1. HINATA

كونوها، ربيع 2018.

1.

تسلّل نور الفجر من النافذة وحطّ على وجه زوجي الشاحب وذراعيه المفتولين الذين يبحثان بيأس عني. يبدو بريئًا وهو نائم هكذا. أدرت له ظهري في محاولة عبثية للخلود إلى النوم من جديد، لكن تلك الأفكار لا تنفك تعذّبني. كثيرًا ما أتساءل إن كانت حياتنا ستكون أفضل لو أننا لم نتزوج. كثيرًا ما أتساءل... ثم أدفع بتلك التساؤلات بعيدًا.

اقترب الصباح ولست أدري ما سأفعله في يومي. كنتُ ذات مرة مدعيّة عامة، أمّا الآن فأنا مجرد زوجة خاضعة لزوجها بالنسبة للبعض. لست أحاول تغيير هذا الاعتقاد في أذهان الناس. ليس لأنه الحقيقة... فساسكي يعتز بي ويحترمني؛ ووجوده بجانبي – مع أنّه قليل الكلام – يشعرني بالأمان. ولكن، لسبب ما، لست سعيدة بزواجنا.

أحيانًا أقول أنني سأكون أكثر سعادة لو أنه لديّ طفل. نحن نحاول الإنجاب منذ عام تقريبًا، ولكن دون جدوى. لم يحدد الأطباء سبب عقمنا. هم لا يريدون أن يتكبدوا عناء ذلك، من الواضح أنهم يفضلون اللجوء إلى الطرق الاصطناعية! ساسكي لا يمانع، وهذا يزعجني، لأنني أريد هذا الطفل! أحتاج إليه كحاجتي للهواء.

تركت سريري متجهة إلى الشرفة حيث داعب النسيم البارد شعري. بقيت هناك لبعض الوقت، جالسة على كرسيّ الهزاز، أتأمل السماء اللؤلئية حيث تمتزج الألوان بتناغم. هذا يشبه إلى حد ما مشاعري ومزاجي المتقلب. عندما تشرق شمسي، هل تراني أجد الانسجام الذي أتوق إليه؟ انقطع خيط أفكاري ما أن حطّت بطانية دافئة على كتفيّ العاريين. لامست شفتيه وجنتي وكسر صوته الأجش الهدوء.

— صباح الخير.

أجل! أعرف ما سأفعله اليوم: سأعود إلى الرسم. فقد مرّت أسابيع منذ أن لامست يداي الفرشاة آخر مرة، وموعد معرضي الفني الذي أتردد في إلغائه قد اقترب.

— ستكون لوحة رائعة، ألا تظن ذلك؟

— بلى، بلا شك.

نهضت من مكاني ووضعت رأسي على صدره حاضنة إياه، وكأنني أعوضه عن الأفكار الخائنة التي راودتني عنه طوال الليل. ليتنا نستطيع البقاء هكذا إلى الأبد، حينها لن تجد تلك الأفكار السوداء سبيلًا إلى ذهني. لكن يا لحسرتي، انسحب سريعًا. بظهر يده، داعب خدي.

— عليّ أن أستعد للعمل.

اِبقى لفترة أطول قليلًا... ابقى اليوم...

صررت على أسناني وتركته يفلت من قبضتي. برودته تثير أعصابي. هدوءه يصيبني بالجنون. تفانيه في عمله يزعجني. دقّته تجعلني أشعر بالضياع. الجنّة التي يريد أن يخلقها من أجلي جحيمي. لماذا لا أستطيع الوقوع في حبه؟

تدفق الماء في الحمام أشعل نارًا في مخيلتي، سرعان ما أطفأها الواقع. هذا السيناريو لن يحدث قطعًا، لأنّ ساسكي لا يتخطى الحدود التي رسمها لنفسه أبدًا. حياتنا الزوجية روتينية، مملّة، لا عَلاقة لها بالرومانسية.

2.

تذمّرت هانابي:

— أظن أنه من الأفضل لكِ أن تعودي إلى العمل.

أجبت دون أن أرفع عيني عن لوحتي:

— لا أريد.

سئمت من إلقاء نفس الحجج مرارًا وتكرارًا، لا أحد يفهمني على أي حال. مللت من مقابلة الناس وتولي مشاكلهم.

— واثقة أنّ ساسكي يوافقني الرأي. أنت بحاجة لأن تبقي مشغولة، المكوث في البيت طوال اليوم مضر بصحتك، أنت...

