P12
قبل بدء البارت...
خذوا نفسًا عميقًا و صلوا ع النبي ﷺ
و استعدوا للصدمات و البُكاء.. 🙂
*
*
*
مبعثر 12
...
.
"لقد حظينا بمحبةٍ لم نُدركها الا بالكثير من الجُهد!"
..
العِناق اللطيف الذي حصلتُ عليه مِن والدتي كان لطيفًا و دافئًا، أشعرني كأني طائرًا كان تائهًا و عاد إلى وطنِه .. رغم ذلك، كانت كلمات جون تعود لتسكُن بين تجاويف عقلي مُشبعة إيايّ مِن الحيرة البالغة!...
الساعة التاسعة ليلًا كانت أختى تلتصق بي في فِراشي، دون رغبة منها لتركي و أنا قد رحبت بذلك، فلقد اشتقت لرؤيتها!
..
ابتعد قليلًا عنها حينما غفت و نهض مِن جوارها نحو النافذة يستنشق الهواء بِعُمق، فـَ ضربات قلبُه ليست مُنتظمة هو يشعر بذلك دون أن يعرف السبب لكنه يُوقن أنه لازال تحت تأثير تِلك الصدمات، فلا يستطيع أن يخرُج منها بقلبٍ سليم .. و بوقفته تِلك استطاع رؤية القمر وسط تِلك الغيوم المنتشرة بكثرة حولِه، الجو يُنذر بهطول أمطارٍ غزيرة الأيام القادمة.
تنهد بضيق بينما يلتفت ليخرج مِن غُرفتِه يسير نحو غُرفة والديه بلهفة، لقد اشتاق لوالديه و عليه الذهاب لهما، قرر للتو الإعتذار لهما عما بدر منه في سابِق أيامِه ، و قد قرر أنه سيعود لنُسخته اللطيفة، و لن يُصاحب أشخاصًا سيئين ، و لن يتجه للطريق الخاطئ مجددًا .. بل سوف يستمع إلى ...
" و لكنها الحقيقة يا مَروان! ... ساجد ليس ابننا! "
توقف به الزمن و انهارت كل دفاعاتِه، أحلامه، مستقبله، و حياته! .. عيناه غشاها الظلام فأضحت داكنة تختفي منها لَمعة لهفتَه! .. يقترب أكثر بخطواتٍ ترتعش و بالكاد ثابتة بينما يستمع لصراخِهما الذي كان بالكاد يرتفع بصوتٍ مسموع:
" ليس مِن شأنِك يا نارين! .. أنه سيظل إبننا..."
" أنتَ تكذِب على نفسَك و علينا! .. ساجد سيظل ابن .."
فـ ارتفع صوتِه بعصبية قاطعًا كلماتِها:
" اخرسي نارين!.. ساجد ابني و سيظل رُغمًا عن أنفِك! .. لا تُدخلي الماضي بيننا مجددًا! "
ابتعد بخطواتِه متراجعًا عن الباب بانتكاسة أخرى ، و التفت حتى اختفى ظِلالهما الظاهرة مِن فتحة الباب عن حَدقة عيناه .. وصل للصالة و وقف دون قدرتِه على الحِراك و حينها صدَّعت كلماتِ جون رأسِه مجددًا ، فـ بدأت الدموع تتشكل بطبقة رقيقة، ضربات قلبُه تبَعثرت و تنفسِه ضاق لحقيقة حياتِه المُزيفة! .. تنفس بأنفاسٍ مُتقطعة غير قادر على التحكم بشلالات بكاءِه المكتوم! .. انحشرت غصة حادة في حنجرتِه أراد لو أن يصرخ لإخراجِها، ودَّ لو أنْ عاش بِـكِذبة على أن يسمع نبراتِ الرفض تِلك من شخصٍ غالٍ عليه، لقد قالتها و هي في غضب شديد كسره، كسرت قلبه، و خانتِه رغم حُبه لها! .. و رغم أنها كانت الجِدار الساند له، مالت و تركته يسقط دون حامٍ! ... الفجوة بدأت تكبُر و القسوة أخلفت مشاعرًا كريهة داخلُه! .. بدأ يذكُر كل أحداثِه معهم، الآن علِم سبب قسوتهما تجاهِه! .. و عدم ايذائهم لسارة حتى لو بكلمة واحدة عكسُه! .. لقد كانا يضعان فجوة بينهما و بينِه ! .. فجوة مُخيفة! .. و مُهلكة!
