اجتماع فئة الكوميديا
أصوات ضجيج تملأ تلك الساحة الخضراء، يتساءل أصحابها عن سبب اجتماعهم الطارئ هذا، فينّده الثعلب مُلعلعًا: «هل لدى أحدكم فكرة عمّا يجري؟» ليردّ عليه الذئب بنبرة ساخرة قائلًا: «عندما نصبح مستشاريّ حضرته نخبرك.»
ردّ الثعلب على سخرية الذٰئب، وحمّدًا لله تُقاطع تلك المناوشة بظهور عَظيمهم ملك الغابة من خلف تلك الصخرة العملاقة.
بالمناسبة هل تعرفون من أقصد؟ سؤال سخيف أعلم، لا علينا إنّه الأسد، ومن غيره؟
صمتٌ حَلَّ أرجاء المكان ينتظر الحاضرون من ملكهم أن يكسره بخطابه، وبالفعل هذا ما حدث عندما زأر الأسد: «سيّداتي وسادتي، نحن اليوم اجتمعنا ها هنا كي نرى في أمرنا، وأمرنا هو فئة الكوميديا.»
كُلّ ما خرج من أفواه الحاضرين «ماذا؟» مستنكرة، هل كان رُعبهم من الاجتماع وقلقهم من القادم هواء؟
قال الأسد للحيوانات التي ما زالت الصدمة على وجوههم: «حسنًا، عن فئة الكوميديا ماذا تعرفون؟ ماذا لديكم؟ هيّا!» جمعت البومة شتات أمرها وتحمحمت ناعقةً: «هي يا مولاي محاولة ظريفة من الكاتب في بثّ روح الضحكة والبشاشة داخل نفس القارئ من خلال نصوصه الأدبية، و...»
«آه، يا للقرف.» زمجر الضبع مقاطعًا للبومة، ما جعل الأسد يزأر بوجهه منبّهًا: «إيّاك والمقاطعة مرة أخرى» لِيخنس الضبع وَيقول: «سمعًا وطاعةً.»
أكملت البومة قائلةً: «وأيضًا يا مولاي قد يعرض الكاتب من خلالها مشكلات اجتماعيّة بأسلوب سهلٍ وواضحٍ ومُرسّخٍ للمغزى في ذهن القارئ.»
«جيّد، لكنّ أريد المزيد.» قال الأسد معلّقًا على كلام البومة لتكمل بدورها: «وَتَنْقسم هذه الفئة إلى ثلاثة أنواع، الكوميديا التراجيديّة أولها، وهي مزيج ما بين الحزن والألم والضحك والفكاهة، وتكون نهايتها محطّمةً لِلقلوب.»
عدّت مكملةً: «ثانيها الكوميديا السوداء وهي المؤلم المضحك أو لنقل، عرض المشاكل الكئيبة بأسلوب ساخر. وثالثها الكوميديا الشكسبيريّة التي يعود أصل تسميتها بهذا الاسم إلى ذاك البشريّ وليام شكسبير، ويطلق عليها أيضًا اسم الكوميديا الرومانسيّة، وتتميّز بِاعتيادها على الميّل للخداع ما بين الشخصيّات، وهذه خلافًا للنّوع الأول نقول في نهايتها وعاشوا في ثباتٍ ونبات وأنجبوا أولادٍ وبنات.»
«أحسنتِ أحسنتِ بومتي المفضّلة! وعلى هذه المعلومات القيّمة التي شاركتها معنا سنزيد لحضرتك حصتك من الفئرا- أقصد الطعام.» قطع كلامه تواجد الفئران المسكينة، مدح الأسد على كلام البومة حفّز باقي الجمع ليتنافس على من سَيدلي بالمزيد من المعلومات.
سبقهم الذّئب عاويًا: «ولهذه الفئة الكثير من السماتّ يا مولاي، منها المفاجأة وهي عنصر أساسيّ في الكوميديا بمختلف أنواعها، فمثلًا لو قُلّنا أنّ ذلك الأمير البشريّ... الأمير... لحظةً لأتذكّر فقد نسيت اسمه.»
