P24

مبعثر 24

.
.
.

الصمتُ و الضوضاء كِلاهما اجتمعا في مشهدٍ شاردٍ لها تزامنًا مع قيادتها السيارة في سُرعةٍ مُتوازنة ، يُحيط بها الصمت في داخل مُحيطها بينما عصفت ضوضاء الشارع بأصواتِ السيارات بينما تمُر بينهم في خِفة حتى بدأت تأخد طريقًا شِبه فارغ نحو طريقِ منزلها ، مُتجاهلة كُلّيًا المُشاغب جوارها الذي قد انتهى به الحال بفكِّ حِزامِ الأمان و صعد فوق التابلون بيديه مُحاولًا نزع تلك العُلبة التي تمتليء بالمناديل كي يعبث بها مُتجاهلًا مَسير السيارة ولا تنهيدة والدتِه المُتضايقة مِن أفعالِه الصِبيانية .

في لمحةٍ ما كل شئ قد توقف! .. يندفِع جسدِه للخلف ضاربًا ظهرِه في مِقعده يلتقط شهقة والدتِه المفزوعة بينما تُدير سيارتها بشئ مِن التهُّور! ..أصابها الجنون .. ترى أمامها موتهما لكِنَّها لا تستسلِم .. تَضغط قدمها بِعُنف ضِد مكابِح السيارة كي تُوقفها لتكتشِف أنَّ الفرامل لا تَعمل مُطلقًا!!!

_" سديم عُد لربطِ الحزام بسرعة! "

هتفت به بقلقٍ شديد و هي ترى سيارتها تتوسط سيارتين باللون الأسود ، بينما ناظرها صغيرها دون فِهم لكنَّهُ نفذ أمرها بعُبوسٍ و ما كاد يفعل حتى صرخ يتمسَّك بمقعدِه إثر ارتجاج السيارة بعُنف لكِنَّها فقط. حاولَت بكُل طاقتها أن تُحافظ على حركة السيارة و تبتعِد بقدرِ الإمكان عن السيارتين التي وجدتهما فجأة تتراجعان، فاستغلَّت الفُرصة رغم رُعبها ، لكِن شجاعتها كانت نابعة من خَشيتها مِن حدوثِ أمرٍ يؤذي طِفلها، لكِن لم تُسعِفها الحياةِ لتَفعل أو لتُفكِر إذ أن تجمَّد جسدها بشهقةٍ مَذعورة و هي تُحدِق في تِلك الشاحنة التي ظهَرَت أمامها، تَلمح داخلها نظراتٍ مُظلمة تتبعها إبتسامةٍ أسدُّ شرًا مِن فِعلتِه!

_"أمي أوقفي السيارة! سنموت! "

و مع صرخِة صغيرها المرعوب بأن تتوقف ، وجدت نفسها تفتحُ حِزام الأمان و تدفع جسدها لاإراديًا نحوهِ باللحظة التي إرتدَّت لهُ صرخة حادة نزعت سُكون المَكان تصطدم معها واجهِة السيارة بعُنف في الجانبِ الهيكلي للشاحنة الضخمة!

كان الأمر للحظاتٍ عنيفة ، انتهت بكارثة حقيقية!

.
.
.

ارتفعت شهقةٍ مذعورة مِن جوفِه يندفِع جسدَهُ لاإراديًا جالسًا يتنفس باضطرابٍ مع حباتِ العرق التي تناثرت بغزارة على جبينِه، لتتمرد معها غُددِه الدمعية لتُفرَز بِحُريَّة .. ضرباتُ قلبَهُ التي دُقَّت بعُنفٍ تقاربَت مع تلك اللحظة التي رأى فيها مَوتَهُ قريبًا مِنه ليخذِلَهُ مُختارًا عنهُ هي! .. مُختارًا عنهُ أعزُ ما يملُك!