لم يتدارك الزمن و الثوانِ التي تمُر، كانت الصدمة بالغة عليه مما جعلت مِن تنفسِه يضيق أكثر ليشعر فجأة بـ عدم توازن الأرض مِن تحتِ قدميه و كأنَّ العالَم كُلَّما ينهض يُرغمُه نحو السقوط ، ما لبِثَ أنّ أمَال يستند على سطح الطاولة الزجاجية بقربِه، يُمسك بأناملِه تِلك الملاءة التي تُغطيها، ضربات قلبه بعدما كانت سريعة راحت تَضعُف و كل دقةٍ كانت أعنف مِن الأخرى !
هنا كانت الصورة بدأت تَعتِم أمام حدقتاه، و جِفناه أحسَّ بِهما ينغلقان بضعف، و فجأةً راح رأسه يدور فأغمض عيناه و خارت قُواه ليجذب تِلك الملاءة بما عليها ليسقط أرضًا تزامنًا مع ارتفاع صوت الكأس و هو ينكسر بقربَه!
" لكن! .."
انتفض جسديهما حين بلوغ الصوت لأذن كِلاهما، و تلاقت الأعين معًا في قلقٍ قبل أن يخرُج مروان مُسرعًا إلى الخارج حتى توقفت خطواتَهُ بصدمةٍ و هو يرى ساجد مُرتمي أرضًا فاقدًا لوعيه و بجواره فوضى مِن زجاجٍ مُنكسِر!
شهقت خلفَهُ مُعيدةً إياه للواقع، فتحرك بسرعة نحو الفتى و جلس جواره يفحصه للاطمئنان عليه فـ اتسعت عينه بذعر حين وجد نبضَهُ ضعيف، ليُسرع في رفعِه يحمله ليُهرول به نحو سيارتِه صارخًا بنارين التي لا تفهم ما يجري:
" عليّ أخذه للمشفى فورًا! اهتمي بسارة "
وقفت دون أن تعرِف ماذا تفعل؟ .. فقد ظلَّت تُحدق في ظهر زوجها الذي اختفى تاركًا إياها وحيدة بقلبٍ يرجُف ، فعادت للوراء تلتقط كرسيًا لتجلس عليه بينما تُفكر بكل ما حدث، ناظرت مكان وقوع ساجد و التفتت نحو غُرفتها بوهن ، المسافة ليست كبيرة، و لصدمتها ذرفت دموعها بندم حينما تَيَقنت أن ساجد سمع ما دار بينهما! .. لقد علِم أنه لا ينتمي لأسرتهما! .. لقد كانت أنانية و هي تواجه مروان بالحقيقة! و اضطرت تخبره بذلك وسط حديثهما!
شهقت باكية تُخفي وجهها أسفل كفَّيها، تُدرك للوهلة الأولى، أنَّها تقترب مِن فُقدانِه مِن بين يديها و هذا وحدَهُ كافٍ لينبض قلبها بذعر .. هي أمَّهُ التي ربتَه و كبِر بين يديها، تابعت خطواتِه في مراحل حياتِه .. لكن بسبب غبائها، لن تُصدم إن ابتعد عنها بسبب ذلك!
****
حينما انتصف الليل بدأت السماء تُمطر بغزارة و مع أول صيحة رعد مُمتزجة مع ضوء البرق، بدأ يفتح عينيه مُنزعجًا و هو يرى بأعين مشوشة سيّر والدُه نحوَه قبل أن يجلس على الكرسي جوارَهُ بينما يتنهد بـِحِدة و ضيق يُمسك بجبهته ثم رفع نظرِه نحو ابنه بضجر و تلاقت عيناهما معًا !
