P10

مبعثر10

.
.
.

مُبتسمًا يرمقها بحبٍ بينما كانت تُوبخه مجددًا لما يفعلُه في نفسِه من اهمال، و كطفلة صغيرة هي راحت ترمقه باستياء تواصل نبرة توبيخها:
" أنتَ مزعج أتعلم! .. ما بال كل ذلك ؟! .. أنتَ تُهمل نفسك بشكل سئ!! .. ثم أتحاول إقلاقنا عليك دائمًا؟! "

أمسك بيدها يُحاول مُراضاتِها و لكنها نظرت للجهة المُعاكسة له ترفض مسامحته الا أنه نطق مُخاطبًا إياها بلطف:
" ناري، لا تقلقِي حبيبتي أنا بخير، و كل ما في الأمر أني بالغت بالعمل قليلًا!. "

كانت قد تجمعت الدموع في عينيها و حدقتُه بِهما باستياء:
" و لكن ماذا لو حدث لكَ شئ! .. ألا يكفي ما حدث لساجد؟! "

ناظرها بصمت و قد آلمه قلبه لـ تِلك الحقيقة، الا أنه اعتدل يجذبها نحوه لمعانقتها لافًا ذراعيه حول جسدها، و هي راحت تستقبل حضنه باحتياج و انهمرت دموعها و هي تتذكر فقدان ابنها، و لا بأس أن تنهار الآن! لا بأس أن تُخرج ما آلمها! .. تحديدًا بين يديه هو! .. فهو يظل آمانها و سندها الوحيد.

***

" آش؟ "

يُحاول أن يُوقظُه لكن الفتى لم يستجب لمحاولاتِه، رغم نشر بِضع قطرات مياه على وجهه الا أنه لم يستجب و أورلاندو ظل مُحدقًا به بذهول، يتتبع ملامحه جيدًا و يُدقق! .. أنه متأكد أنه هو! .. ليس شخصًا غيره!

و بطريقةٍ ما وجد نفسه يُخرج مسدسه مع بداية استجابة الفتى و فتحه لعيناه، فتتقابل بوهن و تشوش معه بينما يتجه بفوهة مسدسُه نحو جسد الملقى بين يدي جون الذي اتسعت عينيه غير مُدركًا ما يحدث! .. و مع حركة احتكاك الزناد انتفض جسده يصرخ بشقيقه بالتوقف ، و الأصغر راح يُغلق عيناه مُجددًا يستقبِل جسده مضاعفات ارجاعه لذاكرتِه!

شهقت آوري تصرخ بوالدها كي تُنبهه و ما إن لاحظ انهيار الفتى حتى ترك أمر شقيقه و هرع لسيارتِه !

أورلاندو أعاد مسدسُه يُحاول أن يستوعب أن ما دار قبل لحظات هو مجرد وهم!

و راح ينظر لآوري يسألها بخفوت رغم ضيقِه:
" من هذا الولد آوري؟! "

نظرت نحوه و أجابت بتلقائية:
" أنه شقيقي.."

" ليس بشقيقك ، شقيقِك مات بالفِعل!
انطقِ الحقيقة!"

قاطعها يصرخ بعصبية و قد انتفض جسدها تبتعد عنه بخطوتين بصمت ، لكنه لم يهتم باجابتها بل تركها و غادر المكان مستقلًا سيارته و قد تحرك بها مُسرعًا، عليه أن يتصرف بسرعة قبل أن تتدمر حياته بسبب ذاك الفتى!

****

ظل يُناظِر جسده في قلق، يرى الطبيب يفحصه كليًا بدقة .. و أخذ ينتظر تقريره المُفصَّل عن حالته .. المحلول المُغذي ظل متعلقًا في وريده يتسرب سائلُه ببطء و الملاءة البيضاء صُبِغت منطقة صغيرة جدًا منها ببقعة دمٍ سقطت مع تركيب الابرة في ذراعِه!

رمقها الطبيب بخفة و التفت بملامح وجه غير مُبشرة لجون الذي اعتلى القلق ملامحه و هو ينتظر من الطبيب أن يتكلم!

