الفصل الرابع
قبل عشر سنوات:
جلسنا في السيارة لبضع دقائق عمّ فيهم الصمت القاتل، حتى انه كان باستطاعتنا سماع دقات قلوبنا وهي تكاد تنخلع من مكانها.
ولكن الانتظار لم يكن حلًا لأي شيء؛ فمن المحال أن يعيدنا بالزمن للحظات ما قبل الكارثة.
قمت بفك حزام الأمان خاصتي بصعوبة، فكانت يدايّ ترتعشان لدرجة أنهما كانتا أقرب لسائلٍ رخو.
نظرتُ الى (كونُر) التي كانت عيناه معلقتان عليّ قبل أن أفتح باب السيارة وأنزل منها بخطوات بطيئة.
كان الشارع مظلمًا، ولم يكن فيه سوى بضعة مصابيح نجحت في صنع ضوء خافت، ولكنه ليس بكاف لكي يمكنني من رؤية ما هو أمامي لمسافة طويلة، ولكن وبرغم هذا، رأيته... فقد كان خلف السيارة شيء ما ساكن وملقى على الأرض في منتصف الطريق.
ورغم المسافة، كنت أعلم يقينًا أنه لم يكن مجرد شيء أبدًا...
لا أدري كيف قادتني قدماي نحوه، ولكني وبخطوات بطيئة وصلت عنده، وسقطت على الأرض من وقع الصدمة. أردتُ أن أصرخ، ولكن الصرخة علقت في حلقي وآبت أن تخرج.
نظرت مجددًا إليه وأنا أشعر بسائل دافئ يسيل كالنهر على خدي.
كان نائمًا دون حراك، وسط بركة من الدماء، ووجهه كان ملطخًا بنفس السائل الأحمر اللعين، فلم يظهر له أي ملامح، ولكن جسده كان صغير جدًا.
لقد قمنا بدهس طفل...
شعرت بأحدهم يقف خلفي، ولم أحتاج لأن أستدير لأعرف أنه (كونُر)، فـ(إيدين) كان أجبن من أن تقوده قدماه إلى هذا الحد.
"ما الذي فعلناه؟" قال (كونُر) بصوت أقرب للهمس.
تمالكت نفسي حتى لا أصيح فيه وأخبره أن تهوره هو من فعل هذا.
ابتلعت ريقي وأنا أنظر نحوه. "علينا الاتصال بالشرطة."
اتسعت عيناه ونظر لي بذهول وكأنني طرحت فكرة خارج حدود المنطق. "هل أنت مجنون؟"
شعرت بالغضب يتملكني، فقمت من مكاني واتجهت نحوه. "إذًا أنت تقترح أن نتركه هنا ونهرب؟" قلت وأنا امسك بياقة معطفه. "أنظر إليه يا (كونُر)، إنه طفل!"
"لقد نظرت جيدًا، ولهذا أعلم أن اتصالنا لن يكون ذا فائدة، لقد فارق الحياة." بدأت دموع (كونُر) تسيل على خده. "ولكن إن قمنا بإبلاغ الشرطة سندمر حياتنا للأبد يا (إيرين). أنا لن أدخل السجن."
كنت مستعد للكمه وإخباره أننا نستحق ما هو أسوأ من السجن على ما فعلناه، ولكني لاحظت (إيدين) يقترب منا وعيناه متسعتان، وكان يبدو انه على وشك أن يصرخ، ولكن قبل أن يفعل تركت (كونُر) فورًا وتوجهت ناحيته، وأطبقت يدي على فمه سريعًا قبل أن يخرج منه أي صوت قد يجعل أحدهم ينتبه لنا.
وكان هذا الفعل كفيل بأن يخبرني أن غريزة البقاء وتفضيل الذات داخلي كانت قد تفوقت بالفعل على كل شعورٍ أخر. بما فيه الندم...
كان (كونُر) أيضًا قد فهم ما فعلته، وتلاقت نظراتنا وكأننا بالفعل قد اتفقنا على الخطة. فوجدت يداه تساعداني في حمل (إيدين) للسيارة والذي كان في حالة صدمة تامة، وجلس هو في مقعد السائق وأنا بجانبه، وبنظرة أخيرة لي، أدار (كونُر) المحرك وانطلقنا بعيدًا.