ساعدته البومة تذكر: «هل تقصد تشارلز وليّ عهد المملكة المتّحدة؟» أشار الّذئب إصبع موافقة: «هو بحدّ ذاته...»
علّق الثعلب ساخرًا من نسيانه له: «أبله» ليردّ الذّئب حانقًا: «كفاك جلدًا للذّات يا ثعلب.»
قاطع الأسد شجارهما المعتاد لينهي الذئب: «مثلًا لو قُلّنا أنّ الأمير تشارلز أصبح ملكًا... لكان الردّ: لا يمكن... أذناه لن تناسبا الطوابع قطّ لكِبرها.»
همهم الأسد يتساءل: «إذًا أنت تقصد أنّ الردّ يعتمد على تخيّلٍ بصريّ للأمير ذا الأذنين وصورته على الطوابع، فيكون بِعدم الإمكانيّة، وهو ردٌّ مفاجئ.»
أومأ الذّئب موافقًا: «كما قُلت.» ابتسم له الأسد قبل أن يزأر ثانيةً بالحضور: «المزيد هيّا!»
أكمل الذّئب مستهّلًا هذه الفرصة ليغيظ الثعلب بخبراته: «كثاني عنصر فإنّ الغريب هو المطلوب، وهذا يعني أنّ الكوميديا فيها التّشابه ما بين المختلفين، والاختلاف فيما بين المتشابهين العنصر الغريب، أيّ أنّ أساسه الاختلاف.»
دوامةٌ هي ما أصابت الحيوانات لتقول السيّدة غزالة مسلسلة بصوتٍ رقيق يجعل قَزحّ الأعين قلوبًا: «هل يمكنك أن توضّح أكثر يا سيّدي؟»
جمع الذّئب شتاته من المشاعر التي خالجته يتحمحم قائلًا: «بالتّأكيد، أقصد كمثال إن كان لدينا فتاتين متشابهتين لحدّ تعذّر التّفرقة بينهما، ولكنّ في نفس الوقت الاختلاف بينهما كبير جدًّا نظرًا لتربية كلّ واحدة منهما في بيئتين مختلفتين، كأن تكون الأولى هادئةً مؤدّبةً والثانية سليطة اللسان نشيطةً، فيؤدّي هذا إلى عدم الانسجام مع الذي ألفّناه من المتشابهين بتطابقهم التامّ لاختلاف جوهريّ بالطباع صانعًا عنصرًا غريبًا في الخلطة المعتادة يصل بنا إلى خلط يستخرج الضحكة ويصنع الكوميديا.»
هَمَسَ الثعلب بصوتٍ أسمع الكرة الأرضيّة: «شرحه يحتاج إلى شرح.»
ردّت عليه الغزالة مستغربةً: «بل كان مفهومًا وواضحًا.» ليتدخّل الذّئب ساخرًا: «ليس ذنبيّ أنّك بليدٌ أحمق.»
هزّت الغزالة رأسها بلا حولٍ أمام هاذان لتكمل مشيرةً إلى الذّئب تقابل نظرات الأسد الجائعة لأكل الثعلب: «لا عليك فقط أكمل.»
«ثالثها الحقيقة، عندما نضحك من شيء يجب علينا أن نبحث عن الحقيقة الكامنة فيه، فَالنّكتة التي تحتوي على خيط من الحقيقة وتدقّ على وترٍ في نفسّ السامعين هي نكتةٌ ناجحةٌ مئةً بالمئة.»
