(١) الـبــدايـــة

برز ذلك المنزل الضخم في أعلى الجبل بهيئته الملفتة للنظر أثناء صعود السيارة آخر مرتفع متوجهة نحوه، اجتازت أحد النزل الموجودة هناك والذي علقت عليه لوحة كتب فيها نزل السلام حتى وصلت أخيرا إلى الجسر الذي يربط المنطقة التي يقع عليها ذلك المنزل ببقية المناطق التي تقع أعلى ذلك الجبل، هوة سحيقة تفصل بين المنطقتين ذاك ما كان تحت الجسر

تجاوزت الجسر حتى وصلت أخيرا إلى المنزل، ترجل منها أربعة رجال، اثنان منهم يبدوان في منتصف العمر، بينما يبدو الآخران في العشرينات، توجهوا جميعا نحو الباب، فتقدم الرجل الذي كان يقود السيارة وفتح الباب، ثم ولجوا جميعا إلى الداخل

وصلت بعدهم سيارة أخرى كانت محملة بأشياء للمطبخ وفيها ثلاثة أشخاص، أدخلوا الأشياء التي أوصلوها وبدأوا العمل على إعداد العشاء، وقد كان معهم الرجل الذي قاد السيارة

اصطحب صاحب المنزل الشابين الذين دعاهما إلى حضور "حفل خاص" كما قال لهما في رحلة تعريفية داخل المنزل، اتجه بهما نحو الغرف الموجودة في الطابق الأول، وعرفهما لأي شيء تستخدم كل غرفة من غرف الطابق الأول، المكتبة وغرفة الجلوس وغرفة للنوم تخصه هو وغرفة للخادم، ثم المطبخ ودورات المياه أيضا، وقد كان للمنزل في وسطه صالة فسيحة، تستخدم لإقامة الحفلات والمناسبات، ومنها يمتد درج إلى الطابق العلوي

وفي الطابق العلوي يوجد أربع غرف أيضا بنفس الحجم، وخامسة أكبر منهن بقليل، وكل غرف الطابق العلوي تستخدم للنوم فقط، ويوجد أيضا دورتي مياه في الطابق العلوي

توجهوا نحو سطح المنزل بعد أن انتهوا من التعرف على ما في داخله، بدا السطح مدهشا جدا، وُزِّعَ في أطرافه كثير من الأصص التي زُرِعَ فيها أنواع عدة من الورود والنباتات العطرية

كان للسطح سور بطول متر ونصف تقريبا، في المقابل كان منظر الجبل الذي اكتسى بالخُضرة من هناك أخَّاذا سيما بعد أن طفت أشعة شمس الغروب عليه جاعلة إياه يبدو كلوحة فنية فائقة الجمال، تلفَّت الشابين حولهما بدهشة وإعجاب، فقد كانت هذه هي المرة الأولى لهما بزيارة منطقة جبلية

ابتسم مُضِيفهُما وقال:
_سعيد لأن هذا قد نال إعجابكما: محمد، حسن

ردا عليه بابتسامة مماثلة ثم علق محمد قائلا:
_شكرا لك على الدعوة التي أكرمتنا بها

أضاف حسن:
_لقد كان لطفا منك أن تدعونا لرحلة خاصة كهذه

رد نجيب والابتسامة لا تزال تعلو محياه:
_لا داعي لكل هذا فالمتعة الحقيقية لم تبدأ بعد

تكلم محمد باستحياء قائلا:
_لا داعي لأن تقيم حفلا من أجلنا أيها المدير

نظر نجيب إلى ناحية أخرى منهما كما لو كان يرقب شيئا ما ثم قال مبتسما:
_الحفل ليس لأجلكما فقط

فاجأت كلماته محمدا وحسنا فنظرا إليه بعيون مندهشة؛ حيث كانا يعتقدان أنها رحلة خاصة بهما، تبادلا النظرات بينهما لوهلة لكنهما بقيا صامتين ولم يقولا أو يسألا شيئا