صرخت و أنا أمزج الأحمر والأصفر:

— ساسكي! ساسكي! ساسكي! كفي عن معاملتي كطفلة. أعليّ تذكيرك أنني في الواحدة والثلاثين من عمري، وأنني أختك الكبرى؟ هلا تكرّمت علي ببعض الاحترام لو سمحت؟

رمت علبة سجائر مفتوحة في وجهي، العلبة التي امتنعت عن تدخينها أسابيع، حارصة على تخبئتها في زاوية مخفية من ورشتي. إن كنت قد انتظرت طول تلك المدة، فذلك لأنّ اللحظة المناسبة لم تحن بعد. لحظة أسوأ نوبات قلقي.

— أصبحت تفتشين في أغراضي الآن؟

تلعثمت بارتباك:

— كلّا! لم أكن... أنا فقط... لماذا لا ترين الجانب الإيجابي أبدًا؟ نحن قلقون عليك لأننا نحبك ولا نريد أن نخسرك...

ضحكت مستهزئة:

— آه... لأنّ سيجارة واحدة ستقتلني، صحيح؟

حدّقت فيّ بعبوس وعقدت ذراعيها.

— تعلمين علم اليقين ما أعنيه!

شربت كأس النبيذ جرعة واحدة وهممت أفرغ كأسًا آخر. أجل، أعرف ما ترمي إليه. محاولة انتحاري قبل خمس سنوات... حِقْبَة كنت فيها محطّمة بسبب هجر صديقي السابق لي ووفاة والدتي في حادث سير.

لم أر ساسكي مكتئبًا لتلك الدرجة قط من قبل مثل يوم فتحت عيناي في المستشفى. بدا وجهه الوسيم مخيفًا. دوائر سوداء أحاطت بعينيه السوداء المحتقنة بالدم. شفتاه جافتان. أما شعره الفحمي، الأنيق دائمًا، فقد كان أشعثًا ومتعرقًا. بدت هانابي بحال أفضل، لكنها أعربت عن غضبها صارخة في وجهي: «أيتها العاهرة الأنانية». أخت صغرى مدللة...

عندما قرّرت قتل نفسي يومها، كنت على يقين من أنه لم يتبق لي شيء يربطني بالحياة. لكنني واصلت البقاء من أجلهم. عندما كنت ما أزال أعمل، استمررت من أجل العدالة. عندما وافقت على الزواج من ساسكي، سعيت لتحقيق سعادته. عندما حلمت بإنجاب طفل، بحثت يائسة عن سبب يبقيني على قيد الحياة. لكن العدالة ليست بحاجة لي كي تتحقق وساسكي قد يكون أفضل حالًا بدوني. أما الحياة، فهي لا تريدني ولا تراني جديرة بحمل حياة. لقد متُّ منذ زمن طويل.

هيناتا المسكينة. أظننت حقًّا أنّ معيشتهم كانت لتتوقف بمجرد رحيلك؟

أنانية منهم أنهم يريدون إبقائي في حياتهم. حياة لا فائدة لي فيها غير أنني عبء ثقيل على ظهورهم... كان عليهم أن يتركوني أرقد في سلام. سيحزنون يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا على الأكثر... وينسون أمري في النهاية.

— متى سيقام معرضك الفني بالمناسبة؟

حين لم تلقَ جوابًا مني، انتزعتْ زجاجة النبيذ من يدي. أطلقتُ تنهيدة يائسة.

— في مايو...

نظرت إلى الساعة: الرابعة والنصف. سوف يعود ساسكي قريبًا. تركت لوحتي نصف المكتملة وتوجهت إلى الحمام بخطوات متثاقلة. فرشت أسناني عدة مرات، ثم تركت حمامي المعطر برائحة الخوخ يغمرني.

بعد تسمم كحولي تلو الآخر، وعدت ساسكي أنني سأتوقف عن التدخين والشرب... وأن أتبنى أسلوب حياة صحي، لا أكون فيه تلك الفتاة المجنونة التي تخجله أمام والديه. لم يكن عليّ فعل ذلك... الأمر ليس بتلك السهولة، الإدمان مسألة عويصة، مع أنني أحاول. لا جدوى من شرح الأمر له، فهو لن يفهم شعوري... لذا أتظاهر بالوفاء بوعدي. ليس لأنني لا أفي به على الإطلاق، ولكن هنالك أوقات أستسلم فيها. عندما تذكّرني هانابي في الماضي، أو عندما تأتي نتيجة اختبار الحمل سلبية.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top