(١٠) الـوقـوع فـي الـمـصـيـدة
وماذا سيفيد الغضب إن هاجت رياحه وثارت؟ حتما ستبعث بما في داخلك لينطلق للعلن، أعمت تلك الرياح زيادا عن حركة المفتش التي أشار بها لثابت أن يلزم الصمت، صب زياد تركيزه على محمد وانتهى به الأمر كالتائه عمَّا حوله
هدأ ثابت ولم يعره زياده اهتماما، أو ربما لم ينتبه لهدوئه بالكلية، تكلم محمد أخيرا بوجه خالٍ من أي تعبير حتى لا يكشف ما يرمي إليه:
_أحذيته، أحذيته على الأقل ستتلطخ بالطين ليس أن تبتل فقط، برأيك كيف تصرف معها قبل دخوله؟
كان الغضب يغلي كالمرجل في صدر زياد ما دفعه ليجيب بانفعال:
_الأمر سهل، لقد خلعها ودخل ثم...
بتر كلامه شاهقا وشحب وجهه في ثانية، أدرك أنه قد تفوه بما كان ينبغي عليه أن يصمت عنه منذ البداية
اتجهت إليه أنظار الجميع وبدوا مذهولين مِمَّا قاله للتو، والابتسامة وحدها هي التي وجدت طريقها إلى وجه محمد الذي شعر بنشوة الانتصار، همس المفتش لمساعده:
_لقد وقع الفأر في المصيدة، لقد ابتلع الطعم وانتهى أمره
تقدم محمد منه ثم قال والابتسامة ترسم على وجهه أجمل لوحة فنية:
_ثم ماذا يا زياد؟ هل ستكمل أم أكمل عنك؟
بلع الأخير ريقه وحاول تمالك نفسه وهو يقول:
_تكمل ماذا؟ كل ما في الأمر هو أنني توقعت ذلك حسب المنطق لا أكثر
ضيق محمد عينيه مع تقطيبة صغيرة لحاجبيه وقال:
_لا تتظاهر بالغباء…
سحب نفسا عميقا ثم نطق بصوت مرتفع:
_لأنك أنت القاتل
نطق أسامة بذهول حتى بدا كالأحمق:
_م… ماذا؟ القاتل؟
نبس زيد بصدمة كبيرة:
_لا أصدق!
ما الذي انتظروا أن يسمعوه من محمد بعد تلك التحليلات؟ لكن ربما لا لوم عليهم إذ كان طوال المدة الماضية في نظرهم صديقا ليس إلا
قهقه المتهم بضحكات عالية ثم قال بابتسامة متكلفة:
_لديك طريقة غريبة في التحليل، لكن لا تنسى مدة غيابي عن النزل، ساعة بالكاد تكون كافية لوصولي إلى هنا وارتكاب الجريمة، أين ذهبت بالأربعين دقيقة الباقية؟
ما إن لاح هذا السؤال حتى نطق حسن بقلق:
_محمد هل أنت واثق مِمَّا تقول؟
التفت إليه محمد وأجاب بهدوء:
_ثق بصديقك فقط يا حسن
عاد بنظره إلى زياد لكن هذه المرة علا صوته قليلا وهو يتحدث بثقة:
_كنت سأحسب للأربعين دقيقة ألف حساب لو لم يكن هناك جسر قديم
انصدم الجميع إثر سماع ذلك، الجسر محطم بالفعل، ردد البعض بصدمة:
_الجسر القديم؟
أراد محمد تسهيل الأمر عليهم فقال:
_سأسألكم سؤالا الآن، كم المسافة من نزل جبل الجِنان إلى الجسر القديم؟
التفت المفتش إلى زياد وقال بلهجة صارمة:
_هذا السؤال إجابته إجبارية عليك، لا تقل أنك لا تعرف
بلع زياد ريقه وأجاب بتلكؤ وبصوت انخفض رغما عنه:
_ربع ساعة تقريبا
أكمل محمد سريعا ليوضح الأمر:
_ومن هنا إلى حيث كان الجسر القديم خمس دقائق، وكل هذا سيرا على الأقدام بهدوء ورُوِيَّة، وهكذا أصبح المجموع ثلث ساعة فقط، هل تفهم معنى هذا يا زياد؟
حاول الأخير عبثا الدفاع عن نفسه:
_ربما حجة الوقت بهذا العرض قد أصبحت مهزوزة، ولكنها لا تزال قوية، كيف أمكنني الوصول إلى هنا هاه؟ هل طرت مثلا؟ أم أنك لم ترى الجسر وهو محطم؟
