1. HARUNA
أرض النار – قرية كونوها المخفية
1.
ألقيتُ نظرةً أخيرة على السماء اللؤلؤية وهي تتحوّل إلى اللون القرمزي قبل أن أغلق باب شقّتي. فككتُ رباط صنادلي الجلدية ورتّبتها في خزانة الأحذية.
— تادايما! (1)
مرهقةً، عبرتُ الرواق متّجهة إلى غرفة النوم. ثوب اليوكاتا يلتصق بجلدي بشكل مزعج، استحمامي صار مسألة حياة أو موت! لكن... معدتي تقرقر ودغدغت رائحة شهيّة خياشيمي فقادتني إلى المطبخ.
قطّع توبيراما الطماطم وخلطها مع مكعبات الأفوكادو والملفوف والخيار والجبن في وعاء زجاجي. قال بوجهٍ بشوشٍ ملأ قلبي سعادةً:
— أوكايري! (2)
ككُلِّ مرّة أخرج فيها في مهمة، اشتقت إليه. رغم أنه مرّت سنواتٌ على زواجنا، إلّا الفرحة التي تغمرني حين أراه ثانية لا توصف!
لففتُ ذراعيّ حول خصره وأرحتُ رأسي على ذراعه أتأمله وهو يُزيِّن السلطة برشّة من الأعشاب العطرية وحبّات الذُّرة وملعقةٍ من زيت الصويا.
— كيف كانت مهمتك؟
مملّة بدونه، لكنني سعيدة أّنه لم يأتِ. المناخ في أرض الرياح في الصيف أشبه بجحيم. لم يكن زوجي ببشرته اللبنية وعينيه القرمزيتين ليصمد أمام تلك الشمس الحارقة، حتى مع وسائل الحماية التي وفّرها لنا الكازيكاغي: نظّارات شمسية وملابس من الكتّان غطّت كل شبرٍ من أجسادنا.
تمتمت على فكه:
— اشتقتُ إليك. سأستحم وأعيد تقديم تقريري! (3)
ضحك بعد أن فهم تلميحي، وضربني بخفّة على مؤخرتي.
— أسرعي، الطعام سيبرد.
— اِعترف بأنك افتقدتني!
ابتسم بمكر.
— لدي أخبار سارّة لكِ. سأطلعك عليها فيما بعد!
رمشتُ بعيني في غير تصديق، وبدون سابق إنذار، رميتُ بنفسي عليه أعانقه.
— لا أطيق الانتظار يا توبي، أريد أن أعرف ما هي في الحال!
حملني بحركة سريعة سرقت من فاهي صرخة ونقلنا (4) إلى الحمّام. كلّا، ليس هذا!
بسرعة خاطفة، رماني في حوض الاستحمام الخشبي وشكّل سلسة أختامٍ يدوية قبل أن يلوذ بالفرار. تناثرت فوقي موجةٌ من الماء غمرتني من رأسي حتى أخمص قدمي، جعلت أطرافي ترتجف. صرخت غاضبة:
— توبيراما! كيف تجرؤ على استخدام السويتون (5) خاصتك على زوجتك أيها السنجو القذر!
حرارة أغسطس في كونوها لا تزول حتى في المساء، ولكنها لا تقارن بجحيم سونا. تناولنا العشاء في الشرفة، تحت الهلال الذي يضيء تمثال الهوكاغي.
أجّل توبيراما مفاجأته إلى ما بعد العشاء. استمع إليّ وأنا أحدّثه عن مهمتي وهو يمضغ لحمه بتأنٍ، مصممًا على اختبار صبري.
— أقسم لك أنه من السهل الموت بسبب الجفاف أو الضياع في عاصفة رملية هناك، لا توجد حتى أشجار للاحتماء من الحرّ، مناخ أرض النار نعمة!
ارتشفت كوبًا من الماء، تلك الذكرى أصابتني بالعطش. لا أريد الاستمرار في الحديث عن تلك المهمّة، كل ما يشغل بالي هو المفاجأة التي أعدّها لي حبيبي.
— و... ماذا عن الأخبار السارّة؟
— اغسلي الأواني أولًا.
تنهّدتُ بغضب. يا لقلة لباقة هذا السنجو! كيف يترك المرء زوجته المتعبة تجلي الأواني؟
— أنت تفعل ذلك عن قصد!
ضحك توبيراما بخفّة.
— حسنًا، حسنًا، سأخبرك!
قلبي يخفق بشدة، سأجلي جبلًا من الصحون، فقط أخبرني أننا ذاهبون في عطلة!
— أردتِ أن نذهب في عطلة، لذا...
— بلى! بلى!
— حجزتُ لنا جناحًا في أونسن (6) في أرض الينابيع الساخنة لمدة يومين.
امتدّت شفتاي حتى آلمني فكي. هل أنا أحلم؟ إن كان الأمر كذلك، فلا توقظوني!
قفزت من مقعدي وعانقت زوجي بقوّة.
— شكرًا توبي، أنا أحبك كثيرًا.
نهض توبيراما أيضًا ولفّ ذراعيه حولي يشمّ رائحة شعري ويقبّل صدغي. رقة شفتيه تذيبني.
— لكن يومين ليس بالكثير مقارنة بكل المهمّات الطويلة التي أجريناها هذا العام. لِمَ لا أسبوع؟ أنا واثقة من أنّ أخاك لن يعترض!
تنهّد قائلًا:
— لا يمكننا ذلك. لقد حدث انقلاب في أرض البرق، وأنا ذاهب إلى هناك بدلًا من آنيجا (7) لتقييم الوضع والتأكّد من عدم وجود أي تداعيات على أرض النار.
