ملوك الطوائف

دخلتُ قصّر الحمراء عندما سمح الحارس لي بدخوله، لقد أرهقني بحقٍ! خاصة عندما أقنعته أنّني هُنا لعمل لا لقصدٍ آخر، فقد أرسلني رئيس التحرير لتفقد قصور المنطقة؛ لأن موضوع المجلة القادم عن مُلوك الطوائف.

تذكرت! لم أعرفكم بنفسي أنا «ليلى» صِحفية أعمل في مجلة «الشروق»، وبينما أتجول في القصر إذ فجأة ظهرَ أمامي شخصٌ عِملاق يلبس خوذةً وملابسُ قِتالٍ قديمة فتعجبتُ لذلك، ويحمل رُمحًا بيده، فتيقنت أنّه تقامُ مسرحيةً عن عهدِ ملوكِ الطوائف!

تكلم ذاك الرجلُ الذي يحمل الرمح: أشتاقُ إلى الأندلس القديمة، عندما كانت موحدة لا متفرقة إلى عدة دويلات.

فأردف رجلٌ آخر بنفس مظهر الأول:
-نعم، فقد ازداد طغيانُ الأسبان علينا.

نعم أعزائي، بعد أن سقطت الدولة الأموية في الأندلس تفرقت الأندلس إلى دويلات صغيرة، ولكل دولة ملك، وأطلق على تلك الحقبة الزمنية حقبة ملوك الطوائف.

كانت هذه الدول متناحرة فيما بينها. تغزو كل دولة الأخرى وتحيك لها الدسائس والمؤامرات، ويستعين ملوك الطوائف بالنصارى على بعضهم ويدفعون لهم مقابل ذلك أموال طائلة، بل وفتحوا لهم مداخل تلك الممالك ومخارجها وتنازلوا لهم عن الكثير من بلدانهم.

إلا أن الأندلس لم تشهد فترة أكثر إشعاعًا وتوهجًا بالإنتاج الثقافي والفكري كالذي حدث إبان عهد ملوك الطوائف.

ظهَرَ رجلٌ آخر، الواضح عليهِ أنّهُ من الطبقة الحاكمة، وقد توضح فيما بعد أنّه «المعتمد بن عباد» نادى على أحد الرجلين قائلًا: تعال يا عبد الله، وأبعث هذا الخِطاب إلى ألفونسو.

المعتمد بن عباد كان ملك إشبيلية، وقد عقد حِلفًا مع ألفونسو ملك قشتالة الصليبي وذلك لحمايته وحماية مملكتهِ، وكان يدفع له الجزية، ولكن كان يلقى مذلةً من ألفونسو، حيث طلب منه ذات مرةٍ ألّا تلد زوجته -زوجة المعتمد بن عباد- إلا في مسجد قرطبة.

تدهور بعد ذلك اقتصاد إشبيلية ولم يستطع الملك المعتمد بن عباد دفع الجزية، وحال إشبيلية كحالِ غيرها من الممالك إلى حين استنجدوا بيوسف بن تاشفين وتوجه للأندلس، وسيطر على العديد من ممالك الطوائف وأخذ منهم البيعة وأنقذ الأندلس من سقوطها بيد الصليبيين.

وقدّ وقعَ المعتمد ابن عباد بعد ذلك أسيرًا في يدِ يوسف بن تاشفين، فقد غزا الأخير إشبيلية وحررها من الصليبين مع الممالك الأُخرى.

على الرُغمِ من تدهور الوحدة السياسية في عهد ملوك الطوائف، إلا أن الحياة العلمية والثقافية والفكرية كانت على النقيض؛ إذ كانت في أوج مآلاتها، إذ برزت حينها الكتابات التي من شأنها تعظيم فضل علماء الأندلس عمّا سواهم في مختلف أرجاءِ خارطة العالم الإسلامي، بل إنَّ ابن حزم قد ألّف رسالة كاملة في فضلهم وتصنيفهم وجمع فيها ثمار الفكر الأندلسي ممتدحًا الحياة العلمية الأندلسية مع عَقْدِ مقارنة بأندادهم المشارقة.

فمن سيكون يوسف ابن تاشفين هذا العصر؟ من الذي سينقذ الأمة العربية؟

ابتسم رئيس التحرير حالما انتهى من قراءة مقالتي، وأردف قائلًا لي:

-أحسنتِ يا ليلى، عمل رائع ومُتقن بحق، تستحقين بأن تكوني موظف الشهر المتميز، ومكافأة كذلك!

إيماءات الفرحِ قد ظهرت على وجهي، وابتسمتُ بخجلٍ ناطقةً بعبارات الامتنان.

فريق النقد دائمًا في الجوار~

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top