قدنا لمكان بعيد داخل الغابة واتفقنا على حرق السيارة لمحو أي دليل أو آثر قد تركناه داخلها. كنت أنا و(كونُر) من نقوم بالعمل كله، فـ(إيدين) كان مازال في حالة صدمة، وكان بالكاد يقوى على الحركة، ولكنه لم يمانعنا أو يعترض على ما كنا نفعله، فبالتأكيد هو الأخر، لم يكن يريد أن ينهي حياته بيده.
بعد هذا، عدنا لبيت (كونُر) وتأكدنا مليًا أن لا أحد رآنا، واتفقنا على المبيت سويًا هناك لسببين. الأول حتى يجدنا والد (كونُر) في الصباح ونحاول إقناعه بأننا بقينا الليلة كلها بالمنزل ويكون لنا بمثابة حجة غياب، والثاني هو بما إنه كان في دورية طوال الليلة، ففرصة معرفته بالحادث كانت كبيرة، وأردنا التأكد إن كانوا قد وجدوا هناك أي شيء قد يقود لنا.
وبالفعل، عندما سمعنا صوت سيارة والد (كونُر) في الصباح التالي، تظاهرنا بالنوم في غرفة المعيشة على الرغم أنه لم يغمض لنا جفنًا، وعندما فُتِح الباب، تظاهرنا وكأننا استيقظنا للتو.
تفاجأ والد (كونُر) فور رؤيته لنا، وقد بدا عليه الإرهاق الشديد. "عيد ميلاد مجيد، لابد وأن حفلة الأمس كانت صاخبة." قال هو ينظر لـ(كونُر) الذي بدا عليه الارتباك.
"لقد أُلغيت الحفلة في الأمس، فقررنا أن نقضي الليلة هنا معًا كحل بديل." قال (كونُر) وهو يحك عينه بطرف يده لحبك الدور. "عيد ميلاد مجيد يا أبي."
ألقيت أنا و(إيدين) التهنئة عليه أيضًا، ثم قررتُ أن أفتتح حوارًا معه لربما نصل لمبتغانا. "تبدو مرهقًا يا سيد (چونسون). هل كانت وردية صعبة؟"
أطلق تنهيدة وهو يتجه ناحية المطبخ، ففتح الثلاجة وأخرج علبة عصير برتقال وصب كوبًا له، وكنا نتابع خطواته نحن الثلاثة وأنفاسنا محتبسة داخل صدورنا.
"لا أريد أن أكون مصدر كآبة لكم في مثل هذا اليوم، ولكن وقعت حادثة مروعة بالأمس." قال وهو يأخذ رشفة من كوب العصير خاصته، ثم نظر إلينا مجددًا قبل أن يكمل. "طفل صغير لم يتعدَ العاشرة من عمره قام أحدهم بدهسه بسيارته ليلة أمس، والوغد الحقير لم يتوقف حتى لطلب النجدة."
"هل هو بخير؟" سألتُ بحذر وأنا أدعو في داخلي أنه مازال على قيد الحياة بمعجزة ما.
أطلق السيد (چونسون) تنهيدة أخرى قبل أن يجيب. "إنه مازال حي، ولكنه دخل في غيبوبة لا يدري الأطباء إن كان سيستيقظ منها مجددًا."
شعرت بألم يعتصر صدري. الصبي كان مازال حيًا. ربما لو كنا اتصلنا بالإسعاف حينها كانت فرصته في النجاة ستكون أكبر.
"صحيح." قال السيد (چونسون) لافتًا انتباهي له مجددًا. "من عثر على الفتى وطلب النجدة هو زميل لكم على ما يبدو، اسمه (إيثان والش)، هل تعرفونه؟"
نظر ثلاثتنا الى بعضنا البعض، وقد تملك الخوف منا، فلم أحتاج لقراءة أفكارهم لأعرف أنها تُطابق ما كنت أفكر به لحد كبير، وهو ملايين الأسئلة التي تبدأ بماذا لو.
(كونُر) كان من أجاب على والده. "نعم، إنه في نفس السنة الدراسية معنا، ولكنه لا يحظى بأصدقاء كثر."
