14. HINATA
كونوها، أغسطس 2015.
1.
ارتدتُ مهرجان نهاية الصيف في كونوها مرتديةً يوكاتا أرجواني، انتابني شعورٌ بالملل والوحدة، فذهبت لأشاهد عرض الألعاب النارية من مكاني المفضل: أعلى الجرف. هذه الليلة تشعرني بالحنين. كآبة تجعلني أستمتع بالعزلة... إلى أن أتى. جلس بجانبي دون أن يكسر الصمت.
—ساسكي…
—هم؟
—أتؤمنُ بالنهايات السعيدة؟
—حسب ما تعنيه بقولك نهاية سعيدة.
—كيف تتخيل نهايتنا؟
—موتى؟
بهذه البساطة؟ لو كانت الليلة آخر ليلة في عمري، لو كانت آخر ليلة أحياها، ماذا كنتُ سأفعل بشكل مختلف؟
—لو كانت الليلة هي آخر ليلة في حياتك، مع من ستقضيها؟
قال بهزل مغيّرًا نبرة صوته:
—مع المرأة التي أحبها.
إنه يحاول تقليد أحد الممثلين في الفيلم الذي شاهدناه معًا بالأمس. تلك الشخصية أعطت نفس الإجابة على سؤالي، لكن نهايته كانت حزينة، لأن المرأة التي أحبها تركته من أجل رجل آخر.
—ميؤوس منك!
—أنت لا تتخيلين أنني سأقول معكِ، أليس كذلك؟
—ولمَ لا؟
—لأنه... هكذا فحسب!
—يا للخسارة! كنت سأقول معكَ دون تردد.
—حقًا... ولمَ ذلك؟
—لأنك... أعز صديق لي و... أنا أحبك... كثيرًا. أظنه سببًا كافيًا.
هربت الكلمات مني قبل أن أفكر فيها. وقفت وأنا محرجة، ففعل الشيء نفسه. اقترب مني قليلًا، ثم غمس نظراته الفضولية في عيني، ما أعطاني انطباعًا بأنه يقرأ أفكاري. قال بصوت متردد:
—هيناتا... هل تقبلين الزواج بي؟
فتحت عيني على مصراعيهما. هذا اعتراف مبكّر للغاية، صريح للغاية، مباشر للغاية. لا علاقة له بالرومانسية، كما لو أنه يقول مرحبًا، كيف حالك؟ لم أتخيّل الأمر هكذا.
قلبي يخفق بشدة. ماذا لو رفضت؟ هل سأخسره؟ ماذا عن وعدي لأبي؟ ماذا عن عدم قدرتي على نسيان ناروتو؟
ما زلت لا أشعر بأنني مستعدة. هذا هو هدفي، نعم، لكنني أريد أن تتطور علاقتنا أكثر. صحيح أننا أصدقاء منذ الطفولة، وفي مرحلة ما اعتقدت أنني مغرمة به، لكن الأمور تغيرت. لقد تغيرنا وكبرنا. كنت أتواعد مع ناروتو، وهو مع كارين. لا أعرف حتى كيف انتهت قصتهما. لم يحدّثني عنها قطّ.
—مهما كانت إجابتكِ، فلن تغير شيئًا في صداقتنا. عبّري عما تريدينه حقًا. أودُّ معرفة رأيكِ الصريح حول الموضوع.
كلماته تجعلني أشعر بتحسن. إنه محق. يجب أن أكون صادقة. كوني منطقية يا هيناتا!
لو كانت أمي هنا، ماذا كانت ستقول؟ شيء مثل هذا: لا تدعي قلبك يعميك أبدًا، دعي عقلكِ يوجه خطواته. ما أشعر به تجاه ساسكي، لابد أن يكون هذا ما يعنيه أن تحب بعقلك، بشكل عقلاني، ليس بجنون، ولا لحد الإدمان.
كنتُ متعلقة جدًا بناروتو، ولهذا لم أعد أعي من أنا عندما تركني. حياتي كانت تدور حوله، لكن مشاعري تجاه ساسكي مختلفة. إن كان حضوره يسعدني، فإنّ غيابه لا يخنقني. الزواج منه لن يقتلني ولكن يمكنه أن يقتل ناروتو الذي يعيش بداخلي.
قلت وأنا أمسك بيده:
—نعم، أود الزواج منك.
تشكّلت ابتسامة صغيرة على شفتيه.
—هل يمكنني تقبيلك؟
أومأت برأسي.
أغلق المسافة بين وجهينا بقبلة رقيقة على فمي، خالية من الحماسة التي اعتاد أن يقبلني بها ناروتو. هادئة وناعمة، مثل الحب الذي ينبع من أعماق عقلي.