" هل هو بخير؟ "

"أنتَ والده؟ "

أومأ جون و قد ابتلع ريقه بقلق، فأردف الطبيب بضيق و هو يرمق جسد الصبي راقدًا مع دخول الممرضة بالتحاليل و الاوراق الخاصة بحالتِه الصحية .. أخذهم منها و راح يتطلع بالأوراق و التقارير الطبية رادفًا:
" كما توقعت .. علاماته غير مُبشرة، يبدو أنه مر بحادث أفقده الذاكرة كُليًا و كما أحبال صوته مصابة بالتهابٍ ما، هل يستطيع الكلام؟ "

راح يتطلع به بحزن و نفى:
" لا، أنه فاقد للنطق، لقد ذهبت به لطبيب و لكن ذاك الطبيب أخبرني أنه يجب علينا إجراء عملية جراحية له. "

عقد الطبيب جبينه بغرابة و أكمل:
" لكنه لا يحتاج، كل ما يظهر عندي أنه إلتهاب بسبب شئٍ ما لكنه ليس بدائم كما أنه يبدو أنه قد مر بصدمة ساعدت الالتهاب لديه بوصولِه لهذه المرحلة ليس إلَّا ... لكن للأسف مؤشراتِه حتى الآن لا تدل على استيقاظه بوقت قصير، لذلك يجب وضعه تحت المُلاحظة لمدة ثمانية و أربعون ساعة حتى يستيقظ و يستعيد صِحته .. آه بالمناسبة لديه اضطراب بـِنُظُم القلب."

حدق به بدهشة فراح الطبيب ينظر له بأسف و هو يبعد عن عينه التقارير ثم قال:
" سأدع طبيب جراح مُتخصص يرى هذه المشكلة، لكن ألم تظهر عليه أيُّ أعراض؟ "

نفى جون بهدوء فأومأ الطبيب و استأذنه ليُغادر بينما دخل العاملان يُنقلانه إلى غُرفة أخرى تحت الملاحظة كما قال الطبيب.

و المعني راح يتذكر ما حدث قبل اسبوعين من تلك اللحظة ...

لم يكن قد مر شهرين على موت طفلُه آش دون سبب محدد، كل ما في الأمر أنه تركه وحده لفترة كبيرة، تركه يفعل كل شئ وحده حتى وجده قد انهار منه و رغم عدم ادراكه للأمر و ذهابه للمشفى به ليفاجأ بالأمر هناك!

مع توقف قلب طفله المفاجئ توقف معه قلبُه و رغبتِه بالحياة، لم يمر شهرين و وجد آوري تصرخ به تستنجد ، تُخبره أن هناك غريقًا بالنهر المجاور للمزرعة، و حين هرع إلى هُناك وجده و لقد عادت الحياة له للحظةْ مرور اسم آش عليه مع رؤيته لعيناه تُفتح أمامَه، و هنا كانت البداية لتعويضِه قليلًا بولد يُسمى على اسم ابنه الا أن الأمر لم يُمهَّل!

وجد نفسه يخرج تاركًا الفتى وحده يلتقط هاتفه و يتصل بشقيقه بينما كل عروقه ظهرت منتفخة من الغضب، كله بسببه! .. فماذا لو عادت ذاكرة الفتى!؟ .. بالتأكيد سيبتعد عنه! .. أجل سيفعل! و هنا سيخسر الاثنين!

حين لم يجد ردًا، ركب سيارتُه القديمة و ذهب يبحث عن أي داهية تبتلع شقيقه فيها! ..سيعرف منه ما الذي جعله يُحاول قتل ذلك الولد بأي طريقة! . و لو كان شرًا سيحمي هذا الولد مهما حدث!!

--

وصل إلى وجهتِه أخيرًا بما أنه في المدينة، أمام مبنى السكني الذي يسكن فيه أخيه!

تلاقت حدقتيه النارية مع حارس المبنى الذي حيَّاه بخفة .. تجاهله كليًا بينما عقله مُنشغل بكل ما حدث مُسبقًا! .. و انتهى به يُوقف تفكيره مع توقف جسده حينما قابل ناظرِه أمام وجهه على الدرج، ابتسم أورلاندو بخفة لمجيئِه لكن قابله الأخر بنظرات غاضبة جعلت بسمته تختفي و هو يسأله:
" ما بك أخي؟ .. لما تبدو غاضبًا؟! "

و حينها خرجت شياطينه يصرخ دون مراعاة لأي شخص قد يسمع:
" لما كنت تحاول قتل ابني يا أُورلاندو؟! "

و الأكبر لم يجد الا أن يبتسم ثم تتحول إلى ضحكات تفجرت بسُخرية، و رمقه بها يسأله باستنكارٍ:
" ماذا؟! .. أتتخذ ولدًا لا تعرفه بديلًا عن ابنك؟! .. "

