P18
قبل بِدء البارت لا تنسو ذكر الله و الصلاة ع رسولِه الكريم ﷺ ♡︎'.
مبعثر18
.
.
منذ اثنَى عشر عامًا .. أمام مشفى مونتريال.
الأمطار هذا اليوم قد أغرقت الشوارع بغزارتها، و تلألأت السماء بحباتِ الغيوم الضخمة، كما انتشر البرق ليُنير العالم للحظاتٍ قبل أن يُعاد انطفاءه بألم!
تحرَّكت قدميها بـِتعَثُّرٍ تسير مُتشبثة بذاك الطفل النائم بأمان بين ذراعيها ، ثِيابها باليَة مُبللة و اكتفت بتغطية طِفلها مِن المَطر بشالٍ ذا لون بُنِّي باهت ، بالإضافة إلى جُروح و كدمات غطّت ذراعيّها العاريان و قدميها المُشققة مِن الركض حافية على طول الطريق التي سلَكتَهُ! .. غير مُراعية لحالِة الجو و فضلَّت الركض مُبتعدة فقط و بأيّ طريقة مُمكنة للهرب .. كانت عيناها تجوب الشارع الفارِغ مِن الكائنات الحية بخوف تكادُ تخرُج مِن مَحجريها مِن شِدة الذعر .. خائفة هي إنْ رآها رِجال زوجها و تعقبوها! .. ضربات قلبها تدُق بعنف و بقسوةٍ تُزيد مِن ألم روحها و جسدها المُتهالِك! ..
توقفت هي أخيرًا أمام بِناء المشفى الشاهِق على بُعد مِترات قليلة مِنه و قد غَشت طبقة مِن التشوش عيناها ، فراحت تُبصِر تِلك المرأة الفاتنة تِلك المشفى بصعوبة بالغة ، لا عِلم لها ما أرادَهُ القدر بتوقُفها هنا؟! .. لكنها كانت تُعاني بحق من مرضها و ألامها! و ودَّت أن تحتمي في مكانٍ ما، لكنها فقط لزِمَت الصمت بينما تُفكر بخطوتها التالية؟
تحرَّكت قَدماها نحو تِلك المشفَى بتردد مع بداية صُراخ الطِفل و انهياره مِن البكاء فجأة، هي أبعدته عن حُضنها لـِ تُحدق برماديتيهِ التي لا تُشبِه ظلمة عيناها ، و التي لانت بحُزن بينما تمسحُ بأناملها المُرتجفة تِلك الدموع العالِقة على رموش عينيه الواسعة حيث حدّق بها للحظاتٍ حتى انفرجَت ملامحه يبتسم لها مع تقاطُر المطر على وجهه بلُطف يُدغدغه بنقراتِه! .. وجدت لحظتها دموعها تخونها و هي تهمِس للصغير الجاهِل باكية بألم فاق حدودها بينما تتذكر كلَّ مُعاناتها مع ذاك الذي أحبتهُ و سافرت معه رُغمًا عن أهلها:
" أسفة صغيري .. أسفة على كَونَك وُلدت لوالدٍ كذاك الرجل! .. لقد كان نصيبُك سيئًا في أبيك و أمك مُنذ وُلِدتْ .. أنا جِد أسفة لأني لا أعلم كيف يُمكنني الهرب أكثر بمرضِي و بك مِن ذاك المجرم! .. و لكنِّي سأحميك حتى لو كلَّفني ذلك حياتي .. لكن أودُّ مِنك أن تُسامحني! .. سامِح والدتُك صغيري! "
همسَت أخِرًا بجوار أذنِه و هي تُعيد جسده المُغطى لها كي تُبعده عن المطرِ الذي كان بالفِعل قد أغرق كِلاهما! و الصغير فقط تشبث بملابسها يبتسم بعذوبة، دون أن يُدرِك كلماتها و ما خلفَّها مِن مُعاناة لكليهما.
راحت تُحدق في تِلك المشفى مُجددًا و قد قررَت الدخول ; لتُبصر جسده يَخرج مِن المشفى بينما ينزع زِيَّهُ الأبيض ليضعه على كتفه مُدلِكًا ما بين حاجبيه بشئ مِن الإرهاق بينما يتجه نحو سيارتِه المركونة في ساحة السيارات ، إنّهُ شابًا صغيرًا لكن هيئتِه كانت تُوحي بكَم هو جاد و حازم في عملِه ربما...
