الفصل الخامس عشر - خِتام وتحرر (النهاية).

لا أسرار

•••

" اهلاً بكم مجدداً  مشاهدينا الاعزاء في برنامج 'لا أسرار'، حيث يتم كشف الاسرار وإزالة مساحيق تجميل الواقع بالوقائع الأصلية مِمَن كانوا جزءاً منها"
تحدثت مقدمة البرامج الشابة بصوتٍ رتيب وابتسامة متحمسة، تجلس مقابلة الكاميرا التي تتموضع أمام الطاولة الزجاجية وسط الاستوديو بنفسجي الهيئة، وفي الجوانب الثلاثة الامامية تقبع الكاميرات لتغطية البقعة حيث تجلس المذيعة.

" مجهولون - رمال قرمزية،  الرواية التي لاقت اعجاب لا متناهي وصيتها انتشر في كل مكان، هي العمل الاول للكاتب بيون بيكهيون والتي كانت كالضربة الساحقة في الاسواق. اليوم سوف نكشف اسرار هذا العمل وصاحبه الكاتب بيكهيون الذي تدور حوله علامات استفهام كثيرة"

استرسلت الشابة بهية الطلة كلماتها تلك لتختمها بأبتسامة هادئة قدمتها للكاتب الذي قصدته في كلماتها، بدوره المقصود يجلس مقابلاً إياها وابتسامة هادئة افرج عنها حين اتجهت نحوه عدسة الكاميرا ليلقي عبارات الترحيب البسيطة بذات الابتسامة.

" مساء الخير جميعاً، معكم بيون بيكهيون سعيد بكوني هنا وشاكر لدعمكم روايتي"
بنبرةٍ رتيبة وابتسامة بشوشة أختتم حديثه.

"السيد بيون بيكهيون بعمر الواحد والاربعين عام خريفاً.. تخرج من جامعة سيول الوطنية متخصص في برمجة أنظمة التشغيل والحواسيب بشهادة دكتوراه، بدأ مسيرته كروائي منذ مدة ليست بالطويلة وعمله الأول 'مجهولون - رمال قرمزية' لاقى صدى واسع وشهرة غير متوقعة بالنسبة لعملٍ أول.
هذا تعريف بسيط عن الروائي المستجد في الساحة.. هل تضيف شيئاً لملفك التعريفي سيد بيكهيون؟!"

تحدثت بكلماتها تلك وهي تخفض نظراتها تارة للورقة امامها ثم توجهها تارة لبيكهيون الذي يستمع لحديثها بهدوء وملامح بشوشة.

"كلا هذا كافي"
اجابها بذات الابتسامة البشوشة وهو يجذب طرفي سترته الرسمية كُحلية اللون مرتباً طرفيها، وقد برز القميص ناصع البياض اسفلها بأناقة، بيكهيون بطلته تلك حامت حوله هالةً جمعت صخب الجمال ورُقي النضج الهادئ.

" بيكهيون، هنالك الكثير من الاسئلة تدور حول روايتك الأولى. الكثير من التساؤلات سيطرت على القراء وطغت لتصل الى البرامج العالمية والصحف كذلك. سعيدة لأنك اخترت برنامجنا لتزيل ضباب الغموض وتكشف أسرارك"
شكر وجهته نحوه ليرد بأبتسامة وهدوء

" كل شيءٍ يأتيه وقتٍ ليكشف، ووقت انكشاف اسراري كان قريباً من زمان دعوتكم"

" من حسن حظنا، سيد بيكهيون، أولى التساؤلات التي تراود القارئ هي؛ لماذا تم إهداء الكتاب لأبطال القصة التي يحتويها؟!"

" لأنهم أحق به من أي شخصٍ آخر"
بأيجاز أجاب سؤالها مبتسماً بشيءٍ من الشرود ومطالعة زجاج الطاولة أمامخ.

"وضح أكثر بيكهيون، هل انت من النوع الذي يتعلق بشخصيات كتابه ويُصيّرها حقيقية؟"
طالبت بتوضحٍ يُزيل إبهام كلماته، وفي محاولة غير مباشرة حاولت استدراج إجابته بسؤالها الأخير.

"أهدي الكتاب لهم لأنه لم يكتب لولاهم.. شيء مثل حفظ حقوقهم".
أبتسم جانبياً وهو يقول كلماته الأولية وقد اختتم حديثه بأجابة سؤالها.

