بصمة الإصبع.

دوى صوت الباب وهو يرتطم بالأرض بقوةٍ أجفلت قاطني المنزل الفسيح، واندفعت الشرطة المسلحة إلى الداخل وهم ينادون باسمه، بحّلق به الجميع مفزوعين، عقولهم لا تستوعب ما يحدث حولهم.

«ليرفع الجميع يديه عاليًا!»
قالها الشرطي الأوّل بعدما اقتحم صالة المنزل حيث يقفون، ودخلت بعده قوةٌ كاملة، واتجهوا صوبه مدججين بالسلاح وعقله مغيّب.

ركلةٌ خلف رُكبته أسقطته على وجهه، وشرطي يعتليه ويقيّد يديه خلف ظهره تاليًا عليه حقوقه، عائلته حوله مفزوعة وأُمه تبكي، والشرطة تجرّه خارج المنزل مقيّدٌ ومهان، الطنين في أذنيه يعلو ليملأ الفضاء حوله، لا شيء سوى الطنين يغيّبه عن واقعه.

صوت والده كان آخر ما سمعه وهو يلحق بسيارات الشرطة قبل أن تنطلق مسرعة، تاركة خلفها عائلة مفجوعة.

لم يجرؤ على السؤال، وبقي صامتًا يراقب الوجوه حوله دون حولٍ منه ولا قوة، ولم يتكلم معه أحد أيضًا، بقي الصمت سيد الموقف لثلاثين دقيقة كاملة، استرجع خلالها شريط حياته كاملًا، تفصيلةً تفصيلة، ولم يجد ما يجرّه إلى هنا.

لم تتضح له الأمور قبل أن يخرجوه إلى مركز الشرطة، المكان الّذي يراه لأوّل مرة، وغرفة التحقيق المظلمة الّتي أدخلوه إليها مباشرة، لا زنزانة ولا غيرها، كرسيٌ غير مريح، طاولة صغيرة، وإضاءة خافتة، ورجل يشبه المُصارعين يقف وسطها.

أجلسوه على الكرسي وانقاد مستسلمًا، قيدوا قدميه بالأرض وخرجوا كأنّما يسلمون الشاة للجزار!

«وليد فرج، خمسة وعشرون عامًا، خريج كلية صيدلة، أعزب ويسكن مع والديه، أليست هذه معلوماتك الشّخصيّة؟»
تكلم الرجل بنبرةٍ هادئة يلخّص حياته، فهزَّ وليد رأسه ببطء وعيناه تجوبان المكان، همهم الرجل قبل أن يثني جذعه باتجاه وليد ويكمل بذات الهدوء: «ومتهم بقتل خمسة أشخاص».

«ماذا؟!»
هتف وليد بفزع، ليست جملة تقال بهذا الهدوء! قتل! هو يقتل؟ هذا مستحيل! لا بد وأن التباسًا حصل مع الشرطة!

«أينَ كنت في الرابع من آب السّاعة العاشرة والنصف مساءً؟»

«الرّابع... الرّابع من آب! كنت في مطعم مع أصدقائي في العمل!»
هتف وليد وبدأت عيناه تلمعان، حجةٌ غيابه موجودة! لا يمكن لأحد أن ينكر وجوده هناك، أصدقاؤه شهود، عمال المطعم والكاميرات أيضًا شهود.

طالعه المحقق ببرود صامت قبل أن يفتح أمامه ملفًا مليئًا بالأوراق المزيّنة ببصمات عديدة، طالعها بعدم فهم حتى تكلم المحقق: «لكنّ بصماتكَ موجودة في موقع الجريمة، وعلى الأسلحة، والجثث».

«هذا مستحيل!»
هتفَ وليد بجزع، كيف وصلت بصماته إلى مسرح الجريمة!

«ليسَ مستحيلًا؛ فقد تطابقت البصمات في سجلاتنا مع البصمات في مسرح الجريمة... بصماتك كانت تزيّن المكان بمثاليّة أيّها الفاشل! أيّ مجرمٍ يترك بصماته بهذه الطريقة!»
أجابه المحقق هازئًا، قبل أن ينتفض وليد مُدافعًا عن نفسه: «لستُ أنا! أخبرتكَ أنني كنتُ في المطعم... يمكنكَ التأكّد من أصدقائي ومن كاميرات المطعم!»

طالعه المحقق مبتسمًا ثم خرج دون تعقيب ودخل مكانه أخرٌ نحيل، لم يتكلم معه، بل شرع بفكّ قيود يديه واحدةً تلو الأخرى، وطفق يأخذ بصماته من جديد، ووليد يطالعه بتعب، بالكاد يستوعب ما يحدث حوله.

خرج الرجل النحيل بعد أن أخذ بصماته، ودخل الغرفة بعده شرطيان، أعادوا قيود يديه، لكنّهم أوقفوه ونزعوا قيد قدميه بعنف أدمى كاحليه، ثم اقتادوه إلى زنزانة بلا جدران، فقط قضبان غليظة تحيط به من كلّ جانب!

رموه هناك وتركوه دون كلمة أو تبرير، وبقي وحيدًا يعدّ الدقائق والساعات لا يدري ماذا يُفعَل به، يفكر بعائلته من بعده وماذا حلَّ بهم بعد أن عرفوا تهمته؟ وكيف سيتصرف ويدفع هذا الظلم عن عاتقه؟

اقتحم الصمتُ ذات المحقق الّذي قابله في الصباح، ماشيًا صوبه متبختِرًا يلوح بورقة وعيناه لامعتان، وقف خالد متوجسًا حتى وصله الأوّل وقال بهتافٍ صاخب: «حتى بصماتكَ الّتي أخذناها اليوم طابقت البصمات في مسرح الجريمة، حجة المطعم يمكن نقضها بسهولة الآن».

«كيف أُثبت لكَ أنني بريء؟!»
هتف خالد بالمقابل واليأس يتملكه، لا يصدق كيف تتطابق بصماته مع البصمات في مسرح الجريمة، وهو الّذي لم يذهب إلى تلك المنطقة حتى!

«سيدي هنالك أخبارٌ سيئة!»
أتى صوت الشرطي من بعيد وهو يهرول صوب المحقق ويهمس في أذنه ما جعل من عينيّ المحقق تتسعان بصدمة: «جريمة أخرى تمّت قبل قليل، ذات الوقائع وذات الملابسات لجريمة وليد!»

لا تنسوا الاشتراك بمسابقة ظلال الأرواح~

فريق النّقد دائمًا في الجوار. ~
سولين. ~

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top