احتضنته وتركته يلف ذراعيه حولي. لمسة إنسانية دافئة جعلتني أرغب في البكاء.
فجأة، انقبضت يده على ظهري وهو يمسك بنسيج ثوبي. نظرت إليه، هو يحدق في شيء ما خلفي. أدرتُ رأسي لأستفسر، لكنه أمسك بوجنتي بخفة وقبلني ثانية.
—ما الأمر؟ هل رأيتَ شخصًا ما؟
—كلّا... فلنذهب إلى سيارتي، أود أن أريك شيئًا.
—ما هو؟
—تركت الخاتم هناك.
أطلقت تنهيدة وضحكت عليه. أراهن أنّ كارين انفصلت عنه بسبب شيء كهذا.
كونوها، مايو 2018.
2.
ثلاثة أيام منذ خروجي من المستشفى. ثلاثة أيام وأنا أنام بشكل سيء. ثلاثة أيام وبالكاد أستطيع ابتلاع لقمة. كل يوم كسابقه. أشعر بالإرهاق والتعب من الحياة. والأسوأ من ذلك شعوري القاتل بالذنب. قرأت مقالًا على الإنترنت مفاده أنّ التدخين يعد أحد أسباب الحمل خارج الرحم، ولم أستطع إخراج تلك الفكرة من رأسي.
لماذا الحياة هكذا؟ في كل مرة أقترب فيها من شيء كنت أتوق إلى تحقيقه، يؤول بي الأمر إلى فقدانه... إلى الأبد. مثل السراب، مثل الحلم الجميل العابر الذي ينتهي حتمًا ليتركني في أحضان واقعٍ قاسٍ.
قال ساسكي وهو مستلقٍ بجانبي:
—هيناتا…
تمتمت بإنهاك:
—ماذا تريد؟
—أعتقد أنه عليك أن تزوري طبيبك النفسي.
—الأدوية لن تغير الواقع.
الأطباء يستفزونني، بما فيهم هو. لم يعالجوا والدي كما ينبغي، فقد انتكس بعد عامين وهو على وشك الموت الآن. لقد أرهقوه بعلاجاتهم غير المجدية، وكلّفتنا الأدوية وحدها ثروة. كانت لي آمال كبيرة في شفائه لدرجة أنني استسلمت لرغبته في الزواج من ساسكي. ثمّ، من يدري... ربما كان يعلم أنه لن يشفى، فأغرقني بآمال كاذبة حتى أتزوجه. لن أستطيع قطعًا أن أتنبأ بنواياه فهو قليل الكلام.
ثم هناك أطباء أمراض النساء الذين أخبروني بفخر كيف انتشلوني من أحضان الموت بتشويه أعضائي التناسلية، ويا لحظي السعيد، فرصة أن أحظى بحمل منتبذ آخر قد تضاعفت الآن! ما الفائدة من البقاء على قيد الحياة إن كنتِ لا تستطيعين أن تعيشي الحياة التي تريدينها؟
—ماذا عن الأخصائية النفسية؟ أفهم أنك لا تريدين التحدث معي، لكن ربما هي...
—لا حاجة لي بذلك، أنا بخير! من الطبيعي جدًا أن أشعر بالحزن، أنت تعلم كم أردت هذا الطفل.
اقترب مني ومسد على خدي.
—أعلم يا هيناتا، أردته أيضًا... لكن الأمور سارت هكذا، لا يمكننا تغيير القدر، ولكن يمكننا أن نحصل على واحد آخر.
—لا بد أنك تمزح!
سحب يده واستلقى على ظهره.
—أنتَ لست بامرأة، لا يمكنك أن تفهم ما أمر به.
—إنها امرأة، الأخصائية النفسية.
أدرت له ظهري محاولة تجاهله، لكنه تشبث وعانقني. إنه يثير أعصابي. دفء وجوده يخنقني.
—هيناتا...
—ماذا أيضًا؟
—علينا التحدث... عن أمر ما.
—عن ماذا؟
—ناروتو. هو من اصطحبك إلى المستشفى وبقي هناك حتى وقت متأخر من الليل... هل أنتما على تواصل؟
كاد قلبي يتوقف عند ذكره. ما مررت به في ساعة بجانبه أعاد لي ذكريات الماضي بحلوها ومرها. لا أريد الحديث عن ذلك، صوتي سيخونني. ساسكي ليس بمغفَّل، سيكتشف ما أخفيه.
—ما كان عليك سوى أن تسأله!