"أي نوعٍ من حِفظ الحقوق؟ هل لهذا علاقة بكون الشخصيات في قصتك حقيقية.. وهنالك قبورٌ متجاورة تملك تواريخ موتٍ وولادة مطابقة للشخصيات في القِصة؟"

قالت سؤالها وأشارت للشاشة أمام بيكهيون وهي تعرض صوراً لألواح قبورٍ تحوي ذات المعلومات الشخصية من اسم وتاريخ وفاةٍ وولادة. بجانبها جزئياتٍ من كتابه تشابهها بما تحويه من معلومات.

" بالفعل، الشخصيات في كتابي حقيقية"
متأملاً ما تعرضه الشاشة أجاب سؤالها.

" ممتاز، هذا يعزز كتابتك صفحة الكتاب الأخيرة في رثائهم مع جملة 'القصة مستقاة من أحداثٍ حقيقية'، هل هي فعلاً حقيقية؟!"
مجدداً أشارت نحو الشاشة التي تعرض الفصحة الأخيرة التي أشارت إليها في كلماتها السالفة.

"نعم، حقيقية بالكامل"

"لم تضف شيئاً من وحيّ خيالك اذاً، كيف علمت بتلك التفاصيل؟!"
رادفت جوابه بسؤالها السالف ليجيبه بهدوء كرفاقه السابقين.
"لم أفعل، جُل ما ورد في الكتاب من أحداث هي حقيقية، أعلم بها لأنني تواجدت عند حدوثها وتعاملت معها جميعاً"

"ممتاز، هذا يجيب على سؤالي حول لما أسمك موجود في القصة لشخصية صديق أوه سيهون، انتما فعلاً اصدقاء؟!"
أزالت الورقة أمامها لتظهر الأخرى أسفلها، مؤكد تلك الأوراق تحوي تساؤلاتها حول كل صغيرة وكبيرة وردت في الكتاب.
إضافةً لتساؤلاتٍ خارجية ناتجة عن بحثها في خبايا القصة التي أحتوت الكثير من الواقع.

بيكهيون ليس بجاهل. هو بحث حول هذا البرنامج وقد جمع معلوماتٍ كافية عن مقدمته ومؤسسة البرنامج الأعلامية الشابة نارين تشوي، هي ذلك النوع من الأعلاميين الذين يبحثون في خفايا الواقع والخيال ويحبكون حقيقة تجمعهما.

في برنامجها تفضح اسرار الظواهر السائدة؛ فهي تملك نظرة مخالفة لكل شيء تطرحه في برنامجها.
هذا يبرر دعوتها لكاتب رواية اشتهرت لمحتواها المثير والغامض، لم يهتم القراء بشيءٍ سِوى الأستمتاع بمحتواها.
عكس نارين التي بحثت في حقائق كُل ما ذُكِر في الرواية، ونتيجةً لذلك هي تقوم بهذا اللقاء معه.
ذلك النوع من الناس الذين ينقبون عن تلك النقطة السوداء المظلمة في كُل شيءٍ ويعرضونها للعلن.

بيكهيون أيضاً قرر فضح الحقيقة كاملة. ليس كما لو إن الحقائق تبقى مخفية؛ فكل شيءٍ بالنهاية يُكشف، لكن بيكهيون لم يكتشف ذاته ليبدأ بكشف خفايا ما تحويه ذاكرته عن تلك اللعبة الدموية.

هو بات يعاني وساوسٍ أصبحت جزءاً منه، رغم تواجدها الدائم حوله مازال عاجزاً عن التماشي معها.
أن يأتيك أحب الاشخاص إلى قلبك اثناء نومك في كابوس أمر لا يحبذ أيٍ منا خوضه ولن يتقبله.

أسوأ ما قد يواجهه الأنسان هو ان يموت رفيقه دون أكتشاف الحقائق، هل تساءلت يوماً لماذا يبدأ الشخص بالشعور بالذنب حينما يتمدد على فراش الموت؟!، عندما يدرك إن النهاية صارت قريبة والموت يحدق به من خلف الجدار؟!

الأمر ذاته مع إعتذارٍ لم تتمكن من قوله لشخصٍ قد تمدد على ذات الفراش.
عندما يفرض الموت سيطرته في بقعةٍ ما ليس من سيكون فريسة الفناء هو المستهدف الوحيد، بل من يرتبط به مستهدفٌ أيضاً.
لن ترضى بفقدان والدتك، شقيقك، صديقك وخليلك دون الاعتذار عن كُل فعلٍ بسيط قد أقترفته يداك.

لهذا نحن دوماً نُطالب بلحظةٍ أخيرة تسبق الفقدان؛ يا ليتني لم أفعل هذا وذاك، يا ليتني لم أقل هذا وذاك..
سطور وتمنيات بأسى نرددها، لكننا لا ندركها الا بعد فوات الأوان وأصدقكم قولاً نحنُ لن ندركها لأننا مُجرد كياناتٍ صغارٍ حقيرة أمام جبروت الرب وتشريعه أحقية الموت والفناء.

