة.»

أعجب آسِر بهذه المعلومة الجديدة فسأل: «هل يمكنكِ إطلاعنا على أشهر الروايات الاجتماعيّة السياسيّة؟»

ردّت آرسيليا تُعددّ على أصابعها: «من دواعيّ سروريّ، لدينا مثلا «مزرعة الحيوان» للإنجليزي جورج أورويل وهي رواية تدور حوّل مزرعة تأخذ الحيوانات فيها زمام السيطرة لتقيم في البداية مجتمعًا متعاونًا ومثاليًا، لكن سرعان ما تنشأ بينهم الطبقات ومحاولات السيطرة واستغلال أفراد المجتمع لصالح فئة صغيرة من الخنازير، بشكلٍ عامّ تتناول الرواية فكرة نشأة الديكتاتوريّة والاستغلال وأثر السلطة في استغلال الناس.

لدينا أيضا «كوخ العم توم» لهارييت سكوت، الرواية التي كانت إحدى العوامل المؤثرة في اندلاع الحرب الأهليّة وإلغاء الرقّ من بعدها، تقبع في طياتها قصة العم توم ذلك الخادم الطيب المخلص، الذي ينتقل من خدمة السيد شيلبي الرجل الذي عامله معاملة حسنة، إلى خدمة رجل آخر غليظٍ فظّ يضربه ويلهب ظهره بالسياط، هذه الرواية سلطت الضوء على حياة العبيد الصعبة وجوانبهم الإنسانيّة، حتى مع تعزيزّها لبعض الصور النمطيّة للسود.

ولدينا رواية «١٩٨٤» التي تحكي عن دولة خياليّة اقامت على أرض بريطانيا، صنع نظامها للشعب حياة زائفة محاولة منهم للسيطرة على أفكاره وأفعاله وعلاقاته، وحتى لغّته التي اخترع لها بديلًا جافًا ومحدودًا وخادعًا. هذه نبذة فقط قدمت فيها ثلاثة من أفضل الروايات الاجتماعيّة السياسيّة العالميّة، أتمنى أن تعجبك وتعجب المشاهدين الأعزاء أيضًا.»

انتبه آسِر لبيل تشير بنهاية اللقاء على لوح فقال: «آنسة آرسيليا، نشكرك جزيل الشكر ولو كان الوقت ملكًا لنا لأمضينا المزيد منه مستمعين لمعلوماتك القيّمة، ولكننا هنا سنودعك متمنين موعدًا أخر معكِ ومع مشاهدينا الأعزّاء.»

نقل نظره للشاشة قائلًا: «إلى اللقاء ودُمتم بخير 💙.»

-بيل

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top