حلاوَة الوُقوع| النِهاية

لم تُفكِّر تشو أبدًا قبل أن تُقحِم نفسَها في صِراعِ العفاريتِ بهدفِ حمايتِه، رغمَ أنَّها مَن تحتاجُ إلى الحِمايَة. استَطاعَت أن تصرِفَ انتِباه الكائِن الَّذي كان يُهدِّد حياةَ بيكهيون، فانتَهز الأخيرُ غفلتَه ليلتقِط سيفَه مِن الأرض، غرسَه في الأرضِ ثُمَّ توكَّل عليه حتَّى يستَطيع القِيام، نظرُه مُشوَّشُ، وجسدُه في أضعفِ حالاتِه.

لمَحه أقربُهم إليه، ولكِنَّه تجاهَله مُذ أنَّ الفريسَة البشريَّة بدَت أكثَر إغراءً مِنه، كانوا واثِقينَ أنَّه لن يستَطيعَ التغلُّبَ عليهِم وهُو خائِرٌ هكذا.

- ألم أُخبِرك أن تهرُبي مِن هُنا؟ لِماذا عُدتِ؟

ردَّت بصمت وبصرُها مُعلَّق على العفاريت الثَّلاثِ الَّذين أخذوا يزحفونَ نحوَها رويدًا وريدا.

- كيفَ أترُكك تُبارز الخَطر بمُفردِك وأغادِر؟

تراجَعت خُطوةً إلى الورَاء لا تُنكِر أنَّها مذعورة مِن هؤلاء الَّذينَ تركوا مخلوقًا مِن حجمِهم وسعوا خلفَها، ثُمَّ ما لبِثت وأن فكَّرت.

- ربَّما رعنَ حُبّك عقلي، كما فتَك بقلبي قبلَه.

سمِعَها بوضوح، لأنَّ أفكارَها لهُ مسموعَة، ورغمَ أنَّهُما ليسَا بمُفرِدهما إلَّا أنَّهُما يشعُرانِ بأنَّهُما الوحيدانِ في هذا الكونِ حينَما يتبادَلان الكلِماتِ دونَ أن ينطِقَا بِها حتَّى، أدمَعت عيناها وهِي تُبارِزُ مخالِبَ العفاريتِ الَّتي عمَّت التَّجاعيدُ وجوهها وتحوَّلت ملامِحها الوسيمَة إلى أُخرى قبيحَة، قاتَلت بضراوةٍ ريثَما يستَجمِع بيكهيون شَتاتَه ويُساندها، كانت تعلَم أنَّها ليسَت نِدًّا لهُم، قبل أن يركُل أحدهُم يدها بقُوَّة مؤدِّيًا إلى انفِلات الحُسام منها.

وما كادَ نصلُ السَّيفِ يُمزِّقُ صفحتَها في هذِه الحياةِ حتَّى ضخّ بيكهيون كُلّ ما تبقَّى فيه مِن قوَّة بسِلاحه، وقذَفه صوبَه، فاختَرق جسدَه مُنتزِعًا فُؤادَه الأسوَد مِن منبتِه.

التَفتَ الاثنانِ الآخران نحوه بعيونٍ حمراءٍ تشعُّ حِقدًا، ثُمَّ عادا أدراجَهما إليه.

بحركةٍ خاطِفةٍ تشَقلبت تشو نحوَ مرتعِ سيفِها ثُمَّ قذَفت بِه إلى يدِ سيِّدها الخاوِية، ليصدَّ عنه أذاهُم، تمكَّنَ مِن قتل الثَّانِي، لكنَّ النَّاجِيَ الأخير استَطاعَ أن يولِج خِنجَره بقلبه. قبلَ أن تضمحِّل أنفاسُ بيكهيون غرسَ أظافِره الطَّويلَة بقلبِ عدُوِّه، ثُمَّ استَخرجَه وألقاهُ جانِبًا يليه جسده.

نظرَ إلى خليلتِه بجفنين مُسبَّلين، ووعيٍ مُتداعٍ، كانَ سعيدًا لأنَّها على ما يُرام.

- بيكهيون!

استَعادَت صوتَها الَّذي ذبَّحه الشَّجن، بينَما تراهُ يتَهاوى على الأرضِ. زالَ الخَطر، ولكِنَّ الذُّعرَ ما يزالُ يحكمُ فُؤادَها العاشِق، حيثُ رمَت سِلاحَها على الأرضِ وركَضت نحوَه بسُرعة.