طبيعة بشرية هي معرفة الخطأ بعد إقترافه، وإدارك الحب بعد فقدانه.

"أجل، العلاقات في الرواية جميعها صحيحة"
بعد شيءٍ من الصمت بيكهيون أجاب تساؤلها وقد وفَّر عليها طرح أسئلة حول علاقات بقية رفاقه.

ان يكتُب قصتهم أمرٌ لم يكُن في الحُسبان، هو حتى لم يتوقع إنه قد يتحدث يوماً مُفصِحاً عن حقيقة ذلك الأسبوع الدموي.
سرعان ما كُشفت الحقائق؛ لم يعد له ما يعيقه سوى تلك الأطياف التي تدور حولهُ معاتبة.

ليس كما لو إنها حقيقية، لكن ألقائه اللوم على ذاته لكونها الناجية من تلك اللعبة كان له أثراً بتعزيز قوى عقله الذي بات يوهمه برؤيةِ أطيافٍ هو من يصنعها.
أقتناعه بكونه مذنب يزيد أصرار دماغه وايمانه بذنبه الذي لم يقترفه من الأصل.
طبيعية بشرية هي تصديق ألاكاذيب القريبة من الواقع.

عند ضعف الأيمان والثقة قد تصدق إنك سفاحاً ما، فقط لأنك تشاهد أفلاماً تحوي محتواً مُشابه.
العقل البشري هو أذكى ما في الوجود والأسهل ليتم خداعه.

"القصة حقيقية؛ هل لكتابتك هذه القصة علاقة بالقضية قبل خمسة عشر عاماً التي أعتقل أثرها النخبة من اغنياء مختلف الدول بجرائمٍ ألكترونية تتحول للواقع؟! هؤلاء الأشخاص صدفةً كانوا يمولون لعبةً إلكتؤرونية تحمل اسماً مشابهاً 'مجهولون - جولة مع الموت' هل ما حدث كان صدفة ام إن الأمر  مُخطط له؟"

طرحت سؤالها مشيرةً إلى الشاشة التي أظهرت ملفاً يحوي تفاصل القضية، وجانباً ظهرت صوراً مُسربة لأولئك الممولين مع شعار لعبة الموت إيضاً.

"أجل وكلا، لم أعتقد يوماً بأنني سأكتبها  أعرضها للعلن، ولكن كلانا يعلم إن هذه القضية صحيحة واللعبة ايضاً موجودة واقعياً... انتِ تحادثين أحد روادها حقيقةً"

بشيءٍ من السُخرية  أجاب بيكهيون سؤالها، ضاق صدره عند إدراك أبصاره هيئة دونغهي، فعلته
تلك قد غسلت جميع أخطائه لكنها دمرته ايضاً.

لم يكُن من المتوقع لأي شخصٍ ينتمي لمنسوبي تلك اللعبة إن أحد أسيادها سيكون هو الذي سيهد أعمدتها ويلقي بذاته والجميع إلى الهاوية؛ حرفياً هو أصبح الهاوية؛ فقد ابتلعهم وإلقى بهم نحو العدم، لكن حتى ذاته لم تسلم من عقاب القصاص ذاك.

" قمت بنشر روايتك في الأسواق بعد أسبوعٍ من سقوط هذه القضية وإقفالها نهائياً بحسب النظام الجديد للدولة مذ انه مضى خمسة عشر عاماً عليها، هل خططت لذلك لكي لا تتعرض للمساءلات القانونية لكونك كنت جزءاً من آخر مواسمها مع الدفعة التي هلكت لكنها سحبت اللعبة ومنسوبيها نحو الهلاك أيضاً؟!"

تحدثت مشيرة بكلامها إلى القانون المستحدث الجديد، أي قضية يمضي عليها خمشة عشر عاماً تغلق نهائياً، ولكون قضية تلك اللعبة إنتهت بالقصاص وبتعبير اوضح تم قطع رأس الافعى، لذا كان من الآمن إغلاق ملفها بشكلٍ نهائي دون تعريض بيكهيون للمساءلة القانونية.

جميع الفيديوهات التي سجلتها كاميرات المراقبة أثناء الجولات تُثبت إن بيكهيون هو الوحيد الذي لم يمس سلاحاً ولم تقرب يداه من روحٍ مهددةً إياها ولو لجزءٍ من الثانية.