اتسعت ابتسامة محمد أكثر فأكثر حتى انفجر ضاحكا، تمالك نفسه سريعا ثم علق:
_ها أنت ذا توقع نفسك في مأزق ثانٍ يا… زياد
كان زياد يحاول أن يفهم أي مأزق أوقع نفسه فيه، لكنه ما إن سمع محمد يسحب صوته بشكل مستفز وهو يلفظ اسمه حتى انفجر غاضبا:
_توقف عن نطق اسمي بهذه الطريقة المقززة، ثم عن أي مأزق تتحدث؟
أعطاه محمد الجواب بابتسامة لطالما استفزته:
_لم يعلم أحد عن ذهابي إلى الجسر القديم إلا صديقي حسن والشخص الذي هاجمني هناك، فكيف علمت أنت بذلك؟
حاول زياد تدارك الموقف بقوله:
_هذا بدهي، لقد سألتَ عن مكانه وهذا جعلني أتوقع ذهابك إلى هناك
عاد محمد ليوضح نقطة غفل عنها هذا الواقف أمامه:
_لقد تحدثت إلى حسن بعد سؤالي عن مكانه قائلا: لا نية لي بالذهاب الآن؛ ذلك لأنني خشيت من أن يلحق بي المجرم إذا ما ذهبت بمفردي، ثم همست لحسن خلسة منكم بأنني: سوف أذهب، لكنه قال أنه سيلحق بي، بمعنى آخر سيتأخر عني
صمت قليلا ثم عاد ليكمل قبل أن يقاطع:
_لم أكشف عن وقت محدد لذهابي، لكن خوفك من أن أكتشف أمرك جعلك تلحق بي مهما كان الأمر الذي قرَّرْتُه، وأردت قتلي لولا تدخل حسن في اللحظة الأخيرة
أصر زياد على سؤاله السابق:
_إذن أخبرني كيف عبرتُ المكان؟
إن أراد محمد توضيح الأمر فعليه العودة من البداية، وذا ما فعل إذ قال:
_لقد قدمتَ إلى هنا لتتفحص المكان قبل وصولنا، وهذا هو السبب الذي جعلك تعرف أن الخدم الذين حضروا لمساعدة أسامة لإعداد العشاء قد وصلوا بعدنا، إذ من المفترض أن تكون قد وصلت بعدنا، حينما سمعتك تتحدث عن ذلك مع أسامة بدأت الشك بك، وحتى لا أظلمك سألتك: أين كنت بين الخامسة والخامسة والنصف فأجبت: أنك كنت في النزل
التفت نحو مساعد المفتش وقال:
_طلبت مساعدة الشرطة بالاتصال بصاحب النزل، وسؤاله: هل كنت هناك في ذلك الوقت؟ فأجاب بالنفي
عاد بنظره إلى زياد وأكمل:
_وقد سألت أسامة بعد أن أجبتَ على سؤالي: هل كان من الضروري أن يسبق نجيب الخدم إلى المكان الذي يريد الإقامة فيه؟ فأجاب بالنفي أيضا، وهذا يعني أنك رأيتهم ولم تتوقع ذلك توقعا، حيث أنه لم يكن من عادة نجيب أن يسبق خدمه لتتوقع ذلك
لم يجد زياد جوابا لسؤاله الأول فسأل ساخرا:
_وبعد؟
كان سيكمل من غير هذا السؤال، لكن من الجيد أنه سأل فهذا سيمنح محمد حرية الحديث دون مقاطعة، أكمل تحليله:
_بعد العشاء دخلت إلى هنا متظاهرا أنك تريد محادثة نجيب عن أمر ما، ثم أخبرته عن شيء يبقيه حتى عودتك لقتله وهو لا يزال هنا في هذه الغرفة، مثلا قلت له: هناك برنامجا يهمك سيعرض في القناة الفلانية في الساعة الثانية عشرة، ثم قمت بفتح النافذة جزئيا وخلسة أيضا؛ لتتمكن من الدخول منها عند عودتك لقتله، وفي نفس الوقت لا ينتبه أحد إلى أنها مفتوحة
دار سؤال زياد الأول في رأس حسن هذه المرة فقال:
_ولكن كيف تمكن من الوصول إلى هنا؟ أقصد إذا لم يعبر الجسر الجديد فكيف يمكنه الوصول إلى هنا؟
فتح الباب أمام زياد فقال:
_أجب على سؤال صديقك المنطقي
لم يُعِرْهُ محمد اهتماما بل أكمل الاستنتاج الذي توصل إليه:
_بعد أن خرجت من الغرفة وغادرت المنزل، توجهت نحو الجسر القديم، المكان تحفه كثير من الأشجار لذلك لن يلاحظ أحد ذهابك حتى لو كنت تحمل ضوءا، ربما قد يكون هنالك من رآك تتجه خلف المنزل لكنه لن يظن بأنك سوف تذهب إلى حيث كان يقع الجسر القديم
ارتشف محمد بعض رشفات من مزيج الأعشاب الذي بيده بعد أن شعر أن حلقه قد جف تماما، وما إن شعر ببعض الرطوبة تبلل حلقه حتى عاد ليواصل كلامه:
_بعد أن وصلت ربطت كل طرف من الحبل الذي كان معك بشيء ذي ثقل، قد يكون حجرا، ثم رميت الطرف الأول حتى وصل إلى الناحية الثانية، بعد ذلك مررت الحبل من خلف شجرة قريبة من المكان، ثم رميت الطرف الثاني إلى الناحية الثانية، وهكذا أصبح الحبل خلف الشجرة من غير عقدة
توقف قليلا ليريح حلقه فيما حاول البعض استيعاب تلك الخطة، عاد ليكمل كلامه:
_بعد ذلك غادرت المكان برفقة ثابت وخالد وعدت حتى وصلت إلى نزل جبل الجنان
تنحنح قليلا وعاد يكمل وهو يشعر أن الأمر قد طال حقا:
_كنت تعلم سلفا أن هذا النزل لديه حرس يتناوبون الحراسة طوال اليوم، وقد كنت بحاجة إلى من يشهد لك على مغادرتك من هنا أولا، ثم على وصولك إلى النزل ثانيا، والأهم من ذلك كله من يشهد لك على غيابك لمدة ساعة فقط عن النزل، حيث أنه لا يمكن لأحد أن يتوقع عبورك لطريق آخر؛ لأنه لا طريق أصلا غير الجسر الجديد، وعندما يتم التحقيق في الأمر فإنه سيبدو من غير المعقول أن تغادر نزل جبل الجنان وتصل إلى هنا وترتكب جريمة، ثم تعود خلال ساعة فقط
أخذ نفسا عميقا ثم واصل بإسهاب:
_بعد أن غادرت نزل جبل الجنان في الساعة الثانية عشرة اتجهت إلى حيث كان يقع الجسر القديم، ثم أخذت طرفي الحبل وربطتهما بالشجرة القريبة من هناك، وهكذا أصبح الحبل على شكل دائرة مستطيلة، تقع الشجرة الأولى في الطرف الأول منها، بينما تقع الشجرة الثانية في الطرف الآخر
صمت هنيهة مجبرا ثم واصل:
_بعد ذلك عبرت المكان معتمدا على الحبل
وبعد أن وصلت قرب النافذة خلعت حذائك، ثم أبقيت أقدامك فوقهما، ثم فتحت النافذة بهدوء وحذر شديدين، ولأن نجيب كان يشاهد التلفاز، وبصوت كان يستطيع إياد أن يسمعه إلى غرفته، أو لأكون دقيقا من نافذة غرفته، فهو لم يسمع صوت فتح النافذة، بعد ذلك اتخذت وضعية أشبه بالوضعية التي يتخذها من يمارسون القفز من الأعلى للسباحة، ثم قفزت إلى الداخل، ووصلت إلى أرضية هذه الغرفة على يديك، ثم سرعان ما عدلت جسدك ووقفت
صدم الجميع وهم يسمعون هذه الحيلة التي استخدمها زياد للدخول إلى الغرفة، وقد مكنه من استخدام هذه الحيلة وجود فراغ كافٍ بين النافذة وبين الأرائك التي تقع أمام التلفاز، أهذا سبب عدم وجود آثار أقدام قرب النافذة من الداخل؟ لمَ كل هذا التدقيق لارتكاب الجريمة؟ هل كان حاقدا على نجيب إلى هذا الحد؟
********
انتهى الفصل العاشر
ياااااااه أخيرا انتهى التعدييييل
يدي انكسرت وظهري اااخ اخ، عيونييي
ما عليه، المهم انكم تقرأوا رواية حلوة وتستحق ثقتكم صح؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top