الفصل| 1
كثيرًا ما تُحرِّف الحياةُ الأثاثَ الكامِن وراءَ البابِ الَّذي انتقيناهُ ونجحنا في عُبوره فتُعبِّقُنا الخيبة.
كثيرًا ما تحرِفُ المسارَ الَّذي خُضناه عن موصِله المُقرَّر والمُنتَظر ليودِي بِنا إلى مُستنقعٍ شنيع.
وكثيرًا ما تكسِر أجنِحتَنا، ثُمّ تدفعُنا في هاوِية الحُلم الِّتي تاقَت لها أنفُسنا يومَ وسِعها التَّحليقُ بطلاقَة، فتغدو كابوسًا نستميتُ لمُبارَحتِه!
كذلِك وجدتُني أتخبَّطُ في غياهِب القُنوطِ بعدَ مُهلةٍ مِن الحُبور؛ هِي فترةٌ وجيزة خِلتُ فيها أنِّي قد عبرتُ دربَ الأملِ وصبوتُ غايَتي المنشودةِ أخيرًا، كما لو أنَّها اعتِذارٌ سابقٌ لأوانِه مِن الحياةِ على ما سوفَ تُلحِقه بي مِن أذيَّة لاحِقًا!
كانَ يومِيَ الموعودُ متأنِّقًا بأبهى ما لديه كأنَّه على أهبةِ الاستِعداد ليزُفَّني إلى حُلمِي، فزُرقةٌ ثوبِه نافست زُرقةَ الأعيُن الأجنبيّة الَّتي لطالَما تغنَّى بِها الملأ، كذا خصلاتُه الشّقراء الَّتي انسَدلت على الأرض بدماثَة، ودِفء بسماتِه ولمساتِه.
أملتُ أنِّي سأتجاوزُ تجربَة الأداءِ هذِه المرَّة، رغمَ قُدراتي المُحتشمة، لذلِك اتَّجهتُ إلى المبنى المحدَّد انعِقادُها فيه، وهُو عِبارةٌ عن مسرحٍ صغير. لم أعثُر في غُرفةِ الانتِظار سِوى على أربعِ فتياتٍ ذواتِ مظهرٍ مُبهرج، وثيابٍ فاضِحة، لم أولِهنَّ أيّ اهتِمام، وشرعتُ في التدرُّب على مقطَعي، إلى أن أعلَن المُنظِّم عن المُتقدِّمةِ الرّابِعة؛ أنا!
زففتُ خطواتِي نحوَ القاعةِ برهبة، وما إن شارفتُ عليها حتَّى صنعتُ في السِّتار العُنّابِيّ شقًّا يُخوّلُني إلقاء نظرةٍ إلى الداخِل، حيثُ لمحتُ رجُلًا وحيدًا يتوسَّطُ الصفَّ الأوَّل، مُوازِنًا بينَ يديه رُزمةً مِن الأوراق، أفترِض أنَّها سِيَرُنا الذَّاتِيّة.
" فلتتفضَّل جيون هيجين. "
ورَدني صوتُه الوئيد، فانتفضت راياتُ مسامِي لفرطِ التوتُّر، سُرعانَ ما دُسته ومضيتُ إلى عُقر القاعَة، ثُمّ بالغتُ في الانحِناء.
" أنا المُتقدِّمة حامِلة الرَّقم أربَعة، جيون هيجين، مُقبلةٌ على العشرينات، طالبةٌ جامِعيّة في السَّنة الأولى، مُنتسبةٌ إلى كُليّة إدارةِ الأعمال. "
ضحِك قائِلًا: " استرِح أيُّها الجُنديّ. "
وقفتُ بخجلٍ وللهربِ منه تحجَّجتُ بتعديل الشّارَة المُثبّته بصدري، والَّتي تحمِل رقمي، يليها فستاني الحالِك، وحينَما طالت مُحاوَلاتي الفاشِلة في سترِ فخِذيّ، خاطَبني بلهجةٍ ودودَة.
" لا يُعقَل أنَّكِ لستِ مُستعدّةً بعد! "
" بل لستُ مُعتادةً على الفساتين الضيِّقة، استغربتُ كثيرًا عندما قرأت أنَّكم تشترِطون على المُتقدِّمات نوعًا محدّدًا مِن الملابس، فقد خُضت عدَّة تجارُب ولم يسبِق أن صادفتُ مِثل هذا الشَّرط!"