و مع تَحرُّك قَدماها نحوه لطلبِ المُساعدة حتى توقفت جافِلة بصدمة حين أحسَّت للحظة بشيئٍ قاسي ينغرس في لحمِ ظهرها في جُزء مِن الثانية! ... تتلاقى عيناها للحظاتٍ مع زرقاوتاه الحائِرة، فتحتضِن طِفلها لجسدِها بقوة تنهار على رُكبتيها دون تركه!
ركض نحوها مَفزوعًا و قد لمح مِن بعيد قناصٍ يهرُب فوق تِلك البِناية، لكنه تجاهل الأمر بينما يجثو قُرب المرأة المجهولة بالنسبة إليه!! .. أمسَك بها يُحاول إيقاظها دون جدوى، و بجانبها تعالت شهقات الصغير الذي نظر نحوَهُ مروان بالقلق، قبل أن يترُك كِلاهما ليطلب المُساعدة، و لحظة دخول تِلك السيدة المجهولة كانت لحظة انقلاب المشفى خاصتِه عليها!
و بينما تهيأ مَروان لبِدء عملية مُستعجلة ركض طبيب أخر إليه ليصدمُه بالخبر:
" دكتور مروان! .. المُصابة تُعاني مِن اعتلال القلب التضخمي! "
الأمور لم تكُن سهلة، لقد كان يدور حول تِلك المرأة ألغاز صعبة الحل، لكن مَروان قرر انقاذها و إخراج تِلك الرصاصة أولًا مهما كانت مدى خطورة الأمر مُفكرًا بذاك الطِفل الذي رُبما لا يستحِق اختفاء والدته مِن عالمه الصغير!
و لقد نجح ؛ فبعد عِدة ساعات مِن العملية خرج يتنفس براحة ، و لكنه بقى يَلمَحُ جسدها المحمول فوق السرير المُتحرك بهدوء، لوهلة ظل يُحدق في ملامحها الجميلة، و لكنه تذكر حالتها، رغم أنّه أنقذها لكنه يعلَم مدى خطورة حالتها .. إنَّ تِلك الرصاصة التي كادت تقتلها كانت بجوار قلبها بسنتمترات بسيطة ، و للأسف هي بحَاجة لجِراحة أخرى! .. لانت ملامحُه يُغمض عينيه بآسى! .. ما الذي يجب فِعلُه الآن؟!
و مِن أحدِ الغُرف القريبة قاطعه صُراخ لطِفلٍ ما ، فتَحرك نحو مكانِ صوته باستغراب ، و ما كاد يدلُف للغرفة حتى وجد كائنٌ يُشبه القطة الصغيرة يُهروِل بِتَعثُّر للخارج بينما يَضحك بانتصار حاملًا بين يديه أحد زجاجات الأدوية ! .. لكنه توقف بسُرعة و عبس بتلقائية يتذكر وجه الرجل الذي أخد والدته مِنه بينما يُحدق في طول مَن أمامه ، الذي كان غير قادر على تفسيرِ ما يحدُث و هو ينظر للمُمرضة حينما تقدمت خلفه ضاحكة على مُشاغبتِه ، و لكنها حين رأت مروان توقفت باحترام و قالت بتذمر:
" دكتور مروان إجعله يُعطيني الزجاجة. "
" لا!!!! "
صاح الطِفل يلتفت إليها في عِناد و غضب مُحتضنًا زجاجة الدواء الذي اختطفها لصدره بقوة ثم التفت لمروان يرمقه بِكُرّه استغربه الأكبر الذي تقدم منه يتذكر بسهولة أنَّه ابن تِلك الحسناء ... جثى ليصِل إلى طولهِ مُمسكًا إياه مِن كتفيه برِفق و قد تبسم بحنانٍ لهذا الطِفل ، للآن هو لم يُرزق بأطفالٍ لكنه أحَب هذا الطفل العنيد .. أمال رأسهُ بلُطف بينما يسأله:
" لما أخذتَ هذه يا صغيري؟ أنها شئ خطير عليك!"
ترقرقت الدموع بعينيه الرمادية ينطق بصعوبة و تَقطُّع:
" تُعطيني ماما .. سـ .. سوف أعطيك .. اللُّعبة."
رمَق الزُجاجة بين يديه و وجد نفسهُ يضحك بخفة ، لقد كان يُساومُه بالزجاجة مُقابِل والدته و لذلك سرقَها! .. نظر له بما تبقى مِن ضِحكته ثم بعثر خُصلاتِه التي نافست خاصتهِ قائلًا بعَبث:
" تظننا سرقنا والدتك؟ "
أومأ ببراءة و قد تقوست شفتيه مُهددة بالبُكاء ليُردف مروان و هو يُحاول أخذ الزجاجة مِن عِناقِه:
" سوف آخُذَك للماما يا صغيري لكن أعطني ما معك أولًا."