ذاتَ يومٍ دمَّرت العفاريتُ قريتَها، وتربَّص الموتُ بحياتِها، حينَها ظهَر بيكهيون مِن العَدم، وكمَا أسنَد ظهرَها إلى ذِراعِه، أسنَدت ظهره إلى ذِراعَها، وقرَّبت وجهَه مِنها، تُطالِعُه بعينين نازِفتين، وهو يتحدَّث بنبرةٍ مُتحشرِجَة.

- هنيئًا لكِ، فقد انتَقمتِ لعائِلتك.

جالَت نظراتُها بالأرجاء مُتسائِلةً ما إذا كانَ هؤلاء هُم القَتلة، سمِعها وأطرقَ رأسَه بالإيجاب، إذ عجِز عن تحريكِ ثغرِه.

- تماسَك قليلًا أنا أرجوك، سأنقُلك إلى القريَة.

انهمَرت الدِّماءُ السَّوداء مِن فمِه، على مرأًى مِن مُقلتيها الدَّامِعتين، وتآلَف جفناه لمرَّة أخيرة، وحتَّى الأبَد، وهزَّ الذُّعر ربوعَ تشو.

- بيكهيون هل تسمعُني؟

أشاحَت بوجهِها بعيدًا عن جسدِه رافِضةً تصديقَ أنَّ روحَه قد هاجَرته.

- أنتَ كُلُّ من بقِيَ لي في هذِه الحياة، أما أردَت إنقاذي لتستمرَّ في العيش، وتنتقِم مِن الحَرس، هيَّا افتَح عيناكَ وأزهِق أرواحهم جميعًا.

دسَّت وجهها بصدرِه، وهطَلت شهقاتُها المُعذَّبة. شعَرت وكأنَّ الحياةَ صلبَتها بالشَّجن، وعلى مسافةٍ راقبَت الدِّماءَ تتساقَط مِن فُؤادِها.

تشبَّثت أنامِلها بملابِسه الَّتي لوَّثتها الأترِبَة، وناجته بحُرقةٍ رافضة تصديقَ وفاته الَّتي شهدت عليها... سُرعانَ ما اسودَّ شعرُه، وتقلَّصت أظافِره، وفتَح عيناه، فإذا بِهما مُسودَّتان، بعدَ أن كانَتا زرقاوين كالمُحيط، ووسطَ دهشة تشو الواقفة على شفا الجحيم، ترفَّع عن ذِراعيها، ونظرَ إلى يديه حينَما شعَر بالضّعف يُضخُّ في عُروقِه.

لقد خاطَر بحَياتِه ليُنقِذ بشريَّة، وفداءُ الرُّوح بالرُّوحِ أعظمُ تضحيَة قد يُقدِّمها أحدهم لأجلِ غيره، كان تصرُّفه نبيلًا استحقَّ لِقاءَه فُرصةً ثانية، لذلِك تحتَّم عليهِ أن يموتَ ليُبعَث مِن جديدٍ كبشريّ.

انتَحبت تشو الَّتي عاشَت العَجب للتوّ.

-ما الَّذي جرى لك؟ لقد توقَّفت عن التنفُّس مُنذ قليل، وضمُر نبضُك، تبدو مُختلِفًا الآن، هل ستموتُ ثانية؟ أنا لا أفهَم شيئًا.

تمتم بغِلّ.

- سُحقًا...

تأمَّلته بانتِظار أن يسقيها مِن معرفتِه، وما تردَّد في ذلِك، إذ احتاجَ لأذنٍ تلقف شكواه.

- ما حدَث لي الآن أسوأ مِن الموتِ حدّ ذاتِه، كيفَ سأعيشُ كبشريّ نتِن؟

قاطَعته بعِناقٍ حارّ، لم تكُن يومًا جيِّدةً في إخفاءِ مشاعرِها، ورغمَ أنَّه غاضِبٌ حِيالَ ما أصابه، غير أنَّ سيمفونِيَّة الحياة الَّتي عزفَها جسدُه بعدَ انقِطاعٍ كادَ يودي بعقلِها، قد كانت كفيلةً لذرِّ السَّعادَة في مُهجتِها... لم تعُد تسمَع صوتَ أفكارِه، نفسُ الشَّيء بالنِّسبَة له، حينها علِم أنَّها قد استردَّت صوتَها بالفِعل، وأنَّها كانت بِحاجةٍ إلى صدمةٍ أُخرى بثِقلِ السَّابِقة حتَّى تنطِق مِن جديد.