"هذا مؤسف. لما لا يحاول ثلاثتكم التقرب منه خلال هذه الفترة، الفتى المسكين بالتأكيد يمر بوقت صعب بعد الليلة التي عاشها." قال السيد (چونسون) وهو يتثاءب. "سأذهب لأنام قليلًا، فالليلة كانت حقًا صعبة. عيد ميلاد مجيد مجددًا يا أولاد."
"أمم، سيد (چونسون)." أوقفته قبل أن يصعد للطابق العلوي من المنزل، فنظر لي باستغراب. بلعتُ ريقي قبل أن أسأله. "هل وجدتموه؟ أقصد من قام بارتكاب الحادثة؟"
"ليس بعد، لكننا سنجده، أعدكم بذلك." قالها قبل أن يختفي الى الطابق العلوي.
ساد الصمت بيننا قليلًا حتى تأكدنا من دخول والد (كونُر) إلى غرفته وأنه لم يعد بوسعه سماعنا.
كان (كونُر) أول من تكلم. "ربما أبي على حق."
نظرت له باستغراب. "ماذا تقصد؟"
"علينا التقرب من (إيثان) ذاك، ربما قد رأى شيئًا."
"وماذا تقترح؟ أن نذهب وندق بابه لاستجوابه؟" قلتُ باستهزاء.
رمقني (كونُر) بنظرة غاضبة وأردف. "ننتظر إذًا حتى انتهاء العطلة، لم يتبق سوى بضعة أيام. وفي هذا الوقت نرى الى أين ستؤول الأمور."
***
وبالفعل انتظرنا مضي أيام العطلة كمن ينتظر تحديد يوم تنفيذ حكم الإعدام فيه. فكنا يوميًا نحاول معرفة ما توصلت إليه الشرطة، وفي الليل لا يغمض لنا جفنًا، فكنا ننتظر أن تُطرق أبوابنا في أي وقت ليتم القبض علينا ونقضي ما تبقى من عمرنا خلف القضبان.
الشرطة وجدت السيارة التي تم حرقها وقد أبلغ صاحبها عنها أنها قد سُرِقَت، وكان ذلك من أكبر مخاوفنا؛ فكنا نفكر في ماذا لو تم استجواب كل من كانوا في تلك الحانة ذلك اليوم؟ ماذا لو تعرف علينا النادل؟ ماذا لو كان هناك أي كاميرات مراقبة قد أغفلناها؟
ولكننا اكتشفنا أن صاحب السيارة كان ثملًا لدرجة أنه لم يتذكر إن كان قد وصل الى الحانة بسيارته أم لا، ولم يكن لديه أدنى فكرة عن أين فقد مفاتيحه أو عن المكان الذي سرقت السيارة منه، وسمعنا أن النادل أراد إبعاد الشبهات عن الحانة حتى لا يفقد أيًا من زواره، فأخبر الشرطة أنه لم ير السيارة في ذلك اليوم، ولا يشك في أحد.
ولأول مرة تنفسنا الصعداء بعد ما حدث؛ فالأمر بدا وكأن الحياة كانت تريد إعطاءنا فرصة ثانية، رغم أننا لم نكن نستحقها أبدًا.
وفور انتهاء أيام العطلة، وعند عودتنا الى المدرسة، التقينا بـ(إيثان)، والذي بدا مندهشًا أننا كنا نتحدث معه، وكأننا قد لاحظنا وجوده للتو، رغم أنه كان زميلنا منذ المدرسة الابتدائية. ولكنه كان منطوٍ على نفسه الى حد كبير ولم يكن يختلط مع أحد. وعنما ذُكر اسمه لأول مرة، لم أتذكر سوى ذلك الفتي النحيل ذو النظارات، والذي كان يتعرض لحوادث تنمر باستمرار. لم يكن أحد منا نحن الثلاثة ممن يتنمرون عليه، ولكننا أيضًا لم نحاول أبدًا التصدي لهم أو إيقاف ما كان يتعرض له من أذى.
كان (كونُر) أكثر من بذل جهدًا للتقرب منه، حتى أنه صار يقضي وقتًا معه أكثر مما يقضيه معنا، وكان ينقل لنا الأخبار باستمرار، فـ(إيثان) كان اسمه مرتبط بالحادثة لحد كبير، وبالتالي كانت الشرطة تحتاجه كلما طرأ أي جديد.