نفى بعِناد شديد مُتشبثًا أكثر بالزجاجة ؛ فتنهد المعني بضيق و احتد صوته ناهِرًا إياه:
" ولد!!!! أعطني إياها!!"
جفل الصبي لتتقوس شفتيه و تتجمع الدموع بعيناه و يشهق باكيًا بينما يتجمَّد جسده الصغير بِرُعب! ، فتوتر مروان لبُكاءِه بينما تحرَّكت ماريا لتجذبه نحوها تُحيط إياه بِعِناق كي تُهدئه و قد ناظرت مروان باستياء:
" دكتور مروان لا ترفع صوتَك على طِفل! .. أنه برئ جدًا، حتى أنظر! "
كان قد سكت قليلًا سوى مِن شهقاته المُتمردة بينما يُخفي نفسه بين يديّ ماريا ، و قد أخذ يختلس نظرات مُتخَوفة نحو مروان الذي لمح سيْل أنفه و دموعه المُمللة لِخديه اللذان تحولا للورديّ ، ليبتسم قائلًا بـلُطف:
" أسِف حسنًا؟ "
" بابا لا يعتذر .. يضربُني و ماما فقط
.. أنتَ سئ .. مِثلُه!"
اختفت ابتسامة ماريا و كذلك مروان الذي أخذ يُحدق به بعد تِلك الجمل المتقطعة ليسأله فجأة و جبينه ينعقد بغرابة:
" ما اسمُك ؟ "
" سـ..ساجد ."
" و اسم والدتك؟."
" ما.. ماما . "
سكت للحظات بدهشة مِن إجابتِه ليبتسِم يُعيد عليه السؤال ليُجيب الصبي باستياء طفولي و إصرار شديد بأن هذا اسم والدته:
" ماما!! "
فضحك بخفة ليسأله مجددًا:
" حسنًا ، و والدك؟ "
عبس ساجد دون أن يرُد بينما ابتعدت عنه ماريا تستمِع لهذه المُحادثة الغريبة ، و لقد لاحظ مروان حينها أنَّ ملامح الصبي ليست أجنبية و كذلِك والدتُه، هو الأقرب للشَبه لها رُبما؟ ، و لقد إعتراهُ الشك في أمرِ ما حدث مع تِلك المرأة و كُرْه الصبي الغير مُبرر لأبيه!
أمسَك بمعصمِه و جذبه نحوهُ يُعيد سؤاله بلُطف:
" تعرف إسمُ أبيك؟ "
أمال ساجد الصغير رأسه لتتدلى خُصلاته الناعمة نحو إمالتهِ و همس كـأنّهُ خائف أن يسمعَهُ أحد:
" أُخبرُك و لن تقول لبابا؟ "
" لما لا تُريدني أنْ أُخبره؟ "
همس مِثلُه بطريقة لطيفة ليُحدِق الفتى به يستوعِب ما قالهُ ثم أجاب باستياء طفولي حين فهِم سؤاله:
" لأن بابا .. سئ! ... سوف يضربُني .. و سيقتُل ماما."
جفل يُحدق به بدهشة مما قاله!! .. ليسأل فجأة سؤالًا يبدو غريبًا و غير مُناسب للصغير:
" كيف سيقتُلها يا صغير؟ "
فكّر الصبي قليلًا و قد أعطى اهتمامه بمَن أمامِهِ و قال ببراءة:
" بابا يملُك مُسدس لُعبة .. قال لي أنَّهُ .. أنَّهُ سيقتُل ماما به .. لو أنا .. لو أنا .."
ظلَّ يُحاول تذكر ما قالَهُ له ذاك اليوم لكِنّهُ لم يتذكر الكلِمة فعَبس و سأل ببراءة:
"يا عم، أين ماما؟!"
تنهد مروان و نظر خلف الصبي حيث ماريا التي كانت تسمعُ حديث الصبي مُستغربة و مُندهشة! ..
و لكنّها تُوقن أنَّ أفكار الصِغار لا تصِل لتِلك الدرجة مِن التفكير .. لقد كان الصبي يملُك أفكارًا غريبة و تصرفات عنيدة و مُتمردة ليست تليق بعُمرِه الصغير! لكن ما أدركه مروان فيما بعد، أنَّ ساجد يملُك عقلًا ذكيًا بالفِعل!