تظاهر برفع فنجان قهوة يرتشف منه مكملًا؛ «رابعها العدوانيّة، وهي سمةٌ رائعة تزيد من قدرة القارئ على التّفاعل مع العمل ومن ثمّ تقمّص شخصيّاته فيها، وبهذا تزداد قدرته على الضحك وينجح العمل، كمثال الصديقان العدوان، الأول لا يجاريه أحد بالسرعة ولكنّ بهفوة منه تمكّن صديقه من التفوّق عليه ويقول ساخرًا: «هل هذا عدوٌ تعدوه؟ ما الفرق بينك وبين السلحفاة إذًا؟» فكما نرى الصديق استغلّ الموقف لصالحه وحاول استخدام عدوانيّته في السخرية من الأول وتشبيهه بالسلحفاة عبر تساؤل ساخر هادف للهِجاء ومثيرٌ للضحك، فيقلب الأول الموقف عليه بإجابةٍ أكثر سخرية: الفرق أنّني هفوّت فسبقتني السلحفاة.»
ينظر الأسد بينه والثعلب، أهذا ما يعنيه بالمثال؟ أكمل الذّئب: «وخامسًا لدينا الأي-»
قاطعه الثعلب: «كفاك ثرثرةً يا رفيقي الحبيب، أنا سأكمل.»
هزّ الأسد رأسه متنهدًا من هذا الشقيّ، فنظرات الغزالة للذّئب لم تغفل عنه مع نظرات الثعلب المغتاظة، همس للبومة بجانبه شيئًا فأومأت تطير مستأذنة للقيام بعمل، سايره قائلًا: «أكمل يا ثعلب.»
الثعلب: «الإيجاز هو ما لم يقلّه الذّئب الأحمق، وهو روح الكوميديا ويعني البساطة والسهولة، فلو انتفى من النصّ الكوميديّ لضاع الخلط، وانتفت الحقيقة، وذابت العدوانيّة، وتبخّرت المفاجأة؛ القاعدة تقول: كُلّما اختصرت حصلت على مردودٍ أكبر.»
همس الذّئب للغزالة بجانبه يراقص حاجبيه للثعلب الذي انتبه بالنهاية: «وهذا كلّ ما لديه.»
احمرّ الثعلب غضبًا وكاد يصرخ لولا رمية البومة لصخرةٍ على رأسه، أشار لها الأسد بواحدةٍ أخرى فعادت بعد هنيهات مع واحدة على رأس الذّئب، ابتسم الأسد راضيًا يشكر بومة المنهكة بجانبه قائلًا: «هذا ممتاز، سمعت أنّ لكُلّ فئة عناصر تبرز بها، فمن يحدّثنا منكم عن أبرز العناصر وأهمّها في هذه الفئة؟»
«أنا.» رفع الدب يدّه الممتلئة بالعسل.
حرّك الأسد رأسه إشارةً منه للبدء وبالفعل يُقهقه الدب قائلًا: «تبرز في الفئة عدّة عناصر أهمّها الفكرة، والشخصيّات، الحوار الخارجيّ منه تحديدًا والمغزى.
فأمّا بالنّسبة للفكرة سؤاليّ لكم، هل هناك ما يسمى بأفكار كوميديّة؟»
استرسل الدب حديثه رغم رؤيته أيدي الثعلب والذّئب: «نعم بالتّأكيد، فَالخلط المتعمّد أو غير المتعمّد بين الشخصياّت والكذب المتتالي، الادّعاء والتّفاخر المبنيان على أساسٍ غير حقيقيّ، غرابة الأطوار... وغيرها من التصرّفات تكوّن أفكارًا تحتوي على إمكانيّات كوميديّة عاليّة، لكنّ كيف يمكن إيجاد الفكرة التي تولّد الكوميديا؟»
لم يجدّ يدا الذّئب والثعلب مرتفعةً فقال: «من خلال كلمة سحريّة توصلنا بلمح البصر إلى محطّة الخلط وعدم الانسجام وبالتّالي الضحك والكوميديا...»
