P 17
مبعثر17
.
.
.
لا ثوابت في هذا العالم، كل ما يمنحك الآمان بإمكانه أن يبثّ فيك الرعب دفعةً واحدة وكل تلك الأشياء التي هربت إليها ستجد نفسك هارباً منها.
#اقتباس!
.
.
القلق أخذ نصيبًا مِن أفكارِها حين استيقظت و لم تجده في المنزل بعدما غلبها النوم باكرًا مِن كثرة التعب! .. و لوهلةٍ و لشِدة ذَعرها لم تفكر في الذهاب لعملِها أو الاتصال به و أخذت تبحث عنه في الغرفة و المنزل بخوف و قلقٍ مِن إصابتِه بمكروه بعد كل تِلك الأحداث السابقة ، و لكنها راحت تُمسِك الهاتف و تتصل على مروان الذي كان يبيت خارجًا تِلك الليلة!
" مروان! "
" ما بكِ يا نارين؟! "
مروان الذي كان قد استيقظ توًا قد انتفض على نبرة صوتها الهلِعة و هو يُحاول مقاومة تعبه لمعرفة ما جعلها خائفة هكذا؟ .. و ما إن سمع أنَّ ابنه مُختفي منذ الأمس و لم يَعُد للمنزل بعد حتى أغلق الهاتف فورًا و راح يرتدي قميصه بِعَجَلٍ ليعود للمنزل!
بحْلقَت في الهاتف تُخفي فمها بكفِّ يدها بمرارة و ندم ثم تراجعت تجلس على إحدى الأرائِك حين اشتد عليها الدوار و راحت تتنفس بمرارة شعورِها و داخلها تتكاثر التساؤلات بـِعُنف ، عن أين يكون صغيرها؟! .. هل فعلت شيئًا خاطئًا مُجددًا؟! .. ربما نومها قبل الاطمئنان عليه كان السبب! .. كان عليها تَحمُّل تعبها مِن العملِ حتى يعود للمنزل و تطمئِن عليه! .. لكنها لم تفعل! لتُفاجأ صباحًا أنَّهُ ليس موجودًا بالمنزل كُله! .. هي حقًا مهملة! .. و...
و هنا كانت قد تذكرت أنَّ معه هاتف ، فعادت لتتقفَّى هاتفها و تتصِل بصغيرها متمنية أن يُجيب، لكنه لم يُجب!! .. فشعرت أنَّ هناك غصة علِقت في حلْقِها! .. قبل أن تنزلق دموعها بخوف! .. هل أصابَهُ مَكروهًا ما؟! أم أنَّه هرِب منهما؟!
بعد نصف ساعة كان قد وصلت سيارة مروان ليترجل منها فور وقوفها متقدمًا مِن المنزلِ بخطواتٍ متسارعة قلِقة ، لكنه توقف فجأة حين التقطت أُذناه لصوتِ جروٍ صغيرًا خلف منزله ثم سمع صوت رنين هاتفًا يعرف نغمته حق المعرِفة ، ترك بُقعته و راح يلتفت خلف منزله ببطء حيث توقفت نغمة الرنين ، و هنا توقفت أقدامه خلف منزله تمامًا و لانت ملامحه بينما يراه يتكور على نفسهِ و لا يقيه مِن البرد غير سُترته الجِلدية ، جوارِه كان جروٌ صغيرًا يُحاول ازعاجه و حين شعر بخطوات مروان هرِب فورًا حيث تقدم منه بهدوء دون رد فعل مِن الأصغر الذي لم ينتبه على ما يدور حولَهُ لأنَّه كان نائمًا بتعبٍ بينما يحتضن قدميه إلى صدره راميًا بثقلِ رأسهِ عليه، و مستندًا بظهرهِ للحائطِ خلفه !
