(٢) تـغـيُّر الأجــواء

انتهى العشاء عند العاشرة تقريبا وهنا كان المتحدث هو المسموع من قبل الجميع، وجه زياد كلامه لنجيب قائلا:
_حسنا إذن يا نجيب...

التفتت الأنظار نحو زياد الذي كان قد ركز نظره على نجيب، نظر إليه الأخير ليسمع ما سيقول، فأكمل زياد كلامه قائلا:
_لمَ جمعتنا هنا؟

ابتسم نجيب ابتسامة عريضة وقال بنبرة مستفزة:
_لمَ يجب عليّ أن أدعو أشخاصا لا يستحقون برأيك؟

صمت الجميع وظل زياد ينتظر إجابة على سؤاله بعيدا عن سخرية نجيب، ليكمل نجيب قائلا:
_أنت يا زياد بالذات لا يمكنك أن تتوقع مني إلا السيء

أغضبت كلماته زيادا لكنه حاول كتم غيظه وقال متصنعا الهدوء:
_ماذا تقصد؟

أجابه نجيب بنبرة جافة:
_أنت تعرف ما أقصد

أشاح ببصره بعيدا عن زياد ثم أردف قائلا:
_إلا إذا كنت تريد أن تسمع ما تكره أمام الجميع

استشاط زياد غضبا فهب واقفا من مكانه وقال:
_هل جمعتنا لتقول لنا مثل هذه السخافات، نجيب الزم حدودك

وضع نجيب مرفقه على الطاولة، وأسند خده على ظاهر كفه بهيئة الاتكاء، ثم نظر إلى زياد بتحدٍ قائلا:
_وإن لم أفعل؟

جلس زياد على الكرسي محاولا السيطرة على نفسه، صمت ولم يجب على سؤال نجيب بينما كان الجميع ينظرون بصمت أيضا، هذا الجو المشحون بالتوتر جعل محمد وحسن يشعران بالغربة بين هذه الوجوه، لكن محمد حاول تلطيف الجو فقال:
_لا بأس الآن يا نجيب، أعتقد أنه ليس وقتا مناسبا للشجار وإثارة الماضي، أو الحديث في أمور شخصية

نظر إليه نجيب نظرة هادئة غير واضحة المعنى، لكن محمد أكمل قائلا:
_لا أعتقد أنك دعيت أصدقاءك إلى هنا لتهينهم، أو لتدخل في شجار مع أحدهم

ابتسم المعنيّ ثم قال:
_ربما وربما هذا غير صحيح

شعر محمد أن كلماته لم تُجدِ نفعا، وتوجس أن محاولته لتلطيف الجو قد باءت بالفشل، لحظات حتى عدَّل نجيب جلسته ثم التفت إلى أحدهم وقد كان يجلس على يساره في طاولة ثانية قائلا:
_بالمناسبة ما هي أخبارك يا زيد؟

بلع زيد ريقه وهو يرى أن دفة الحديث من قبل نجيب قد تحولت إليه، طأطأ رأسه بصمت ولم يجب، لكن نجيب لم يكن ليتركه وشأنه، فالاستمتاع لا يبلغ ذروته عنده ولا يشعر بلذّة استفزازه إلا حينما يجد من يتحدث إليه مستسلما أو منهارا من كلماته، عاد إلى نفس وضعيته السابقة متكئا على يده، واضعا خده الأيمن على ظاهر كفه، وقال:
_فهمت فهمت، على الأرجح أخبارك سيئة

ظل زيد صامتا كأنه لا يسمع، أو كأنه غير معني بالحديث، وحينما رأى نجيب منه ذلك وجه دفة الحديث نحو غيره فقال:
_إذن ماذا عنكما: إياد وخالد منذ فترة لم أسمع الكثير عنكما؟

صمت إياد بينما حاول خالد الرد عليه بنفس نمط حديثه فقال:
_أليس من الإجحاف أن توجه إلينا أسئلتك بينما لا تتحدث عن نفسك؟

بكل هدوء أجابه نجيب:
_وكأنكم لا تعرفون شيئا عني! لم يبقَ شيء إلا وعرفتموه

زادت كلماته من التوتر الذي حلق في المكان، غضب خالد من هذا الجواب فقال بنبرة صوت حملت غيظه المكبوت:
_إنك تتجاوز حدودك أكثر من اللازم

رد عليه نجيب ببرود مستفز:
_لا أعتقد ذلك، أنا أقول الحقيقة فقط

تساءل خالد بغضب:
_أي حقيقة هذه التي تتحدث عنها؟ هل تتهمنا أننا نتجسس عليك أم ماذا؟

اعتدل نجيب جالسا وببرودة قال:
_من يدري! ربما...

