(٣) قـبـل الـعـاصـفــة
لم يستطع محمد ولا صديقه النوم بعد الذي حدث، فقد كان ما حدث بعيدا عن الحسبان، لكن حسن كان غاضبا
نظر إلى محمد ثم نبس كاتما غيظه:
_يبدو أنه لم يكن يتوجب عليّ القدوم معك، انتهى الأمر بسوء وقد لا تكون هنا النهاية
حاول محمد تصنع الابتسامة فقد كان غاضبا هو الآخر مِما حدث، ثم رد على صديقه:
_لا بأس يا حسن لا تكن متشائما هكذا
انفجر حسن غاضبا وهو يقول:
_كيف تريدني أن أتفاءل بعد الذي حدث؟ وبعد كل شيء أنت من بدأ هذا التشاؤم
دهش محمد بسماع جملة صديقه الأخيرة فتساءل باستغراب:
_أنا؟!
_نعم أنت
رد حسن بثقة فتساءل محمد مجددا:
_ومتى حدث ذلك؟
_حينما قلت أنك تأمل أن تسير الأمور على ما يرام حتى النهاية
حينما قال حسن ذلك طأطا محمد رأسه وقال:
_بعد كل شيء أنا لم أقصد التشاؤم
_فليكن ما كان ذاك الذي قصدته، انظر إلى ما وصلنا إليه
قالها حسن ثم كتف يديه بغضب وأردف قائلا:
_ذلك المتعجرف نجيب لقد ظننته شخصا طيبا ورائعا، ولكن اتضح لي عكس ذلك
قفز محمد إلى أمامه واضعا سبابته على شفتيه بهيئة التسكيت وهو يهمس له مسكتا إياه وقال:
_اصمت أيها الأحمق، ماذا سنفعل إن سمعنا؟
عاد إلى الوراء بينما كانت حدقتي حسن متسعتين على آخرهما إثر تفاجُئِه من فعل محمد
أكمل محمد بصوت منخفض:
_لا أستطيع الحكم عليه بأنه سوف يطردنا ولكن... إن كانت تلك معاملته لأصدقائه القدامى فكيف سيعاملنا نحن؟
اتسعت ابتسامة لاحت منذ قليل على ثغر حسن ثم علق ساخرا:
_تقصد أنك لم تظلمه بظنونك الآن عنه؟
نظر إليه محمد وقد فهم ما يرمي إليه ثم قال:
_إذن ابقى اشتمه حتى ينتهي الأمر بطردك
تمدد على سريره وتغطى بالغطاء حتى رأسه وأكمل قائلا:
_وأنا سأتظاهر بالنوم
نهض حسن على عجل ليطفئ المصابيح وهو يقول:
_يا لك من وغد! تتخلى عن صديقك بهذه السهولة؟
أطفأها ثم عاد إلى سريره ليجيبه محمد من تحت الغطاء:
_لقد نصحتك وأنت أعلم بمصلحتك
تمتم حسن متذمرا:
_حسنا حسنا لقد فهمت، شكرا لك
تمدد هو الآخر على سريره ثم تغطى ونام
*********
كان صابر وزيد لا يزالان في الخارج حينما هطلت الأمطار في الساعة الثانية عشرة وأربعين دقيقة بعد منتصف الليل، بقيا في الخارج لدقائق ثم دخلا حينما اشتدت الأمطار غزارة
أما إياد فقد نهض ليقفل النافذة خوفا من دخول المطر إلى الداخل، إضافة إلى أن الجو كان باردا، ولولا أن باله كان مشغولا بشيء آخر لما ترك النافذة مفتوحة كل هذه المدة
أما أسامة فقد أكمل عمله في المنزل واتجه إلى غرفة النوم الخاصة به، لم يكلف نفسه حتى عناء تبديل ملابسه التي حصلت على لطخة كريمة على العشاء
زيد وصابر قد اضطرا إلى تغيير ملابسهما قبل النوم والاغتسال أيضا، لأنهما تبللا كثيرا تحت المطر
وفي تمام الواحدة وعشر دقائق كان المنزل هادئا، عدا غرفة الجلوس التي كان يخرج منها صوتا ضئيلا للتلفاز، ولم يتجه أحد نحوها، لأنهم ليسوا بحاجة إلى الدخول في مجادلة وشجار مع نجيب، خاصة وهو في مثل هذا المزاج السيء
********
دارت عقارب الساعة نحو الثانية ليلا والأمطار لا تزال تهطل، وبعد بضع دقائق خف هطول الأمطار حتى انقطع نهائيا، وكان من الصعب السير في ذلك الوقت لكن هناك من خرج بالفعل
بعد عدة دقائق من انقطاع نزول المطر غادر زياد نزل جبل الجِنان متجها نحو الجسر ثم إلى المنزل، وفي حوالي الثانية وخمس وخمسين دقيقة وصل إلى هناك
نام الجميع متأخرين لذلك من الصعب أن يجد من يفتح له الباب، أو من يفتح له الباب سريعا إن جاز التعبير، إلا إن كان أحدهم لم ينم بالفعل
لقد كان مستعجلا لذلك لا بد من المحاولة، طرق الباب عدة مرات، رن الجرس مرات أكثر، وبعد عدة دقائق أقبل أسامة وفتح له الباب
