5. HINATA

كونوها، سبتمبر 2013.

1.

المطر يهطل بغزارة. موسم بارد قادم. ركّزتُ انتباهي على المسافرين، بعضهم يودّع الآخر، والبعض يتطلع إلى لمّ الشمل. نحن في المنتصف، جالسين على مَقْعَد في محطة كونوها، غير قادرين على النظر في أعين بعضنا البعض خوفًا من أن يخوننا الحزن بإيقاظ ما خلنا أننا قتلناه.

قال بصوت مرتجف:

— شكرًا لقدومك يا هيناتا.

— قلت أنّ لديك شيئًا تريد إخباري به قبل أن تغادر.

— تعازيّ... لموت والدتك. أنا آسف لأنني لم أكن هناك من أجلك.

— لم يكن حضورك ضروريًا، ساسكي اعتنى بي جيّدا.

— كان... مهما لي. كنتِ هناك عندما مات الحكيم المنحرف.

شددت قماش سترتي. الثقل على قلبي والغصة في حلقي يعيقان تنفسي.

— إذا كان هذا ما في جعبتك، يمكنك الذَّهاب في سلام يا ناروتو. أنا لا ألومك على ذلك. لقد انتهى ما بيننا، لذا أتفهم. ليس عليك أن تعتذر... والآن، إن انتهيت، اسمح لي بالمغادرة. ساسكي ينتظرني ولا أنوي أن أجعله ينتظر أكثر من ذلك.

عيناي تخزانني وتهددانني بالانفجار بكاءً... صوت داخلي يصرخ فيّ لأهرب فورًا. بغض النظر عن مدى قسوة كلماتي، ناروتو يستحق أسوأ. فليعاني! فليعلم الألم الذي تحملته طوال الوقت الذي هجرني فيه. الحزن الذي ما زلت أشعر به، أنا التي وضعتُ ثقتي فيه.

عندما أتيت لرؤيته، كنت ما أزال متمسكة بقليل من الأمل في أن يعطيني تفسيرًا... سببًا يجعلني أتمكن من المضي قدمًا في حياتي دون أن أنظر إلى كل الذكريات التي راكمتها على مر السنين، وأتوقف عن التحسر على أنّ كل ذلك كان بلا جدوى. للأسف، تركني أرحل كالجثة الهامدة.

تمتم وهو يرفع رأسه:

— وداعًا... هيناتا.

هربت من نظراته الدامية وركضت نحو ساسكي، مصطدمة ببعض الركاب في الطريق. جل ما أريده الآن هو أن يضغط شخص ما على زر الإيقاف.

ألقيت بنفسي على صدر صديقي أبكي بحرقة. تفاجأ في البداية، لكنه ضمني إليه. توقف ارتجافي، لكني شعرت بالدوار والخدر في ساقيّ، ورنين في أذناي وكأنّ رأسي تحت الماء. ثم... لا شيء.

فتحت عيني لأرى رقبة ساسكي في حين يحملني بين ذراعيه.

— ماذا حدث؟

— لقد أغمي عليك.

— هلا أنزلتني؟

— هل يمكنك المشي؟

لم أجبه.

— ظننت ذلك أيضًا.

أفترض أنها فكرة جيدة أن طلبتُ منه مرافقتي، كنت أتوقع أن يقول لي من الأفضل ألا أذهب، لكنه اكتفى بـ «حسنًا، لنذهب».

ناولني مفاتيحه قائلًا:

— هاكِ. انتظريني في السيارة. سأعود في غضون خمس دقائق.

جلست في مَقْعَد الراكب. تشير ساعتي إلى 2:55 مساءً. سيغادر قطار ناروتو قريبًا. أأمنعه من الإقلاع؟ هل أخبره أنني أحبه بجنون، وبأنني أتعذب بدونه؟ بأن ساسكي مجرّد عذر لإزعاجه؟ أنني لا أرغب في أحد سواه؟ هل أصرخ عليه ليتوقف عن تعذيبنا؟ من أجل حبنا... الذي لم يعد يريده. ما الفائدة؟ لا يمكنني إجباره على البقاء معي، لكن لو فقط...

لو أنني فقط أعرف لماذا فعل هذا...

مددت يدي في جيبي وأمسكت بالقداحة – خاصته – وأشعلتُ سيجارة. فتحت النافذة، واستندت إلى المَقْعَد، أغمضت عيني، وأخذت نفسًا عميقًا... وزفرت.

أرجحت ذراعي في الهواء البارد وإذا بأصابع نحيلة تستولي على سيجارتي. ساسكي. ناولني كيسًا ورقيًا وزجاجة صغيرة من المياه المعدنية، ثم مَدّ يده مفتوحة على مصراعيها.

«ماذا؟» سألته بحاجبي المجعدين — غاضبة أنه أفسد لحظة ارتياحي.

رفع حاجبه دون أن ينطق بكلمة. تنهدت والتقطت علبة السجائر ثم وضعتها في راحة يده. سار إلى سلة قمامة خاصة بأعقاب السجائر ليتخلص منها. اللعنة.

2.