هذا عزز موقفه البريء، اضافةً للملف الطبي الخاص به الذي يحوي مؤشراتٍ تدل على الاضطراب النفسي الذي يعاني منه حينها.
بيكهيون مكث في مشفى الأمراض النفسية خلال أول اسبوعين من أنتهاء الجولة، هو فتح عينيه على تلك الغرفة المغلقة بيضاء اللون.

أرواح رفاقه كانت تحوم حوله داعيةً إياه لأحتفالٍ ما. هو بدى يائساً للذهاب معهم، دموية اللعبة تسللت لروحه وفي نوبة هلع قام بقطع خنصره تاركاً رسالة دموية تفيد بكونه ذاهباً ليقضي أُمسية شواء مع رفاقه.
هذا آخر خبرٍ عرفته العامة عن بيكهيون والذي كان مجهول الهوية بالنسبةِ للجميع حتى ذاته في ذلك الحين.

الآن وبعد خمسة عشر عاماً بيكهيون عاد للعلن بعدما أستعاد ذاته خلال السنين السالفة.
ليس لأجله، هو عاد ليسد دين رفاقه وليرعى 'لي بادا' بشكلٍ جيد بعدما أقبل والدها دونغهي على كشف الحقائق والأخذ بثأر رفاقه مسفوكي الدماء بلا حق.

"لستُ أهدفُ للتهرب من قبضةِ القانون؛ فأنا ضحية على أي حال، كما إنني لم استخدم سلاحاً ضد أحد ويوجد عدة إثباتات. كوني صديقاً لمن كان أحد عماد تلك اللعبة لا يجعلني فرداً منها؛ فهنالك طليقته قد لاقت حتفها مع بقية اللاعبين إذ اننا جميعاً كُنا غافلين.
كُل واحدٍ منا إمتلك علاقة ما بعمقٍ مُعين تربطه بالآخر رغم إدراكنا إن الموت قد يضم أحدنا بغتةً لعداده،  نحن وثقنا ببعضنا بقوة لذا كان وقع الخسارة أليماً".

غافلاً عن ذاته بات يسرد بشرودٍ وخذلان شعوره المتلبد والحزن الذي غلف كيانه أثر الفقدان، على الرغم من إنه متوقع في ذلك الظرف الذي كانوا به إلا إن تقبله أصعب من سِواه.

نمر بالكثير من الأحداث التي نرفض تصديقها والأيمان بها فقط لأنها لا تتناسب مع أهوائنا.
طوال الدهر لم ولن يكون الوهم حقيقة ولا الأمنية حقيقة لأنها لو كانت ستصبح حقيقة لما سُميت بأمنية.

الرغبات تخالف الأماني، وأمنيته بالعودة بالزمن خالفت رغبته آنذاك بالخوض في ذلك المضمار صحبة رفاقه الذين هم أيضاً تمكن منهم بريق المغامرة والأثارة المزيف، خضعوا لجماله ذلك الرذاذ الي تحول بغتة إلى غازٍ خانِق لا مفر لهم منه سوى كتمان الأنفاس؛ أي الموت ولكن بطريقة أخرى.

الأمر مثل جريمة قتلٍ سلاحها يعود للقتيل والقاتل هو مَن قُتِل، هكذا تعمل ألأمور حين يتصرف البشر بحنكة.
لا يهم إن كانت رغباتك وأهدافك صالحة أو العكس، الأهم هو أن تنتشلها من ثغر الحياة الذي يحرسه مسخٌ يُلقب ذاته بالموت وله مرادفٌ يُدعى الفناء.
مع ذلك كلاهما يصبحان بلا حولٍ ولا قوة حين ترتكب جريمتك بشكلٍ صحيح.

العالم يسير وفقاً لمبدأ "انتشل رغبتك من ثغر الحياة وأحذر حارسها ذا اللقبين، ما عاد أحداً يهتم بسمو أهدافك وصحتها، محور الأهتمام هو المجد الذي تحققه بنيلها".

أرضنا باتت أشبه بالبرية حيث البقاء للأقوى والأكثر ذكاءً.
حيث يرتدي الشيطان ملامح ملاك والأخير يبرز أعلى رأسه قرنين ومن أسفل ظهره يتدلى ذيلٌ أحمر مُدبب، ضع في الحسبان أن الشياطين تمتلك وجوهاً جميلة أيضاً والعكس صحيح بالنسبة للملائكة.
  ليس شرطاً أن يكون شيطانك أحمر البشرة متلبد الهيئة.
قد يكون يبصر هذه السطور في هذه اللحظة عبر عينيك، قد تكون أنت وأكون أنا شيطاناً!!