تجعد حاجبيه بقلق حين لمح خيط مِن الدماءِ جافًا على فمِه ، فتقدم منه ليجثو إلى جواره ملامسًا بأناملهِ تلك الدماء الجافة ليجد عين صبيِّه تُفتح بخفة و تعب ، ليتنهد مخاطبًا إياه بهدوء:
" ماذا حدث لتنام هنا؟ "
لم يُجيبه بل راح يُغمض عينيه بغير استيعاب لشئ ليلمس مروان جبينه حين استشعر أنفاسه الساخنة، و تنهد مجددًا بضيقٍ و هو يقترب منه ليحمله بين يديه ليشعر باسترخاء الصبي بين يديه و كأنَّ بوجودِه إلى جوارِه كان يُحيط به آمان هذا العالم المُؤذي.
حين دلف به إلى المنزل ، انتفضت نارين في ذعرٍ حيث تقدمت منهما بلهفةٍ لتطمئن عليه فيقاطعها مروان قائلًا :
" يبدو أنَّهُ عاد و لم يجد مَن يفتح له الباب فنام مِن شدة تعبه بالخارج خلف المنزل .. كما و يبدو أنَّهُ تشاجَر مع أحدهم. "
وضعه فوق الأريكة فور نُطقِه لكلِماتِه و جلس إلى جواره يتحسس نبضه و وعيه ليجد أنَّه فاقدًا لوعيه ، تقدمت منه معها بعض الماء بينما تُناظره بقلق و ندم لإهمالها إياه ، أخذ مروان منها الكأس ليُحاول أن يوقظ الفتى لكنه بدلًا عن ذلك وجده يشهق بذعر حينما فتح عينه تلقائيًا بأنفاسٍ تتسارع و كأنَّهُ كان بسباقٍ ما، فأسرع مروان يمسح على شعره و هو يخاطبه برِفق:
" لا بأس أنتَ بخير يا ساجد .. كِلانا إلى جوارك! "
هدأ قليلًا يتجه برماديتيه المُتعبة نحو وجه والديه، للحظة تتشوش فيهما الصورة قبل أن يتخيل أحدهما أندرو و الأخر أورلاندو فهمس بهذيانٍ:
" كِلاكما أكرهه .. أنتما .. سيئان .."
فتنهد مروان بجهل بينما يُحاول أن يُهدئ مِن روعِه لكنه التفت عنهما باستياء شديد مُعطيًا إياهما ظهره بِبُغض، ليحتضن نفسهُ هامسًا بهذيان و خوف:
" ابتعدا وحسب! "
تنهد مروان حين عاد للنوم دون دِراية بما يفعله بينما ناظرتُه نارين في قلة حيلة قبل أن تتقدم منه بقلق، تمسح خُصلاتِه بحُزن على ما يُعانيه صغيرها، لتهمِس جوار أذنِه:
" لا بأس عليك مِن تعبِ الدنيا، سأكون دائمًا والدتك التي تُحبَّك و تخشى عليكَ مِن نَسمة الهواء .. و سامحني على اهمالي لكَ. "
انحنت طبعت قُبلة فوق جبهته ليتململ في نومِه إثر حركتها و تبتسم هي بحُب و مِن خلفها ابتسم مروان، فهو يُدرك أنَّ الفترة السابقة كانت مُشتتة و كل ما كان يحدث منها كان نابع مِن أفكاره االمُبعثرة .. و ها هي تعود لتبقى الأم التي تعشق أطفالها بعدما تشعر بالندم لما بدر منها سابقًا .. ستظل هي والدتِه و ستظل تُحبه حتى الممات!
في المساء حينما استيقظ ، ظل يُحدق في سقف غرفته في شرود ، يشعر بالحرِّ الشديد و حبات العرق قد أشعلت ضيقه .. هناك ذِراع شعر بها تُحيط بمعدتهِ التي راحت تؤلمه حيث مكان تِلك اللكمة! .. حاول أن يتحرك لكن حين اشتد ألمه استسلم لتعبهِ ، في حين تحرَّكت تِلك اليد لتُوضع على جبينه مِن أسفل خُصلاتِه المتناثرة بعشوائية يليها صوتهِ الهادئ غير مُرتَّب:
" انخفضت حرارتك أخيرًا .. هل تشعر بشعور جيد أم سئ؟ "
استدار بجسدِه نحوِه ليتبادلا نظرات الأعين ليهمس الأصغر مُصححًا في تذمر:
" إسمها هل أنتَ بخير؟! و ليست تُقال بتِلك الطريقة!"