رفع أناملَهُ المُرتجفة يمسحُ دموعه، يشعُر و كأنَّ جسدَهُ يرتجف مِن فرطِ ما يؤلمُه في قلبهِ .. دائمًا ما حاول أن ينسى تلك الحادثة و ها هو يَفعل، يَترُك السرير كي يبتعِد عن كل ما يُذكرهُ بالنهاية المؤلمة ليجد أنَّ قدماه تتخلَّى عنه ليسقُط على رُكبتيهِ أرضًا يكتُم أنفاسِه بكفَّيّ يدِه المُرتعِشة، تنتعِش ذاكرتُه فَتُعيد شريطُ تِلك المأساةِ في عقلِهِ مِرارًا و تِكرارًا، فأبعد يديه يسمَحُ لأنفاسِه بالتحررِ مُحدقًا في نقطةٍ أمام عيناه بهدوءٍ ظاهريّ .. جسدَهُ يخذلُه بعُنف يأبى الوقوف أو التَحرُّك بينما يشعُر أنَّ كل شئ يُعاد الآن .. الشعور وقتها، الألم، الخوف .. و حتى تفاصيل الحادث كُلَّها يراها أمامِه! .. لا يزال يتذَكر عندما فتح عيناه ليجِدها تُحيطُه بعِناقٍ دافئ بينما يتدفق مِن جسدِها دمًا غزيرًا إثر جِراحها البليغة ، يَلمَحُ أخيرًا رأسها الدامي و الدمِ الذي تسلل بغزارة مِن بين شفتيها الباسمة بوهنٍ قبل أن تنغلِق عيناه في استسلامٍ يلتقِط أخِر كلِماتِها الهامسَة بأنَّها تُحبُّه كما إخوتِه و أنَّهُ المُفضل لديها!

الضربات الخافتة على بابِ غُرفتِه لم تجعلهُ يخرُج مِن تِلك المُتجسِّدة في كابوسٍ! .. لكِنّهُ أخذ أنفاسًا عميقة بشعُر نِن خلالها أنَّهُ لم يعُد يتنفس بالقدرِ الكافي ..

دلف المعني بهدوء يَلمحُ هيئتِه المُبعثرة و تجمدهُ أرضًا بإحباط مُدركًا أن تِلك الحادثة لم ينساها شقيقه حتى هذه اللحظة .. و هو فقط تنهد مُتعبًا و اقترب منه ينحني إلى جوارِه ماسحًا على خُصلاتِه ثم ساعدهُ بالوقوف و الخروج مِن حالة الخدرِ التي تُحيط بينما يتجاوران على طرفِ السرير.

_" كابوس أخر؟ "

خاطبهُ بهدوء،  فرفع الأصغر نظراته المُبللة لتلتقي بخاصة شقيقه الذي لم يَلبث طويلًا أن عانقَهُ ماسحًا على خُصلاتِه برِفق يشعُر فجأة بارتجاف جسده إثر بُكاءِه المكتوم!

.
.
.

10.30 صباحًا...

صوت الطلقة الثانية رنَّت بقسوة في أُذنيهِ فعاد ليُغمِض عينيه لثوانٍ رامشًا بإرهاق يرى جُثة الحارس الثاني أمامِه و قد تكونَت أسفلها الدماء ليتحاشى النظر لما يحدُث بقدرِ الإمكان مُتسائلًا ; إلى متى ينوي والده التلاعب بمشاعرِه فقط؟!

انتفض جسدَهُ برُعب مع تدفُق رصاصة أخرى لتُصيب الرجل الثالث مِن رجال أورلاندو ، فانحنى تنكمِش ملامحِه مع رغبةٍ عارمة بالتقيؤ لهول ما يرى! .. يُحاول تحريك ذِراعيه لمنعِ تِلك الأصوات العنيفة من أن تدلُف بتِلك القسوة لمجال سمعِه.. لكن الحبل الذي لُفَّ بإحكام حول جسده الهزيل منعَهُ،  ليستسلِم وحسب .. لكن عقلهُ عاد ليلعبُ بمشاعرِه،  تنفجر أفكاره عن سبب وجوده هنا،  و هو الذي ابتعد وحسب عن والده بعد مُواجهتِه! .. لكن لا .. لقد اتضح أنّهُ أفسَد كل شئ بمواجهتٍه ليُفاجأ به ينفجر به ليلة أمس بعد مُغادرة سديم ثم ترَك أمرُه لأورلاندو ليعبث به كما يشاء!
... لكِنّهُ يُدرك جيدًا أن ذلك الشيطان وسوس بجدية في عقل والده المُختل ليحدث هذا! .. و بين ليلة و ضُحاها وجد نفسَهُ مُقيدًا في غُرفةٍ عفنة بإحدى الأماكنِ المهجورة،  و أمامِه مُقيد ثلاث رجال لأورلاندو الخائنين الذي قرر مَن أمامِه إجباره على سماع أنينهم و رؤية نهايتهم على يده بأبشع طريقة مُمكنة!