نغفل عن حقيقة إن الرغبات يمكن بلوغها وتحقيقها عكس الأماني، لذا دوماً تدنو أنفسنا على ما لا ينفع ولا يفيد. بعدها سندرك إن البكاء والعويل لا ينفع ولا يفيد هو الآخر.

خاسرون ولا شيء يبرر حزننا أو يعطينا الحق. فجأة  نسيَّ الجميع إن الأنسان خطَّاء.
حتى ذواتنا تنسى إننا بشرٌ نهوى المغامرة والإكتشاف.. وعند الفشل نبدأ بإلقاء اللوم والإتهامات على أنفسنا.
عجبت لأمرنا نحن البَشر أرواحنا لا ترحم ذاتها في حين تُطالب بالرحمةٍ مِمَن حولها.

"إذاً لي دونغهي هو أحد مؤسسي تلك اللعبة ومموليها.. وهو ذاته الذي أهلكها وأنهاها قبل خمسة عشر عاماً؟"
"بالضبط"
تساءلت وهو أومأ ايجاباً.

"هل لكَ علمٌ مُسبق بأنه سيقدم على ذلك.. إهلاك ذاته وتدمير شركائه رجال الأعمال وما شاكل؟"
أثناء حديثها جذبت حدقتيه هيئة للشخص الذي تمحور سؤالها حوله، لي دونغهي حوله عدسات الكاميرات ورجال الشرطة الذين يسوقونه نحو المركبة خروجاً من المحكمة ويداهم تمنع أي تواصلٍ او ملامسة قد يتعرض لها.

مُخفضاً رأسه ملامحٍ باهتة والأرهاق يتضح على بشرته فاقدة الرونقد بينما يداه تعانيان أثر غلظة الأصفاد التي حاوطتهما بلا إشفاق.

مضت سنواتٍ مديدة إلا أن وقع هذه الهيئة ما يزال عميقاً في خاطر الذي احتقنت مشاعره بالحزن والخيبة، على الرغم من كُل ما حدث هو وجد ذاته غير قادرةً على كرهه!
  بكل سوءه ذاك هو لم يكرهه أبداً، في كل حين يذكر شخصه يتلبد خاطره وينقبض يسار أوسط صدره بألم.
هو ليس بقادرٍ على كره دونغهي أبداً.

" كلا، آخر مرة قابلته فيها كانت بعد أسبوعين من إنهاء اللعبة، هو أودع لدي أمانةً وأختفى بعدها، لم أعلم عنه شيئاً سِوى إنه قام بتسليم ذاته إلى الشرطة وبحوزته دلائل كاملة تدينه والشركائِه ثم بعدها حكم أعدامه بالغاز"
بلهيث وبطء تحدث بتلك الكلمات وثقلها أتضح على ملامحه المضطربة ونبرته؛ فصوته يتلاشى شيئاً فشئاً حتى بلغ نهاية كلماته قائلاً إياها بهمس.

" إذاً بحكم علاقتكم العميقة ليس صدفةً إن طلبه الأخير يتجلى في أن يدفن مع أبطال روايتك الأموات؟"

"كما ذكرت في الرواية لدونغهي زوجة، هي فيكتوريا لذا طبيعي جداً أن يطلب الرقود جنباً إلى جنب معها، دونغهي كان أحد الملثمين وهو رافقنا طوال الوقت بعد علمه بأمر مشاركة طليقته في اللعبة.. فعل ذلك بداعي حمايتها إذ أن الشروط تقتضي أن لا ينسحب أحد عند بدء اللعب، وهي لم تفعل لذا إضطر للمشاركة ناوياً التمرد على النظام أو على الأقل إخراجها حية"

بيكهيون أجاب سؤالها وقد كان كريماً ليفيدها بمزيدٍ من المعلومات دون أن تسأل؛ فهذا الغرض من وجوده على أي حال.. كشف الأسرار وتوضيح الألتباسات.

"الملثم الآخر.. ييشينغ، هل هو فعلاً شقيق داميون؟ إسمه ورد ضمن منظمي اللعبة أيضاً، ما تعليقك على هذا؟"
سألته وقد تشكلت عقدة بين حاجبيها تدل على تركيزها فيما يقول.

"هو كذلك، داميون أخبرتنا بأن لها أخٍ قبل أن نبدأ اللعب، لكن لا نحن ولا هي نعلم بشأن كونه أحد منظمي تلك اللعبة، إضافة الى أنها تملك خلافاتٍ شخصية معه مذ أنه أخيها غير الشقيق لذا لا يوضحان علاقتهما ببعض.. يعاملان بعضهما كالغرباء تماماً كما في بداية الرواية، لكن لاحقاً أكتشفت أنهما مقربان بشكلٍ سري لا يظهرانه للعيان.. وخلال اللعبة أجزمت يقيني بأنهما إخوة عندما أفصحت داميون عن ذلك "

"أنت لم تتواجد خلال بعض الجولات وكتبت في الرواية إن هذا -عدم تواجدك- كان من تخطيط ييشينغ وتشانغ ووك، وضح هذه الجزئية فضلاً"
طالبت بتفسيره بينما الشاشة أظهرت الجزئية المقصودة بكلامها.