التفت ساجد فجأة نحو ماريَا يَمُد يده التي تحمِل زجاجة الدواء قائلًا:
" خُذيها يا عمة .. و اعتني بها."
أخذَتها منهُ بابتسامة لطيفة، فاستدار عائدًا بخطواتِه المُبعثرة نحو مَروان و فرد ذِراعيه إليه بعُبوس هاتِفًا بتسلُّط:
" احملني لأرى ماما ."
ابتسم مروان على تصرفاته و قام بحملَهُ فوق أكتافِه لتتسع ابتسامة ساجد الصغير و يصيح بسعادة غامرة بينما يَفرِد ذِراعيه إلى جانبيه بحماس طفولي، و كأن تِلك اللحظات كان العالم يتسع لضِحكة ذلك الصبيّ، دون أن يُدرِك أنَّ أمورًا مأساوية تنتظره حين يَكبُر:
" أنا .. أطير! "
تحرَّك مروان به نحو تِلك الغرفة و في قرارِة نفسه إعترف بأنّه قد أُغرَم بهذا الطفل!
في تمام الثانية عشرة منتصف الليل كانت قد أفاقت و بجوارها استلقى جسد صغيرها النائم بينما يُعانق جانبها الغير مُصاب .. دلف مروان و هو يتحدث عبر الهاتف لنارين و منهيًا حواره بصوتٍ هادئ لا يكاد يُسمع:
" سأتأخر عن الليلة أيضًا فـ لديَّ مريضة تحتاج إلى العِناية يا نارين .. أعتذر حبيبتي عن ذلك."
و ابتسم مع استماعِه لها بكونها تُسامحه و تُقدِّر تعبه ، حين أغلق المكالمة لمح نظراتها المُصوبة نحوه و قبل أن ينطق سبقتُه هي بلغتها الأم:
" أنتَ لستَ كنديًا، أنتَ عربي المنشأ أليس كذلك؟ "
ابتسم لها و تقدم ليُجاورها رادفًا:
" مِثلِك تمامًا سيدتي .. لكنّي مُقيم هنا منذ الثانوية .. أنا و زوجتي نعيش هنا منذ سنوات طويلة."
_" أنتَ و أسرَتك؟! "
استفسرت مبتسمة بخفة و قد شعرت براحة تغمُرها بالحديث مع هذا الطبيب الذي عقّب بعفوية مُتقصدًا فتح قلبه لها لإشعارها بالراحة في الحديث:
" أنا و زوجتي فقط .. و إن كنتِ تقصدين أسرتي، فوالدايّ توفيَا في حادث سيّر بعد زواجي بسنتين بينما زوجتي بالفِعل يتيمة ، و والداي اعتنيا بها بعد موت والدها ، و لأن والدها كان صديق أبي المُقرَّب فقد ظلَّت معنا لعِدة سنوات حتى تزوجنا و عِشنا سويًا هنا حتى أكملنا دراستنا و تخرجتُ مِن الطب و هي تخرَّجت مِن جامعة الفنون الجميلة و قد أصبحت مُهندسة ديكور ماهرة في عملها ... و لِعلمك لقد تزوجنا عن حُب رُغم ذلك."
أنهى حديثِه بمرح حين شاهد ملامحها المُعتذرة لسؤالها الفضوليّ فابتسمت بخفة رادفة ببعض التوتر، و كأنَّها تُحاول الوصول لأمرٍ ما:
" هل .. هل أنتَ مَن ساعدني؟"
ابتسم بخفة رادفًا بإيماءَة مع سؤال:
" أجل .. لقد أشرَّفت على عمليتِك الجِراحية .. و الآن أخبريني ، ما الذي أتَى بكِ إلى هنا ؟ ثم ما اسمك؟ .. لقد رأيتُ أحدهُم يُطلق عليكي النار ثم هرب. "
عادت عيناها لتحتضن جسد صغيرها ثم أغمضتهما بتعبٍ بينما تُفكر ، هل يُمكنها أن تثق به؟ .. لكنه أخبرها عنه دون أي اعتراض مِن قِبلِه .. ثم انتهى بها تُحدق في زرقاويّ مروان قائلة بنبرة مُهتزة:
" اسمي روزان .. أما مَاذا أفعل هنا، فسوف أخبرك الحكاية كاملة ."
