(١٣) الـنـهــايـــة
لم يعلق أحدهم بشيء ما جعل محمد يتحدث مجددا:
_لقد ظهر لي قبل قليل منشور تم نشره من صفحة نجيب على الفيس بوك، في الواقع لقد صدمت بحكم أني أعلم أنه قد توفي، لكن يبدو أنه كتبه قبل فترة وجعله ينشر آليا، هذه الميزة موجودة في صفحات الفيس بوك، تستطيع أن تكتب منشورا ثم تضع له وقتا محددا لينشر فيه آليا، سأقرأ لكم ماذا كتب فيه
كان يبعد عنهم عدة خطوات، بينما كانوا متجمعين في مقابله، بدأ يقرأ:
«أصدقائي جميعا صبحكم الله بكل خير
لو تعلمون حجم سعادتي وأنا أكتب هذه الكلمات، لو تعلمون حجم سعادتي هذا اليوم، ليس فقط لأنها الذكرى العشرين لتأسيس شركتنا، بل لأنني الآن اجتمع بأصدقاء والدي الذين مدوا حبال صداقتهم لي خلفا لوالدي
إنني في هذا اليوم أريد أعبر لهم عن كامل احترامي وشكري على كل ما فعلوه من أجلي ومن أجل والدي أيضا، وأعتذر لهم عن كل تصرف أساء لهم في يوم من الأيام، كما وأنني أشيد بوفائهم منقطع النظير لوالدي، والذي بقوا عليه حتى بعد مرور كل هذه السنوات، بل وحتى على الرغم من أنني كنت وقحا معهم
شكرا لكم يا أصدقائي، لقد علمتموني أن الصداقة الحقيقية هي التي تبنى على الثقة، وتدعم ركائزها بالوفاء
محبكم المعتذر لكم/ نجيب صادق»
اجتاح الجميع شعور غريب امتزج في غالبه بالحزن وهم يسمعون هذه الكلمات، وانسكبت دموعهم على الرغم منهم، وفي تلك اللحظات تمتم محمد بصوته المبحوح والذي خالطته العبرات هذه المرة قائلا:
_الآن فهمت ما الذي قصده بقوله: لقد أتيت لأكفر عن ذنب ماضٍ قديم
إنه يعتبر نفسه جاحدا لكل ما قدمتموه له طوال هذه المدة، لذلك كان يريد اليوم أن يعتذر منكم قائلا تلك الجملة التي دونها على الورقة
لوهلة خُيّل إليهم أنهم يرون نجيب قائلا تلك الجملة، لم يسعهم فعل شيء سوى طأطأة الرؤوس، أما محمد فقد همس في سره قائلا: خطؤك يا نجيب أنك أشعلت فتيل غضب القاتل بالأمس، حتى انفجر وسقطتَّ ضحية حقد متراكم
في تلك اللحظة لم يكن هنالك من هو أسوأ حالا من زياد الذي خرج عن صوابه حينما علم بالحقيقة كاملة، بدأ يصرخ كالمجنون:
_لا لا هذا غير معقول!