" كما دونغهي رغب بتخليص طليقته، ييشينغ أيضاً رغب بفعل المثل لداميون، العلاقات نسجت خارجاً لكن أدرك كل طرفٍ أهمية الآخر في خضم اللعبة.. لذا بدأ كلاهما بمحاولة تنجية الطرف الآخر، تماماً كما إمتثلت أنا لطلب تشانغ ووك أن أبقى مختفياً كما لو انني ميت. أنا طمعت بتخليص سيهون.
اولاً وأخيراً كان الغش سيحصل ويتم إخراج فيكتوريا، ولكن كون ييشينغ يريد خلاص شقيقته وأنا لم أرضى بنجاتي مقابل موت رفاقي أفسدت اتفاقاً عقده ييشينغ معي.. ينص على أن يقتل الجميع وتتبقى داميون، كما افسدت نسخة دونغهي من الاتفاق  التي تنص على بقائي وفيكتوريا وبذلك ننجوا كلانا "

توقف قليلاً وعقدة تشكلت بين حاجبيه

" كانت هنالك خطط أخرى تعقد والتي جميعها تضمنت نجاتي مع فيكتوريا او داميون بسبب نفوذ دونغهي وييشينغ،
واحدة منهن نصت على أختفاء دونغهي كما لو انه مات وتتبقى فيكتوريا وأنا وبالتدريج يتم قتل الجميع حتى نتبقى نحن وننجو، لكنني أكتشفت أن الجميع يطمع بنجاة واحدٍ منا لذا قمت بأفشال جميع الخطط ولستُ بعالمٍ لما لا أزال حياً...

ربما لأتحمل إثم موت الجميع واعلم أن تشانغ ووك في الجولة الاخيرة سينكث الاتفاق الزائف الذي أوهم كل من ييشينغ ودونغهي انبأه سيفي به وينجي الفتاتين، لكن نيته الأخيرة ممات الجميع والختام اللعبة بفائزٍ واحد لا غير"

"اذاً تقول بأن كان هنالك فرصة كبيرة بنجاتك مع داميون او فيكتوريا بسبب توصيات ييشينغ ودونغهي كونهم مسؤولي اللعبة.. لكنك أوهمت جميع الاطراف بأنك معها وأفشلت تلك الاتفاقيات لأنها لا تخدمك بتنجية رفيقك سيهون مذ ان هيومين كانت أولى ضحايا المجموعة.. وبالنهاية اكتشفت إن تشانغ ووك من البداية لم يكن صادقاً بأي من الاتفاقيات وينوي ختام اللعبة بشكلٍ نمطي كالعادة، أليس كذلك؟!"
تحدثت بملخصٍ استنتجته من سيل المعلومات التي طرحها بيكهيون دفعةً واحدة وقد أومأ الأخير مُثبتاً صحة قولها.

"جيد.. لقد بدأت الكثير من التساؤلات بالتلاشي مع أجوبتك هذه. سؤالي لك؛ منذ وقتٍ قصير ذكرت إن لي دونغهي أمنك على أمانةٍ ما بآخر لقاءٍ بينكما، هل لي بمعرفة ماهيتها؟"
بابتسامة تحدثت بداية كلماتها وقد أختتمته بسؤالٍ زامنت قوله بأعادة الجدية إلى أمارات وجهها رتيب الهيئة شاب المظهر.

" بالطبع، لقد أتأمنني على إبنته لي بادا بنت الثالثة آنذاك"
أجاب بأبتسامة ولم يتمكن من منع حدقتيه من التوجه ناحية الشابة متوسطة الطول في الكواليس.

رتيبة المنظر خمرية البشرة كما والدتها، حدقتيها مزيجٌ بين ذهب أشعة الشمس ولمعانِ شايٍ أحمر.. تكاد تجزم انهما بنيتان لوهلة ثم تتراجع متحيراً ماهو لونهما فورما ترمش بجفنيها ضد الضوء مبرزة أهدابها الطويلة.
وجنتيها أكتنزتا بوردية خفيفة وهي تبتسم بفخرٍ للقابع أمام الكاميرا.

