(٥) بيـن الـثانيـة عشـرة والـثالثـة

حقا لقد صدق من قال أن: لا جريمة كاملة، ولا مناص للقاتل من قبضة العدالة مهما طالت فترة هروبه، تجلت الأدلة التي تشير إلى جريمة القتل، وأخذ محمد يتحدث عن ما نسجه عقله بعد الذي رأته عيناه، نظر إليه المفتش ثم سأله:
_حسنا وما الذي توصلت إليه أيها الشاب؟

أشار محمد إلى النافذة قائلا:
_نظرا لأن هذا النوع من النوافذ يفتح بالسحب فإنه لا يفتح إلا من الداخل، لكن بالإمكان إغلاقه من الخارج كما هو الحال من الداخل

تقدم حسن نحو النافذة ليستكشفها ثم علق:
_هذا صحيح، لم أنتبه لذلك من قبل

اقترب الآخرون ليروا ذلك أيضا، يحتاج الأمر لفتح النافذة إلى الضغط على زر الفتح وهو الجزء المرتفع في مصراع النافذة والذي يشبه زر تشغيل المصابيح الكهربائية، ثم سَحْب المصراع إلى ناحية اليمين، لا يوجد في النافذة إلا مصراع واحد وهو نفسه الذي يفتح، لكن أثناء الغلق كل ما أنت بحاجة إليه هو أن تعيد المصراع بالسحب أيضا إلى مكان الغلق، وحينما يصل يدخل طرف مصراع النافذة _والذي يوجد فيه الجزء المرتفع_ في الجزء المثبت من النافذة على اليسار، وبعد أن يدخل الجزء المرتفع إلى مكانه تغلق مباشرة

بالتالي فإن فتحها يحتاج إلى أن يكون فاتحها في الداخل، أما غلقها فإن كل ما يحتاجه من يريد غلقها _حتى وإن كان في الخارج_ هو سحبها فقط

أكمل محمد قائلا:
_لا شك أن المفتش لاحظ ذلك فتولدت لديه شكوك حول القضية بأنها ليست انتحارا، وكذلك حول استخدام القاتل للنافذة، لكنه لم يستطع الوصول إلى الطريقة التي استخدمها القاتل لارتكاب جريمته

اكتفى المفتش بالنظر إليه ولم يعلق بشيء، وجه محمد كلامه للمفتش قائلا:
_لعلك أردت أن تعرف من الذي دخل إلى الغرفة أخيرا فقد يكون هو القاتل

كلامه أفزع أسامة الذي بادر بالقول:
_هل أنا متهم بالقتل فقط لأنني كنت آخر من دخل إلى الغرفة؟

أجابه محمد وهو يوزع نظراته بينه وبين المفتش:
_لا أعلم ما الذي يفكر فيه المفتش، فقد كان من المفترض أن يسألنا: أين كنا في الوقت المقدر لوفاة نجيب؟

اقترب المفتش من محمد قائلا:
_أنت فضولي أكثر من اللازم أيها الشاب، أنا لا أتهم أحدا حتى الآن، لكن وباختصار الجميع لدي مشتبه بهم

أكل الفضول حسن فبادر لسؤال محمد:
_حسنا وما هي الأشياء التي جعلتك تشك في أنها جريمة قتل؟

التفت إليه محمد مجيبا:
_أولا: اللقاء الذي أراد أن يجمع فيه نجيب أصدقاءه في الغد على الرغم من الذي حدث، لن يكون بحاجة إلى جمعهم إذا كان ينوي الانتحار الليلة التي قبل

ثانيا: كوب القهوة الذي أحضره له أسامة لقد لاحظت بعد أن دخلت إلى هنا أنه كان فارغا، فتساءلت: كيف يمكن لرجل يريد الانتحار أن يكون في مزاج يجعله يشرب القهوة قبل ذلك؟

ثالثا: على الرغم من أنني لا أعلم سبب وجود هذا الكرسي الخشبي هنا إلا أنني أتساءل: لمَ استخدمه الضحية للانتحار، مع أنه كان بإمكانه أن يستخدم الأريكة القريبة من المكان الذي ربط الحبل فيه إلى السقف؟

وأخيرا: النافذة، بإمكان أي شخص استخدام حيلة ما عبر الدخول من هذه النافذة أو الخروج منها

لاحظ أسامة الكرسي الخشبي فعلق قائلا:
_بالنسبة للكرسي الخشبي فقد أحضرته إلى هنا لأجل إزالة بعض الصور التي كانت معلقة في هذه الغرفة بناء على طلب السيد نجيب، ثم نسيت إخراجه بعد ذلك

تنحنح المفتش ليلفت الأنظار إليه ثم قال بعد أن حقق مأربه:
_حسنا إذن بعد سماعكم لذلك أود أن أعرف أين كنتم بين الثانية عشرة والثالثة؟ فهذا هو الوقت المقدر للوفاة

أخذ ثابت يتمتم متذمرا:
_يا إلهي أسئلة أخرى!