ابتسم مروان مُقهقهًا بخفة و معقبًا على حديثِه الذي وجده لطيفًا جدًا يُذكره بشخصية ساجد حين كان طِفلًا:
" حسنًا صغيري .. هل أنتَ بخير؟ "
همهم بألم بينما يُعود ليستلقي على جانبهِ المُعارض لوالده بينما يتذمر:
" كل شئ يؤلمني حرفيًا! .. أبعِد يديك قليلًا مِن فضلِك!"
لكنَّه على عكس ما قال حرَّك يده حول معدة الفتى ليجذبه نحوه مُتابعًا نومه فتذمر الأصغر بألم ثم فتح عينه في عبوس يُحدق بركن الغرفة المُقابل له ليشرُد فجأة ، تدفعهُ نفسه أن يُحادث أبيه بشأن ما دار بينه و بين هؤلاء الفتية لكنه أرغم نفسه على الصمت مترددًا بقسوة مِن سماعه لأمر جارِح أو فِعل مِن والده يُشعره بالحرج! لذا فضَّل الصمت.
_" لـِعلمُك فقط .. هناك حديث طويل علينا خوضَهُ سويًا. " همس بجوارِ أذنِه ببرود يُغمض عينيه لينام دون أن يهتم بملامح ابنِه الذي عبس مِن فورِه، فيبدو أن أبيه نفذ صبرَهُ أخيرًا لمعرفة كل شئ.
الساعة تِلك اللحظة كانت تُشير على الثانية قبل الفجر لذا نام الاثنان تاركين لما يشغلُ بالهم فيما بعد و لعلَّها استراحة مُحارب قبل خوض حربًا لم تنتهي بعد!
---------------------
اليوم التالي _الأحد_ 3 عصرًا....
صوت أنفاسه العالية هي ما كانت تُسمع في تِلك الغُرفة الشِبه مُعتمة! .. التعب قد نال منه بقسوة، و الجروح أخذت دورها بالانتشار حول مناطق مِن جسده إثر الضرب المُبرح الذي تلقاه .. يُقابل جلسته على الأرضِ مقيدًا ذاك الأورلاندو الذي راح يبتسم في غِلظة بينما يُحرِّك السَّوط في يده واضعًا إياه على كتفه ، و منتظرًا أن يستنشق المقيد أمامه أنفاسه حتى يُجيب أسئلته التي لم يجد لها إجابة حتى الآن ..
و المعني لم يكن مِن السهل ارغامه على النُطقِ أبدًا ،
لقد كان أحد أعضاء المُخابرات السرية التابعة لأحد منظمات الفِرق الخاصة في مونتريال .. و أورلاندو كان يُحب هلاكه ، لذا قرر أن يسمح لنفسهِ بدخولهِ نحو الوضع الخطِر ، و بما أنَّ المُقيد أمامه رفيق لذاك الذي قتله في الملهى قرر أن يُعيد لِعبته اللطيفة على الذي أمامه .. لكن مَن أمامه لم يكن سهلًا البتَّة، فلقد كان يُجاريه في لِعبتهِ السادية لعلَّه يصل لغايةٍ في عقله و تقريبًا كان قد وصل لها بالفِعل و لمُسايرة القابع أمامه حاول بقدر الامكان أن يُظهر قليلًا مِن الخوف و هو يتحدث بانفعال ضعيف مُزيف:
" لستُ أعرِف ما تُريد! .. انها ليست قضيتي أصلًا، ثم مَن جون أديس ذاك؟ .. "
ناظره أورلاندو بشك:
" تعني بما تقوله أنَّ لا أحد مِنكم يعلم المسجون عندكم باسم جون أديس؟ ."
نفى هازًا رأسه بتوتر ، فـ زفر أورلاندو أنفاسه بضيق راميًا السوط بقسوة مِن يده ، ثم بدأ يجول ذهابًا و إيابًا غاضبًا ، و يبدو أنه اختطف الشخص الخطأ!
و على عكس ألفريدو كان رفيقهُ ذكيًا للدرجة التي أمكنه فيها إقناع أورلاندو بالتخبُط في أفكارِه و أفعالِه.