وقد علمنا أن (إيثان) يوم الحادثة كان قد خرج على دراجته في ذلك الوقت المتأخر ليذهب الى الصيدلية ليبتاع دواء لأخيه الصغير الذي كان مصابًا بحمى شديدة، وفي طريقه وجد الصبي الصغير ملقى على الطريق غارقًا في دمه، فاتصل بالنجدة على الفور، لكنه لم يكن لديه أدنى فكرة عن المتسبب في الحادث. وعرفنا أن الولد الصغير كان قد خرج من بيته من دون أن يعرف والداه للبحث عن قطته التي لم يجدها داخل المنزل.
وللمرة الثانية، شعرنا وكأن الحياة تبتسم لنا، وبالتدريج بدأنا بالمضي قدمًا مع حياتنا، وصببنا تركيزنا على التقديم للجامعات المختلفة، والتحضير ليوم التخرج، وكنا ندعي ليلًا ونهارًا بأن يفيق الصبي من غيبوبته حتى نتخلص من إحساس الذنب للأبد.
ولكنه لم يفق، وفقد الأطباء الأمل في حالته، فاضطر والديه لأخذ قرار فصله عن أجهزة التنفس الصناعي، وتوقف قلبه للأبد، رغم أنه موته الفعلي كان في تلك الليلة، بسببنا...
لا أدري لما فعلنا ذلك، ولكننا حضرنا جنازته، ربما حتى نبعد الشبهات أكثر عن أنفسنا؛ فأغلب أهل البلدة كانوا متواجدين في تلك الجنازة. وأذكر أنني تقيأت أكثر من مرة وأنا أرتدي ملابسي السوداء استعدادًا لحضور جنازة طفل صغير، أُزهقت روحه البريئة بسبب طيشنا وحماقتنا.
وخلال مراسم الجنازة، بالكاد تمالكنا أنفسنا ونحن ننظر الى أبويه المسكينين اللذين اضطرا لدفن طفلهما الوحيد وفلذة كبدهما، وكانا وكأنهما يدفنان روحهما معه.
لم نستطع نحن الثلاثة النظر الى وجه بعضنا البعض، فكان شعور الذنب أشبه بماء النار التي تنهش أجسادنا من الداخل، فنحن كنا المتسببين في تلك المأساة.
وبعد الجنازة، توجهنا الى بيت (كونُر)، وكنا نقف داخل المرأب الخاص به، فكنا نفكر في أخذ سيارة والده بعيدًا عن البلدة لبعض الوقت، حتى نتمكن بأن نتنفس ولو قليلًا، فكل شيء في البلدة كان يذكرنا بما اقترفت أيدينا.
"لم يكن من المفترض بنا أن نأخذ تلك السيارة، كان يجب على أن أمنعك يا (كونُر)." قلتُ وأنا أنظر للفراغ، وصورة الفتى الصغير لا تفارق ذهني.
"حقًا؟ ستحملني أنا كل اللوم وتجعل من نفسك ملاكًا يا (إيرين)؟" قال (كونُر) وهو ينظر لي بغيظ. "لما وافقت على تركه غارقًا في دمه ذلك اليوم، لماذا لم تتصل بالشرطة؟ لست أفضل مني، ولا حتى هو." وجه سبابته نحو (إيدين) الذي كان يقف صامتًا كما اعتدنا عليه دومًا.
"أنا لم أوافقكم على أي مما فعلتموه ذلك اليوم." رد (إيدين).
ضحك (كونُر) باستهزاء. "نعم، لأنك كنت تتعامل كالأطفال، كمن لا حول له ولا قوة؟ لمتى ستظل جبانًا يا (إيدين)، تنتظر شخصًا أخر ليأخذ لك كل قراراتك؟"
كان وجه (إيدين) أحمر من شدة الغضب، وكانت عيناه ممتلئتان بالشرار، ورغم هذا لم يحرك ساكنًا، ولهذا لم أجد ضرورة لفض أي شجار محتمل قد يحدث بينهم.
ابتسم (كونُر) كأنه قد اثبت وجهة نظرة وأردف. "أيدينا نحن الثلاثة ملطخة بدم ذلك الفتى، لا أحد مننا برئ."