تنهيدة عميقة أطلقها مروان بضجر شديد و هو ينهض مجددًا غير راغبًا بالتحدث الا أنَّ ساجد كان له رأي أخر حين اعتدل جالسًا يُخاطبُه بجفاء:
" لحظة أبي، أم أناديك سيد مروان؟ "
التفت نحوَه يُضيِّق عينيه بعصبية، شِجاره معها أخلَف مُشكلة لم يُفكر بها من قبل رغم أنَّه كان مِن حق ساجد أن يعلم ذلك مُنذ زمن لكنهما فحسب أغلقا الأمر بينهما، و ربما هذا هو القدر الذي تُربط خيوطِه ببراعة فتظهر الحقائق! لذا مهما برع الانسان في الكذب، كانت الحقيقة دائمًا ما تظهر.
التفت بكامل جسدِه نحو الفتى الذي حدقَهُ بنظراتٍ غاضبة رادفًا بانفعالٍ شديد:
" كذِبتُم عليّ! .. طوال الأربعة عشر عامًا تركتوني أعيش في كِذبتَكُم؟! .. عِشتُ مُغفلًا لا أُدرك حقيقتي؟!! .. إنّ كنتُ لستُ ابنكما فمن أكون يا أبي!؟ مَن أكون أنا؟!!!"
رماه بنظراتٍ هادئة ثم راح يُجيبه ببرود:
" ساجد .. أنتَ ساجد مروان "
فصرخ بعصبية و حُزن:
" لستُ كذلك! .. أنتَ كاذب فقط! كِلاكما كذبتُما عليْ! .. لستُ ابنكما ! .. "
" أجل لستَ كذلك ساجد .. لكن .."
رماه الفتى بنظرة مصدومة و كأنَّه كان راغبًا بتكذيب ذلك عنه و سكوت مروان كان كفيل بقتلِه حتى وجدَهُ يقترب منه ليجلس جواره بينما يتنهد بضيق و الأصغر يرمقُه كاتمًا رغبته بالانهيار بينما يُكمل الأكبر بتعب مُحتصنًا يديه:
" .. إن لم تكُن ابني بالدم، فأنتَ لازلت ابني بالروح ... أنتَ ابني يا ساجد! .. "
أمال نحوِه يُعانقه :" لقد رأيتُك تكبُر أمامَ عينايّ ، حملتُك بين يدايّ الكثير مِن المرات ، احتضنتك في مرضَك و بُكاءَك .. لقد علَّمتَك كيف تسير رغم أنِّي ربما أفلتَّك بسبب إهمالي، لكنَّك ستظل إبني، ستظل حتى ينتهي هذا العالَم! "
أبعدهُ عنه يتبادلان نظراتَ الأعيُن لحظات حدق فيها بعين والده حتى شهق فجأةً و قد انهمرت دموعِه ليبكي، فدفعَهُ مروان ليحتضنه مُجددًا مُربتًا على رأسه علَّه يهدأ بينما هناك أفكار كثيرة بعقلِه أتعبته! .. لا يعلم ما يفعل حتى يُعيد المياه لمجاريها لكن حتى لو عادت أستكون المياه صالحة؟!
" إهدأ يا ساجد، سأُخبرك كل الحقيقة لكن عليك أن تهدأ لأجل صِحتُك."
