الفصل| الأخير
أحيانًا ننساقُ خلفَ خياراتٍ خاطِئة، نحوَ الصَّواب، فلولا الخيارُ الخاطِئ الَّذي أمسكتُ بيدِه، لفوتُّ الاصطِدامَ بها في إحدى محطَّات الزَّمن.
بتُّ أجِد المرأَة الَّتي شارَكتني البُطولَة في فِلم أميرِ اللَّيل مُثيرةً للاهتِمام، مميَّزةً بغبائِها الَّذي ألقى بِها في طريقي ذاتَ يوم، وجذَّابةً بخجلِها.
بعدَ شهرٍ مِن الإفراجِ عن الفِلم، انفجرت شُهرته على المُستويين المحلِّي والعالَمي، وازداد تكالُب المُنتجين عليّ، تلقَّت هيجين عرضًا لبطولةِ فلمٍ نظيف، ما تردَّدت في قُبولِه، أمَّا أنا فقرَّرتُ الاغتِرابَ عن البلَد لبضعةِ أسابيع، وربَّما أشهر، كُنت بحاجةٍ إلى عُطلة على شاطِئ البحر، أرتِّب فيها أولويَّاتي، وأكتشِف ما أودُّ فِعله حقّا، هل أعودُ إلى الطَّريقِ المُستقيم، أم أتابِع السَّير في خياري؟
قبل أن يُطلِق الأفقُ سراحَ أسيرتِه، كانت حقائِبي جاهزةً لمُرافقَتي، والتَّخفيف عن وحشَتي، اكتسيتُ سرابيل عاديَّة، قميصٌ قصير الأكمام، وبنطلونٌ مِن الجينز، ينضوي على بعضِ المُزوق، أرسيتُ النَّظَّارة الشّمسيّة على جِسر أنفي، وحجبت فمي، بكمَّامة سوداء، لئلَّا يتعرّف عليَّ أحدٌ في المَطار، ومُذ أنِّي لا أحبُّ لحظاتِ الوداع، ما شارَكتُ خططي المُستقبليَّة مع أحد، سأتّصِل بتشانيول حالَ وصولِي إلى جُزر المالديف.
جررتُ حقيبة سفري، سويًّا وخيباتي، بينَما أتَّجِه نحو البوَّابة الَّتي أُعلن عنها عبرَ مكبِّر الصَّوت للتوّ، لكنَّ صوت هيجين باغتني من دبر.
" إلى أين أنت ذاهب، بيون بيكهيون! "
واصلت التقدُّم نحوي بخطوات حثيثة، مذعورة، وما إن استقرَّت بإزائي حتَّى استفهمت.
" كيفَ علمتِ أنِّي مُسافر؟ "
" مدير أعمالك أخبر تشانيول وهُو ثمل، لكن ذلك غير مهم. "
تروَّت عن الحديث لوهلة، كأنَّها تمهّد بأنفاسها المضطربة دربَ الوصول إلى اللبّ، بعد لحظاتٍ مشحونة، اقتتلت فيها نظراتُنا بضراوة نبست.
" لماذا رفضت دورَ البُطولة في فلم جُنون، رغم علمك أنِّي قد وافقت عليه؟ "
قبل أن أردَّ عليها بطريقةٍ تُفحِمُها تمسَّكت يدها بذراعي.
" فلتقبل بدورِ البُطولة إلى جانِبي. "
رفعتُ أحدَ حاجبيّ مُستعجبًا.
" لم عليَّ قبوله؟ "
" حتَّى يصير لدينا سببٌ لتبادل القُبل. "
صمتُّ مصدومًا مِن ردِّها الجريء، ربَّما الصَّريح، آخر ما انتَظرتُه مِن ذلِك الفم أن يبوحَ برغبات مُلتوية كهذه. ظننت أنَّها ستُهرِّب عدستيها بعيدًا عنِّي لكنَّها ظلَّت تُحدِّق بي. أعتقت يدي مقبض الحقيبة، لحسن الحظّ أنَّها قادرة على الوقوف بمُفردها.