.. هو فقط يُدرك أنّهُ رغم هدوءِه هذا لكن تِلك المشاهد لن تترك عقله وشأنِه لسنوات رُبما! و ربما ستُسبب له الهلوسة! ... المرة الماضية التي رآه يقتُل بها كان عقلَهُ مُغيب بسبب ما احتساه في ذلك الملهى لكِنَّهُ اليوم واعيًا لكل شئ يحدُث!

زفر المعني أنفاسَهُ بانتعاش بينما يُناظرُه باستهزاء :
" هذا الأمر يُذكرني .. "
همهم بخُبث تحت مُحاولة فِهم الفتى ليُردف ببساطة:
" أجل .. ذلك اليوم بينما تتسكع مع أُختِك،  حينما سقطت في المياه المُتجمدة ..."

توسعت عينيه بصدمة يتذكر ذلك اليوم ليصدمه أورلاندو بضحكتِه الماكرة رادفًا:
" أجل .. كانت رُصاصة واحدة عزيري أصابت قدمَك و أغرفتك في المياه،  لكن مُحاولة قتلك الأولى تِلك لم تنفع للأسف لذا ..."

_" تعني أنَّ إصابتي ذلك اليوم لم يكُن حادثًا؟!"
تمتم بغير تصديق،  ليُومئ أورلاندو بلُطف مزيف ليهتف ساجد مرة أخرى:
" و ذلك اليوم! .. في المنزل .. ذلك كان أنتَ؟!"

عبس أورلاندو باستياء نابسًا بضيقٍ بينما يُعطيه ظهره:
" المرة الثانية أجل .. حاولتُ اختطافَك و التصرُف معَك لكن الأمر فشل،  لذا كان في حالة الفشل أخبرت أحد رِجالي بحقنَك بفيروس مُصنَّع لنعرِف أضرارِه لكِنَّك قِط بسبعة أرواح يا فتى لا تموت بسهولة .. حتى ذلك اليوم بعد أن ظننت أنَّني تخلصت منك أنقذك أخي جون رغم أنَّ رجالي ماتوا غرقًا بالفِعل!!"

" ألا يكفي؟ "

التفت أورلاندو نحو الصبي الذي كان يُغمض عيناه بصمت ينتظر منه الاجابة و رؤيته لعدم ضعفِه جعل الأكبر يستشيط غضبًا ، فهل اتعابه لنفسهِ لأجل اجباره على الخوف كان مُجرد فراغ!!؟ ...هو حتى لا يتأثر بكونِه السبب بما حدث له و ..

_" إذًا كان أنتَ السبب .. لكن لا بأس .."
تمتم بهدوء تحوَّل لسُخرية و استهزاء:
" ليس و كأنِّي كنتُ أرجو شيئًا مِنك .. أنتَ في النهاية مُجرم لذا هذا شئ مُعتاد لديك .. لكِنَّك حقًا فاشل!! .. ثلاث مرات مُنذ معرفتي و لم تستطع قتلي ثم فجأة أكون ابنُ رئيسُك! .. يا للعار! "

ابتسم بغضب،  يشعُر بالاهانة و مع رؤيتِه لشبح ابتسامتِه تنفس بعصبية يجذب سكينًا صغيرة من فوقِ الطاولة التي امتلأت بأدواتٍ حادة،  يُلاحظ مُحاولة الفتى لإدعاءِه اللامُبالاة ليهمِس بشر:
" أظُن أنَّ مُحاولة رابعة لن تقتُلني يا فتى،  ما رأيُك بلعبِ لُعبة خطيرة؟ "

انعقد جبينِه بريبة لوهلةً ترتد بعدها شهقة عنيفة مع انتشارٍ لألمٍ رهيب،  تتلاقى عينيه بصدمة مع خاصة أورلاندو الخبيث!
 