تنهد بغيظ مِن حماقتِه ، فراح يسير خارجًا مِن الغرفة دافعًا خلفه الباب بقسوة ، و مِن خلفه راح أكيرا يبتسم بخفة بينما يفُك قيده، لقد كان مَن أسقط نفسه أمام ذاك الأحمق ليصل لما يُريده و لقد فعل، مَن أمامه هو الشخص الذي رآه في الكاميرات الخاصة بالملهى ذاك اليوم بعد مَقتل رفيقه ألفريدو و لقد شكَّ به و قد كان شكَّهُ في محلِّه .. الآن حان وقت عمله المُؤجل و اللعِب بمهارة!
نهض يتحامل بخفة على ألامِه، فذاك الغبي كان ساديًا معه! .. ثم بحث عن خطةٍ ما كي يهرب دون أن يُمسكوا به مجددًا!
-----------
بعد تِلك الأحداث بساعةٍ واحدة أيُ الرابعة و الخمسُ دقائق بعد العصر .. كان يجلس رِفقة سديم بينما يتحدثان حول أمرٍ ما ..
أحدهما كان غير راضي البتَّة بفِعل ذلك و لكن الأخر قرر فجأة فِعله .. تنهد سديم على غباء رفيقه ، فقال مقترحًا:
"كي لا تؤذي نفسك عليك إخبار والدك عما تنوي فِعله فلازِلت تحت السِن القانوني ، و أنتَ تُعَد شاهد على تِلك الواقعة و بالكاميرا خاصتُك كذلك ، حتى لو كنت مَخمورًا لحظتها فسيأخذون بما يروه في الكاميرا! "
همهم ساجد بعقلٍ مشغول و قلبٌ تائه ، ثم نظر لصاحبه ، يفتح هاتفه قائلًا بينما يُريه أحد الرسائل:
" أعرِف ذلك لكن لو نظرت لهذه الرسالة ستُغير رأيَّك ..ربما؟ "
حدق سديم بالرسالة مُتخذًا عينه وسيلة لقراءتها لكنه لم يتحمل إذ توسعت عينيه بصدمة يأخذ منه الهاتف يُكمل قراءة تِلك الرسالة باهتمام ، و ما إن انتهى حتى نظر لصديقه برعب:
" هل أنتَ غبي؟! .. انّهم يهددونَك بإذاء مَن حولَك إن فعلْتَ شيئًا! .. ثم كيف حصلوا على رقم هاتفَك؟! الأمر جنوني! "
هنا قد زفر بضيق ينطق باستياء و حيرة جنونية لما تؤول إليه حياتِه:
" أعلِمت سبب تراجعي عن الأمر؟! .. أود القيام بأخذ ذلك الفيديو للشرطة لكني لستُ أنانيًا كي لا أفكر بأسرتي! .. ثم ..."
صمت للحظة تستعيد ذاكرته ذاك اليوم، لا يزال يتذكر جيدًا ملامحها و غضبها عليه، فأكمل مُتأثرًا مِن تلك المرة :
" لستُ أقدِر على رؤية المُقت و الغضب و الرفض في تِلك العينين التي لازَمتُ رؤيتهم منذ طفولتي! .. كما و أبي مروان، لا أريد أن أبتعد عنه! ... تخيل أنني لم أسألهم عن أسرتي الحقيقية بعد؟! و لا رغبة لي بسؤالِهم عن الحقيقة!!"
هتف في نهاية حديثه و هو يواجهه بقلب محطم ، ثم بنبرةٍ مهتزة راح يُكمل باِنفعالٍ بما يخاف منه و صاحبه يستمع إليه في حزن لما يُلاقيه صديقه:
" أنا لا أريد غيرهم يا سديم ، لا أريد سِواهم لأنهم هم كلّ ما أملُك! و لو فقدت أحدهما سيكرهني الباقيين. "
أنفاسه تعالت فجأة ، فأسبَل جِفنيه مُلامسًا صدره بيمناه ، دقات قلبه يكاد يسمعها في أذنيه .. و قد ضاق تنفسه مصحوبًا بألم .. سديم قلق عليه فتقدم منه بسرعة لكي يرى ما به :
" هل أنتَ بخير؟ .. هل تِلك الأعراض .."