انسحبت من أحضانه وحدّقت فيه بعبوس.
— إذن، هذه هي مهمة؟
— نعم. لقد كنت في قرية يو منذ يومين وسمعت بعض الشائعات، ولكني فضّلت أن أناقشها مع آنيجا قبل أن أعبر حدود أرض البرق.
كرّرت قولي بصوت يسوده الإحباط:
— إنها مهمة إذن.
حبس توبيراما أنفاسه، وانغلق وجهه.
— نعم، سنقضي بعض الوقت في الأونسن، ثم ننطلق لمقابلة الرايكاغي.
إنها محض مهمّة أخرى، تحمّستُ من أجل لا شيء! دفعتُ يديه بعيدًا عنّي، وحملتُ الأطباق دون أن أبذل أدنى جهدٍ لإخفاء خيبة أملي.
بوجه جاد، شبّك ذراعيه واتكأ على الحاجز يراقبني.
— ماذا خطبكِ؟
— أتسمي هذه عطلة؟
أطلق تنهيدة غاضبة.
— هذا أفضل من لا شيء! كان بوسعي الذهاب مباشرة مع توكا (8) لكنني غيّرت خطتي لأنني ظننت أن ذهابنا معًا سيسعدك.
ضحكتُ بهزل. آه، توكا... ماذا علاقة منافستي القديمة في القتال بالموضوع؟ قلتُ بنبرة ساخرة:
— أجل، صحيح، فأنتم معشر السنجو تتّفقون مع بعضكم البعض بشكل أفضل. حتى أنك تقضي معها وقتًا أطول مما تقضيه معي!
— أنا أبذل قصارى جهدي لأكون موجودًا دائمًا، لكنك لا تقدرين حتى هذا الجهد.
سنجو مغفّل، الآن أنا الجاحدة لأنني أغار عليه؟
— هذه هي المشكلة يا توبيراما! أنا لستُ أولى أولوياتك أبدًا. أنت مهووسٌ بهذه القرية، إنها كل ما تفكّر فيه. ولو لم تكن هناك مصلحة لكونوها في الذهاب إلى أرض الينابيع الساخنة، هل كنت ستفكر بالذهاب إلى هناك معي؟
ابتلع توبيراما ريقه ووجه نظره إلى القرية المظلمة. قال بنبرة جادّة:
— لقد عاهدت نفسي على حماية هذه القرية مهما كلفني ذلك. تزوّجتك لأنّ لكِ نفس هدفي. أعجبتُ بنظرتك المعقولة للأمور ووفائكِ وتفانيك في عملك. أنا لا أضعكِ في كفة وكونوها في الكفة الأخرى، سلام كونوها يعني أن أعيش بسلام معك. أتذكرين أنّنا كنا ألدّ الأعداء وأنّ إرادة النار ألّفت بين قلوبنا؟
هذه الكلمات لامست كياني، وبدون إذن مني، ملأت الدموع عيني.
لو حدث أن أعلنت عشيرتانا الحرب على بعضهما البعض ثانية كما حدث في الماضي، ففي أي طرفٍ سأكون؟ هذه القرية تربطنا ببعضنا البعض، رغم أنّ السلام الذي ننعم به يجعلني أنسى ذلك أحيانًا. الحفاظ على كونوها يوحّد الأوتشيها والسنجو. إرادة النار، الإرادة القوية في حماية أرض النار، هي التي جمعتنا وحوّلت ضغائننا إلى حب.
إنه محق، لكن جزءً مني يرفض الاعتراف بذلك. أريده أن يفعل ذلك من أجلي، وليس من أجل القرية. لذا حملت الأطباق عابسة وذهبت إلى المطبخ.
شطفت الأواني بعناية ورتّبتها في المجفف. وقف توبيراما خلفي وأخذ يدلّك كتفيّ ورقبتي. أغمضتُ عيني وعضضتُ شفتي، إنه لشعور مريحٌ حقًا، لكنّني أرفض الاستسلام!
— كلانا يريد الشيء نفسه، لكنكِ ستفسدين الأمر بعنادك الصبياني.
قلت مازحة:
— هنالك قول مأثور يقول «عنيد مثل الأوتشيها».
— لست متفاجئًا، لا أحد يضاهيكم في العناد.
ضحكت بخفة ثم سألتُ بجدية:
— توبيراما... أتتصوّر أنّ هذا السلام سيدوم طويلًا؟ في البداية أرض الأرض، ثم أرض الرياح، والآن أرض البرق. النزاعات بين القرى، الحروب الأهلية، الانقلابات... إلى متى ستصمد قريتنا؟
— طالما أنّنا نأخذ مصلحة القرية، وبالتالي مصلحة الجميع بعين الاعتبار، ولا نسبِّق مصالحنا الشخصية، فستستمر الوحدة. الأنانية تؤدي إلى سوء التفاهم والانشقاق، وهذا بدوره يؤدي إلى الحرب. على الجميع أن يعملوا معًا لتحقيق نفس الغاية، عن طريق إنجازهم لمهامهم الخاصة.
— وهذه الرغبة في المساهمة نابعة من إرادة النار. أهذا ما تريد قوله؟
ابتسم توبيراما بلطف. لقد انتصر.
سألته وأنا ألفّ ذراعي حول عنقه:
— متى سنغادر غدًا؟
— عند بزوغ الفجر!
أوه، لا! لم يتبقَّ لي سوى بضع ساعات من النوم.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top