(٨) أخـيـرا وجـدتـهـا
ما هو شعورك حينما توشك على أن تدرك شيئا ما ثم تجد أن هناك شيئا آخر قد قفز فجأة ليحيل بينك وبينه؟
شعور سيء حد الفظاعة. كان ذلك هو شعور محمد حينما لف المجرم شيئا ما على عنقه ناويا القضاء عليه خنقا كما فعل مع نجيب
حاول نزع ذلك الشيء الذي أوثق خناقه على عنقه فلم يستطع، هل تتساءلون لمَ لمْ يفعل شيئا آخر غير ذلك؟ على سبيل المثال يحاول ركل المجرم أو ما شابه؟ حسنا الأمر يتعلق برأس الخطر الذي يواجهه، إنه ذلك الشيء الذي يحكم عصر عنقه الآن، لذا من الطبيعي له أن يسعى إلى إبعاده كونه رأس الخطر والخطر كله
وحينما وجد محمد أن كل ذلك لا يجدي نفعا قرر أن يترك شيئا ما يدل على المجرم، لم يكن بيده شيء سوى أن يقوم بترك خدوش بأظافره على أي مكان يظفر به من جسد ذلك المجرم، وبينما هو كذلك وفي ظل تلك اللحظات العصيبة سمع صوت صديقه حسن يناديه، ارتبك المجرم ثم تركه وفر هاربا
ما إن أطلق سراحه حتى انهار جسده أرضا، سقط جاثيا على ركبتيه وأخذ يسعل بشدة، وصل حسن إليه فهاله ما رأى، لم يعد لديه ضوء، وجاثيا على ركبتيه، ويمسك عنقه ويسعل بشدة، أما وجهه فقد امتقع حُمْرة، ثم أخذ يلتقط أنفاسه بصعوبة
ركض حسن نحوه كالمجنون وأمسك بكتفيه قائلا بقلق:
_ماذا حدث؟ لمَ أنت بهذا الوضع؟
مرت بضع ثوانٍ استطاع محمد بعدها أن يسيطر على نفسه جزئيا، كان ذلك مطمئنا لحسن قليلا بعد كل الخوف الذي انتابه وهو لا يعلم ما الذي حدث، وحينما هدأ تماما طلب من حسن أن يعودا إلى المنزل فورا
أخذ حسن بيد صديقه ولفها على كتفيه وأسنده عليه، وسار به حتى وصلا إلى المنزل، وكان بعض المشتبهين لا يزالون في الخارج، منظره كان كافيا لإفزاع من رآه من رجال الشرطة، لكن أحدهم لم يغادر مكانه فقد كانت الأوامر واضحة: يجب عليهم البقاء في أماكنهم التي حددها المفتش
صعد به حسن إلى تلك الغرفة التي مكثا فيها ليلة البارحة، وبعد وصولهما الذي بدا كرحلة طويلة تأبى الانتهاء في نظريهما تمدد محمد على سريره وغطى عينيه بيده
بدا متعبا كما لو أنه خرج من معركة، في الواقع ما حدث يستحق أن يسمى معركة فقد كان على شفا حفرة من الموت، لم يطرح عليه حسن أي سؤال آخر، كان واضحا بالنسبة له أن هناك من حاول قتل صديقه خنقا، لكن تدخله أفسد الأمر عليه، لكن لمَ يحاول أحدهم قتله؟ ربما اكتشف أمرا ما؟ تساءل حسن في سره ولم يبدها لصديقه
مر بعض الوقت حتى نهض إلى قرب النافذة ثم تساءل إن كان أحد الشرطة قد أبلغ المفتش بما رأى، لكن لم يرَ أي شيء يدل على ذلك، همس لنفسه: سأذهب لأطلب من الجميع العودة إلى المنزل، أو سأطلب من المفتش جمعهم
فكر قليلا في قراره ثم نظر إلى محمد بعد أن نبهه عقله لأمر ما، فحدث نفسه بخوف:
_لكن ماذا لو قرر ذلك الشخص مهاجمة محمد ثانية؟ سأكون قد منحته الفرصة للنيل منه
كان ضوء الشمس قد ملأ الأفق لكنها لم تشرق بعد، فتح حسن النافذة حينما رأى أسامة قادما، ثم رفع صوته قائلا:
_أسامة اطلب من المفتش أن يجمع الجميع داخل المنزل فورا
نظر إليه أسامة باستغراب ثم سأل مستفسرا:
_لماذا؟
كان حسن يرى أن هذا القرار قد تأخر كثيرا لذا مزيد من التأخير سيكون في صالح المجرم لا أكثر، صرخ بأعلى صوته:
_لا تسأل الآن، نفذ فقط وستفهم كل شيء فيما بعد
أخذ أسامة يحث الخطى نحو المفتش لإبلاغه بالأمر، فسارع المفتش إلى تنفيذ ذلك في الحال، وما إن وصلوا حتى أسرع بالصعود إلى الطابق العلوي ليسأل عن السبب، في الواقع لقد أبلغه أحد رجاله بما رأوا بعد أن شرع بجمع المتهمين للعودة إلى المنزل
فتح باب الغرفة دون سابق إنذار أو طلب استئذان ليصدمه منظر محمد الذي لا يزال على الوضعية التي اتخذها بعد دخوله، كان حسن يجلس على سريره الذي يقع تحت النافذة، وسرير محمد بجانبه من ناحية الباب، يقع الباب في الجهة المقابلة للنافذة ما جعل حسن يدرك فورا هوية المقتحم للغرفة، كان ينوي توبيخه على ذلك الدخول المفاجئ، لكن ماذا يفعل الآن وهو يرى المفتش أمامه بشحمه ولحمه؟
تقدم المفتش عدة خطوات حتى بات واقفا على رأس محمد، انحنى إليه قليلا فرأى آثار خدوش على عنقه تدل على مقاومته للخنق من قبل شخص ما، كان يريد أن يسأل: ماذا حدث؟ لكنه تصرف تلقائيا تحت تأثير الصدمة، إذ مد يده مباشرة ليضعها على عنق محمد محاولا التأكد من أنه لا يزال على قيد الحياة عبر جس نبض تلك العروق الساكنة هناك
فوجئ بيد محمد التي وضعها على يده، ثم أبعد يد المفتش ببطء قائلا:
_أنا بخير أيها المفتش لا داعي لذلك
سُرَّ المفتش برؤيته حيا لكنه صدم من سماع صوته الذي أصبح مبحوحا، وكذلك هو حال حسن الذي قفز من سريره متجها نحوه وهو يقول:
_يا إلهي إنك لست بخير أبدا
نهض محمد جالسا، ثم عدل جلسته وقال مؤكدا:
_بلى أنا بخير
كانت علامات القلق لا تزال واضحة جلية على وجه حسن، كيف لا يكون كذلك وقد كاد أن يفقد أعز أصدقائه قبل قليل؟ حاول محمد بث قليل من الطمأنينة في قلبه بالقول:
_شكرا لك يا حسن تدخلك أنقذني في آخر لحظة
ابتسم ابتسامة ذات مغزى وأكمل:
_قدومك إلى هنا كان مفيدا بعد كل شيء
بادله حسن تلك الابتسامة بعد أن فهم قصده، هو قال أنه ما كان عليه أن يأتي، واعتبر قدومه شيئا لا داعي له، لكنه الآن يشكر الله آلاف المرات أنه أتى، شعر بالطمأنينة تتسرب إلى قلبه، ثم علق قائلا:
_لكن ذلك كان سيئا للغاية
علق محمد على كلامه والابتسامة لا تزال على ثغره:
_ما كل شر بشر محض يا صاح!