يشعُر بسائلٍ دافئ ينهمر مِن كتفِه،  مع ألمٍ رهيب ينغُز إياه مع اضطرابِ أنفاسِه،  مُخفضًا رأسه نحو تِلك اليد المُمسكة للسكين المُنغرِزة في لحمِ كتفِه لتنساب كلمات أورلاندو بجوار أُذنه باستمتاع:
" ملامح ألمَك شئ يُنعشني .. و ربما بعد اللعب بجسدك قليلًا لن يُهم ذلك الأحمق والدك ، فهو مَن تركك لي في النهاية."

أنهى كلماته التي لم يفهمها ساجد مع توسيعه للجُرح بقسوة مما جعل الأصغر ينحني يتلوى بألمٍ شديد،  و قد تجمعت الدموع بعيناه يُحاول مُقاومة الألم لكنَّهُ لم يستطع إذ ارتدت له صرخة حادة هذه المرة مع رشقِ السكين في فخذه!

-----------------------

في المشفى العامة بمونتريال... 5.45 مساء

" ماذا تعني أن تنتظر قليلًا؟! "

هو رفع حاجبه الأيمن بشئ من الاستنكار و العصبية ،
يُحدق في ذلك المُحقق الذي نبس كلماته بهدوءٍ شديد،  يُجاوره رفيقه بينما يُدخِن سيجارِه بصمت ..  هو فقط حدَّق في المعني المُستشيك غضبًا أمامِه قبل أن يلمَحه يقف مِن مقعده و يتجه نوحهما ليُشيح بنظرِه بعيدًا بمللٍ رادفًا:
" هذا أفضل حل أراه أيُّها الطبيب. "

هنا كان الحديث مِن حقِ مروان و هو يُخاطبه بانفعال حانقًا:
" هذا لأنَّك لا تشعُر بما أشعُر أنا به فحسب! .. هل لو كان أحدُ أفراد أسرتك مختفيًا دون أن تعلم بالخطر المُحيط به يا سيد أكيرا ، أكنت ستتوقف تنتظر فُرصة مميزة كي تتمكن مِن امساكِ ذاك المجرم؟! .. المُجرم الذي تُحاولون الامساك به منذ سنوات! "

سكت يتنفس غاضبًا ليُكمل و قد احتدت نظراته غِلظة:
" إن كنتما لا نفع مِنكما فيُفضل ألا أرى وجهيكما وحسب و ابني يُمكنني إحضاره و لو عنى ذلك حرق العالم أجمع!"

_"العالم به قانون سيد مروان."

_"تبًا لكما و للقانون!"

قاطعه بسخطٍ و لقد أخذ قراره و عاد إلى مكتبه يُجرى مكالمة أخرى ، لقد لجأ للقانون و ها هو يكاد يخسَر لذا لن يُضيع الفرصة ليلجأ لقوانينِه الخاصة ، لكن هذا لم يُعجب أكيرا حيثُ تحرَّك نحو مروان بعد أن نظر لديفيد صاحبه بنظرة جادة ، مُخاطبًا المعني بضيق:
" حسنًا رغم قِلة ذوقُك بالحديث لكن هذه كانت ربما فرصة جيدة لأمسك بهؤلاء الأوغاد .. لكن يا سيد مروان ، لتُمسك بطرفِ الخيط عليك التركيز، فليس كل الأمور واضحة لتستطيع كالأبله مواجهتها بمفردك ..."

_"لدي خُططي بالفِعل."

نبس بحِدة ، فصمت أكيرا يأخُذ نفسًا عميقًا يتجاهل نظرات مروان الحارقة و كلامِه ليُكمل بخفة بينما ينظر لساعة يده:
" الساعة حاليًا تُشير إلى السادسة مساءً .. بعد ساعتين مِن الآن سيكون ذلك الولد بين يديك .. لكن ..!"