بالكاد كان أكمل (كونُر) أخر كلمة عندما انتفض ثلاثتنا بعد سماعنا لصوت شيء يصطدم بالأرض، فالتفتنا سريعًا لمكان الصوت، وكانت كارثة أخرى بانتظارنا...
كان (إيثان) يحدق لنا بذهول وبأعين متسعة، وكان النظرة التي على وجهه كفيلة بإخبارنا أنه قد سمع كل شيء، ولم يعد للتبرير أي جدوى.
"(إيثان)..." قال (كونُر) بحذر، وهو يضغط على الزر الخاص بباب المرأب وأغلقه، ليحبسنا نحن الأربعة في الداخل؛ مما جعل (إيثان) يتصرف كالمجنون.
"أخرجني من هنا يا (كونُر)!" صاح (إيثان) الذي توجه ناحية الباب وحاول فتحه لكن دون جدوى.
"(إيثان)، اهدأ، علينا التحدث فيما سمعت، الأمر برمته كان مجرد غلطة." حاولت تهدئته، وانا رافع كلتا يديّ لأعلى، كإشارة مني أني لم أكن أنو على أي أذى.
"غلطة!" قال وهو ينظر لي. "لقد قتلتم طفلًا، وتقول أنها غلطة!"
"ماذا تنوي أن تفعل حيال ما سمعته؟" سألته بحذر، وتمنيت لو كانت إجابته هي نسيان الأمر برمته، ولكنها لم تكن كذلك...
"ماذا سأفعل؟" سأل باستهزاء. "سأذهب للشرطة بالتأكيد، فلابد أن تدفعوا ثمن ما فعلتوه..."
لم يحظ (إيثان) بفرصة لإكمال كلامه فقد ضربه (كونُر) على رأسه بقطعة حديد صدأة، جعلته يسقط على الأرض والدم يسيل من رأسه بغزارة.
لم أتفاجأ أنا أو (إيدين) بما فعله (كونُر)، فلم بكن هناك حل أخر، فكنت أنا من أشغلته بالحديث حتى يتسلل (كونُر) من خلفه، وكالمعتاد، ظل (إيدين) واقفًا كالجماد، ولكن هذه المرة، لم يقو حتى على الاعتراض.
بكل هدوء قلت. "ساعداني لكي نضعه في صندوق السيارة."
وبالفعل حمله ثلاثتنا لصندوق السيارة، وبعد أن تأكدنا من إغلاقه بإحكام، نظفنا الأرض من الدماء، وركبنا السيارة، وبدأ (كونُر) في القيادة ناحية الغابة، وطوال الطريق لم ينطق أحدنا ببنت شفة.
وصلنا الى منطقة نائية، وبدأنا بالحفر، وكان كل منا يعرف دوره وما عليه فعله من دون حتى أن ننطق بكلمة. فكما يقال: من يقتل مرة، من السهل جدًا أن يعيد الكرّة.
وبعد أن انتهينا من الحفر، أخرجنا جثة (إيثان) من صندوق السيارة، ووضعناها داخل الحفرة، وبدأنا برمي التراب فوقها، ولكن ربما كنا مخطئين، فـ(إيثان) لم يكن قد صار جثة بعد...
فقد سمعنا صوت تأوه قادم من الحفرة مما شل حركتنا تمامًا، ووقفنا نحدق الى بعضنا في ذهول، وكان الصوت يعلو، ويصاحبه حركة خفيفة، وكأن (إيثان) يحاول أن يقاوم وينفض الثرى من فوقه.
ولكن لم يكن هذا ممكنًا، فحياة (إيثان) كانت تساوي نهايتنا نحن.
"استمرا." قلتها سريعًا، وأكملت رمي التراب فوقه، وانا أحاول سد أذناي عن أصوات الأنين التي كانت تخترقهما.
كان (كونُر) و(إيدين) ينظران الي في ذهول دون أن يتحركا، فصحتُ فيهما مجددًا. "قلتُ لكما استمرا!"
وبالفعل، أكملنا ما بدأناه ودموعنا تنهمر، وبالتدريج، بدأ صوت الأنين يتلاشى، ولم نعد نرى أي شيء من (إيثان)، فقد دُفِن تمامًا تحت الثرى، ومعه دُفِن سرنا للأبد.
أو على الأقل، هذا ما ظنناه وقتها...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top