بادر زياد للإجابة قائلا بإسهاب:
_في الساعة الثانية عشرة خرجت لأتنزه قليلا، لقد كنت أشعر بالضيق وقلت في نفسي لا بأس بنزهة قصيرة، ثم عدت عند الواحدة وكان المطر حينها يهطل منذ ثلث ساعة تقريبا، وقد بقيت مستيقظا بعد عودتي ولم أستطع النوم، بعدها انتبهت إلى أن هاتفي قد فرغت مدخرته فقمت بإعادة شحنه، وبعد ذلك قمت بفتحه فوجدت عدة مكالمات فائتة من زوجتي

أقلقني ذلك لأن ابني كان يبدو في بداية مرض عندما قدمت إلى هنا، فقمت بالاتصال بها عدة مرات لكنها لم تجب، فأقلقني ذلك أكثر فأردت أن أغادر النزل واتجه نحو المدينة، لكنني تذكرت طلب نجيب فقررت القدوم إلى هنا أولا لإخباره، وحين توقفت الأمطار انطلقت ووصلت إلى هنا قرابة الثالثة، بعد ذلك اكتشفنا الجثة أنا وأسامة

سأل نائب المفتش وهو يمسك قلمه ليدون الإجابات:
_وكم المسافة من النزل إلى هنا؟

وجه زياد نظره إليه وأجاب:
_النزل الذي أقيم فيه يبعد عن هنا قرابة الأربعين دقيقة

توقف مساعد المفتش قليلا يفكر ثم سأل وهو يشير إلى ثابت وخالد:
_إذن لم تكن مع هذين الاثنين في نفس النزل؟

رد زياد قائلا:
_نعم، النزل الذي أقيم فيه اسمه جبل الجنان بينما النزل الذي يقيمان فيه اسمه السلام ويبعد نزل السلام عن هنا نصف ساعة سيرا على الأقدام

تدخل المفتش هذه المرة وسأل:
_وهل كنتم جميعا تسيرون مشيا على الأقدام؟

أومأ زياد موافقا فقال المفتش مندهشا:
_ولماذا؟ هل يعقل أن أحدكم ليس لديه سيارة؟

تدخل صابر هذه المرة ليجيب:
_هذه المنطقة وعرة ونحن نخشى على سيارتنا

هز خالد كتفيه وأكمل من وجهة نظره:
_ليس دخلنا بذلك الذي يسمح لنا بشراء سيارة جديدة في وقت قصير إذا ما تعرضت سيارتنا لعطل يتلفها نهائيا

التفت مساعد المفتش إلى ثابت وخالد ووجه سؤاله التالي إليهما:
حسنا وأين كنتما أنتما؟

كانت أنظاره مستقرة على ثابت فأجاب هذا الأخير:
_أما أنا فقد بقيت في النزل منذ أن عدت إليه، ثم خرجت عند الثانية عشرة والنصف، لقد كنت أشعر بالضيق، التفكير بما حدث الليلة الماضية جعلني أفقد النوم، ومع الأسف فقد كنت شاردا حينما خرجت فأضعت الطريق، لم أنتبه لذلك إلا بعد هطول المطر، وقد بقيت أسير هنا وهناك حتى استطعت العودة أخيرا، ولكن ذلك لم يحدث إلا بعد الثانية تقريبا، ربما بعشر دقائق

وبعد أن عدت اغتسلت وغيرت ملابسي، ولشدة تعبي فقد نمت مباشرة حتى أتى خالد لإيقاظي

تحدث خالد هو الآخر قائلا:
_وأنا أيضا لم أستطع النوم للسبب نفسه، لكنني خرجت بعد هطول المطر، اعتقدت أن الجو الممطر سيغير نفسيتي، كان ذلك عند الواحدة تقريبا، وقد بقيت أتجول حتى الثانية والنصف

وبعد أن عدت وغيرت ملابسي، بقيت مستيقظا حتى اتصل بي أسامة وطلب مني الحضور مع ثابت، قال أن ثابت لم يجبه لذلك عليّ أن أحرص على إحضاره معي وهذا ما فعلته