كان حسن سيتفهم ذلك بشكل طبيعي لولا الابتسامة التي بدت له غير طبيعية والتي تربعت على وجه محمد، حدق به باستغراب لكن هذا الأخير لم يعلق بشيء بل وجه نظره نحو المفتش وقال:
_جئت في وقتك أيها المفتش
استفسر المفتش بعد أن جالت الأفكار في عقله للحظة:
_هل توصلت إلى شيء ما؟
نزل محمد من على السرير وحاول الوقوف بشكل طبيعي ثم قال:
_كل شيء في جعبتي الآن
وضع يده في جيب بنطاله كعادة تلازمه حينما يسرح في أفكاره حتى وإن كان يتحدث، اتجه نحو الباب وهو يقول:
_بقي أن نضع أيدينا على ذلك القاتل، ونأخذه ليلقى عقابه العادل
اتجه المفتش هو الآخر نحو الباب مغادرا، ثم نزل سريعا ليصل قبل محمد وحسن، طلب من الجميع الاجتماع في غرفة الجلوس، حيث ارتكبت الجريمة
ما الذي حدث بعد أن كانوا أخيرا قد تنفسوا الصعداء ولو بشكل جزئي؟ البقاء في غرفة ارتكب فيها جريمة قتل مزعج للغاية، ذاك ما دفع ثابت ليسأل بنفاد صبر:
_إلى متى سنبقى رهناء هذه الغرفة أيها المفتش؟
رد المفتش بانزعاج ومنطقية في الآن نفسه:
_حتى تحل هذه القضية، ويتم الكشف عن القاتل
تمتم زياد بسخرية:
_يعتقدون أن أحدنا قتله وهم حتى لا يعلمون كيف هي الطريقة التي حدثت بها الجريمة
في تلك اللحظة دخل محمد إلى الغرفة معلقا على كلام زياد:
_كان هذا في السابق أما الآن فلا
سأل إياد مندهشا وربما فضولا أيضا:
_هل تقصد أنك عرفت كل شيء؟
نظر محمد إلى صديقه ساخرا قائلا:
_أكره هذا السؤال فقد أوقعني في مشكلة
أدرك حسن أنه مثل سؤاله لكنه تمتم بانزعاج ممزوج بالندم:
_وما أدراني أنه كان هناك من يسترق السمع إلى حديثنا حينها!
اقترب منه إياد حتى بات في وجهه وسأله:
_لا يبدو أنك على ما يرام، ماذا حدث لك؟
رمق محمد صديقه مجددا بنظرات كأنه يقول: إنه مزعج مثلك تماما، أشاح حسن بوجهه عنه غاضبا، فعاد محمد إلى إياد بنظره مجيبا على سؤاله:
_حاول أحدهم قتلي، لكنه ارتكب أكبر خطأ في حياته حينما فعل ذلك
ذُهل الجميع من سماع ذلك فبادر مساعد المفتش بالسؤال:
_ومتى حدث ذلك؟ وأين؟
أدرك محمد نيته من ذلك ولأجل عدم تضييع مزيد من الوقت قال:
_إن كنت تعتقد أنه بإمكانك أن تحدد من هو ذلك الشخص عبر معرفة أماكن هؤلاء وقت حدوث ذلك - فلن تستطيع؛ لأننا جميعا كنا خارج المنزل، وبإمكان ذلك الشخص أن يكذب حول مكان تواجده في ذلك الوقت، الأشجار حول المنزل وخلفه كفيلة بالتغطية أيضا
توقف قليلا ثم استدرك قائلا:
_على كل حال ليس هذا ما جئت من أجله إلى هنا، لقد جئت لأكشف الغموض الذي لفّ ظلامه هذه القضية، وأكشف القاتل وكيف ارتكب جريمته الشنعاء
اندهش الجميع من هذه الكلمات التي ملئت بالثقة، والتي تقول بطريقة ما: أن بين هذه المجموعة شخص تنكر بقناع الصداقة ليرتكب جريمة، ربما هم يعرفون ذلك لكنهم لم يستوعبوا الأمر بعد، إنهم غير مصدقين، لكن الواقع لم يكن ليحترم آراءهم فهناك جريمة قتل قد حدثت
تقدم محمد نحو النافذة بخطوات رتيبة قائلا:
_هذه النافذة هي نقطة الارتكاز في هذه القضية
التفت نحو الجميع وقال:
_ألم تسألوا أنفسكم لمَ احتاج القاتل أن يخرج من النافذة بعد ارتكاب الجريمة؟
بعد لحظة تفكير رد أسامة:
_ربما لأنه أراد أن يجعل القضية تبدو قضية انتحار وليس قتلا
استحسن محمد تلك الإجابة لكن ما يعرفه جعله يسأل مجددا:
_ولماذا اعتقد أنه بإمكانه أن يفعل ذلك؟ ألم يتوقع وجود نسخة أخرى من المفاتيح مع شخص آخر؟
شعر أسامة بالقلق من تلك الأسئلة فقال متمنيا حدوث عكس ما دار في ذهنه:
_هل تلمح إلى أنني أنا من فعل ذلك؟
رد محمد مطمئنا:
_لا تقلق فأنا لم أشك بك منذ البداية
تدخل زياد بعد أن نفد صبره:
_إذن ما الذي تحاول قوله؟
أجاب محمد بهدوء:
_لا أستطيع الجزم فيما إذا كان المجرم يعلم بشأن وجود جميع نسخ مفاتيح غرفتي الجلوس والنوم الخاصة بنجيب مع نجيب بمفرده أم لا، ولكن هناك احتمالين للأمر
أخذته نوبة سعال خفيفة على حين غرة إثر شعوره بألم في حلقه؛ محاولة الخنق تلك ربما قد تجبره على الصمت تماما كما أراد المجرم، توقف قليلا وأمسك بعنقه كحركة تلقائية ظنا منه أن ذلك سيخفف وطأة الألم التي اجتاحت حلقه في تلك اللحظات
همس في سره بغيظ: تبا لك أيها المجرم، إنني أكاد أفرغ صبرا حتى أكشف أمرك، لكن ما باليد حيلة لا بد من تفسير كل شيء
اقترب منه حسن والخوف ينهش قلبه، هتف برجاء:
_محمد هل أنت بخير؟
تنحنح هذا الأخير محاولا شحذ حنجرته لمواصلة الكلام، ثم تحدث فعلَا صوته بحة واضحة:
_نعم أنا بخير لا تقلق
كيف له أن لا يقلق مع هذه البحة؟ لم يهتم محمد كثيرا بها بل وجه نظره إلى الجميع بحدة، وبنبرة صوت كلها تحدٍ قال:
_لن أكون بخير فقط إذا نفذ المجرم بجريمته
حاول أن يرى وقع كلماته على المجرم، بينما كان يوزع نظراته عليهم كي لا يعلم أحد من يقصد حتى يصل إليه في نهاية التحليل، على أية حال كان المجرم يتظاهر بالبراءة ويحاول السيطرة على نفسه، لكنه لم يستطع إخفاء نظرة القلق من عينيه اللتين التمعتا خوفا
عاد محمد ليكمل ما وصل إليه قائلا:
_لنعد إلى ما كنا نتحدث عنه. هناك احتمالين جعلا القاتل يخرج من النافذة بدلا من الباب
صمت للحظة ثم أكمل:
الاحتمال الأول: هو أنه كان يعلم بأن جميع نسخ المفاتيح للغرفتين المذكورتين سلفا مع نجيب وحده، وبالتالي ستظهر القضية على أنها انتحار
والاحتمال الثاني: أنه اعتقد أن أسامة يحمل نسخة من تلك المفاتيح، وبالتالي سيكون أسامة هو المتهم الرئيسي في هذه القضية، وحينما يتم الوصول إلى أن القضية جريمة قتل فستتوجه إليه أصابع الاتهام فورا
عقب حسن بغضب:
_يا لها من حقارة وجُبن في نفس الوقت
حدق به محمد قليلا ثم قال:
_معك حق، فلو لم يكن المجرم جبانا لما هرب من النافذة، فهو وفي كلتا الحالتين أراد أن يبعد الشبهة عنه نهائيا
لمَ ارتكب جريمته في الخفاء إذن؟ نعم هو جبان ولكن بعد كل شيء هو لم يقتل نجيب ليدخل السجن أو ليحصل على حكم الإعدام قصاصا، هو يريد أن يعيش في حياة ليس فيها نجيب، لكنه ارتكب جرما له آثارا جسيمة فعلا، لو لم يكن منها إلا أن أصبح أطفال نجيب أيتاما لكفى به جرما، كيف وإن وصل الأمر إلى الحكم عليه بالإعدام؟ هو الآخر لديه أبناءً وسيذوقون كأس المر نفسه، لا يفكر أحدهم بما هو مقدم عليه حين ارتكاب جريمته، لكنه بعدها يدفع الثمن غاليا ولو بعد زمن مديد.
**********
ا
نتهى الفصل الثامن
وين متابعين المحقق كونان؟
شرفونا بتوقعاتكم XD
أتمنى انكم تكونوا مواصلين الرحلة لاكتشاف المجرم وما تملوا من السرد الطويل :)
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top