لكنه لم يستمع إليه، احساسه بأنَّ عالمه ينهار فجأة جعلتهُ يشعر بشعورٍ شديد السوء! ... و مع انهياره ضغط بيدِه على قلبِه الذي آلمَهُ مُتابعًا بكاءِه ، فتنهد مروان و هو يمسح على ظهرِه قلِقًا بينما يُحاول تهدئتِه .. حينها دلف طبيبًا إليهما، وقف يتنهد بضيق حين رؤيتهما هكذا ، فـ اقترب أكثر يتحدث باستياء:
" دكتور مروان! .. تعلَم جيدًا أنَّ بُكاءِه و حالتَه النفسية هذه سيئة على قلبِه! "
تنهد مروان و همهم بأنَّهُ يفهم ذلك جيدًا الا أنَّهُ ليسَ لديه القُدرة على ايقاف صدمة طفلِه، فلامس الطبيب بين حاجبيه باستياء نابسًا:
" أ عرِف ما هو مرضُه؟ "
نفى المعنيّ بـِ هزة مِن رأسِه ، فردف زميله قائلًا بينما يُحضِّر حقنةً ما:
" أعرِف جيدًا أنَّ معرفتِه للحقيقة هو أمر بغاية الصعوبة و التصديق خُصوصًا أنَّهُ عاش معكم عُمرَهُ تقريبًا! .. لكن الحقيقة تبقى حقيقة يا مروان، كان عليكَ إخبارهُ منذ وقتٍ طويل! "
" أعرف دكتور مارْس، لكن الأمر فقط كان صعبًا، كُنتُ خائفًا. "
" هل أخبرتَهُ عن الأمر؟ "
" ليسَ بعد. "
قال تزامنًا مع ابتعاد ساجد عن مروان شاعرًا بالتشوش مِما يُحكَى بينما يوجِّه نظراتِه نحو الطبيب بينما يُخاطبُه بنبرة متحشرجة و عيناه تُحدق نحو الحُقنة في يدِ المعنيّ:
" هذا مهدئ صحيح؟! .. "
أومأ مارْس بهدوء دون أن يكذب عليه، فردف الفتى بنبرة هادئة ببقايا بُكاء:
" لستُ أحتاجه، أنا قد هدأت .. أجل هدأت."
ثم التفت لمروان يجذب قميصِه مُترجيًا إياه و قد عادت الدموع لتملأ عينيه لتؤثر في طبقة صوتِه:
" أريد أن أعرف مِنك الحقيقة يا أبي. "
أومأ مروان جاذبًا إياه مجددًا ليُعانقه قائلًا بصوتٍ خفيض:
" سوف أخبرك بكل شئ لكن عليك الهدوء فقلبُك ضعيف. "
" لا أستطيع! .. لا أريد الابتعاد عنكُم! "
قالها بينما يرتفع نحيبه وشهقاتِه غير قادر على كبح مشاعرِه النازفة! .. فتنهد مَروان ينظر لرفيقِه بضيق ، ففهم مارْس الأمر و تقدم ليُمسك بيد ساجد الذي انتفض يبتعد عن والده و عن مارس الا أنَّ الأخر لم يتخلى عن يدِه و هو يُخاطب مروان بجمود مُتجاهلًا رفض الفتى:
" مروان، كثرة بُكاءِه لن تزيد الأمر الا سوءًا فثبتُه! أرجوك. "
" لكني لا أريد! أنا بخير! ...أنا .."
حاول الرفض بينما يتمسك في أبيه حتى رمقه مارْس بنظرة غاضبة، فأشاح الفتى عينه عنه متمسكًا بوالده أكثر حيث لفَّ مروان ذِراعيه حولَه يُعانقه مُخاطبًا إياه بصوتٍ حنون:
" لا تقلق صغيري، ستكون بخير. "
أومأ بحضنه بينما يجفل لشعورِه بشئٍ يدلف إلى وريده، و ثواني حتى بدأ جسده يَثقُل و يختفي وعيِّه تمامًا!
تنهد مارس قائلًا بجدية:
" دكتور مروان ، عليكَ اخباره بكل شئ حتى بمرضَهُ الوراثي هذا. "
تنهد مروان بضيق، لم يُخيل له أن يمتلك ساجد المرض الذي ماتت والدتِه الحقيقية بسببه! .. اعتلال القلب الضخامي؟! .. لكنه رغم ذلك لم يرى من قبل أي اشارات عن المرض لكنه آتى فجأة! .. لكن مهلًا! .. هو دائمًا كان مُنهمكًا في عملِه! .. أتراه كان يشعر بالمرض دون أن يفهم ما يحدث لهُ؟! .. و فترة علاجه من الادمان، كيف لم يُلاحظ! .. لقد كان الادمان السبب في ازدياد و ظهور المرض! لأن جسده كان قابلًا للمرض! .. رغم ذلك لم يكن يهتم! .. و هذا نهاية اهماله للاسف!