" أهنئك على تخرُّجك من مدرسة الأدب أخيرًا، تتحدَّثينَ كإنسان الآن. "
قاومت الخجل الَّذي شبّ بوجنتيها، وتعلَّق بأهدابها، حتَّى تنجو في وجهي.
" الوقت ليس مُناسبا لمزاحك الثَّقيل. "
قاطعنا صوتُ موظَّفة الإعلانات وهي تطالب ركَّاب طائرتي بالتوجُّه إلى البوَّابَة. غفلت عن هيجين للحظات موجِّهًا بصري نحوَ مكبِّر الصَّوت، وحينما عُدت إليها وجدتها على شفا الانفِجار باكية. لماذا مشاعرها نحوي واضحة!
اغترفت وجهها وسطَ أناملي العشر.
" أنا بحاجةٍ إلى أخذ قسط من الرَّاحة بعيدا عن المُجتمع، لو قضيت المزيد من الوقت هنا فسوف يسطو الشّيب على رأسيي مُبكِّرا، أنا ذاهب في عُطلة، لست مُهاجرا إلى الأبد. "
هبطت علامة استفهامٍ ثقيلة على لسانها.
" ماذا؟ عطلة؟ "
كانت تجهل أنِّي ذاهب في عطلة، كأنَّها تعرَّضت للاحتيال من قبل أحدهم، لاشكّ وأنَّها حركة ملتوية نفَّذها تشانيول عليها.
فاقت العبراتُ طاقة عينيها فلفظتاها.
" قال تشانيول أنَّك راحل إلى الأبد، ذلِك الوغد، سأقتله. "
شقَّت الابتسامة ثغري بينما أمسح دموعَها، لأوَّل مرّة أشعر برغبةٍ في تقليد عقل تشانيول وسام النّابغة، رغمَ الجُروح الَّتي عاثتها خدعته بهيجين.
" سأعود تزامنا وإطلاق فيلمك القادِم، لآخذ توقيعَك، أعِدك. "
خاطبتها كطفلة، فردَّت كامرأة خبيرة في الحروب العاطفيَّة، من شأنها أن تُطيح بأيّ رجلٍ ما إن تشرع في التَّخطيط.
" لا تعِدني، واعِدني. "
" لقد كبرت. "
وقعت على عقد الوصال بقبلة حارَّة، قصيرة العمر، فنيت وبقينا من بعدها على قيد اللَّهفة، لهفة سيغذِّيها الفراق بأحطابه. حينما شددت بيني وبينها جسرا بصريًّا راسيا، قالت:
" انتبه أينَ تضعُ عينيك، روحي تُراقبك عن بُعد. "
-
انقضى شهران كامِلان، وما لمحتُ لبيكهيون أثرًا في سول، لم يردّ على أيٍّ مِن اتِّصالاتي كذك، ربَّما لأنَّه يستخدم رقمًا آخر هناك، لكن كيفَ له ألَّا يراسلني حتَّى كأنِّي لا أعنيه؟
قدَّمتُ فلمًا ناجحًا كأمير اللَّيل؛ البابُ الَّذي قادني إلى جنَّة حُلمي، رغم أنِّي خلته بعد خطِّ البداية، وحيث استحالت عليَّ العودة أدراجي مضمارًا مختصرًا نحو الحُطمة. بفضله حصلتُ على المزيد مِن العُروض للمشاركة في المسلسلات التّلفزيونيَّة، والإعلانات، كما أنِّي اضطررت لتوظيف مُديرة أعمال مُتذمِّرة، وليست سوى جينسول.