خطت عدستاه بجرأةٍ على مُنحنياتي.
" لأنَّنا نبحثُ عن معايير مُعيَّنةً ينبغِي أن تنطبِق على مَن ستتقمَّصُ دورَ البطلة. "
أضاف بعدما هدى نظراتِه إليّ.
" أرِني ما حضّرتِه "
استغرقتُ بُرهةً لأشطب الغباء مِن وجهي، وأشذِّب شخصي مِنِّي، وبطريقةٍ ما خَدم توتُّري مشاعِر الخوفِ الَّتي تحتَّم عليّ استِعراضُها حينَما تقهقرتُ إلى الوراء، كما تقهقرت أسيرةُ الورَق الَّتي زُرتُها مِرارًا وتكرارًا لمُدَّةٍ أسبوعٍ كامِل.
سجَدت عينايَ على الخشبَة، وبارتِفاعِهما أكمَد الجوّ كما لو أنَّ الكآبة التَهمت ألوانَه، وتجسَّد لي رجلٌ ذا بُنيةٍ ضخمَة مِن نسجِ عقلي، ليُدغِمَني في المشهد، حيثُ تتعرَّض ' البطَلة ' لمُحاولةِ اغتِصاب في غُرفتِها مِن قِبَل زوجِ والدتها.
هُو أوَّل مشهدٍ مِن الفِلم، والوحيد الَّذي تمَّ إدراجُه في الموقِع، كامتِحانٍ مُوحَّد.
نزفتُ خُطوةً أُخرى بينَما أرتعِش كصَداي.
" ما الَّذي تفعلُه بغُرفَتي في مِثل هذا الوقتِ المتأخِّر؟ "
وفي لحظةِ مقتٍ مغرورةٍ فقدتُ السَّيطرة على لِساني، مِثلما تطلَّب الموقِف.
" أخبرتُكَ مِرارًا وتكرارًا أنَّك لن تنالَني مهما استمتَّ في المُحاولة، فقلبي لا يسعُ مفهومَك، وجسَدي يقشعرُّ تقزُّزًا لمُجرَّدِ مُطارحتِك ذاتَ المكان. "
نزحتُ على عجلٍ إذ وعيتُ أنِّي قد زِدتُ الطّينَ بِلّة، أوصدتُ جفنيّ بخشونةٍ حينَما التفَّت أصابِعُه الوهمِيّةُ حولَ تلابيبِ فُستاني، وتحشرجت.
" حتَّى ولو لم أكُ أعنِي لكَ شيئًا، ولا تراني سِوى وجبةٍ دسمة لإشباعِ رغباتِك فلتُفكِّر بزوجتك الَّتي تكُنُّ لكَ مشاعِر حقيقيّة، حدّ تفريطِها في ابنتِها لأجلِك. "
انهرتُ على الأرضِ بخور بعدما رمَتني يداه، كالبَطلة الَّتي كلَّفها النَّظرُ إلى ملامِحه المُشبعةِ بالرّغبة قواها كامِلة، وبيأسٍ لفظتُ آخر ما بدَر لها.
" أرجوكَ لا تدنُ مِنِّي. "
استقمت، وهندمت حوافَ الفُستان، ثُمَّ مسحت دموعي وترقَّبت بلهفةٍ عُربونَ أملٍ مِنه، لم يتوانَى في مَدِّي بِه.
" عملٌ جيِّد. "
عُدت إلى المنزِل وفي فُؤادي إحساسٌ مُنعش، وحدسٌ خانِق.
أسبوعٌ قضى نحبَه في سبيلِ الانتِظار، ولم أتلقَّ ردًّا مِن أحدٍ حتّى الآن. كُنت أتجوَّل برفقةِ شريكَتي في السَّكن بينَ مُفترقاتِ الحرمِ الجامِعي، وما انفكَّت الشَّقراء جينسول تُثرثِر.
" أفلام بيكهيون جميعُها تستحقّ المُشاهَدة فجسدَه تعقيم بصريّ مجانيّ، هل رأيتِ عضلات بطنه، وعرض كتفيه؟ "
نظرتْ إلى الأمامِ بجديّة.