أومأ مروان و راح يحمله بين يديه ليغادر مفكرًا، أن عليه الاهتمام به دون أن يصل أمره للجراحة!
-----
عاد به لمنزلِه ، تركه ينام في غُرفتِه ، يطمئن عليه جيدًا قبل أن يعود أدراجه نحو خارج الغُرفة ..
هناك في الصالة كانت جالسة بهدوء و شرود شديد ، جوارها سارة التي انهمكت في لُعبتها بصمت و غير انتباه لوالدتها بعدما استيقظت فجأة لتخرُج من غُرفة ساجد و تراها بنفس الوضعية ، تقدم منها يُدرك مدى شرودها حتى انَّها لم تشعر بعودتِه، جلس جوارها مع انسياب صوت سارة بقلق:
" أبي، هل ساجد مريض؟ "
نظر نحوها و أومأ بصمت نابسًا:
" أجل .. سارة هل يُمكنك الاعتناء به حتى استيقاظِه صغيرتي؟ "
اعتلت ملامحها الحماس بينما تنهض فورًا نابسة:
" بالطبع أبي. "
ثم هرولت لغُرفتِه كي تبقى قُربَهُ، بينما هو عاد بنظراتِه نحو نارين التي لم تنتبه عليه حتى الآن لينطق بينما يُمسك يديها المعقودة معًا بينما ترتجف:
" نارين ؟ .. حبيبتي؟ .. "
جفلت على مُلامستِه لها، حدقت في ملامحه و طابقت عيناها نحو عيناه قبل أن تفتح فاهها ناطقة بندم و ارتجاف :
" هل .. هل هو بخير؟ .. "
أومأ يُجاورها دافعًا رأسها نحوه في عِناق فراحت تبكي بقهر تُطَوقُه بذِراعيها بانهيار رادفة بنبرة مُنهارة نادمة:
" لم أقصد! أقسم لم أقصد أن أنطق بتلك الكلمات .. كانت زلَّة لِسان مِني! و يا ليتَه قُطع قبل نُطقي بما يُصيبه بأذى! ... هل سيُسامحني يا مروان؟! "
مسح فوق خُصلاتِها بِـرِفق يتنهد بألم، رؤيتِه بتِلك الهيئة في المشفى كفيل باشتداد خوفِه عليه لكنه نطق:
" لا تقلقي، هو بخير، لكن الإغماء كان .."
سكت، لا يعرف كيف يُمكنه إخبارها بذلك؟.. كيف يُخبرها أنه وصل للمرحلة التي قلِق منها؟ .. لكن ابتعادها عنه و نظرتها له بعيناها المُبللة التي تُطالبه بتفسير جعله يستسلم رادفًا بألم:
" أنه يُعاني من إعتلال القلب التضخمي يا نارين.."
عقدت جبينها تشعر بأنها سمعت عن هذا المرض مِن قبل لكنها لا تذكُر، فناظرتُه بقلق هامسة بتردد:
" هل .. هل هناك خطورة قد يُسببها له؟ .. ثم .. ثم ما ذلِك المرض؟ .. "
نظر نحو الفراغ يتنهد بـهَمّ يُحيط به ثم يسترسل:
" مرض القلب التضخمي، هو مرض وراثي تُصبح فيه عضلة القلب سميكة و مُتضخمة مما يجعل هناك صعوبة في ضخ الدم ."
_" لكن كيف ذلك؟! .. متى ورث ذلك المرض؟! "
همهم بتفهم يُتابع:
" غالبًا لا يتم تشخيص المرض لأن كثير مِن المرضى لا تظهر عليهم في البداية الا سوى أعراض قليلة أو لا تظهر تمامًا ..لكن في حالة ساجد، فهو ربما عانى مِن قَبل مِن تِلك الأعراض لكننا لم ننتبه أو رُبما هو لم يُخبرنا لأنه لا يُدرك ... "
قاطعته بخوف بينما تتمسك بيديه سائلة:
" لكن كيف ذلك؟! .. "
تنهد ينظر لها بتعب:
" ربما بدأ بعد مُعاطاتِه لتِلك المُخدرات .. لقد كان جسدِه قابل للمرض و هذا كان بابًا ربما للبدء في الظهور، و لكننا لم ننتبه."