—أنتِ زوجتي، وليس هو!
—هذا ليس الوقت المناسب لغيرتك يا ساسكي، دعني أنام!
قلبني على ظهري ونظر إليّ.
—كُفّي عن تجاهلي!
—انظر إلى الحالة التي أنا عليها وانظر أنتَ فيما تفكّر! أنتَ لا تثق بي حتى!
—كيف تتحدثين عن الثقة وأنت لا تستطيعين حتى الإجابة على سؤال بسيط؟
نهضت غاضبة من السرير وغادرت الغرفة. تبعني وجذبني من معصمي وحصرني بينه وبين الحائط.
—ماذا حدث مع ناروتو؟ ما الذي قاله لك ليضعك في هذه الحالة؟
—لماذا يجب أن تكون غلطة ناروتو؟ فقط انظر لنفسك، أنت أناني، لا تفكّر إلا في نفسك، أنت خائف من أن أتركك من أجله لأنك ستبقى وحيدًا مع شياطينك. يسعدك أن أكون حزينة بسببه لأنك حينها تستطيع أن تؤدي دور البطل الخارق. أنت لم تحبني أبدًا، أنت غير قادر على حب الآخرين... ولا حتى أخاك. لقد قتلته بأنانيتك. أنت تخنقني، لم أعد أرغب بك في حياتي!
صفعة منه أسكتتني. دموعي تنهمر. أطرافي مثقلة. هل قام للتو... بضربي؟ ساسكي فعل هذا؟
وجهه أصبح شاحبًا فجأة واحتقن بياض عينيه بالدم. وضع يده على فمه وهو يتراجع خطوات إلى الوراء وكأنه يتدارك حجم ما فعله. مد يده الأخرى إليّ، لكنني أبعدها بقوة. ركضتُ إلى مشغلي وأغلقت الباب بالمفتاح.
—هيناتا، افتحي الباب! أنا آسف...
قطته الغبية مستلقية كالملكة على أريكتي، رميتها على الأرض، فأخذت تزمجر وتموء بغضب.
—اخرسي، أنتِ الأخرى!
لم أعد أرى قدمي ساسكي من تحت الباب، فنهضت لأخرج القطة. وجدته جالسًا على الأرضية الخشبية، وظهره متكئ على الحائط. رمقني بنظرة باكية لكنني أغلق الباب في وجهه. ليس وحده من يملك مشاعرًا، أنا أيضًا أعاني. ما كان ينقصني سوى غيرته. لقد أراد أن يتزوجني بالرغم من معرفته بحبي لناروتو. فليتحمل مسؤولية اختياراته!
وقعت عيني على اللوحة التي رسم عليها كانجي الحب، فاخترق صدري ألمٌ حاد وامتلأت عيناي بالدموع. كنا سعيدين يومها. لم أشعر بالرضا عن علاقتي به كما شعرت ليلتها. حتى أنني بدأت أصدق أنني مغرمة به. كيف وصلنا إلى هنا؟
انهرت أمام الباب وبكيت... بكيت طوال الليل.
3.
بزغ الصباح وأنا مستلقية على الأريكة. أعمتني أشعة الشمس المتدفقة من النافذة. حتى دون النظر في المرآة، أعرف كيف أبدو: جفون منتفخة محمرة، وهالتين سوداوتين تحت عيني، وشفتين جافتين على وجه شاحب.
وجدت على الباب قصاصة مثبتة.
«لم أجبركِ قطّ على البقاء معي، إن كنتُ دائمًا معك فذلك لأنني ظننتُ أنكِ تريدين ذلك. اعتقدت أنك تعدينني كصديق وربما كزوج. إن كنتِ تريدين الذهاب، فاذهبي، فأنا لن أمنعك. ليس لأنني لا أحبك، وليس لأني لا أريد أن أكون بجانبك، بل لأنني لست أنانيًا. وإن كانت سعادتك تكمن في مكان ما في هذا العالم، بعيدًا عني، فلن أقف في طريقك لتحقيقها.
ملاحظة: لا تتحدثي عن أشياء تفوق استيعابك.
S.»
تبًا، تبًا، ماذا فعلت؟
بدأت دموعي تنهمر من جديد. كان كل شيء سيكون أسهل لو أنني قلت الحقيقة ولم أعقّد الأمور، لكن ما الفائدة من الندم الآن؟ لقد وقع الضرر، ولا يمكننا العودة أبدًا لتجنب ارتكاب ما لا يمكن إصلاحه. لن ينسى الكلمات التي قلتها. لن أنسى أنه تجرأ على رفع يده عليَّ...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top