" بقاء كُلّ تِلك الفِتنة مُتخفِّية تحت الثّياب سيكون هدرًا، لقد وُلِد ليتعرَّى! "
حرارةُ ذِكراه كانت كفيلةً ببثِّ الحُمرة في خديّ.
" توقَّفي عن التحدُّث كالمُنحرفين. "
" لا تتصنَّعي دورَ العفيفةِ أمامي كأنَّك لم تولَعي بجسدِه أيضًا. "
لقد ادَّعت بالأمسِ أنَّها ستُعرِّفني على الفُنون السّريريَّة كوني أكادُ أدخُل العقد الثانِيَ مِن العُمر ولا أزالُ جاهلةً بذلِك الخُصوص، وأرغَمتني على مُشاهدةِ فِلمٍ إباحيّ، بطلُه بيون بيكهيون، وما تزالُ لقطاتُه عالقةً برأسي كأيِّ شيءٍ قذِر!
عقفتُ شفتيّ باشمِئزاز.
" تعلَمين أنِّي لا أُفضِّل سوى الجُزءَ العُلوِّي لأجسادِ الرِّجال. "
" هل تظنِّين أنَّ الرِّجالَ دجاج لتستبيحي اختيارَ جُزء مُعيّن مِن أجسادهم! "
لم يتسنَّى لي الردّ عليها إذ ورَدتني رِسالةٌ على هاتِفي المتدثِّر بجيب سُترتي الرفيعة، فتحتُها بتلكؤ، فجحظت عيناي، وما هضمتُ مُحتواها.
' يسرُّنا إعلامُكِ أنَّه قد تمَّ قُبولِك لدورِ البُطولة في فيلم أمير اللَّيل، فلتتفضَّلي إلى مبنى الوكالَة يومَ الغد لمُناقشةِ تفاصيل العقد. '
تلفتُّ إلى جينسول بتصلُّب.
" لقد تمَّ قُبولي. "
-
أزهقنا عُمرَ الصَّباحِ برمّتِه في تنسيقِ ثيابِ المُقابَلة، بالنِّهايةِ رسا خيارُنا على بلوزة ورديّةٍ تعكِسُ الورود المتَناثِرة بينَ أرجائِها نعومةً جليلة، وبنطلونًا أبيضَ اللّونِ كمِنصّةٍ تُخوِّلها أن تتألَّق، سرَّحتُ شعري على شاكِلةِ ذيلِ حِصان ثُمّ استقللتُ سيَّارةَ أجرةٍ إلى العُنوان الَّذي ورَد ذِكرُه في الرِّسالة، وكم استغربتُ انزِواءَه في شارِعٍ موحِش!
سكنت السيَّارة قُبالة المدخلِ الزُّجاجيّ لما يفترضُ أنَّها الوكالة المسؤولة عن الفيلم، كانت محصورةً بينَ هيكليّ عِمارتين غير مُكتملتيّ الإنشاء. ولجت المبنَى بتردُّد، ثُمّ جلستُ إلى طاولةٍ مركونةٍ في الرُّدهة بانتِظار المُستضيف، حتَّى حلَّ.
" لم تنتظري لوقتٍ طويل، أليس كذلِك؟ "
وثبتُ على قدميّ، واستدرتُ إليه، توقَّعتُ أنِّي سأُقابِل وجهه، لكِنَّ بطنه هِي الَّتي استقبلتني، نتيجة طولِه الفارِع، رفعت رأسي بضعة درجات لأتمكَّن مِن إدراكِه، ونفيتُ بيديّ.
" على الإطلاق، لقد وصلتُ للتوّ."
" أنا المُخرِج بارك تشانيول. "
مدَّ ذراعَه صوبي فصافحتُه باندِفاع، كان يفترضُ أن أتنحَّى عنه بعدَ زمنٍ قصير، لكنَّ رؤيتي ليدِه اليُسرى متشبِّثةً بدُفعةٍ مِن الأوراق الَّتي يؤلِف بينها مشبكٌ صغير شرَّدت عقلي مِن العالم.
