(٧) منعطف جديد في مسار التحقيق
وجه الجميع أنظارهم نحو زيد الذي بقي على صمته، ثم تكلم صابر أخيرا:
_إنه على حق، وإن كان ثمة من دافع لديه فهو نفس الدافع الذي لدي
تحدث زياد بعد صمت يسير:
_إذا كان الأمر قد تحول إلى أن يتحدث كل واحد عن الآخر، فبإمكاني القول أن هناك من لديه دافع أقوى من الجميع هنا
نظر إليه الجميع باستغراب، ليجدوا أنه قد ركز نظره على إياد، فنطق إياد مدافعا عن نفسه بعد أن أدرك المقصد:
_إن كنت تقصد سقوط ابني من الجسر القديم وأن نجيب كان دائما ما يقول: أنه يريد لذلك الجسر الزوال - فأنت تعلم أكثر من غيرك أنني لم أتهم نجيب بأنه كان السبب لما حدث، بل إنه يجب عليك أن تشير إلى نفسك إذا ما ذكر هذا الأمر، فأنت الشخص الوحيد الذي اتهمه بتدبير خطة سقوط الجسر
تسامى الغيظ في قلب زياد فتحدث قائلا:
_لا أنكر ذلك، لكنني لست أسوأ منك، فقد جهرت بنواياي أمام الجميع، ولم أضمر ذلك في نفسي كما تفعل أنت
نظرات استغراب حدق بها إياد نحوه ثم تحدث بهدوء محاولا السيطرة على نفسه:
_لمَ تقول أنني أضمر ذلك في نفسي؟ هل اطلعت على ما في قلبي؟ ليس لدي أي شيء تجاهه من هذه الناحية
تدخل مساعد المفتش وسأل:
_وما علاقة زياد بذلك الطفل؟
وزع إياد نظراته بين مساعد المفتش وزياد وهو يجيب:
_إنه خاله، وقد توفيت زوجتي التي هي شقيقته بعد ذلك الحادث بفترة وجيزة
لم يكمل كلامه حتى ظهر الحزن جليا في طيات صوته، لكن زياد سخر قائلا:
_لا تمثل دور الحزين الآن، فحتى الدموع الحقيقة لن تعيدهما إلى الحياة
آلمت كلماته إياد كثيرا لكنه كبت مشاعره وآثر الصمت على الرد عليه، كسر المفتش ذلك الصمت بقوله:
_بعد كل شيء ها أنتم ذا تثبتون لي أكثر أنكم مشتبهون لارتكاب الجريمة، ولكن هذه المرة خرج اثنان من دائرة الشبهة قليلا
أدرك البعض أن محمد وصديقه هما المقصودان، وكان من بين من أدرك ذلك زياد الذي تحدث بنبرة صوت غاضبة:
_وهل نسيت حجة غيابي القوية أيها المفتش؟
رد المفتش بثقة وحزم:
_لم أنسى، ولكن ثبت لدي أن لديك دافع للقتل، كما أن احتمال ارتكاب أحدهما للجريمة لا يزال قائما
لاذ زياد بالصمت والغيظ يأكل قلبه، أما محمد وحسن فقد كانا منزعجين، لكنهما يعلمان جيدا أنه وعلى الرغم من برائتهما إلا أنهما لا يملكان دليلا قويا لإثبات ذلك
حان موعد صلاة الفجر فطلب الجميع من المفتش السماح لهم بأداء الصلاة، سمح لهم بذلك ولكنه لم ينسَ إخبارهم: أنه لا يمكنهم مغادرة المكان، وإن كان ولابد لأحدهم أن يخرج من المنزل فلا يمكنه تجاوز الجسر
تم تفتيشهم كإجراء احتياطي أخير إن كان أحدهم يحمل شيئا يمكن أن يكون قد استخدم في ارتكاب الجريمة، وبالطبع لم يجدوا شيئا، كان لدى المجرم الوقت الكافي للتخلص منه إن كان معه