أخذت نفسًا عميقًا لتبدأ:
".. قبل أعوام ، كنتُ أُحِب رجلًا .. أنا محامية و هو رجل أعمال .. كان يَظهر عليه أنّهُ رجل جيد و مُستقيم .. و لأنني اضطررت أن أعمل معه في إحدى القضايا ، أحببنا بعضنا .. و بعدها أقرَّ هو بِحبُّه لي .. لكنّهُ حين أتى لعائلتي رفضَتُه لسبب لا أعرفه لكني عاندتُّ الجميع لعِشقي له .. و رضَخَت أُسرتي لإرادتي و إصراري المُبالَغ .. بعد الزِفاف بأيام وجدتَهُ يلملم حقائبه و يأخُذني معه مُهاجرًا البلاد تمامًا .. لم أكُن أعرِف أنه تاجر مخدرات و زعيم لعِصابة صغيرة .. أمواله كلها ليست قانونية .. هو هرب و هرَّبني معه إلى هنا حيث اكتشفت أنه لديه فرع هنا ، حاولت بعدها معرفة السبب الذي دفعه لفِعل ذلك لكنه لم يُخبرني لأجده يومًا مِن أحد الأيام يتكلم مع أحدهم عبر هاتفه في أمرِ عملِه الغير شرعي و صُدمت صدمة عمري بذلك .."
توقفت عن الحديث و قد انزلقت دَمعاتها بألم ، تبكي بصمت على الطريق الخاطئ التي سلَكته دون أن تكتشفه الا مُتأخرًا بعدما ضاع عُمرها و مُستقبلها بعد إختيارِه ، ثم راحت تستنشِق الهواء بأكبر قدرٍ ممكن و تريح أنفاسها بينما تُكمل و هو يُراقبها بتعجُبٍ لكلّ ما تقولَه:
" اكتشفت أنِّي حامل بعدها ، لم أُرِد أن أخسر طِفلي و أُربيه مع والد مُجرم! .. حاولتُ كثيرًا التحدث مع أهلي لكنه كان يمنع عني كل وسائل التواصل حتى أنه سحب مِني هاتفي دون إخباري السبب ، لم يكُن يعلَم أنِّي اعرف بكل جرائمِه! .. و التي بدأتُ بجمعها سِرًا مِن وراءِ ظهره كي أُظهرها للمُخابرات العامة كي تقبض عليه مُستغلَّة كوني مُحامية سابقة .. لكن بسبب ولادتي لساجد تأخرتُ بالأمرِ و بعد ولادته وجدته سجنني في غُرفتي و قد اكتشفَ ما كنتُ أنوي فعلهُ به بعد توتُر عِلاقتنا بسببي ، كان يأخُذ مني الولد حين أُعانده ، أصبح كذلك يُعنفني و يضربني بقسوة و يحرمني مِن ابني لأيام دون أن يتركه كذلك كي أُطعمُه و أهتم بِه! ..."
شهقت بحُرقة و قد تلاشى صوتها مِن الألم، فهمس مروان و قد لانت ملامحه بسبب ما سمعه:
" إهدأي جُرحك لم يلتئم... "
تجاهلته و عادت لتُكمل، لقد كانت تغمر كل مأساتها داخل قلبها دون أن تبوح بها لثلاث سنوات! .. لكنها هنا لم تستطع أن تتوقف و كأنّها وجدت طوق نجاتها مِن اخفاء الأسرار التي آلمت قلبها لسنوات:
" مر عامين و كبر ساجد قليلًا .. لم يكُن يضربني إلَّا أمامه تاركًا إياه يبكي ، كما و كان يُرهبُه حتى بدأ الصبي يخافُ حين رؤيته ، و كبرِ ساجد بعقلٍ واعيًا لما يفعله أبيه .. آرسلان لم يكُن أبًا! .. و لا حبيبًا! .. لقد كان سوء إختيار و فوضى حلَّت في حياتي! ...