" ليس هناك شئ ... أنا بخير. "
عاد لينظر لرفيقه بشئٍ مِن التعب و قد هدأت أعراضَه، و لكن سديم كان قلِق لذا نهض يسحبه معه قائلاً بحِزم:
" لنذهب إذًا! "
" إلى أين؟ "
هتف بحِيرة لكن صاحبه سحبَهُ دون أن يرُد فقلقَهُ مِن أن يحدث له شئ ، كان كفيلًا بنسيانِه لأي شئ أخر سواه!
بعد ساعة..
توقفت سيارة أُجرة أمام بوابة منزل ساجد الذي كان يترجل منها بينما يتذمر لرفيقه:
" لقد كبَّرتَ الموضوع يا سديم! .. أنا بخير تمامًا ! ما كان عليكَ إخبار أبي! .. الآن لن يتوقف عن توبيخي بسببك!"
" و نِسيانُك لدوائِك؟ ماذا نسميه يا ساجد؟! .."
صاح به غاضبًا و مُوبخًا إياه و بينما السيارة تبتعد هو أكمل صُراخهُ بغيظ بينما يقف مُقابلًا لرفيقه:
" سأُخبره أنَّك منذ أسبوع لم تتناول أيٌ مِن أدويتِك!"
و التفت يدلُف للمنزل بخطواتٍ غاضبة و مِن خلفه صدع صوته يُبرر بـ عُبوس للفتى الذي أخذ دور والده الآن:
" لقد ملِلت منها فتركتها لفترة! لم أقترٍف جريمة يا مُزعج .. ثم أنا بخير تمامًا ... انتظر!"
لحِق به مُحاولًا إيقافِه لكنَّهُ وجد نفسه يتعثر فجأة ، فاستند على البوابة سريعًا يتمسَّك بِها ، و رفع نظره نحو ظهرِ رفيقه و قد تشوشت رؤيته للحظة لكنه تَحامل على نفسه يشعر بدقات قلبِه الشاذة .. اعتدل يسحب خطواتِه لاحقًا برفيقه الذي اختفى بالفِعل داخل منزل والدُه ، لكن ما إن دلَف خلفه حتى قابلته سارة و بجوارها ديانا صديقتها و ابنت عمتها التي اقتربت مُفزعة الفتى و هي تصيح بصوتها المزعج بالنسبة له:
" مرحبًا ساجد! .. أرأيت صبغة شعري؟ "
حدق بأخته التي ابتسمت له ثم عاد ليُحدق بصديقتها باشمئزاز مِن لون شعرها الأحمر ليقول بقرف:
" لون شعرك مُقرِف لقد كان الأسود أجمل عليكي أيتها المُشعوذة الصغيرة. "
و كلماته لم تُحرِّك فيها شيئًا مِن الخجل أو الغضب بل راحت تُحرِّك خُصلاتها بتعجرفٍ قائلة بغرور:
" قُل أنَّك مُغتاظ مِن لون شعري الأشقر اللطيف! "
تنهد بملل و ابتسم يُجيبها:
" لم تتغيري أيتها الشقية رغم عدم رؤيتي لكِ لعِدة أشهُر إلا أنَّكِ لازِلتِ مُزعجة."