هنا و قد تماسكت تأخذ نفسًا عميقًا لتردف بجدية مُشعبة بالخوف:
" مروان، أخبرني كل شئ عن المرض، لكي أنتبه على ابني جيدًا."
همهم بابتسامة هادئة، ليردف بهدوء:
" حسنًا، لأخبرك عن الأعراض .. "
تلك الليلة ظلَّا سويًا، يُخبرها عن ذلك المرض بطريقة سلسة، يخبرها عن الأعراض التي تتمثل في ضربات قلب غير منتظمة و ألم في الصدر مع ضيقٍ في التنفس قد يؤدي فجأة إلى الإغماء .. يُخبرها عن أن بعض المُمارسات و الأنشطة الرياضية قد تُسبب في ظهور نوبات مرضية ثم بعض الأطعمة التي تُساعد في تقويتِه، أخبرها عن كل شئ عن المرض، و عن بعض الأدوية التي يجب أن يتناولها بانتظام ليُخفف أعراض المرض الذي يُصيب جِنس الذكور أكثر من الاناث حتى انتهت تِلك الليلة و في كُلًا منهما يمتلئ رأسِه بالأفكار المُضطربة، لا يُدرك أحدهم بالمستقبل كيف سيكون؟ .
----
بعد عدة من الأيام، لاحظت نارين و مروان أن ساجد لا يقترب منهما، يتجنب البقاء أو التحدث إليهما! .. فقط يُجالس أخته أثناء بقاءها بالمنزل و حين ذهابها للمدرسة يختلي بمفرده بالغرفة، حين تفتح نارين عليه الغرفة تجده إما يقرأ كتابًا، أو مُنغمس في اللعب بهاتفِه أو حاسوبه المحمول!
و يوم الأحد، السابعة صباحًا وجداه يخرج من غُرفته يرتدي ملابس المدرسة و حاملًا على ظهرِه حقيبته، و بدون أن يُلقي السلام غادر، فناظرت نارين زوجها بقلق ليتكلم مروان بتعب:
" أنه لا يًرغب بالاحتكاك بنا كي لا يضطر لأن يسألني عن أهلِه الحقيقيين، و عن مرضه رغم أنَّهُ بالفِعل يتجاوب مع ابتلاعه للأدوية كي لا يضطر أيضًا أن يُشاجرني! .. أنه يخاف مِن حقيقتِه! .. كما و أنه قد غاب كثيرًا عن المدرسة و لقد هاتفتُ المدير أنه عائد ، و أرسلت مع أُخته أن يذهب، أليس كذلك سارة؟ "
نظرت سارة لوالدها و ابتسمت مُشيرة بيدها علامة النصر، فابتسم مُبعثرًا شعرها بخفة و قال:
" الآن هيا للذهاب للمدرسة. "
" حاضر! "
صرخت بحماس و هي تنزل من مِقعدها لتأخذ حقيبتها و تهرع نحو الخارج حيث سيارة والدها!
وجَّه هذه المرة الحديث لنارين قائلًا:
" نارين لا بأس، الحقيقة يجب أن تُكشَف يومًا .. لا تشعُري بالذنب، و تعاملي مثل السابق .. لازلنا نملك طفلين مُشاغبين حتى لو تعددت الأسباب، فنحن معًا!"
ابتسمت لكلماتِه و شعرت أن روحها عادت لتسكُن جسدها، فبادلها الابتسامة قائلًا:
" هيا سأوصلك لعملِك و أوصل الأولاد للمدرسة قبل ذهابي للعمل. "
أومأت بخفة، كِلاهما بعد دقائق تنهدا معًا حين وجدا أن الأخرق سبقهم في السير نحو المدرسة، فاستقل مروان السيارة ليقودها نحو المدرسة أولًا.