هو انحنى يرسم ابتسامة ماكرة تجاهلها مروان المستمِع:
" إن حدث و فُسِدت الخطة بسبب هذا التهور سيكون أنتَ المُلام. "

ابتسامة جانبية ساخرة تعلًّقت على شفتيّ  مروان و هو يَردُّه:
" أن تُحاول إنقاذ ابنك مِن أيادٍ مليئة بالدماء ليس تهورًا بل هو نابع مِن مشاعرِ أبٍ يخشى أن يُصاب ابنه بمكروهٍ ما فحسب يا سيد أكيرا .. و إن كان بسببك أو بسبب غيرك فإبني إن لم يَعُد الليلة ، ستحدث كوارث أنتَ و جيشَك بنفسهِ لن يستطع أن يمسَّني بسوء ، فلديَّ طُرقي أيضًا .. فهِمت؟ "

المعنيان رمقاه بصمت و اِن لم يكُن يجدُر بأكيرا أن يُنفذ طلبًا لهذا المغرور وحسب، لكنها فُرصة على طبقٍ من ذهبٍ كي يصل لما أراد الوصول إليه أورلاندو ، و لِما فقط يبحث عن المدعو جون أديس و الذي مات بالسجن قبل أعوام عدة؟! .. ما الذي يُريد اورلاندو الوصول إليه؟ .. و ما الذي يستطيع مروان فِعلُه إن لم يستعِن بهم؟! .. لكن مرة أخرى للنظر لهذا الطبيب،  فغموضِه يصعُب فِهمه،  و هو يقلق إن فعل شيئًا يُصعب عليهما تِلك القضية رُبما؟

بالنهاية اختتم هذا اللقاء بإجراء مُكالمة مُستعجلة، ليبتسم بعدها بمكر !

......

6.30 مساءً

عانق جبهته بكفِّ يدِه اليُمنى ، يُحدق في شاشة حاسوبه بضجرٍ و قلق ، منذ الأمس و إشارة أخاه إنتقلت مِن مكانهِ لإحدى المصانع التي قُيِّدَت بالانشاء و هذا أمرًا يُخيفه! .. لكن مِن حسنِ حظهما أن لا أحد حتى الأن اكتشف ذلك القلم فحجمه يتناسب كُليًا مع جيب ملابسه بحيث لا يظهر لأحد ، و هو ممتن أنَّ صاحبه فقط كان يعلم كيف يفعل ذلك و يُخفيه منهم!

ارتفع رنين هاتفه كما توقع ، فأجاب بارهاقٍ كونه لازال مُتأثرًا بذاك الحُلم قبل أن يستيقظ منه صباحًا :
" أهلًا عمي مروان ؟ "

هما تحدثا بأمرٍ جعل سديم تتسع عينيه و التي راحت تُحدق في تلك النقطة الحمراء قبل أن يفعل شيئًا في حاسوبه جعله يُدرك تمامًا أين هو صديقه ، و يُبلِّغ به مروان بعدما وقف ليرتدي سُترته ، ثم ركض للخارج بعدما نقل معلومات حاسوبه إلى هاتفه!

-------------------

صَرخة أخرى حطمت سكون المكان بينما تنهمِر دموعِه إثر الألم المُحيط بجسده كأفعى ضخمة تعتصره داخلها،  نغزات الألم كانت مؤلمة إثر الجروح و الكدمات التي أذت بشرتِه،  حتى رأسِه لم تَسلَم مِن جُرحٍ بالِغ في جبهتِه .. مِن الأعلى كان يُطالعُه بابتسامة مُستمتعة قبل أن يتراجع نحو طاولة أدواتِه المُفضلة عابثًا بها بينما يُفكرٍ بطريقة أخرى لإخراج ساديتِه على الفتى كي يُدرِك مع مَن يتعامل.