اشتقتُ لآيدن كثيرًا، وإلى الأوقات الغير محدودة الَّتي أهدرناها معًا، خلال التَّصوير وعقبه، يعضُّني النَّدم كُلَّما تذكَّرت أنِّي قد كرَّست أيَّاما ثمينة لكُرهه، في حين كان يُفترضُ بي انتهازُها لحبِّه. أنا الآن غيرُ قادرة على البوحِ بما يُعرقِل حياتِي لأعزِّ صديقاتي، خِشية أن ترجمني بكلمات لاذِعة، بالنِّهاية خُنتها، ووقعتُ في غرام فنَّانِها المُفضَّل الَّذي كان بطلًا لجميع أحلامِها الجنسيَّة!
أجلِس منذ بضعة دقائِق أمام طاوِلة الزِّينة، حولي ثلاث نساء يعملن جاهداتٍ لإظهاري في أبهى حُلّة حينما تلتقطُني عدسات الكاميرات، إحداهنّ تصفِّف شعري، الثَّانية تذرّ المساحيق على مُحيّاي والثَّالِثة تُزيِّن أظافري، فيما سهيت إلى المِرآة، كأنَّها ممرِّي إليه حيثُما كان، أتساءل ما الَّذي فعله طوال مُدَّة غيابِه، هل شغلتُ بالَه كما شغَلني، هل خطرتُ بينَ لحظاتِه وراودتُه عن مُخطَّطاتِه؟
ما إن أنهت الخبيرات تنسيق هيئتي، رافقتُ مُديرةَ أعمالي جينسول، نحوَ مقرِّ المُؤتَمر الصحفيّ الخاصّ بالفِلم، في سيَّارةٍ سوداء كبيرة الحجم، تنتمي إلى الوَكالة، ارتَكنت إلى الرَّصيف تزامُنا وسيَّارة أُخرى؛ تُشبهها إلى حدٍّ ما، كانت مألوفة، ترجَّل مِنها الشابّ الَّذي شارَكني البُطولة، جانغ ييشينغ، حينَما رصَدني أخفَض النَّظارة الشمسيَّة عن عينيه، وعاينَ مظهري، لاسيَما ساقيّ العاريتين، إذ انحَسر فستاتي الورديّ عنهما، ما انفكَّ يطلبُ مواعَدتي، رغمَ أنِّي رفضتُه مِرارًا وتكرارًا، لكنَّه صديقٌ جيِّد.
جلسَ طاقم العَمل من ضمنهم أنا على المقاعد المصفوفة بعناية أمامَ طويلة عريضة، تحدَّثنا عن أحداث الفلم، عن التَّصوير، والمشاكل الَّتي واجهتنا، كذلك أجبنا على الكثير من الأسئلة المتطفِّلة، وبعد نصف ساعة نلنا حريَّتنا. سبقت الجميعَ خارجَ القاعَة مقتفيةَ شعور النّقص الَّذي التهم دواخلي، تمنَّيت لو أنَّ بيكهيون ليشهد نجاحي.
" هل يُمكنني الحُصول على توقيعك، آنستي؟ "
ثبّـطت الجاذبيَّة تقدُّمي، شعرت أنَّها ارتفعت فجأة، عندما تذكَّر جسدي كيفيَّة الحركة استدرت إلى الوراء، ورأيتُه محاطًا بهالته الغامِضة، الَّتي تُسرُّ الكثير من الحقائق، يرتدي ثيابًا سوداء، لحظتها نسيت كامل دواوين العتَب الَّتي جهَّزتها له، وقفزت في حضنه، مثل يائس من الحياة لم يتردَّد في الموت بين خلجان البحر.
" قلت أنَّك لن تتأخَّر، لماذا غبت كلّ هذا الوقت؟ أراهن أنَّك استطيبت قوام الفتيات هناك، لذلك نسيت التَّواصل معي. "
" قابلت فتيات فاتنات، خاصَّة البرازيليّات. "
لكمت صدرَه بخفَّة، والمياهُ تتقاطَر من مقلتيّ مدرارًا.