بادا تعلم بكل شيء، فهاهي أبنت التاسعة عشر راجحة العقل منذ الخامسة عشر تقف مستمعة لحديث عرابها والوصي عليها ورغم إمارات الألم والحزن الذي حاوط روحها حين معرفتها حقيقة الأمر هي لم تتمكن من كرهه.

في إحدى المرات سألها إن كانت تكرهه لكونه جزءاً من مسرحية مقتل والديها، هي أجابت إياه ب "لا تكرهني لأن والداي جزءاً من مسرحية مقتل رفاقك".

نشأت واعية الذهن ومتفتحة الفِكر، تنخرط في الموسيقى وتكتب الشعر، تهوى الأدب وتفخر بجمال اللغة.
هي من ساعدته بكتابة قصته ووالديها مع رفاقهما.

كالنسمة العليلة أقتحمت عزلته المظلمة بين أوراقٍ كانت متنفسه الوحيد الذي يكتب عليها كلماتٍ متقاطعة كما لو إنها حُمم يلفظها خارجه بصعوبة.
إقترحت عليه رثاء أهلها ورفاقهم بكتابة قصتهم لتبقى مُخلدة، وجد الراحة بكتابته ما يُضيِّق صدره وهي نمقته ونقحته له وهاهي البلاد تعرف صيت رفاقه وعائلتها.
صنعت من الخيبات والألم مجداً وخففت عنه الثقل بجعل العالم أجمع يشاركه حمله.

" هل لي بادا تتقبلك بعدما أخبرتها بحقيقة الأمر؟ كيف سار الأمر معكما بالضبط وما أنت بالنسبة لها؟"
شعبةً من الأسئلة طرحتها وهي تحدق بالشابة جميلة المنظر فخورة الهيئة.

" دونغهي وكلني وصياً عليها.. أخبرتها مذ كانت في الخامسة عشر من عمرها، هي كانت طفلة مختلفة لطالما صدمتني بنضجها السابق لوقته وفكرها المتفتح وثقافتها، تعايشت وتعاملت مع الأمر بوعي لم أتوقعه منها.. شعرت بأنها باتت تكرهني بسبب حقيقة الأمر وطريقة فقدانها والديها، افكارٌ سوداوية عن طريقتها في الأنتقام مني حاوط ذهني لفترة بسبب أبتعادها عني وعدم محاولتها إخراجي من عزلتي إذ اعتادت على ذلك، لكن ما لم أتوقعه هو إن أفكاراً سوداوية تحاوط ذهنها هي الأخرى بكوني أكرهها لكونها تنحدر من صِلب الرجل الذي كان سبباً من أسباب موت رفاقي.. كان يجب علي معاملتها كأبنتي وتنشأتها بشكلٍ جيد لكن حديثاً أكتشفت أنها من ترعاني، هذه الصغيرة المعطاء"

ختم حديثه بابتسامة نقية ففي كل مرة تمر بذهنه يشعر كما لو إن الشمس بزغت بعد غيابٍ طويل وهو كزهرة عباد الشمس يعانق شعاعها ويبتهج بحضوره.
بينما في الكواليس هنالك من تقف لامعة الحدقتين ترتشف شعور أن يفخر بك أحدٌ أعتبرته والدك الروحي لزمنٍ مديد.. هي لم تتربى في كنف عائلة إلا إن بيكهيون رعاها وعمل على تنشأتها نشأةً جيدة على الرغم من الصراع النفسي الذي كان يحاربه بمفرده. هو فعل ما قد يفعله والدها لو كان متواجداً لذا هي صيرته والدها وصديقها ومن يشاركها ذات الخيبات التي باتت ذكرى مؤلمة يؤازران ويواسيان بعضهما لتحمل وقعها.

"سؤالي ما قبل الأخير، بيون بيكهيون المتخصص في البرمجة وانظمة التشغيل من أين له بهذا الاسلوب الروائي واللغة الجزلة في الكتابة؟"

مستمعاً لسؤالها هو أبتسم ومجدداً لم يقوى على عدم التحديق فخوراً ناحية بادا المبتسمة في الخلف.

"ثلاثة أعوامٍ مع لي بادا مُحِبة الكتابة، هي علمتني الأسس وقامت بالكتابة معي إلا أنها ترفض ان يذكر أسمها ككاتبة لهذا الكتاب لسببٍ شخصي لم تفصح عنه، هي ذُكرت كمنقحة فقط"
بذات الابتسامة بيكهيون تحدث كاشفاً كونها كتبت معه وعلمت على الرغم من دورانها حوله كذبابة تزن بأن لا يذكر مشاركتها له الكتابة بأي شكلٍ من الأشكال. أثر كلماته هي صفعت جبينها بيأس فهو فعل عكس ما طلبت كالعادة.