دلف إلى الداخل وقد أخذ البرد منه مأخذه، سأله أسامة باستغراب:
_ما الذي جاء بك في مثل هذا الوقت يا زياد؟
أجابه وهو يفرك كفيه ويدلك عضديه محاولا تخفيف البرودة التي سرت في أجزاء جسمه:
_لقد جاءني اتصال مهم من زوجتي وأريد أن أخبر نجيب بأني مضطر للمغادرة
سأله أسامة باستغراب:
_الآن؟
وقبل أن يجيب زياد أردف قائلا:
_بإمكانك الانتظار حتى يحين الفجر لم يبقَ الكثير
غضب زياد ثم توجه نحو أسامة وأمسكه بتلابيب ملابسه وقال بصوت مرتفع:
_الأمر مهم ولن أنتظر أكثر، لقد جئت إلى هنا وابني يبدو عليه أنه سيصاب بالمرض، قلت أن الأمر لن يطول ولكننا تأخرنا بالفعل
تركه ثم أكمل قائلا:
_لعل حالته ازدادت سوءا الآن وليس هناك من أحد قريب لنا ليقوم بإسعافه
عدل أسامة قميصه ثم قال:
_على كل حال أنا لا شأن لي إن تشاجرتما مجددا
سأله زياد بعد أن زال غضبه:
_وأين هو الآن؟
_لعله في غرفة نومه، هذا إذا كان قد غادر غرفة الجلوس وذهب للنوم أصلا
أجابه أسامة ليتجه زياد نحو غرفة النوم الخاصة بنجيب ثم طرقها عدة مرات وهو يقول:
_نجيب أتسمعني؟ نجيب
وحينما لم يجب اتجه أسامة نحو غرفة الجلوس، وعندما اقترب منها سمع صوت التلفاز، فقال وهو يشير إلى ناحية الغرفة:
_يبدو أنه لا يزال هنا، لا أعلم كيف يفكر هذا الرجل!
التفت مغادرا المكان تاركا زياد ليتصرف معه، فهو لم ينسى بعد ألم ما قاله له الليلة الماضية
اتجه زياد نحو باب الغرفة ثم طرقها عدة مرات وكرر ما قاله سابقا:
_نجيب أتسمعني؟ نجيـــب
لم يجب نجيب فتكلم زياد من الخارج عن ما أراد محادثته من أجله:
_لدي أمر طارئ لذا سوف أغادر لن أنتظر حتى شروق الشمس
لم يسمع أي رد، لكن أسامة الذي أصابه الفضول لم يستطع تجاوز الأمر، فقال وهو يتجه نحو غرفة الجلوس:
_هذا غريب! مهما بلغ عناده وتعنته فهو لا يرد أحدا يطرق عليه الباب في الليل، لا سيما إن كان مستيقظا
غضب زياد وأخذ يزمجر قائلا:
_ولمَ حاولت منعي من التحدث معه سابقا إذن؟
نظر إليه أسامة نظرات استنكار وأجاب:
_حتى الساعة الواحدة حينما توجهت للنوم كان لا يزال هنا، لذا اعتقدت أنه نام متأخرا
وصل إلى الباب ثم أكمل قائلا:
_ومع ما حدث الليلة الماضية ما الذي تتوقع حدوثه إن أتيت لإيقاظه وتخبره بأنك سوف تغادر؟
طرق الباب عدة مرات هاتفا:
_سيدي إن زياد يرغب بالتحدث إليك، لديه أمر مهم
طرق ثانية وهو ينصت هل سيسمع من رد، ثم قال:
_سيدي أتسمعني؟
طرق الخوف والقلق قلبه فنظر إلى الباب بتوجس، فسأله زياد:
_ماذا يحدث؟ لمَ لا يرد؟
رد أسامة بخوف:
_وما أدراني؟
طرق الباب ثانية فسأله زياد قائلا:
_هل لديك مفتاح لهذه الغرفة؟
أجابه أسامة بنبرة قلقة:
_كلا ليس لدي، فهو يحتفظ بمفاتيح هذه الغرفة وغرفة نومه لنفسه
_إذن لمَ لا نقوم بكسر الباب؟
سأل زياد ليرد أسامة بذهول:
_ولماذا نقوم بذلك؟
زمجر زياد غاضبا:
_الأمر واضح أيها الغبي، ماذا لو أصابه مكروه ونحن نثرثر هنا؟
وكَحَلٍّ أخير قال أسامة:
_سأخرج أولا إلى الخارج وأنظر من النافذة
ركض نحو الخارج وعلامات القلق بادية عليه، خرج من الباب سريعا وسار قليلا ثم انعطف عند ركن المنزل مواصلا ركضه حتى وصل إلى النافذة، اقترب منها ثم وضع جبينه عليها لتتضح له الرؤية، نظر إلى الداخل ولم يكن ثمة من ضوء غير ضوء التلفاز، وهنا كانت الصدمة إذ لمح جثة نجيب معلقة إلى السقف
صعق بما رأى وتراجع إلى الوراء فسقط أرضا وهو يقول بتلعثم:
_سيدي ماذا حدث؟
*******
انتهى الفصل الثالث
الأمر الذي يجب عليكم أن تنتبهوا له هو الوقت، فكل شيء محسوب بدقة
تحياتي ✋
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top