حدّقت في السقف بملل، متجنبة نَظْرَة ساسكي الثقيلة. أنا في المستشفى، في جناح الأمراض النفسية... وسبب وجودي هنا: قطعت معصمي قبل أسبوع.

— متى يخرجوني من هنا؟

— عندما يتيقنون من أنك لن تكرري فعلتك.

جلس على حافَة السرير وأخذ يدي يمسح بإبهامه الضمادة حول معصمي. يبدو مثيرًا في زيه الأزرق الداكن، هل هو مدرك لذلك؟

— عندما مات إيتاتشي، كان فخورًا بي لاختياري كُلِّيَّة الطب، على عكس والدنا. قال إنه سيحقق لي أمنية. لم أكن متأكداً مما أطلبه. كان لدي كل شيء، لكنني أردت أن أشاركه أغراضه. أحببت أن أكون بصحبته، وقضاء الوقت معه... أن أكون مثله، ربما. الآن بعد أن فكرت في الأمر، أعتقد أنه كان تعلقًا مرضيًا. لم أكن مستعدًا لفقدانه.

شبكت أصابعنا.

— ساسكي...

— قلتُ أنني أود قيادة سيارته الرياضية الجديدة. كنت أغار من إيزومي، أردت أن أحظى به لنفسي... كنت لا أطاق، أخًا صغيرًا مدللًا.

أطلق ضحكة مريرة.

— ثم وقع الحادث. قالوا أنّ سائق الشاحنة كان ثملًا، لكنني أعي أنه كان خطئي. كنت قد حصلت على رخصتي حديثًا...

— ليس خطأك!

— أتذكر النَّظْرَة التي ارتسمت على وجه والدي في المستشفى... تمنيت لو أنني مت مكانه. كان ابنه المفضل، فخره، وبكره... كان جل ما أراده أن يكون، وريثه الحقيقي.

تنهدت بحسرة:

— لكنك لم تقتل نفسك. أليس هذا ما ترمي إليه؟

ابتسم قليلًا.

— ثم جئتِ... رفضتُ التحدث إليك، أردت أن أغرق في عزلتي. قلتُ لك أن ترحلي.

— بل قلت: دعيني وشأني! لا أريد رؤيتك مرة أخرى.

— كنتِ على وشك البكاء وكنت متأكدا من أنني كسرت رابطتنا. كان ذلك أسهل من أن أفقدك... كما فقدته، أو هكذا ظننت، على أي حال...

— أحمق.

— لكنك قلتِ: لا أعرف كيف يكون الأمر عندما تفقد أخًا لك، لكنني أعرف أنه يمكنك تجاوز الأمر. لا بد أنه من الصعب أن تفقد صديقًا، ولهذا السبب سأكون دائمًا هنا... معك.

انهمرت دمعة على أنفه. إنها المرة الأولى التي أرى فيها ساسكي يبكي، وهذا يؤلمني. لا أعرف كيف سيكون الأمر لو حدث أن فقدت هانابي ولا أستطيع تخيل ذلك، حياتي لا تطاق دون أمي.

— خشيت فقدانك. كنتُ غاضبًا منك. هيناتا التي أعرفها ما كانت لتفعل هذا بسبب رجلٍ ما. أردت أن أصرخ في وجهك... كيف نسيتِ وعدك، نسيتني. كما لو كان هو فقط المهم في حياتك. كما لو أن حياتك توقفت عنده...

— لم تفعل...

هز رأسه.

— لم لا؟

— لأن ذلك كان ليكون أنانية مني.

— لكنك تخبرني به الآن.

— لأنني لا أريدك أن تفعلي ذلك مرة أخرى.

— لن أفعل... قل لهم أن يدعوني أعود إلى المنزل.

— لا أعرف كيف تشعرين، لكن اعلمي أنني سأكون دائمًا بجانبك. لست وحيدة.

— شكرا جزيلًا يا ساسكي.

ضممته بين ذراعيّ، لمسة تدفئ قلبي المهموم. ساسكي لا يعلم أنني لم أحاول قتل نفسي لأن ناروتو رحل، ولكن... لأنه خلق بداخلي شعورًا بأنني لست جيدة بما فيه الكفاية لأستحقه. قناعة حاربتها باستماتة، لكنها نمت بداخلي يومًا بعد يوم. وثقت بناروتو، لقد كسر تلك الثقة.

جل من حولي يرتدي قناع الشيطان. الجميع يؤكد لي أنه لا قيمة لي، حتى ساسكي، بتصرفاته المفرطة في الحماية. يستمرون في تذكيري كم أنني أنانية لأضع حدًا لمحنتي.

كل ما أحتاجه هو شخص يذكرني من أكون. ماذا كنت قبل كل هذا؟ كيف كنتُ متفائلة؟ لأنني أرى كل شيء أسودًا الآن. لا أمل لي في الغد، ولا رغبة في البقاء. ما كان سبب وجودي قبل هذا اليوم؟

ربّت على كتفي، وقال بهدوء:

— عليّ الذَّهاب.

أغلق الباب واستقر الألم مرة أخرى في جوف صدري.

ابقى قليلًا بعد...

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top