----
كان يسير شاردًا، يُحدق بالمارَّة و بكل شئ و كأنه رغم شرودِه يبتعد عن التفكير بالأمر الذي يَشغل بالُه و لذلك أبعد شروده و توقف للحظات يُخرج هاتفه و سماعته ليضعها في أذنيه مُوصلًا إياها في الهاتف ثم شغَّل الموسيقى، فربما تُشغله عن كمِّ التفكير الذي يُلازمه هذه الفترة!
توقفت بجانبِه السيارة لكنه لم ينتبه لها حتى سمع اسمه من فمِ والده، فتوقف يلتفت لهم للحظات ثم عاد ليسير مُتجاهلًا إياهُم، الا أنَّهُ بعد لحظات شهق مع جذب والده لمعصمه ليسير خلفِه مُرغمًا!
فتح الباب و دفعَهُ إلى الداخل جِوار نارين، فصاح ساجد بغيظ:
" دعني! أريد أن أسير وحدي! "
دون أن يوبخه قام بتثبيته و لف حوله الحزام الخاص بالآمان ثم أغلق الباب باحكام و دلف إلى السيارة متمتمًا:
" مزعج! "
فصاح من خلفِه بغيظ و وقاحة:
" لستُ مُزعجًا بِقدْرِك! "
ناظره من المِرآة بحِدة يُناقشه بتحذير:
" لسانَك طال، أتُريد أن أقصهُ لَك؟ "
" بل .."
أغلقت نارين فمه بسرعة فهمهم باستياء نحوها، لتبتسم قائلة دون أن تترك فمه:
" لا يجب أن يطول لِسانُك على والدك، عيب يا ساجد."
تركته فابتعد عنها يُعيد السماعات لأذنه و يرفع مستوى الصوت إلى أخر مُستوى و راح يرمق الشوارع بالخارج في عُبوس!
حين وصلوا نزلت سارة بحماس بعد وصلة قُبَل لوالديها و أسرعت تدلُف للمدرسة قبل شقيقها الذي راح يُحاول فك الحِزام الذي يُحيطه بتذمر و تشتت جعل من نارين أن تضحك بخفة و هي تفعلها بدلًا عنه بينما تُخاطبه:
" التسرع شئ سئ حبيبي، ثم ما تصرف الأقزام هذا؟!"
عبس، فلقد قصدته بحديثها و راح يرمقها بنظراتِه المتذمرة لتتسع عينه بصدمة حين انحنت فجأة تُقبِّل خدِّه ثم ابتعدت تضحك بنصر و هي ترى وجهه تَحوَّل للأحمر قبل أن يلتفت بحرج و يَخرُج مُحاولًا الهرب الا أنَّ مروان خاطبه يُوقفه:
" ساجد اهتم بنفسك و لا تُمارس الرياضة مع رفاقك. "
و ببلاهة أومأ عديد المرات و هو يتذكر قُبلَتها و يُفكر بهل رأى أحد ما فعَلَتِه!؟ .. لو حدث سيكون حديث الجمهور!
هرب من أمامهما بحماقة و قد تسربت ضحكات من بين فاههما عليه لتقول نارين بحُب:
" لم يتغير، لا زال ابني الذي ربيته. "
" أجل. "
عقب مروان بخفة بينما ينظر لملامح نارين الذي تحولت فجأة للندم، فتنهد و هو يردف مخاطبًا إياها:
" أخبرتِك يا نارين لا تفكري بما مضى. "
تنهدت هي الأخرى بتعب و قالت نادمة:
" لم يكن يجدر بي نطق تلك الكلمة بسبب غيرة مني يا مروان، خوفي من اصابتك بأذى بسبب تلك المرأة التي شعرت بالغيرة تجاهها رغم أنها بعالم الموتى الآن، رغم كل ذلك ما كان يجدر بي ادخاله في منتصف حديثنا حتى لو كانت أمه! .. لكنها الآن ميتة و نحن قُربه! .. أنا حقًا أسفة! .. صدقني أعتبر ساجد ابني، بل هو ابني أنا! .. أنا من ربيته بين يدي و لا أحب لو أن يمسََهُ مكروه! "
" أعرف حبيبتي ، انها مجرد فترة و سيعود كما كان، أنه يُحب جوارنا. "
...