نهض ثابت من مكانه قائلا وقد بدا الغضب واضحا عليه:
_نجيب أنت لا تحترم منهم أكبر منك سنا، متى ستتعلم كيف تتعامل مع الآخرين باحترام؟

رد عليه نجيب بهدوء:
_هدئ من روعك يا عم، من قال أنني لا أحترم منهم أكبر مني سنا؟

زاد غضب ثابت من هذه النبرة الهادئة وقال:
_أفعالك هي من قالت، ثم لا تقل لي أنك تنادِنِي الآن بعم احتراما؟ أنا واثق أنك تسخر مني

نظر إليه نجيب وظل صامتا لبرهة ثم قال:
_إذن ماذا تريديني أن أناديك؟ يبدو أنني ارتكبت خطأ حينما ناديتك عم

لم يتكلم ثابت بل غادر من مكانه إلى أن تجاوز طاولة نجيب والتي كانت مقابلة له، فقال وهو لا يزال يمشي متجها نحو الباب:
_أعتقد أنني لن أبقى هنا بما أنك جمعتنا للإهانة فقط

حاول أسامة أن ينهض لإيقافه لكن نجيب أشار له بأن يجلس ولا يقوم من مكانه، ثم قال ولم يكلف نفسه حتى عناء الالتفات:
_أرجو أن لا تغادر نهائيا، فالأمر الذي جمعتكم لأجله لم يحدث بعد، الغد موعدنا

خرج ثابت وأغلق الباب خلفه في حين كانت كلمات نجيب قد وصلت إليه، ساد الصمت في المكان لبعض الوقت، إلى أن كسر حاجزه نجيب وهو يقول:
_يبدو أن الأمور قد سارت على عكس ما أُريد لها أن تسير عليه

تكلم أسامة أخيرا بعد أن عجز عن الصمت لمدة أطول:
_أنت هكذا دائما يا سيد نجيب، يجب أن تغير من أسلوب حديثك وتعاملك مع الآخرين وإلا...

قاطعه نجيب قائلا:
_هل ستبدأ أنت أيضا بإعطائي بعض النصائح يا أسامة؟

_أنا...

حاول أسامة أن يبرر فعله لكن نجيب قاطعه قائلا:
_أنت شخص غير مرغوب بسماعه

صمت أسامة بعد هذا التقريع وساد الصمت مجددا في المكان، نهض بعدها نجيب من مكانه وغادر إلى غرفة الجلوس وهو يقول:
_سأذهب لأريح رأسي قليلا، وأنتم افعلوا ما يحلو لكم، غير أنه لا يمكنكم المغادرة نهائيا، هل هذا مفهوم؟

شعر حسن بالضيق من هذا الوضع الذي وصل إليه الحال، فأشار لمحمد إشارة يطلب منه المغادرة، نهض محمد معه وصعدا إلى الغرفة التي خصصت لهما ليبيتا فيها تلك الليلة، أما أسامة فقد اتجه إلى المطبخ، وتفرق الضيوف بين ذاهب إلى خارج المنزل، وبين ذاهب إلى الغرفة التي خصصت له

عند الحادية عشرة تقريبا ذهب زياد مع ثابت وخالد باتجاه النزلين الذين كانوا قد استأجروهما سلفا

يبعد المنزل الذي كانوا فيه والذي هو ملك لنجيب حوالي عشر دقائق عن الجسر الذي يربط المنطقتين سيرا على الأقدام، ويبعد نزل السلام عن الجسر حوالي ثلث ساعة سيرا على الأقدام أيضا، وفي ذلك النزل كان ثابت وخالد مقيمين، بينما كان النزل الذي يقيم فيه زياد يبعد عن نزل السلام عشر دقائق، وكان اسم ذلك النزل هو جبل الجِنان باسم الجبل الذي يقع عليه، وبذلك يبعد هذا النزل عن الجسر حوالي نصف ساعة

أما زيد وصابر فقد بقيا في مكان تَحفُّه بعض الأشجار ويبدو كالحديقة، وهو قريب من المنزل، ويمكن رؤية الجسر منه، جلسا يتسامران ويتجاذبان أطراف الحديث ليزيلا عنهما الضيق الذي سببه ما حدث في المنزل

أما إياد فقد صعد إلى غرفته والتي تقع فوق غرفة الجلوس مباشرة، فتح النافذة ليستنشق بعض الهواء فوصل إلى أذنيه صوت التلفاز، حيث كان نجيب يشاهد شيئا ما، أزعجه ذلك فعاد إلى سريره تاركا النافذة مفتوحة

الجدير بالذكر أن نافذة غرفته لديها حماية، ويُفتح مصراعيها إلى الداخل، وكذلك غرف الطابق العلوي لديها نفس نوع هذه النافذة.

*******
ا

نتهى الفصل الثاني

ماذا تتوقعون أن يحدث؟

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top