لكن ديانا لم تكُن تهتم لكلماتِه و ظهر عليها التفكير للحظة قبل أن تصيح بابتسامة مُتحمسة بينما تُمسِك بيدِ سارة :
" سأُخبِر ماما أنا و سارة أنَّك سوف تُشاركنا بلعبِ كُرة القدم! "
تجمَّد لبُرهة بينما يراها تقفِز مُتحمسة و قد اتخذت القرار بالفِعل ، فراح يفتح فاهه ليُخبرها أنه لن يستطيع لكنّه وجد والدتها تقف خلفها و تبتسم بحُب نحوه قائلة:
" مرحبًا يا ساجد ، لم أرَك مُنذ مدة .. أنتَ بخير؟ "
ابتسم لها و قد تناسَى أمرُ صديقه الذي كان قد دلف لمكتب مروان ، و رد بخِفة بينما يتقدم مِنها مُحيطًا إياها في عِناق:
" عمتي سيسيلا، لقد اشتقت لرؤيتك حقًا! .. هل أبي أزعجِك اليوم كما تُزعجني تِلك التافهة؟ "
عبست ديانا باستياء بينما ضحِكت سيسيلا بخفة و قالت بابتسامة ساخرة بينما تبتعد عنه مُبعثرة خُصلاته الداكنة بعَبث :
" لا .. مروان لم يفعل لي شئ اليوم فهو مشغول، لقد اعتاد أبوك أن يُزعجني مُنذ طفولتي بما أننا أولاد عم .. لقد كان يستغِل ذلك دائمًا المُزعِج."
" ساجِد؟ .."
قاطع عبوسها صوته الذي أتى مِن خلف سيسيلا و قد لمحاه بينما يقف أعلى درجات السُلَّم و بجوارِه سديم العابس ، لمح نظرِة والده الغَير مُبشرة بتاتًا نحوِه ،
فـ علِم أنَّ الغبي بجوارِه أخبره بالأمر ، و ها هو سيغضب و سيحدُث مُصيبة بينهما!
نظر إلى عمتهِ المُتململة يستأذِن كي يُغادر ، ثم تقدم بعدها لوالدِه الذي أكمَل ببرود:
" حتى أُوصِل سديم إلى منزلِه ، كُن بغُرفتك فأنا أُريدك بأمرٍ ما ... و قبل ذلك اطمئِن على والدتِك لأنها مريضة."
عقد جبينه بقلق ، مريضة؟! .. هو تجاهل ما أخبره به و تجاهل المُشاجرة مع رفيقه في الوقتِ الراهِن ، و انتقل يسير نحو غُرفة والدته كي يراها!
تنهد مروان و التفت نحو سديم الذي اقترب منه هامسًا بعبوس:
" لو قَسوت عليه لن أخبرك مُجددًا على ما يحدث معه .. وبِّخُه على إهمالُه فحسب."
بعثر خُصلاته بابتسامة:
" لا تقلق سديم، و شكرًا لإخباري عن إهمالُه في أدويتِه، فلو حدث و لم أكن أعرِف ذلك كان يُمكن أن يسوء الوضع أكثر و يؤذي نفسه .. لذا أنتَ لم تُخطئ."
همهم سديم بتفهم، يُدرك أن صاحبه انزعج مِن فِعلتِه و لكنّه كان مُضطر لذلك كي لا يُهمل في صحتِه مجددًا .. لكن ما يُقلِقه أكثر هو ما يُخفيه مِن أمورٍ مُخيفة عن والده.
غادرت سيسيلا و ابنتها برفقة مروان الذي اصطحبهما للمنزل بعدما أوصل سديم إلى منزله.
بالنسبة إلى ساجد فقد دلف إلى غرفة نارين كي يطمئِن عليها، دفع الباب مُستأذنًا بالدخول، فرفعت عيناها نحوِه بابتسامة، بينما اندفعت سارة لترمي نفسها جوار والدتها التي نطقت بقِلة حيلة:
" يا فتاة، لا تقفزي هكذا مجددًا كي لا تتأذي."
_" هل أنتِ بخير، أمي؟ "
نبس بقلق بينما يجلس جوارها فوق طرف السرير، لتمتد يدها تلمِس جبهتِه بينما تُجيبه:
" لا تقلق، أنا بخير إنّه مجرد صداع و إرهاق لأني قسوت على نفسي في الآونة الأخيرة .. و أنتَ أخبرني هل تشعر بأنَّك بخير؟ .. حرارة جسدك طبيعية اليوم. "
ابتسم لها يومئ بخفة بينما يحتضن كفيها بين أناملِه:
"بخير يا أمي .. ثم أبي أخبرني أنكِ مريضة فقلِقت."