و تابع ضحكاتِه الساخرة المستنكرة، فجذبه جون من تلابيب قميصِه يصيح به بـ عُنف:
" أجل هو ابني! .. و توقف عن السخرية و أخبرني الحقيقة! "

دون أن يتخلى عن بسمتِه أمسك بمعصميْ شقيقِه و راح يُبعدهما عنه رادفًا:
" لو كنتَ تريد ، فسوف أخبرك يا عزيزي بالحقيقة. "

و التفت يأخذه معه نحو شقته و ما إن إستوى الاثنان بوقفتهما على أرض الشقة نطق أورلاندو و قد ضاقت عينيه بظُلمة:
" أخبرني؟ .."

رمقه باهتمام و ضيق فأكمل بجدية:
" تختارني أم تختاره؟! "

عقد جبينه بغلظة و قلة صبر:
" ما هذا السؤال؟! .. أُدخل صلب الموضوع يا أورلاندو!"

" تختار حياتي أم مَوتي؟ "

انفرجت عقدة جبينه و بتلقائية أجاب:
" حياتَك بالطبع! "

تنهد و التفت يُعطيه ظهره رادفًا:
" الولد الذي كِدت تختاره هو مَوتي .. وجوده حيًا سيُفسِد كل شئ عليْ لأنه ..."

و التفت تتلاقى الأعين بشرارة غريبة ينطق أكبرهما بجدية:
" .. شاهِد أول على أول جريمة إقترفتها ضد المُخابرات العامة."

توسعت عين جون بصدمة، ما الذي يهذي به أخيه!!

---

بدأ يفتح عينيه لتتقابل بتشوشها سقفًا أبيض و قد تجعد أنفه لرائحة مُطهرات المشفى، حولِه هناك ضوضاء بسيطة، و حين نظر اتضح أنه على سرير خاص بالمشفى، في غرفة تجمع عدة أسِرَّة يعلوها بعض المرضى و جوارِهم أشخاصًا من أقاربهُم ، فيبدو أنه موعد زيارة، لكنه وحيدًا دون أحد!

دون أن يشعر بدأ يألف شعور الوِحدة ذاك، فهو يشعر أنه عانَى وحدُه مِن قبل! لكن أين و متى؟ .. هو لا يُدرك!

اعتدل يُبعد تِلك الابرة عنه بقسوة ثم غطى ذراعِه بكفِّه حين بدأ مكانها ينزف الا أنه لم يُبالي و هو يخرُج بخطوات ضعيفة دون أن يهتم له أحد ، سار خارجها في الممر ينظر لهذا و ذاك باهتمام و لا مبالاة، ثم انتبه على تِلك الأعين التي ترمقه بغرابة و فضول، فتوقف ينظر إلى نفسِه ليرى أنه يرتدي ملابس عادية لكنه لا يفهم لما ينظرون له؟ ، لكنه جفل مُتراجعًا عن الطريق حين مرَّ بجوارِه طبيبًا يُدلِك رأسِه بشئ من التعب و هو يتذمر كونهم أحضروه و هو لم يَغَب بِضع ساعات عنهم رغم تعبِه! .. و يبدو أنَّ فضول تِلك الأعين كانت على الطبيب و ليس هو!

و ظل يُتابعه مِن ظهرِه بينما يسير مُبتعدًا عنه بخطوات حتى توقف مع طبيب أخر يتبادلان الأحاديث، و هناك في رأسِه تُقام حربًا من الذكريات الضائعة، يرفع كفه الذي امتلأ بدمائِه و قد توقف النزيف ، و راح يرفع كفه نحو ذاك الطبيب بشئ من الاحتياج و قد راحت أذنه تصفر بحدة تُزيد من ضِيقِه ، و مَزيدًا من صداعٍ حاد ! حاول فتح فمه لينطق بأي شئ، أي شئ يُنقذه! .. و لكنَّه لم يلبث أن اسودت الصورة أمام عيناه تزامنًا مع خروج همسِه :
" أبي! "

و جفل المعني يلتفت بسرعة نحو الصوت و دقات قلبه تَدُق بعنف! .. لكنه لم يجد أحدًا! .. أكان يحلُم؟! يتوهم؟! .. لكنه سمع ذلك الصوت! .. أجل سمعه!

