(24)

      بقلم : نهال عبدالواحد

كان سليم الإبن قد استلقى وغط في نومه بعد محاولاته العديدة في التحدث أو مراسلة رقية بدون جدوى حتى أنه قد نام بملابسه.

وفجأة رن هاتفه فانتفض فوجد عمه هو المتصل فأجاب مسرعًا؛ فقد خشى أن يكون أحد والديه قد أصيب بمكروه.

فأجاب بسرعة: أيوة يا عمو، ماما ولا بابا حصلهم حاجة!

-  لا اطمن، في عملية دلوقتي ضروري، أنا رايح عل مستشفى تكون عندي مسافة السكة.

- حاضر.

تنهد وأغلق الخط، ثم نهض يبدل ملابسه فإذا بصوت رسالة على هاتفه، أسرع يفتحها، وإذا بالرسالة من رقية.

« بعد ما راجعت نفسي كتير وأقنعتها إنها ترد عليك، هعمل إيه ف خيبتي »

فابتسم ابتسامة عريضة وأمسك بالهاتف واتصل بها: أيوة يا عمري، مين اللي يقدر يقول إنك خايبة؟!

- ما هو لما تلطعني كل ده وما تعبرنيش و أول ما تكلمني أرد عليك وما بآش عارفة آخد موقف أبقى خايبة وهبلة واستاهل اللي يجرالي.

- وحشتيني.

- والله!

- والله! ومستعد لأي حاجة تعوزيها وتخليكِ تسامحيني.

- طب اديني وقتي.

- لا بسرعة أنا مستعجل و ورايا جراحة.

- وعمال ترغي!

- كنت فقدت الأمل إنك تردي عليّ ولما لاقيتك بتتصلي ما صدقت.

- على فكرة أنا كنت بتصل عشان أسأل عن عمتو سلمى.

- لا والله!

- أمال إنت فاهم إيه!

- طب هعمل نفسي مصدقك.

- طب روح للجراحة اللي وراك دي حياة ناس برضو.

- يسلملي قلبه الحنين!

- لا إله إلا الله.

- سيدنا محمد رسول الله.

أغلق الهاتف، تنهد براحة، ذهب يبدل ملابسه ذاهبًا للمشفى، بالفعل وصل لهناك، تفاجأ بوجود وليد، عز، أدهم و يحيى وأن المريضة هي زوجة وليد و مطعونة!

ليس هناك متسع من الوقت ليسأل ويفهم الأحداث، ذهب مسرعًا يبدل ثيابه، دخل غرفة العمليات مع عمه.

كان وليد وعز في حالة من الإنهيار، لا يصدقان ما حدث رغم أن عمر قد طمأنهم أن مكان الجرح ليس عميق بدرجة مريبة، لكنها قد نزفت الكثير.

مر الوقت كأشد ما يكون على المنتظرين، فهاهو عيب الإنتظار.

بعد فترة خرج عمر وسليم ليطمئنوا الجميع على حالة شفق، وأنه يمكنها الخروج إلى غرفة عادية لكن ستبقى تحت الملاحظة.

ثم قال عمر لأدهم ممازحًا: واضح إن في لعنة بتصيب زوجات مديرين الشركة دي، خلي بالك على ماما أحسن تيجي تشرف جنبيهم.

ابتسم أدهم بنصف إبتسامة، فنظر عمر له متسآلًا: دمي تقيل للدرجة دي!

صاح يحيى بفزع: شفق وندى اتخطفوا.

تابع عمر: ندى مين؟! آااه المزة اللي جت تزور سليم لما كان لسه عامل العملية.

فنظر له أدهم بتحذير فضحك عمر ثم قال: يعني إيه اتخطفوا!

نبس وليد بغضب: هو الكلب مصطفى عايز يقهرني عل الإتنين عشان حبسته زمان، بس وديني ما هسيبه، أطمن بس على شفق.

ثم قال بهلع: طب وبنتي!

وبدأ يبكي وليد بحرقة شديدة.

تحدث أدهم: اطمن حضرتك، كله هيبقى تمام.

صاح يحيى بإنفعال: تمام إزاي؟! وما نعرفش هم راحوا فين! والزفت ده هرب ما عرفناش نقطره.

تابع أدهم: ما تخافش، هرجعهم في أسرع وقت.

قال يحيى: أنا مش هسيبك ولا ثانية لحد ما نعرف مكانهم.

ثم قال بحرج: ما زي ما انت شايف لا عمو ولا عز هيقدروا يسيبوا طنط ويروحوا ف أي حتة وأنا لازم أبقى جنبهم.

فنظر عمر لسليم وغمز له.

أما سليم الأب فمنذ أن دخل غرفة سلمى النائمة وهو واقفًا أمامها يتأملها بشوقٍ ولهفة، يتمنى لو تسامحه ويعودا معًا كما كانا.

اقترب، جلس جوارها في هذا الفراغ الصغير في فراشها، نثر بعض من عطره المميز ونثره حول أنفها وعلى كتفيها، رقبتها، جبهتها وأمسك بيدها و مدد جسده جوارها ولازال متأملًا لها.

يحدّث نفسه أن كل شيء سيكون على مايرام، فقد خُلقنا لبعضنا بعضا، فالذي جعلني أسقط بحب فتاة لا أعرفها ولم أراها إلا في أحلامي، وأظل أبحث عنها أعوام وأعوام حتى أجدها، ثم تعشقني لحد الجنون لدرجة تنتظرني أعوام وأعوام دون أن تعرف عني أي شيء ولا حتى اسمي، ثم تكون نصيبي، نتزوج، نختلف، نفترق ونعود، فبعد كل هذا مؤكد سنعود لأن أقدارنا قد ارتبطت معًا.