همهمت بتفهم ثم عبثت في شعرِه بحنان، فتبسَم رِفقة حركتها، يُدرك لوهلة أنَّها تَكُن له أكثر مِن أمٍ ، فهي صديقته الأولى على أي حال، لم ينسى تِلك المرات التي اعتنت به و المرات التي استمعت فيها إلى شكواه، و الكثير مِن الأمور التي فَعلتها مِن أجلِه .. رُغم ذلك كان يُخيفه بُعدها عنه، يُرعبه ذلك!
بحلول التاسعة مساء
يستلقي في منتصف سريرِه مُستندًا بجذعِه لقائم السرير، كان يُمسِك روايةً ما بين يديه يلتهِم أسطرها بخفة و اندماج شديد، الغُرفة غير مُضاءة الا مِن مُصباحٍ ضوئي بجوار السرير يسمح الضوء له برؤية الصفحات ، يضع في أذنيه سماعات مُتصلة بالهاتِف دون أيُّ مُوسيقى.
فُتِح الباب يليه صدى خُطواتِه، فرمى الأصغر نظراتَهُ ناحية مروان الذي تقدم مِنه بكنزتِه الرمادية و بنطالِه الأسود مُحركًا بأناملِه الخصلات الفحمية الكثيفة ثم جلس بملل على طرف السرير، تزامُنًا مع إعتدال ساجد في مجلسِه واضعًا الرواية جانبًا و راميًا بالهاتف و السماعة اللاسلكية بجوارِ الرواية، لينظر نحو أبيه الصامِت بتوتر و ارتباك، فالصمتُ في تِلك اللحظات كان كفيلًا بإدراك ساجد أنَّ أبيه يُحاول التفكير بمنطقية لأجل البِدء في الاستجواب!
_" ساجد...؟ "
نبس ببرود فانتفض الفتى بتلقائية ردًا بارتباك عليه:
" نـ.. نعم أبي؟ .."
و التفتَ نحوه مروان يتنهد للمرة الثانية أثناء جلستِه، ثم يستأنِف الحديث بهدوء:
" لنتحدث .. أخبرني بكل شئ، دون كذِب يا ساجد."
ابتلع الفتى لُعاب فمه بتوتر شديد، لقد ظن أنّه حين يأتي الوقت المناسب سيتحدث بتلقائية لكنه فقط وجد أن الأمر ثقيلًا بشدة! .. ثقيلًا للغاية! .. لكن نظرة الاهتمام و الهدوء مِن أبيه شجعته أخيرًا لينطق بهدوء بينما يُخفض رأسه نحو كفّيه المعقودان سويًا باضطراب:
" سوف أخبرك كل شئ ... "
_"أسمعُك .."
تنفس الصَعداء يُمليء رئتيه بالهواء قبل أن يُردف بكل شئ:
" ذلك اليوم طلبت مِن أمي الذهاب و لقد عارضتُ قرارها بإخبارك، أُدرِك أني مُخطئ في ذلك .. ذاك اليوم لقد استمعت إلى أندرو بالذهاب معه بالإضافة لأنجِل و مارك إلى ذلِك المَلهى، لم أكُن أدرِك ما معنى ذلك ، كل ما خالجني وقتها هو شعور بالخوف، الخوف مِن نَعتِهم لي بالجبان و أنِّي مُجرد طفل.."
_" أنتَ بالفِعل لازِلتَ طفلًا يا ساجد."
عبس مِن فورِه بينما يُحدق في عين أبيه باستياء ليرى بسمتِه الهادئة، فزفر بعُبوس بينما يُكمل مُشيحًا نظراتِه عنه:
"... لقد أصرُّوا عليَّ في تناول ذلك الشراب و اضطررت لأني كنت جبانًا لأرفُض .. لم أكُن أُدرِك ما حولي، كل ما أتذكرُه ربما أني ابتعدت عنهم أبحث عن الحمام للألم الذي أصاب مَعدتي .. أتذكر بعدها أني شهدتُ شخصًا ما بينما يُعذب رجلًا و لقد صوَّرت ما حدث بالكاميرا أثناء قتلِه .."
_" أين ذلك الفيديو؟ .."