اختلطت الأفكار في رأسه، هل أخطأ حينما كرهه؟ هل أخطأ في الحكم عليه؟ ما الذي فعله؟ هل أخطأ حينما قتله؟ ربما لا، إذن لمَ كشف هذا الغريب كل شيء؟ وجه نظره إلى محمد فشعر الأخير أن هناك شيئا ما تخفيه تلك النظرات، لكنه لم يفتح فمه بشيء، تنامى الحقد في داخله على محمد والأفكار تدفعه إلى كرهه أكثر، أراد أن يخرج كل ما كان يتعارك في داخله بأي شيء، فهداه فكره المجنون إلى شيء واحد
ركض مهرولا نحو محمد آخذا زينة كانت على الطاولة ناويا مهاجمته بها، فزع محمد من هجومه المفاجئ عليه ما جعله يتراجع إلى الخلف بضع خطوات، وبسرعة أُوقف هجومه من قِبل رجال الشرطة الذين أحكموا قبضتهم عليه، وقيدوه قبل أن يرتكب أي حماقة أخرى، كل ذلك تم وصراخه لا زال يعلو في المكان
بعد مرور عدة دقائق تمكنوا فيها من إعادة السيطرة على الوضع تحركت سيارات الشرطة بما فيه تلك التي حملت زياد، وتأخرت سيارة المفتش قليلا فاستغل محمد الفرصة، التفت إلى المفتش وسأله قائلا:
_هل يعقل أيها المفتش أنك لم تكن تعرف الحقيقة؟
سؤاله كان نابعا من تلهفه لمعرفة الحقيقة، إن كان قد تمكن من الوصول إلى الحل قبل الشرطة فهذه بشارة جيدة له ليستمر في طريق التحقيق
التفت المفتش نحوه ثم ضحك ضحكة متكلفة ورد عليه:
_أنت حقا فضولي أكثر من اللازم، ولكني سأخبرك الحقيقة، لقد كان لدي شك بزياد كونه صاحب الحظ الأكبر للوصول إلى هنا إذا ما استخدم شيئا ما للوصول إلى هنا من حيث كان الجسر القديم، لكن لم يخطر ببالي أبدا أنه استخدم الشجرتين لربط الحبل، لذلك حينما قمنا بالفحص والتحقق من الأمر هناك لم نهتم كثيرا للخدوش التي كانت على الوتد بحكم أنه كان قديما وضعيفا، ولم نقم بفحص جذوع الأشجار بالطبع كوننا لم نتوقع أن نجد شيئا مهما عليها بما أننا لم نتوقع طريقته في العبور، وبما أنني جهلت طريقة قدومه وكذلك الخدوش التي تركها نجيب على عنقه فقد كنت أفتقر إلى دليل ضده
وجد مساعد المفتش فرصة ليقول ما كان في باله فقال:
_اكتفيت بالابتسام طوال الوقت وأنت تسمع التحليل لما حدث من قبل هذا الشاب، مع أنك كنت تعلم جزءا لا بأس به من القضية، لماذا؟
علق المفتش ضاحكا:
_حتى أنت يا سعيد أصبحت فضوليا؟
اتجه نحو سيارته وأجابه:
_أردت أن أرى قدرات هذا الشاب على التحقيق لا أكثر
لحق به المساعد وسأل مجددا:
_وبعد؟ كيف وجدته؟
أصبح المفتش داخل السيارة فأغلق الباب وهو يجيبه:
_لا بأس به
ركب المساعد في مقعد السائق وقام بتشغيل السيارة، قاد السيارة إلى الأمام فلوح المفتش بيده لمحمد قائلا:
_أتمنى لك مستقبلا زاهرا أيها المحقق الصاعد
تحركت السيارة وعبرت الجسر، وبذلك غادر آخر فرد من رجال الشرطة المكان، تنفس حسن الصعداء، أخيرا عاد الهدوء إلى الأجواء، حاول كسر الصمت باستفزاز محمد فقال:
_أسمعت؟ قال: لا بأس بك فقط
أجابه محمد بهدوء:
_إنه على حق، فأنا لا أرى نفسي الا مجرد هاوٍ للتحقيق لا أكثر، لكن لا بأس سأصبح أفضل، فأنا أطمح لأن أكون محققا ناجحا في المستقبل
لم تنجح محاولة حسن لاستفزازه لكنه لم ييأس بل عاد الكَرَّة ثانية قائلا:
_ناجحا أم لامعا؟
كان محمد متعبا ما جعله غير مستعد لهذا فقال:
_حسن ألن تتوقف عن هذا؟
قرر حسن أن يكف عن مزاحه فقال بجدية:
_حسنا حسنا سوف أتوقف، ولكنني مستاء حقا من ذلك المفتش، كيف له أن يقول: لا بأس به فقط وهو أساسا لم يستطع حل القضية مع أنه أكثر خبرة منك في هذا المجال؟
كان التعب قد هد محمد ما جعله يجيبه بصوت خافت:
_لا بأس يا حسن فهو لم يقل إلا الحقيقة
التفت نحو المنزل ووضع كفيه في جيوب بنطاله وقال:
_أعتقد أنني لو واجهت قضية أكثر تعقيدا من هذه لما استطعت حلها، لهذا السبب أنا أريد أن اكتسب خبرة أكثر
تقدم إياد نحوهما وقال والابتسامة تعلو محياه:
_سعيد أنك بخير، وحمدا لله على سلامتك
_شكرا لك
بتلك الجملة فقط رد محمد عليه، فتقدم حسن نحوه ثم قال:
_لا شك أنه كان مزعجا لك أن تتذكر موت ابنك هذا اليوم صحيح؟
لمح محمد الحزن على وجهه ما دفعه ليقول لحسن:
_تعلم كيف تطرح أسئلتك على الناس أيها المغفل!