وجه نظره نحو أسامة فتكلم الأخير قائلا:
_اعتقدت أن من الأنسب جمع أصدقاء السيد نجيب؛ فقد كان ذلك صادما لي ولم أعرف كيف أتصرف

وجه المفتش كلامه لأسامة:
_وأين كنت في ذلك الوقت؟

أجابه أسامة بصوت أقرب للخفوت منه إلى الوضوح:
_بعد أن أحضرت القهوة للسيد نجيب عدت إلى المطبخ، لقد قمت بترتيبه وترتيب الأشياء التي أحضرناها بالأمس، وحاولت أن أختار الوجبات المناسبة لليوم، وقد بقيت حتى الواحدة هناك

بعد ذلك توجهت إلى غرفتي، بقيت بعض الوقت مستيقظا، ثم نمت حتى أتى زياد عند الثالثة تقريبا

وجه مساعد المفتش كلامه لإياد الذي كان واقفا على يساره:
_وأين كنت أنت في ذلك الوقت؟

أخذ إياد يتحدث بنبرته الهادئة:
_لقد بقيت في غرفتي منذ أن غادرت بعد الذي حدث بعد العشاء، لم أستطع النوم أيضا لذلك فتحت النافذة وأبقيتها مفتوحة حتى نزل المطر، ثم أغلقتها وبقيت عدة دقائق، تقريبا حتى الواحدة، ثم نمت حتى استيقظت على صوت كسر الباب

تذكر محمد حينما خرج أول مرة على صوت كسر الباب فقال:
_لقد التقيتك أثناء خروجي من الغرفة أول مرة، لكنني عدت لإيقاظ حسن فتأخرت قليلا

لاحت الفرصة للمفتش لسؤال محمد وصديقه فقال:
_وأين كنتما أيضا في ذلك الوقت؟

نبس محمد متذمرا:
_أنا غاضب لأنك لا زلت تدرجنا ضمن قائمة المشتبهين

حدق به المفتش لوهلة ثم علق بصرامة:
_ولمَ لا أفعل ذلك؟ ما الشيء الذي يميزكم عن باقي المجموعة؟

لم يبالي محمد بتلك النظرات فأجاب واثقا:
_ربما لا شيء مميزا، ولكني لم أعرف نجيب إلا منذ فترة قصيرة وليس لدي دافع لقتله، أما حسن فهو لم يتعرف عليه إلا بالأمس فقط

غضب المفتش لهذه الإجابة فعلق بشيء من الحدة:
_هذا ليس كافيا أيها الغر!

هز محمد كتفيه بلا مبالاة وعلق واثقا:
_من المؤسف لشاب يريد أن يصبح محققا ويكشف الجرائم، ويرفع الظلم عن المظلومين أن يحطم الجسر الذي سيوصله إلى ذلك ويرتكب جريمة ما

حدق به المفتش مصدوما بينما تساءل المساعد بدهشة:
_محقق؟

تفلتت ضحكة صغيرة من حسن الذي بادر بالقول بعد أن لاحت له فرصة للسخرية من محمد:
_إنه يقول ذلك عن نفسه دائما

حاول محمد إزالة اللبس في ما قال:
_أنا لم أقل أنني أصبحت محققا، أنا فقط مجرد هاوٍ للتحقيق، لا أمتلك الخبرة الكافية بعد، ولكني أطمح لأن أصير كذلك مستقبلا

لم يعجب المفتش المنحنى الذي أُخذ الحديث إليه فقال:
_على كل حال أين كنتما في ذلك الوقت؟

أجابه حسن هذه المرة:
_نحن أيضا غادرنا بعد الشجار وصعدنا إلى غرفتنا التي تقع في الطابق العلوي، لم نستطع النوم سريعا لكن يبدو أننا أول من نام، كان ذلك تقريبا عند الثانية عشرة، أنا لم أعلم متى نزل المطر واستيقظت أيضا حينما أيقظني محمد بعد سماعه لصوت كسر الباب

تحدث محمد بما لديه:
_أنا أيضا لم أعلم متى نزل المطر، لقد استيقظت أولا على صوت الجرس، ثم عاودت النوم، لكن صوت كسر الباب أطار النوم من عيني نهائيا

لا زالت الإجابات تتوالى والشبهة في كل واحد منهم تزيد، فكيف ستحل القضية؟

*********

انتهى الفصل الخامس

سلام 👋

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top