قاطعه الثعلب متحمسًا: «ما هي؟ ما هي؟»
رمق الدب الثعلب بطرف عينه: «الكلمة هي «ماذا لو؟»، مثل: ماذا لو هشّمت وجهك؟»
توتّر الثعلب فقال يدعيّ الغباء: «من؟ أنا؟ بالتّأكيد لا تقصدني.»
حرك الذّئب يده كأنّه يهشّ ذبابة: «لا عليك منه أكمل أيّها الدب.»
«أما فيما يخص الشخصيّات فمن المهمّ جدًّا أن يجمع الكاتب ما بين الجانبين الاجتماعيّ والخُلقيّ في تكوين شَخصيّاته، فوضع صفاتٍ خُلقيّة يتمّ استخراجها من المهنة وصياغتها داخل الموقف أو الحدث لانتزاع الضحكات من القراء مهمّ جدًّا، فتكمن الفكاهة في هذا العنصر أنّ الصفات الطريفة تعتبر عيوب في واقعنا، مثلًا لدينا البخل هي صفة معيوب صاحبها في واقعنا مضحك في فِئتنا، وكذلك الغرور والمفاخرة... وغيرها الكثير من العيّنات الحاضرة.»
أكمل ينظر بلا مبالاة للضبع والذّئب والثعلب: «ولكن هذا لا يقتصر فقط على الجانبين الخُلقيّ والاجتماعيّ فقط فَأيضًا الخَلقيّ مهمّ جدًّا في هذه الفئة.»
صفق له الأسد: «هذا دُبيّ المفضّل!»
شعرت البومة بالخيانة لتطير مستأذنةً الذهاب للخلاء، أكمل الدب: «بينما الحوار الخارجيّ هو العنصر المتميّز بالواقعيّة، والبساطة الخالية من الحشو، يستخدم لتحريك الحبكة، والكشف عن جوانب الشخصيّة، ونقل المعلومات الضروريّة للقارئ، وأيضًا جعله يتقلّب يمنةً ويسرةً من شدّة الضحك وهذه في فِئتنا هي من أهمّ أغراضه، كما وهنالك مبادئ يجب الالتزام بها عند كتابة الحوار كسهولة الألفاظ طالما لم تكن الشخصيّة تتطلّب كلمات غريبة وطريقة نطق معيّنة وأيضًا الإيجاز والبساطة.»
سمع الجميع نعيق البومة البعيد ثم عودتها محمّرة العينين تكمل :«لا تنسى يا سيد دب مُفضّل الأسد أنّ الحوار يبرز هرميّةً في موقف معيّن ولذلك على الكاتب تحديد من هو الأقوى في المواقف وكيف سيجري الحوار تبعًا لذلك.»
شعر الدب بدراميّة البومة الزائدة ورغم هذا قال: «غابت عنيّ هذه النّقطة، والآن نأتي إلى عُنصرنا الأخير، ألا وهو المغزى فقد يظنّ معظمكم أنّ الهدف الرئيسيّ من نصوص هذه الفئة هو الضحك لا أكثر، لكنّ كما قُلّت آنفًا فهي تعرض جانبًا كبيرًا من الحياة الواقعيّة وتقدّم لمحةً عن المشاكل الاجتماعيّة، كُلّ ذلك في إطار كوميديٍّ ساخر لا يستوعبه القارئ إلّا بعد انتهاء موجة الضحك التي يغرق بها.»
نظر الأسد لهم بفخر قائلًا وهو يختم الاجتماع: «أحسنتم، لكلّ حاضر حصّة طعامٍ زائدة، والآن سأذهب، لا توقظوني إلّا إذا حصل شيءٌ جللّ.»
ذهب الأسد لتتقافز الحيوانات متشاجرةً، تنهّد الأسد تعبًا يغلق أذنيه بسدادة وينقلب على جانبه ينام.
وبهذا سيّداتي سادتي، انتهى اجتماع الحيوانات الطارئ حول فئة الكوميديا.
دُمتم بخير، فريق النّقد دومًا بالجوار. 💙
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top