وبقيتُ ماثلةً أمامَه كالجَمادِ حتَّى انفصلت يدُه عن كفِّي، واتّشحت سماؤه الجديَّة. سرعان ما قعَد واضعًا العقدَ على الطَّاولة وأومأ لي باقتِفائِه، فامتثلتُ على الفور، متحرِّقةً للخوضِ في الموضوع.
" مِن حقِّك معرفة مِحور الفيلم، ولكِن لا يسعُني عرضُ النصِّ أمامَك قبل أن تقومي بتوقيعِ العقد، لذلِك سأختصِر قصَّته لك."
" لا داعيَ لذلِك، كلُّ ما يهمُّني أنِّي سأستطيعُ مبارحةَ قوقعتي أخيرًا. "
قرَّب الأوراقَ مِن مضجع كفيّ قليلًا.
" هذا هُو العقد، يُمكِنك الاطِّلاع عليه ومُراجعة الشُّروط. "
" سأُوقِّعه في الحال، لستُ مصدّقةٍ أنِّي أحمِله بينَ يديّ أساسًا. "
قهقهتُ ببلاهةٍ بينَما تستحوِذ يداي على الأوراق كأنِّهما لو تأخّرتا قليلًا فستُفلِت الفُرصةُ منهما. تناوَلت القلمَ مِن حوزَة أنامله، ووقَّعتُه، ثمَّ مرّرتُه إليه حتَّى يضفِيَ عليه لمستَه الأخيرة.
" المُمثِّل الرَّئيسيّ حاضِر، وهو يتوق لمُقابلتِك، فلنذهب. "
وخاتِمتُها ابتِسامة.
أو ذلِك ما خِلتُه، فما كاد أحدُنا يهجُر موطئ قدميه حتَّى انضمَّ إلى شملِنا مِن دُبُري طرفٌ ثالِث.
" إذًا هل عثَرت على الفتاة الَّتي ستجعلُك راغبًا في خلعِ الفُستانِ عنها بمُجرّد ما تلمحُها؟ "
انعطفتُ نحوَ نبعِ الصَّوت فإذا بِه نجمُ الأفلامِ الإباحيّة بيون بيكهيون بشحمِه ولحمِه!
رمشتُ عدَّة مراتٍ لعلّ شفراتِ جفنيّ تَسلخُ وجودَه إربًا إربا حدَّ الاندِثار، لكنَّ عيناي لا تزالان ممتلِئتين بهيئتِه المُبعثرة الَّتي لا تُفارِق عتبةَ الموضة، فناصيته غارقةٌ في خصلاتِه السَّوداء المجعَّدة، جوهرتاه بلونِ الكراميل مؤطرتان بطبقةٍ رفيعة من الكُحل، وبدنُه مطمورٌ بسرابيل متناغِمه الصَّبغات، قميصٌ رماديّ مُسطَّر بالأبيضِ الغليظ، سترة تفوقُه قتومًا، وبنطلون مِن الجينز، بِه خدوشٌ وقطوع.
بعُسرٍ قهرتُ سكوني، وهتفت.
" يا للهول؟ ما الَّذي تفعلُه هُنا؟ "
بأذُني سال نغمُه المألوف، مذ أنِّي أصغيت إليه البارِحة لما يُقارِب السَّاعتين!
" وما الَّذي سيفعلُه المرء في وكالتِه؟ "
" اوه، بيكهيون هو المُمثِّل الرَّئيسيّ. "
نطقَ المُخرج يفضُّ اللُّبس بيننا، ويا ليتَه ما نطَق.
حيثُما تواجَد بيكهيون، تواجَد المُجون.
لقد قُضِيَ عليّ!
-
هلاو خفافيشي 😂
عم فكر غير لقبكم وخليه شياطيني 🌚 طبعا ما بقصد الاهانة لاني لوسيفر 😂😂
رأيكم بالفصل!
تشانيول!
هيجين!
بيكهيون!
شو رح تعمل هيجين بعد هالمصيبة!
رأي بيكهيون بالموضوع!
كل الفصول رح تكون بهذا الطول اكيد 😎
بستشيركم بشي، شو رايكم خلي اسم القصة أمير اللّيل! او بتركو للبالغين!
سي يو 🍀
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top