رفع نظراته نحوِه للحظات يستغرب هدوءِه ثم أومأ بخفة ينزلق عن السرير ثم ذهب نحو تلك الكاميرا ليُخرج مِنها تلك الشريحة الصغيرة، تقدم بعدها مِن والده مُناولًا إياها بينما ينطق بخجل:
" الفيديو داخلها .. لقد احتفظت .."
_" ساجد هل فكرت بأن تذهب للشرطة بهذا الدليل؟ .. أخبرني بكل صراحة." بشئ مِن الحِزم قاطعه بينما يأخذها منه ، فتبادل معه نظرة خائفة ثم لم يجد حلًا ليُومئ بصمت، ليتنهد مروان بقِلة حيلة قائلًا:
" كنت أُدرِك تهوُرَك بالفِعل .. حاولتُ جعل سديم يُخبرني بأيِّ أمور تُخفيها عني لكنه أنكَر .. و أُدرِك كذلك أنَّ أسرارك معه، صحيح؟ "
ضم يديه أمامُه يُخفض رأسه بإيماءَة ، فهمهم مروان بتفهُم جاذبًا إياه ليجلس بجوارِه ليُبعثِر خُصلاته نابسًا بأريحية:
" أكمِل صغيري .."
همهم ساجد ناطقًا:
" تتذكر العم جون الذي أنقذني؟ .."
_" أجل. "
_" لقد كان شقيق ذلك الرجل، يُدعى أورلاندو بالمُناسبة."
نبس يبتسم مع قهقهة ساخرة مِن والده الذي علَّق:
" لقد حفِظت اسمه حقًا! "
همهم بسخرية مِن حالِه بينما يُكمل بجدية مُخفيًا ارتباكِه:
" أبي ... تَصلنِي رسائل تهديد مِن ذلك الرجل ألا أشهدُ ضدِه و إلّا سوف يؤذيكم."
و تجمَّد مروان الذي طلب فورًا رؤية الرسائل ليُعطيه ساجد هاتفه ، دقائق مرت في هدوء حتى استقام مروان نابسًا بينما يُحدق في تلك الشريحة في يده لوهلة:
" عُد للنوم و تجاهَل تِلك الرسائل، و لا تفعل أي شئ قبل أن تُخبرني ، مفهوم؟. "
أومأ ساجد بهدوء ثم استمع إلى أبيه و راح يستلقي بصمت مُغلَّف بالكثير مِن الخوف و الرعب مِن أيامِه القادمة.
_"هل أخبرك بما يُخفيه؟ "
نبست بقلق ما إن اقترب ليجلس بجوارها أثناء استلقائِها في السرير ، فنظر لها بعقلٍ مشغول بأفكارٍ جمَّة بينما يُجيبها:
" أجل فَعل .. نامي و بالصباح سنتحدث.."
و استلقى بجوارها يُحدق في السقف بصمتٍ مُريب ، يتجاهل كل ما حولِه و يُفكر فقط في تِلك المصائب التي تُحيط بابنه .. و ذلك فقط ذكّرَهُ بـ أول لِقاء جمعَهُ مع والدتِه و ساجد الصغير .....
*
*
*
يُتبع....
فصل طويييييل جدًا بعد التعديل و الاضافات 😂💜
عبارة عن 3000 كلمة لأجل عيونكم ✨
و الآن إن لم تتفاعلوا سأتأخر بتنزيل الرواية 😈😛😛😛😛 انا امزح معكم بالطبع😂
الآن ما رأيكم بالبارت؟
الأحداث؟
هل هناك شئ لم تفهموه بعد؟ أو أي أسئلة؟
ألازلتم تشعرون بالغموض؟
ساجد تحدث لوالده أخيرًا، رأيكم بتفهم مروان لمشكلة ساجد رغم كِبرها. ، لكنه مُدرِك أنَّ الغضب لن يجدي نفعًا! كما أنه بدأ حكايته بصدق و التفاصيل بالفِعل.
المشهد؟
تقييم البارت؟
لا تنسوا اخباري اي نقد او رأي شخصي في روايتي، ستجدون رابط الصراحة ع منصتي ، انتظر رأيكم؟
و شكرًا لتواجدكم؟ مَن يُعلِق او من لم لا يفعل ❤️✨
و الآن سلام 💜✨
.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top