استدار بخفة يُناظره مرة أخرى مُفكرًا،  كانت الدماء تُعطي ملابسه المُمزقة مِن السكاكين الحادة و بالأخص الجُرحين في الكتف و الفخذ ، رُغم ذلك كان لا يزال واعيًا لأنَّ ذلك ما أرادَهُ أورلاندو حيث تجنب إيذاء مناطقه الحيوية،  و اكتفى باشباعهِ ألامٍ مُضاعفة دون أن يقتلُه!

استدار مُجددًا لأدواتِه يُتابع تفكيره ثم ابتسم جاذبًا زجاجة نبيذ صغيرة من فوق الطاولة و فتحها ليحتسي القليل منها في جوفِه بينما يختلس نظرة جانبية لساجد الذي كانت يتنفس باضطرابٍ و ضعف دون أن يستطيع رفع رأسِه،  فضًلا عن الدماء التي نزفت من جروحِه العميقة .. لذا هو تقدم منه يُخاطبه ببسمةٍ ساخرة:
" لم أكُن أعلم أنَّ ابن الطبيب بهذا الاحساس لدرجة أنّهُ لا يستطيع أن يحتمل مُجرد ألم مِن بضع جروح صغيرة .. ثم أين حديثَك القوي عزيزي،  هيا تكلم."

اختتم جُملتِه الساخرة بينما يسكُب الزجاجة على جُروحِه مما جعلَهُ يُحاول التَحرُّك مِن الألم الشديد بينما يعُض على شفتيه مانعًا أنينِه،  و ما إن ابتعد أورلاندو حتى أخذ أنفاسٍ مُرهقة هامسًا بضعفٍ:
" كفى! .. لم أعُد .. أ .. أحتمِل...."

شعر و كأنَّ الظلام ينتشله داخل سرابِه ليتلقى صفعة عنيفة مِن أورلاندو أعادته لواقعِه المؤلم بينما يُخاطبه بحِدة:
"هييه! لا تنهم فلازال هناك أمورٍ لم أُجربها يا ولد!"

الأصغر عض على شفتيه بتعب حاد و قد عاد قلبه ليُرسل له صعقاتٍ حادة، لم يكُن قد اكتفى من الألمِ الجسدي و النفسى ليجد قلبَهُ يُزيد ألمه للضِعف و ببساطة .. هو تمنى أن ينتهي كل شئ حقًا و يموت ليختفي هذا الألم! لكن ..  أ هي الأحلام تتحقق بتِلك السهولة؟!

شعر بخُطوات أورلاندو تقترب منه مُجددًا ثم ينحني يُحدق في موضع قلبِه حين أحس بانكماشِه على نفسه،  مُخاطبًا إياه باستمتاع :
" صحيح!  لقد سمعت أنَّ قلبَك ضعيف لأنَّك ببساطة ورثت ذلك مِن والدتك الغبية و .."

" أنتَ هو الغبي.. لا تتحدث عن أمي بسوء .. إياك!"

عم الصمت الأرجاء بعد حِدة نبرتِه، و قد ارتفعت زاوية حاجبه بينما يُحدق في الفتى الذي عاد ليستجمِع قِواه و قد لمح ملامحه الضجِرة تعود لتحتل تقاسيم وجهه، هو نطق بينما يستقيم واقفًا:
" يبدو أنَّ لِسانك بدأ يطول، فما رأيك بقصِّه؟ "

و هو قد أعجبته الفِكرة ليُردف بينما يسير نحو أدواته الحادة:
" أوه! تبدو فِكرة جيدة لكي لا أسمع سوى صَرخاتك! .. لذا قَصُّ لِسانُك لن يمنع ذلك. "

يغمزُ له بعينهِ بحماس ، فـ ارتفعت نظراته إليه و قد احتلَّه الخوف و تراجع بجسده محاولًا أن يبتعد عن خطواتِ أورلاندو رغم يأسه من أن يبتعد كونه مُقيد! .. و هو ابتسم بشر يُحنِي جسده نحوه مُمسكًا بفكِّه بغلظة .. يُحاول فتح فمه بينما يده الأخرى تقبض على المِقص ، فـ أغمض عينيه بذعر يُقاومه بينما يضم شفتيه بقوة كي لا يفعلها حقًا، و ما زاد هذا الا من حِنق أورلاندو ليصرخ فيه بغضب:
" افتح فمك وحسب! "

لكن ذلك لم يجعله الا أن يتوقف عن المقاومة دون أن يستمع لحديثِهِ تاركًا شهقات مكتومة هي ما تُعبر عن عجزه لإيقاف ما يحدث له!