أنتِ تعرفيني جيدًا يا سلمى بل تحفظيني، تعرفي مقدار حماقتي وتصرفاتي الغبية، كل مرة تسامحي وتصفحي، فلماذا هذه المرة؟

لم يعد لنا ملاذًا سوى بعضنا بعضًا، ليس لكِ مكانًا سوى بين ذراعيّ، وليس لك وسادة إلا فوق صدري، فلأين ستذهبين؟

ثم أسند بخده على خدها وأغمض عينيه.

بعد قليل طرق الباب ودخل سليم الإبن فانتفض أبوه وصاح: جري إيه يا كلب البحر انت!

- والله خبطت يا بابا!

- جاي ليه؟ إيه سر طلعتك البهية الساعة دي!

- رقية قبلت إعتذاري واتصالحنا خلاص.

- الله يكون ف عونها جابته لنفسها! ده كنت عايز أذلك شوية وأربيك شويتين، وما استنيتش للصبح ليه بدل ما تيجي تصرعني وش الفجر؟!

- لا حضرتك، ده أنا كنت جاي عشان عندي جراحة ولما خلصتها قولت أعدي.

- وأديك عديت، يلا هش من هنا.

- مش تعرف مين؟!

- إيه! حد نعرفه!

- مرات عمو وليد، شريكك ده.

- ليه سلامتها؟

- دي طعنة ف بطنها، بس جت سليمة الحمد لله.

اتسعت عيناه بصدمة وصاح: يا ستار! ليه كده؟ ومين اتجرأ و عمل كده؟! ده وليد ما بيتحركش غير بحراسة ولا رئيس الوزرا!

- وهو اتحرك من غيرها إنهاردة، وبيقولوا كمان إن بنته و واحدة تانية، ندى معرفة أدهم اتخطفوا.

اعتدل جالسًا وصاح بصدمة: انت بتقول إيه!

ثم نهض سليم واقفًا وقال: وفين وليد دلوقتي؟!

- ف الأوضة اللي جنبك، ده حتى عمو عمر بيقول لأدهم الشركة صابتها لعنة وخلي بالك من ماما.

وقهقه سليم الإبن، فنهره أبوه وقال: هو البعيد جِبلة للدرجة دي! ف الأوضة اللي جنبي و عمال تقهقه! إوعى كده غور من خلقتي.

- طب اطمن على ست الكل.

- ما هي نايمة أهي أدامك يا رزل، يلا هوينا من هنا، هشوف وليد وارجعلها تاني.

- أنا هروح أصلًا، نفسي أنام.

- روح نام يمكن يطلعلك عقل!

فضحك الإبن مقبّلًا وجنتي أبيه، وخرج وخلفه أبيه مغلقًا الباب خلفه، ثم طرق باب الغرفة المجاورة، وبعد قليل خرج له وليد متورم العينين من أثر البكاء، وما أن رأى سليم حتى تعانقا.

همس سليم: إيه اللي حصل ده!

- مش عارف مالها اتطربئت كده! الحمد لله! يا رب انعم عليّ برجوع شفق!

-  آمين! ربنا يطمنك! وإيه أخبارها؟

- عمر طمني الحمد لله! هي نايمة دلوقتي خليها تصحي على مهلها، مش حمل صدمات، آه لو عرفت ! بصراحة عمر و سليم قاموا بالواجب وزيادة، ربنا يباركلك فيهم!

- ما تقولش كده عيب عليك.

- وسلمى!

تنهد سليم قائلًا: لسه نايمة.

- ربنا يصلحلك الأحوال! هدخل أنا وارجع انت.

وعاد كلًا منهما لزوجته، جلس وليد جوار شفق النائمة، عينيه عليها ممسكًا بيدها من حينٍ لآخر و يقبلها، يدعو الله من داخله أن يشفيها وأن تعود إبنته له بدون أي خدش، كم يتمنى لو كان استطاع و أمسك بذلك المصطفى ليقتلع روحه من مكانها!

ثم ابتسم لشفق، طيلة حياتك تتمتعين بطيبة وصفاء نية لا مثيل به، كأن ملائكيتك تغلب عليكِ، كيف بعد كل ما فعله ذلك الأخ تسامحيه؟!
كم أود لو سحبت منه لقب أخ!
كم أتمنى أن أطلب منك أن تدعين بسلامة عودة شفق، لكني أخشى عليكِ من أثر الصدمة.

ثم سمع أذان الفجر، نهض وتوضأ هو و عز إبنه وصليا معًا، ثم جلس وليد يقرأ ورده، ثم لمعت عيناه دمعًا وقال: أول مرة من سنين طويلة أقرأ وردنا ده من غيرها، كانت تقولي إقرأ ورد ف المسجد مع أهل المسجد و خلي ورد تاني لي أنا وانت.

ثم قال: عارف أحلى حاجة بجد إنك تلاقي واحدة تكمل الناقص فيك، مش مجرد واحدة حلوة ولا واحدة تحبها وخلاص، واحدة يبقى انت ناقصك شيء وتلاقيه عندها حتى لو عكس بعض ف حاجات كتير، وحتى لو كل واحد له تخصصه و تفكيره المختلف تمامًا عن التاني، لأن اللي بيكملك لو غاب عنك هتحس بحاجة نقصاك، مش هتعرف تعيش من غيره ومن غير وجوده ف حياتك.

شرد عز قليلًا وهو يتذكر أميرة المختلفة عنه تمامًا، كانا كثيرا المشاكسة، لكن منذ أن غابت عنه، شعر بشيء ينقصه، ذلك الشيء الذي لم يكتمل إلا معها......


NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top