في إحدى المرات منذ عدة أيام ، سمعتُ صُراخ ابني مِن مكتبه ، و حين هرعتُ نحو المكتب وجدت ساجد أرضًا يبكي بشدة .. لأجده يُمسك بمسدسٍ و يبتسم بينما ينظر لي باستخفاف! .. لقد ضرب ابنه بمؤخرة المسدس على ظهره لأنه فقط قاطعه أثناء عمله! .. ثم راح يُخبر ابني أنه سوف يقتلني بمسدسه إن لم يُصبح رجل! .. "
نظرت لابنها و احتضنته رادفة باستياء:
" لقد كان يُريد مِن طفل بعمر السنتين أن يُصبح رجل!! ... لدرجة أنني في مرة وجدته يأخذه معه مُجبرًا إياه على ذلك ، حاولتُ معرفة إلى أين لكنه لم يُخبرني و حين عاد وجدتُ ابني في حالة اعياء تامة! .. حين أفاق معي أخبرني ببعض الكلمات التي صُعقت حين سمعتها! ... ذلك الرجل ليس سهلًا و لو بقيت حيَّة سيقتلني و سيأخذ ابنه ليُشركُه في أفعالِه .. أرجوك .. أرجوك لو حدث لي شئ اعتني بابني و لا تجعله يصل إليه! أرجوك! "
ترجتهُ بحُرقة ، فأومأ يُحاول مُقاومة تِلك الحقائق الصادمة! .. أحسَّت بأنها أُرهِقت فاحتضنت طِفلها و نامت .. ربما لم يكُن يعلَم أنَّ هذه أخر مرة سيرى بها عيناها و خُصلاتها السوداء الحريرية .. و ربما كانت أخر مرة يحظى صغيرها بعِناق والدته ! فبعدها حالتها استدعت جراحة أخرى لقلبها المُنهك! .. و للأسف كانت أول مرة لا تنجح معه عملية جِراحية كتِلك! .. ربما لتأخُّرِه بانقاذها! .. و لكنها ماتت! .. ماتت تترك له مسؤولية كبيرة! .. تركت له ساجد الذي أصبح له كل شئ!
عاش ساجد معهم حتى رُزِق مروان بطفلتِهِ الأولَى ، سارة التي تعلق بها ساجد مِن الوهلة الأولى!
لم يعلَم أحد مَن تِلك المرأة؟ و لا أحد علِم بوجود ساجد ، و انتهت حكاية تِلك المرأة باحتضان ساجد في تِلك الأسرة و نسيانه لوالديه الحقيقيان!
" أبي؟ "
" أبي استيقظ! "
.
.
.
" أبي! "
بدأ يخرج مِن تلك الأحلام التي تُعيده للماضي، على صوتهِ المهتز ، رمقه بنُعاسٍ لرغبته المُلحَّة بالنوم، فجلس الفتى إلى جواره يجذب يد والده و هو ينطق بخوف ، و قد شعر مروان برجفة يده بينما يهتف:
" أبي أفق قليلًا أرجوك! "
جلست نارين بعدما أفاقت تعقد جبينها بحِيرة و هي ترى ساجد يجلس بشكل غير طبيعي البتة، فسألته بقلق و هي تنظر لمروان الذي لم يستوعب بعد:
" ماذا تُريد يا ساجد؟ .. الوقت متأخر! "
كانت أنفاسه عالية، غير قادر على التحكم في خوفه، أمسك بيد والده و هتف متجاهلًا سؤال والدتِه:
" أبي، لا وقت لعدم استيعابك، هناك شخص يُحاول الدخول نحو غُرفتي! "
هنا انتفض مروان يمسكه مِن كتفيه و يسأله بقلق:
" ماذا تعني بمحاولة الدخول لغُرفتك؟! "
و قبل أن يُجيب صدع صوت فوضى بالخارج مما جعل ساجد يشهق بخوف و والديه جفلا بقلق، مروان تركه و هرول نحو الخارج تاركًا جملة صغيرة صارمة للاثنين:
" لا تلحقا بي بتاتًا! "
*
*
*
يتبع ...
و كااااااات 😩😂❤️🤷♀️
لنتوقف هنا 😌😛
و طبعًا أعتذر عن التأخير، حاولت انهاء الرواية الفترة السابقة لكن ظروف عائلية ضخمة حدثت في أسرتي و مع تعديل كل بارت لأجل سير الأحداث يجعل الأمر صعبًا عليّ!
كما و مِن هنا تبقى 10 بارتز فحسب، مِن هنا يبدأ العد التنازلي لبدء أحداث النهاية.... ✨
عرفتم ماضي ساجد؟
والدتِه روزان و مُقابلتها الأولى و الأخيرة مع مروان و وصيتها تجاه صغيرها؟
ساجد الصغير؟
والده آرسلان؟
ما توقعاتكم للبارت القادم؟
و من اقتحم المكان؟
كل تِلك الأمور التي يجهلها ساجد!
ماضي مروان و نارين؟
اي انتقاد؟
أي اسئلة؟
تقييم البارت؟
ألمشهد؟
و الآن إلى اللقاء أعزائي. ❤️❤️❤️✨
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top