وضع المفتش عدة من رجاله عند مدخل الجسر؛ لمنع أي أحد من الدخول أو الخروج من المنطقة وإليها، وقد سمح لهم المفتش بمغادرة المنزل إلى ما حوله فقط، ونشر عدة رجال حول المنزل، ولكن المنطقة المليئة بالأشجار خلف المنزل إلى حيث كان الجسر القديم - لم يتم وضع أحد بها
********
بعد أداء الصلاة لم يغادر أحد، أخذوا يتحدثون من شيء إلى آخر، وكل ثلة تتحدث مع بعضها، كان محمد يجلس بجانب إياد من الناحية اليمنى، التفت إليه وهمس قائلا:
_المعذرة، هل أستطيع أن أسألك عن شيء؟
التفت إليه إياد مبتسما وقال:
_يمكنك ذلك أيها المحقق الصاعد
شعر محمد بالإحراج لكنه سأل مباشرة محاولا إخفاء ذلك:
_هل لاحظت شيئا غريبا ليلة البارحة؟
نظر إياد إلى الأعلى محاولا التذكر ثم تمتم قائلا:
_شيئا غريبا؟
أعاد نظره إلى محمد يائسا لكنه قال:
_إن كان ثمة من شيء يستحق أن يذكر فهو صوت التلفاز
كرر محمد مستغربا:
_صوت التلفاز؟
هز إياد رأسه موافقا ثم قال:
_حينما فتحت النافذة بعد دخولي إلى الغرفة كان صوت التلفاز مسموعا من غرفة الجلوس، لكن حينما نهضت لأغلقها حين نزول المطر لم أسمع شيئا، اعتقدت أن نجيب قد غادر الغرفة، لكنني استغربت بعد اكتشاف الجثة أنه لم يغادر، وأن التلفاز كان لا يزال يعمل أيضا
أنصت إليه محمد جيدا لكنه لوهلة بدا شاردا، أما إياد فقد علق قائلا:
_على كل حال هو ليس بالشيء المهم، أعتقد أنه كان يبحث عن قناة مناسبة وكان ينخفض الصوت من قناة إلى أخرى، أو أن صوت المطر طغى على صوت التلفاز، أو أي شيء من هذا القبيل
ابتسم محمد ثم شكره على ذلك، وفي تلك الأثناء سمع زياد يتحدث إلى أسامة قائلا:
_بما أن أولئك الأشخاص الذين حضروا لمساعدتك على طهو العشاء قد وصلوا بعدك لمَ لمْ تطلب منهم مساعدتك في أشياء أخرى؟
رد أسامة عليه وقد بدا التعب في صوته:
_إنها رغبة السيد نجيب، لم يرغب في بقاء أحد غيرنا الليلة الماضية
لاحت الفرصة لمحمد فاقترب منهما وقال:
_عفوا زياد، هل لي بسؤال؟
كان زياد من النوع الذي يكره أن يسأل خاصة إذا كان من قبل شخص كمحمد، يرى أنه ليس من حقه أن يسأله، لكنه كبح انزعاجه وقال:
_تفضل أيها الشاب الفضولي
استاء محمد من الوصف الذي أطلقه عليه لكنه تجاوز الأمر وسأله:
_أين كنت بين الخامسة والخامسة والنصف؟
فكر زياد قليلا ثم أجاب:
_أعتقد أنني كنت لا أزال في النزل؛ لأنني وصلت إلى هنا في الساعة السادسة والنصف تقريبا
شكره محمد ثم اتجه إلى أسامة، جلس بجانبه قليلا حتى أبعد النظرات عنه، همس بعدها في أذنه قائلا:
_هل من الضروري أن يسبق نجيب قبل الخدم إلى المكان الذي سيقيم فيه؟
رد عليه أسامة بصوت منخفض بعد أن أدرك أنه يريد الجواب لنفسه:
_لا ليس ضروريا، إنه لا يمانع أن يقوم كلا بعمله، ومتى ما كان ذلك أبكر كان ذلك أفضل بالنسبة إليه
ابتسم محمد بمكر وقال في سره:
_وأخيرا أمسكت بطرف الخيط
شكر أسامة ثم عاد ليفكر ويرتب المعلومات التي جمعها حتى الآن، انتبه إلى يد حسن الذي أمسكه من يده وسحبه قائلا:
_إلى متى ستبقى تضع أسئلتك الفضولية يا محمد؟ ألا ترى أن هذا ليس الوقت المناسب لذلك، فضلا عن أنهم يبدون في مزاج سيء منذ أن قلتَ لهم: أنها جريمة قتل
همس هذا الأخير بهدوء وثقة:
_لا تقلق! لقد أمسكت بطرف الخيط، لذلك لا أعتقد أنني بحاجة إلى طرح أي أسئلة أخرى
تفاجأ حسن وهو يسمع ذلك ثم سأل بحماس:
_هل تقصد أنك عرفت من هو القاتل؟ إذن أخبرني من هو يا محمد
وضع محمد يده على فم صديقه بسرعة وهمس مسكِّتًا إياه وقال بصوت منخفض:
_اخفض صوتك، لا زلت أريد التأكد من شيء ما
نظر نحو الخارج ثم أكمل قائلا:
_إضافة إلى أنني لا أمتلك دليلا قاطعا ضد القاتل حتى الآن
نظر إليه حسن قليلا ثم قال بإحباط:
_ماذا؟ لقد اعتقدت أنك عرفت كل شيء
رد عليه محمد بنوع من الانزعاج:
_أنا لم أقل أنني عرفت كل شيء، لقد قلت أنني أمسكت بطرف الخيط فقط، لا داعي لأن تحبط هكذا بسرعة
لوح حسن بيده وهو يقول:
_حسنا حسنا فهمت
ثم سأل بعدها مباشرة:
_وبعد؟ ما هو الأمر الذي قلت أنك تريد التأكد منه؟
اتجه محمد نحو الخارج وقال:
_تعال معي وستعرف ذلك بنفسك
أراد حسن أن يفعل شيئا قبل ذلك فقال:
_أعتقد أنني سأتأخر قليلا عنك
سأل محمد عن مكان الجسر القديم، ثم اتجه خلسة نحو المكان ليتفحصه، وصل إلى هناك وشاهد بقايا الجسر، لم يكن ثمة من شيء غير الوتد الذي على اليمين بطول متر تقريبا، ومنه يتدلى حبل ممزق، ذلك الحبل هو كل ما بقي من الجسر القديم
أخذ يتفحص الوتد وينظر يمينا وشمالا وهو يتحرك، كان المكان لا يزال معتما قبل شروق الصباح، وقد كان يحمل معه هاتفه مشعلا ضوء مصباحه الخارجي، كان صوت السيل الجرار يرعد في المكان، لقد كان يتدفق من أعلى الجبل ويسير من تلك الهوة ثم ينزل إلى الأسفل
شعر بحركة خفيفة خلفه من بين الأشجار فظن أنه صديقه الذي قال أنه سيلحق به قريبا، التفت إلى الخلف قائلا:
_جئت في وقتك يا حسن تعال وانظر ماذا وجدت
وقبل أن يسمع ردا اقترب من المكان الذي سمع منه الحركة وهو يقول:
_أعتقد أن الصورة بدأت تتضح لي الآن أكثر فأكثر، أحتاج الآن إلى الدليل القاطع فقط، تعال وانظر لقد وجدت آثار احتكاك على الوتد الذي بقي من الجسر القديم
وصل إلى حيث سمع الحركة وقد كان يغطي المكان بعض الأشجار، وجه ضوء المصباح خلف الأشجار لكنه لم يرى أحدا، همس لنفسه قائلا:
_هذا غريب! لقد سمعت صوت حركة ما، هل يعقل أنه صوت تساقط قطرات المطر من فوق أوراق الشجر إلى فوق أخرى؟
توجه عائدا إلى حيث كان ليفاجأ بأحدهم يضرب يده حتى سقط الهاتف سقطة أدت إلى انطفائه، حاول الالتفات نحو ذلك الشخص ليجد أنه قد لفّ شيئا ما حول عنقه وبدأ يخنقه، حاول مقاومته دون جدوى، وفي تلك اللحظة التي شعر فيها بعدم جدوى مقاومته حاول ترك شيئا ما يدل على المجرم، فبزغت في رأسه فكرة قد لا تلوح له فرصة لتنفيذها.
*******
ا
نتهى الفصل السابع
ما الذي سيحل بمحمد يا ترى؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top