"من الرائع أن تمتلك أسلوباً رائع ويسير في حين تخصصك يبعد تماماً عن الكتابة، كذلك نتمنى التوفيق
لبادا الشابة، سأتطلع لكتبها دوماً... سؤالي الأخير لك بيون بيكهيون قبل الختام... لو كان أبطال القصة ما زالوا أحياءاً أين تراهم في هذه اللحظة؟!"

قهقه بشيءٍ من السعادة لذلك التخيل الذي آلمه كثيراً قبل ان يتحمحم مُجيباً

" فيكتوريا ودونغهي سيفخران بابنتهما بادا الكاتبة الشابة، في حين سيهون وداميون سيكونان ثنائي ينام أعلى الخزانة"
هو قهقه لبضع ثوانٍ بسعادة مريرة حينما كون ذهنه صوراً لهم تعزز فرضياته وأكمل قوله

" مارسلين ستستمر بالحصول على أبر في جسدها وعمل وشمٍ جديد كل ليلة، ميريل ستحصل على عيادة طبٍ بيطري وتجعل منزلها محمية لهن.. كريستوفر أعتقد بأن هيومين ستدفعه الى التقدم كعارض ازياء لشركات الازياء.. هيومين .. اعتقد انني سأتوقف عن كوني لعين وأحبها بصدق وييشينغ سيستمر بكونه نائماً"

نبرته في كل ثانية تمضي تتخذ نوعاً تارة يتنهد يثقل أثر الحزن الجاثم على صدره وأخرى يقهقه بسعادة لما يخيله له ذهنه.

****

"اذاً، أخبرني بماذا تشعر أبي الوسيم"
تحدثت بادا بتنهيدة وهي تتكئ على كتف بيكهيون وعاينته مبتسمة.

" الرضا؟ أشعر بأنني سأنام الليلة"
بنبرة سؤال تحدث وبعد شيءٍ من الصمت وتنهد مكملاً قوله السالِف.

"إذاً لنذهب لقد تأخر الوقت... نأمل أن تكونوا راضين عنا اعمامي وعماتي الوسماء والجميلات"
بادا تنهدت بداية حديثها وأكملت حديثها بنشاط وابتسامة بينما توزع بتلات الزهور العبقة على القبور المصطفة بجانب بعضها بشكلٍ رتيب.

" أرقدوا بسلام"
همس بيكهيون مزامن صوت بادا الذي شابه نطقه لذات الكلمة لتستدير ساحبة بيكهيون بعدما شابكت ذراعها بخاصته وأدارا ظهريهما متجهين حيث السيارة.

"هم سعداء انا واثقة"
"أجل"
"إذاً توقف عن القيادة بشرود وأطعمني! أبٌ سيء!!"
تذمرت بادا بعبوس ليقهقه بيكهيون ويقود بتركيزٍ تامد بينما هي تبسمت بهدوء لكونه يتخطى تلك العقبة شيئاً فشيئاً.

_

'قد نفقد الأمان، ويتأخر الفرج حتى نؤمن بأن الأوان قد فات على وفاء الدين، فضلاً إيها البشر بادروا بأصلاح ما أفسدتم وواضبوا عليه ولو بعد حين، حتى لو قوبلتم بالرفض وعدم الصفح.. إستمروا بلا كلل؛ فمن أحب يوماً لن يكره'

•••

أنتهى.

مرحباً جميعاً!!، كيف حالكم؟.

لقد أطلت ولكن ها هو ذا الفصل الختامي لقصتنا!
ازيل ستار الغموض عن كل شي وشخص وسر.

ما رأيكم بالقصة؟!

الاسرار التي كشفت وما صدمكم منها؟!.

هنا ضعوا رأيكم بالقصة ككُل فضلاً.

لم أتواصل معكم بشكلٍ جيد ولم تتركوا أنطباعكم عن أي من الفصول السابقة لذا فضلا اتركوه هنا في الختام.

شكراً لكل من دعم القصة وصوت وقام بالتعليق عليها فأنت سبب سعادة عظيمة في قلبي.

شكراً أيضاً للكثير من الأصنام الجميلين، على الرغم من أنكم سبب الضيق الذي يحتوي في حيانٍ كثيرة، لمواساتي ضعوا نقطة هنا للتعرف عليكم:).

إنتهت "مجهولون" رسمياً، لكن أعمالي لم تنتهي بعد.. ألقوا نظرة على "سفاح" فضلاً، تصفنيها جريمة/عاطفية/مصنفة للبالغين.

عافاكم الرَّب.

 

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top