يدلُف بينما يفرُك خده مكان قُبْلتها بعبوس بينما يتذمر داخله بغيظ منها، كيف لها أن تُقبِّله؟! .. من الجيد أنها لا تضع مُستحضرات تجميل لكان أحمر شِفاههَ طُبع بوجهه!
توقف يُحدق في صديقه الذي يُشاركه حرف السين! .. كما يُشاركه صداقتِه و أُمورِه اللطيفة! .. كان سديم جالسًا في مِقعده بصمت تام، تحُوم حولِه هالة مُعتمة مِن اليأس، ملامِحه كانت و كأنه فقد شخصٍ عزيزٍ عليه .. و في يده لاحظ ساجد أنه يرسُم و حين اقترب توسعت عينيه للحظات قبل أن يهدأ قلبه و يبتسم بعذوبة، فـ لم يكن يرسُم شيئًا غيره!
و لِشدة ما به من بهجة جعلت قلبه يُرفرف بسعادة، نطق و يده تمتد لتُلامس يدِ سديم التي ترسمه :
" تعلَم؟ .. اشتقت لَك أول شخص. "
تجمد المعني مع مرور صوتِه لمسمعِه! .. لم يُدرك في أي حُقبة زمنية هو؟! .. أهو يتوهم؟ يحلُم؟! .. أم أن رسمتِه تتكلم؟ .. أو ربما انتقل لعالم أخر في زمن مُعين، و صاحبِه يتكلم معه!
و مع قهقه مِن ساجد رفع نظره نحوه بسرعة لتتلاقى عينيه الكِرستالية بعين صاحبه الرمادية و هتف بلهفة بينما يتحرَّك مِن مِقعده لينقض عليه:
" ساجد؟! .. أخي!! "
و تراجع ساجد خُطوتين للخلف ترتفع ضحكاتِه بشوق و هو يلف ذِراعيه حول مَن عانقهُ فجأةً!
" أين كنت؟! .. لقد كنتُ أفتقدك! "
راح يمسَح على ظهره بخفة و هو يستمع لنبرته التي تُنذر ببكاء، و راحت معه ذاكرته تُعيد له ما كان فيه فامتلأت عينه بدموع الخيبة، ماذا لو أخبره أن ما فيه هو مُجرد كِذبة! .. أن لا والديه هما والديه، و لا حياته هي حياته! .. و أنه لا يعلم مَن يكون؟! .. أهو ساجد أم له اسم أخر ينتمي لمُجتمع الغرب الذي توطَّن فيه!
و استوطن كِلاهُما مِقعدهما بجوار بعضهما ، يُخبره ساجد عما صار له بالفترة الأخيرة، و كما و صدمَهُ بحقيقته قبل أن يدلُف المُعلِّم و يبدأ بالشرح تاركًا سديم يُلقي نظرة بين الحين و الأخر نحو ساجد الذي شرد تمامًا في عالمِه!
تنهد، فما سمعهُ عمَّا صار لصديقِه ليس سهلًا! .. مَن كان يُخيَّل أن ساجد ابن الطبيب مروان المشهور، ليس ابنه الحقيقي و انما ابنًا لشخصين مجهولَين و سِر أخفاه عنه مروان حتى الآن!
*
*
*
يتبع...
أدرك تأخري، لكني اضطررت أن اغير بعد الأمور و أضيف بعض المشاهد التي تدعم الرواية لذا استمتعوا يا لُطاف! انه أكول بارت في الرواية حتى الآن 3100 كلمة 😉🌼🌼❤️❤️❤️❤️
هل استفدتم من المعلومات؟
رأيكم بالبارت؟
توقعاتكم؟
المشهد؟
التقييم؟
و سلاااام. ❤️🌼✨
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top