تذمَّر لوقتٍ طويل، وجُنَّ جُنونه لرؤية انعِكاسه على سطحِ البُحيرة، لم يرق له شكلُه الجَديد، وربَّما هُو مجرَّد عذرٍ ليمقُت البشريَّ الَّذي صارَ عليه بسببِها. بدا شكلُه مُضحِكًا حينَما مرَّا بجِوارِ أحدِ الحُرَّاس، وكشَّر بُغيةَ إبرازِ أنيابِه مُتناسِيًا أنَّها قد زالَت، التأقلُم مع وضعِه الجديد سيكون عسيرًا!

عادا إلى الكُوخِ الَّذي جمعَهُما سويًّا لسنوات، كِلاهُما كانَ يُخفي بجوفهِ أسرارًا خطيرة عن الحُبّ، ورغمَ الرَّابِط الَّذي جعلهُما مفضوحين لبعضِهما البعض، استطاعا الحِفاظ عليه حتَّى الآن.

كان بيكهيون مُتربِّعًا على عتَبة الكوخ العريضَة، بينَما تشو بالخارِج قُبالتَه تطهو العَشاء، إذ طرَّز سواءُ اللَّيل السَّماءِ مُنذ أمد، مهما كابَر مغصَ الجوع في معِدته، فإنَّ عدستاه ترتَميان بداخِل القِدر المُغري، وكُلَّما أمسَكت بِه تظاهَر بالنَّظرِ إلى ركنٍ آخر، مُصرًّا ألَّا يتناوَل لُقمةً مِن طعامِ البشَر.

- لقد صارَ العشاء جاهِزًا، هل أسكُب لك سيِّدي؟

- لا أريد.

- حسنًا.

ملأت صحَن الخَشب بحسَاء الخضراوات، ثُمَّ جلسَت بجانِبه وتناولته على مهلٍ، حريصةً أن تُداعِب الرَّائِحَة أنفه، وها هُو ذا يتعذَّب، بينَ جوعٍ ينخرُ معدته لأوَّل مرَّة، وبينَ كِبريائِه الَّذي سيؤدِّي به إلى التَّهلكة.

ابتَسمت تشو بخفَّة أن تنقُل المِلعَقة نحوَه.

- افتَح فمَك وتذوَّق القليلَ مِنه، ليسَ لأنَّك جائِع فقط أُريد رأيَك.

حمحمَ بارتباكٍ قبل أن يقول:

- سأتذوَّقُه فقط لأنَّك تُريدينَ رأيي.

قرأت على مُحيَّاه رغبته في مشاركتِها، وعلمت أنَّه لن ينطِق بها حتَّى وإن ماتَ لفرطِ الخواء.

- أظنُّ أنَّ مِلعقةً واحدة لا تكفي لتحكُم عليه، أليسَ كذلِك؟

احتالَت عليه تِلك الطِفلة وجعلته يتنَاول طعامَ البشرِ الَّذين لطالَما نبذهم، حدَّ التُّخمَة. راحَت تُقهقه على مظهرِه المصدومِ من جريمتِه الشَّنيعة، إذ أوشَك أن يقضِي على ما بالقِدر كلّه، هي بارِعةٌ في استِدراجِه إلى كمائِنها بطريقةٍ بريئَة!

وقعَ في حفريتها المُترفَتين اللَّتين ضاقَتا عليه.

- مُشاكِسَة.

سادَ الصَّمت بينهما، وكُلٌّ منهما تائِهٌ في فِكره. بعفويَّةٍ سألت تشو وعيناها مُشبَعتانِ بمنظرِ المجرَّة.

- لم يعُد هُناك ما يربِطُك بي الآن.

التَفت إليه، مُحتويةً سحنتَه الخامِلة.

-هل ستتخلَّى عنِّي؟

أجابَ على سُؤالِها بقُبلة مُتلذِّذًا بحَلاوةِ الوقوعِ، والغَرق في شُعورٍ يُفترضُ بِه أن يستَميت للنَّجاة مِنه، لكِنَّه أحبَّه جِدًا، أحبَّها.

-
هلاوز دعسوقاتي 🐞🐞🐞

كل يوم بجيب لكم لقب جديد 😂 سوري نوت سوري احيانا بتحمس اتحملوني 😌

أي كانت بليييييف القصة انتهت 😭

دي ثاني قصة قصيرة بكتبها، ان شاء الله تكون عجبتكم 💕

شو رايكم بالنهاية!

بيكهيون!

تشو!

بدكم قصة ثانية! 😈

سي يو بالروايات الباقية لاحقا ❤ دمتم في رعاية الله وحفظه 🍀

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top