ردد حسن معتذرا:
_أنا آسف لم أقصد
علق إياد متفهما:
_لا بأس، فلن يكون سؤالك أزعج لي من تلقيَّ لخبر وفاته
شعر الجميع بعمق حزنه والذي لم يكن زياد يقدره أبدا، حتى أنه بلغ به الأمر إلى أن يوجه أصابع الاتهام إليه في جريمة قتل هو الذي ارتكبها
رمق محمد حسن بنظرات حادة ما جعله يبلع ريقه بخوف، ثم حاول أن يغير الموضوع قليلا فقال:
_ذلك الموظف الحقير كيف استطاع أن يعيش كل هذه المدة بدون تأنيب ضمير على ما فعل؟ لو كنت مكان أسامة لأخبرت الشرطة بأمره
نظر إليه أسامة بذهول ثم قال:
_أخبر الشرطة بماذا؟ فحتى الرؤية لم أره وإنما كذبت عليه بهدف استدراجه، من أين لي بدليل ضده؟ ثم إن حتى إياد لم يفعل شيئا فلماذا أقحم نفسي بالأمر؟
نظر إياد إلى حسن نظرة عجز هذا الأخير عن فهم فحواها ثم قال له:
_لا تطلق العنان لتفكيرك وظنونك السيئة بالآخرين أيها الشاب، وإلا ستقع في مثل ما وقع به زياد
خجل حسن مما قاله سابقا، لكنه لم يفهم ما الذي عناه إياد بكلامه، لم يتركه لحيرته بل فسر كلامه بالقول:
_ذلك الموظف أتاني في اليوم التالي لمعرفته خبر سقوط ابني، يبدو أنه علم ذلك من أسامة، لقد أتى إليَّ واعتذر وبكى، ورمى إليَّ بحقيبة مليئة بالأموال وقال: خذ هذا المال، إنه كل ما أملك، أرجو أن تقبله مني دِيَة، وها أنا أمامك، إن شئت أن تعفو عني فهذا كرم منك، وإن شئت أن تأخذ حقك مني فأنا على أتم الاستعداد
أخذ إياد يتذكر تلك الحادثة كما لو كانت أمامه الآن، أكمل قائلا:
_لم أستطع أن أقول له شيئا في ذلك الوقت، لكنني طلبت منه أن يعود في اليوم التالي، لأنني سأخبر زوجتي أولا بالأمر وأستشيرها، فذهب وعاد في اليوم التالي بالفعل، وكان قرارنا هو العفو عنه، وقد طلبت منه أن لا يخبر أحدا بالأمر
كان البقية قد بدأوا يتجمعون حولهم، حينها أكمل إياد كلامه:
_كان زياد يأتي إليّ بين الفينة والأخرى، ويخبرني عن شكوكه بنجيب، لكنني كنت أنهاه في كل مرة عن ذلك، وحينما ضقت به ذرعا هددته بأني سوف أخبر الشرطة عن شكوكه، فتوقف عن القدوم إليّ والتحدث معي عن هذا الأمر، لكن يبدو أنه كان يضمر الحقد في نفسه، ويخطط للانتقام في كل يوم، حتى أنه استخدم مكان الجسر نفسه للوصول إلى نجيب لقتله
علق محمد على كلامه:
_ربما كان يذهب إلى هناك ويتذكر ما حدث، فتتأجج نار الحقد في قلبه، ثم فكر باستخدام المكان نفسه للانتقام
التفت أسامة نحو اياد ليسأله:
_ولكن يا إياد زوجتك التي هي شقيقته قد توفيت بعد ذلك الحادث، أليس للأمر علاقة كما كان يظن؟ ربما أخبرته بشيء ما
هز إياد رأسه نافيا ثم أجاب:
_زوجتي كانت مصابة بمرض خطير، وقد أخفيت الأمر بناء على طلبها، وكنا نبذل جهدنا لعلاجها، لكن شره استفحل حتى قضى عليها
قلَّب محمد أنظاره بينهما ثم قال:
_أفهم من كلامكما أنك يا إياد متزوج بغير شقيقة زياد
ضحك إياد ضحكة خفيفة ثم علق بإعجاب:
_أنت شديد الملاحظة، هذا صحيح ولكنها توفيت في حادث قبل زواجي بشقيقة زياد، وكان لدي منها بنت وولد، لهذا السبب كان يعتقد أنني لم أهتم بوفاة ابني الذي من شقيقته
تكلم حسن متذمرا:
_إنه أسوأ مني، فحتى لو كنت سأظن بأحد ظنا خاطئا فلن أقدم على عمل حقير كهذا، بالطبع لا أزكي نفسي ولكنها الحقيقة
ابتسم البعض من ردة فعله وآخرين ضحكوا عليه، ثم علق إياد قائلا:
_حتى زياد نفسه لو عرف الحقيقة لما فعل ما فعل، كما قال ذلك سابقا بأنه لو كان الأمر متعلق به لما فعل ذلك، أنا لا أبرر له ولكن من خلال معرفتي الجيدة به فهو لم يكن ليكذب بشيء كهذا
صمت الجميع ولم يتكلم أحد بعدها حتى قال أسامة ممتنا:
_على كل حال إنني أشكرك من أعماق قلبي يا محمد، لقد كان وجودك مفيد حقا
علق محمد قائلا:
_على الرحب والسعة، إنه واجبي فقط
عاد الجميع إلى الداخل وقد كانوا متعبين للغاية، فبدلا من تناول الإفطار ذهبوا إلى النوم
حينما استيقظوا في الظهيرة وحان موعد تناول الغداء، صعد أسامة إلى الطابق العلوي ليخبر محمد وحسن بذلك، لكنه تفاجأ بأنهما قد غادرا، وترك محمد رسالة على سريره كتب فيها:
«أيها الأصدقاء الأوفياء:
أقدم لكم اعتذاري على ما سبق وقلته عنكم، لقد اعتقدت أنكم لم ترغبوا بالحديث عن بعضكم البعض لضعف الثقة فيما بينكم، ولكنكم في الحقيقة كنتم تحاولون أن تجمعوا وتقاربوا فيما بينكم
حقيقة لم أشأ أن أعتذر لكم وفيكم من خان هذه الصداقة، لم أعتذر بعد ذهابه سهوا من غير قصد، لذلك اسمحوا لي أن أقدم اعتذاري الآن
صديقكم الجديد/ محمد عبد المجيد»
أنهى أسامة قراءة الرسالة للجميع فعلق إياد معجبا به مجددا:
_الماكر، إنه يستخدم نفس أسلوب نجيب ليحصل على رضانا، على كل حال وكما سامحت نجيب الذي اعتذر من قبله فإنني أسامحه، وقد قبلت صداقته أيضا، ماذا عنكم؟
وزع نظره بين الجميع ليجدهم يجيبونه بصوت واحد:
_ونحن أيضا
النهـايـــة
***********
والآن قولوا رأيكم بصدق وصراحة: كيف كانت الرواية؟
وكيف هي كبداية لي في هذا المجال؟
وكم تقييمكم لها من 10؟
شيء أخير أود قوله لكم وهو أن هناك تعقيب على هذه الرواية، لذا فضلا لا أمرا بعد اطلاعكم على هذا الفصل قوموا بقراءة التعقيب
وشكرا جزيلا لكم جميعا
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top