" أهناك شئ يا دكتور مروان؟! "

التفت إلى زميلِه و ابتسم بارتباك يُنفي كل شئ، فأومأ المعني بخفة و عادا للتحدث مجددًا!

تنهد بضيق و تعب و هو يرمق جسد ساجد الذي عاد لفقدانِه لوعيه، و رغم غرابة الأمر الا أنه ظل يُحدق به بشرود، بالكاد حملُه و أخفاه! .. لكنه يؤكد لنفسِه أنَّهُ سمعه يهمس باسم والده! .. هل تخطى الصدمة و بدأ يتحدث؟! .. أبدأ تُعاد ذاكرتِه؟ و الأهم .. أيقرب لذلك الطبيب؟!

تنهد بِـ غِلظة و هو يُدقق في ملامح وجهه و بيدِه أبعد خُصلاتِه الطويلة المتمردة .. يتذكر كلمات أخيه فتتضح الصورة أمامِه! .. و لرؤيته لذاك الطبيب أدرك لتوِّه أنه يجلس أمام نسخة مصغرة عنه! .. مما لا شك فيه أنه ليس أحمق ألا يتعرف على الأمر! .. هذا الفتى ليس ابنه، ليس قروي! .. ليس له علاقة به! .. لم يكن سوى فتى من المدينة! .. و ليس سوى ابن لذلك الطبيب! .. لكن أيصدق حِدسه؟ .. أم يُكذب نظريته تِلك!

و بشئ من الأنانية، قرر الاحتفاظ بهذا الفتى! .. انَّهُ بديل عن ابنه ! .. لن يُعطيه لأخيه فيضمن عدم موتِه و لن يُعيده لأسرته فيضمن بذلك عدم إيذاء شقيقِه بسببه! .. لقد قرر، سوف يُبعدُه عن هنا و فورًا! .. لن يجعله يرى المدينة أبدًا!

و لتنفيذ قرارِه نهض يرفعُه و يحمله بين يديه ثم يخرج بعدما غطى وجهه بكمامة طبية كي لا يتعرف عليه أحد!

و ما إن غادر المشفى تمامًا حتى دلف طبيب الفتى و معه مروان بينما يُخاطبه:
" دكتور، أسف لإخبارك متأخرًا لكنَّك كنتَ تُعَاني .."

تنهد مقاطعًا إياه بتعب:
" حتى لو مُتعب، كان عليك أن تُخبرني بحالة المريض عبر الهاتف. "

" أسف سيدي، و الآن يُمكنك رؤيته و فحصه إن كان يحتاج إلى عملية أو .."

" أين هو يا جاك؟ "

احتدت عين مروان بضيق و حينها جفل الطبيب الأصغر يلتفت بحيرة نحو السرير نظرًا لعدم انتباهِه من قبل، الغُرفة كانت مُتفرغة الا من المرضى، فرمش بصدمة و هو يُحدق في السرير الفارغ و حينما نظر لمديرِه و همس بحيرة شديدة:
" إلهي! .. لا أعلم أين ذهب؟! "

و انعقد جبين مروان بغِلظة يُخاطبه بحدة و قد بدأ القلق ينهش عظامِه:
" أين المريض يا جاك! .. أين هو؟! "

و ارتبك الأخر بذعر يُبرر له:
" أقسم يا دكتور لا أعرف! .. لقد تركته صباحًا و مؤشراته تقول أنه لن يستيقظ في وقت قريب! ..كما و والده ليس هنا، فانتظرتُك! "

رمق مروان بزرقاوتِه المرضى النائمون ثم لأحد أركان الغرفة ليزفر بغضب و هو يلتفت يأمر الأصغر:
" اذهب لغرفة الادارة لرؤية الكاميرات هناك، علينا ايجاد ذلك المريض قبل أن يصل الأمر لرئيس المشفى و عندها ستُعاقب يا جاك أنت و فريقك لاهمالك!."

و سار للخارج ليسير الأصغر خلفه بتوتر و ارتباك متمنيًا أن يجدوا الفتى قبل مجئ والده!

*
*
*
يتبع...

و كاااااات ❤️🦋✨

البارت الثاني، تأخرت فيه لأني كنت أستمتع في نُزهة العيد مع ماما و اخوتي 😂❤️

و الآن ما رأيكم بما حصل؟ 😂

المشهد؟

توقعاتكم؟

و سلااااااام 💙✨🦋

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top