هو عض على شفتيه بعنف عندما جذب شعره في قبضِة يده بكُل قسوة يُحاول مجددًا أن يقص له لِسانه!

ضاق تنفسَهُ فجأة و دقات قلبه اضطربت بعُنف ، و رُغم ذلك حاول بكل قُوتهِ أن لا يرى مَن أمامِه ضعفه فيستغلَّهُ فقط! .. لكن فجأة وجد أورلاندو يبتعد مع صوتِ فوضى حدثت في الخارج جعلتهُ يُلقي نظرة عليه قبل أن يخرُج بغضب ، فمن قد يُزعجه و هو يستمتع؟!!

و مع اختفاءِه علَت شهقات ساجد بانهيار .. لا يُصدق فقط أنه وصل لهذه المرحلة مِن الألم! .. يُدرك أنَّ جسده ما عاد سليمًا مما مرَّ به ، لكِن أقلبَهُ لا يتوقف فقط عن العمل؟ .. لما يُثير نغزاتٍ حادة داخله دون أن يهدأ؟! .. و للمرة الألف شعر و كأنَّهُ وحيدًا دون أن تمتد يدُ أحدهِن لتنتشلِهِ من الظلام الذي يُحيطه! .. سيظل هكذا ، مُبعثر الكيان ، دون أن يجد مَن يضع ثقته الكاملة به فيستند عليه! .. و قطعًا بُكاءه لا يجعله سوى ضعيفًا و عاجزًا! .. مُجرد ورقة بالية يتناقلها الهواء لأي مكان دون أن تستطيع مُقاومة الحياة بأجمعها ، و بالنهاية تجعلها الحياة بلا قيمة حتى تختقي دون وجود أثر لها! .. و للحق هو يتمنى الآن لو أن والدته لم تتركه و تموت وَحدها! .. لما فعلتها و تركته ، ألم يكُن بامكانها أن تأخذه معها فقط؟! .. ألم تكُن تعلم أنه يومًا ما سيعود لوالده عديم الرحمة؟! .. فقط كيف لها الثقة بكونهِ سيُصبح بخير و ذلك الرجل حي يُرزق؟!

و للحق هو غاضب، مستاءً، و مقهورًا و .. متألمًا من كونهِ لا زال حيًا، لا هو ليس حيًا! .. روحُه تُحتضر لكن جسده لازال حيًا يتلقى الألم فحسب!

خرج من أفكارهِ يُغمض عينيه بذعر حين فُتح الباب الحديدي مُجددًا و هو ما تمالك نفسه إذ أخرج شهقة مرعوبة كاتمًا بعدها أنفاسهِ بجسدٍ قد فقد السيطرة على خوفِه ، لكن اليد الخشنة التي وضعت عليه بحنان و اهتمام جعلته يرفع رأسه بدهشة و رُهبة تُحدق بعدم تصديقٍ في زُرقة عين مروان الذي احتضنَهُ بسرعة و لَهفة هامسًا بندم بعد رؤيته لما وصل إليهِ إبنه:
" أسِف! .. والدك بحق أسف صغيري! "

*
*
*
يتبع...

فصل سوداوي بمعنى الكلمة! 👈👉🙃

لنناقش الآن 😂👈👉

رأيكم؟

المشهد؟

توقعاتكم؟

و سؤال أخير؟ما الأمور التي تشعرون أنَها لم تتضِح حتى الآن؟

السرد؟

الحبكة؟

و أشعلو البارت بالتعليقات لكي أنزل لكم اخر اربع فصول في الرواية!  😒😒😒😡🔪🔪🔪

و إلى اللقاء في البارت القادم 🙃❤

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top