" غليظ. "
" أذكر أنِّي أخبرتك عن عودتي تزامنا وصدور الفلم، ما يعني أنِّي قد عدت أبكر ممَّا وعدت! "
حطَّ كفّه على رأسي وطبطب عليه برفق.
" كم أنا رائع، ومراعٍ، عليك الحفاظ عليّ. "
سكبت كامل سخطي على ترائبه، دون أن يمانع، جليّ أنَّ وقع قبضتيّ عليه، كوقع قطرة النَّدى على التُّراب، غير محسوس. سرعان ما سيطر عليّ الإرهاق واكتفيت بالاندساس في كنفِه، حتَّى أزعج خلوتي.
" هل تشربين معي؟ "
أطرقت رأسي موافقه، وما تفوَّهت ببنت شفة. قصدنا ذات الحانة الَّتي شهدت على أولى قبلاتنا، قبلة خارجة عن السِّيناريو، حقيقيَّة. تحدَّثنا كثيرًا، عن مواعيد ما لبَّيناها، وعن أحداث شيِّقة فوَّتناها، لمسةٌ وحيدة من يده اختصرت كُلّ ما رغب في قوله، ولم تُنصِفه الكلمات.
خلال أسبوع وحيد حسمت قراري بالانتقال للعيش معَه ريثما أفرغ من الجامعة، وأستطيع الاستقلال بنفسي، قد أعيش برفقته إلى الأبد ما دام الشَّغف بيننا مُتَّقدًا. منذ قليل اتَّصل بي تشانيول، ونعى لي نبأً مُفزعًا، حياة المشاهير خانقة، نحن محبوسون في زجاجة عالقة بين يديّ المعجبين، لو أطلَّت رؤوسُنا من فوهتها قُطعت. خرجت إلى الشُّرفة، حيث كان بيكهيون واقفًا، يراقب ناطِحات السَّحاب، دون أدنى شعورٍ بالخطر، أنَّبني ضميري لأنِّي على وشك تدمير رائحتِه وملء فكره.
" لقد رصدتنا ديسباتش في الحانَة، وهُم يتفاوضون معَ وكالتنا. "
تزعزعت تقاسيمه لوهلةٍ ثمَّ استقرَّت مجدَّدا، قضى في هذا الوسطِ سنوات عدَّة، لا ريب في أنَّه معتاد على مثل هذه الإشاعات.
" لدينا الكثير مِن الدّاعمين الَّذين يودُّون رؤيتنا معًا على أيّة حال. "
عانقت السَّكينة محيَّاه، قبل أن تصطاد يداه خصريّ بغتة؛ حدسي أخبرني أنَّ الإشاعة قد راقت له، وها هو ذا يوثِّق شكوكي، بصوتٍ لعوب.
" ما رأيك في أن نلتقط سيلفي، ونخبرهم أنَّ شملنا قد التأم ثانيةً، ونؤكِّد الخبر! "
كانت المرَّة الأولى الَّتي يعترف فيها بعلاقتِنا جِهارًا!
تظاهرتُ بالنُّفور، وحاولتُ التخلُّص من قبضته، كلَّما شارفت على النَّجاح، أعدم جهودي، فأنا لا أضاهيه قوَّة... ضحِكت:
" التورُّط في إشاعة مع ممثل أفلامٍ إباحيَّة سابق، لا يصبُّ لصالحي. "
همسَ بعدَ أن ردَم ابتسامتي بشفتيه.
" ليست إباحيَّة، بل للبالغين. "
-
رواية اخرى اشيعها الى حضن النهاية 😭
مو مصدقة اني هذا الشهر خلصت روايتين تعري والحين للبالغين 💔
اي هوب انها كانت خفيفة على قلوبكم وانكم حبيتوها 😎😎😎
تحية من ممثل أفلام البالغين بيكهيون، والعفيفة هيجين 😂
القاكم بأعمال أخرى، دمتم لي 🍀
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top