التفت نجيب إليهما قائلا:
_أحتاج إلى أن أعد نفسي من الآن، تكاد الشمس أن تغرب بعد دقائق، إن احتجتما إلى شيء فاطلباه من أسامة، وإن أردتما النزول الآن فأنتما تعرفان مكان الغرفة التي ستقيمان فيها

توجه نحو الدرج ولوَّح لهما بيده مودعا، تابعاه بنظريهما حتى غاب نازلا، التفت حسن إلى محمد قائلا:
_يبدو لي رجلا غريبا وغامضا ما رأيك يا محمد؟

ابتسم محمد ونظر ناحية الغرب ثم أجاب:
_هذا هو الانطباع الذي أخذته عنه أول مرة التقيته، إنه قليل الكلام، وقد يصبح استفزازيا فجأة، ويفعل الشيء دون أن يتكلم غالبا، حتى تحين اللحظة الأخيرة فيفسر كل شيء

وضع حسن يديه في جيوبه وقال متذمرا:
_أصدقاؤك غريبو الأطوار ألا توافقني الرأي؟

أجابه محمد بسخرية محاولا استفزازه:
_تقصد أنك غريب الأطوار؟

رد حسن بانفعال:
_لا أقصد نفسي طبعا، أقصد الأشخاص الذين بدأت تصادقهم في الفترة الأخيرة

حاول محمد تهدئة صديقه فقال بهدوء مبتسما:
_لكل واحد منا وجهة نظره، ربما قد تنظر إلى أحدهم بنظرة حسب موقف ما، وهو في الحقيقة ليس كما تظن

حل الصمت بعد هذا الحوار واكتفا الاثنان بمراقبة الشمس أثناء الغروب، اكتست السماء بنور الشمس الذي كان يشع بلونه القرمزي، وكان بالإمكان مشاهدة قرص الشمس، فأشعتها لم تكن قوية كثيرا حينها، اقتربت من المغيب خلف الجبل الذي غطته الأشجار بخُضرتها وكثافتها، في الواقع لم يكن غروب الشمس مميزا كثيرا، ولكنها المرة الأولى التي يشاهدانه في منطقة جبلية

دقت الساعة التاسعة وتجمع الأصدقاء الذين حضروا بناءً على طلب من نجيب صادق على مائدة العشاء، وزع أسامة الأطباق بالتساوي على الطاولات، واتخذ كل واحد من الحضور مكانا له

وقبل أن يتكلم أحد تكلم نجيب قائلا:
_مرحبا بكم يا أصدقائي، ها نحن ذا نلتقي مجددا، أتمنى أن تستمتعوا بهذا الحفل الصغير

تقدم ناحية محمد وحسن وقال لهما:
_سأعرفكم الآن على أصدقائي القدامى

أشار بيده نحو الرجل الذي على يساره بالمقابل ثم قال:
_هذا صديقي إياد علي وهو يعمل صحفيا تابعا لإحدى الصحف المحلية

ثم بدأ يشير إليهم واحدا واحدا مكملا من اليسار إلى اليمين، أشار إلى آخر قائلا:
_وهذا صابر أمين يعمل إعلاميا، تحديدا يعمل مراسلا لإحدى القنوات

وإلى جانبه يقف الثالث الذي بدا واضحا الشيب الذي يخط في شعره أشار إليه قائلا:

_وهذا ثابت ظافر يعمل مدير تسويق لإحدى الشركات التي تبيع الملابس

ثم بجانبه كان يقف أسامة أشار إليه وقال:
_وهذا أسامة حسين يعمل عندي، وهو أكثر الأشخاص الذين أثق بهم لإقامة مثل هذه المناسبات

كان الجميع يقفون مقابل نجيب الذي بدأ يعرفهم، بينما كان محمد وصديقه على يمينه، أشار إلى الشخص الذي يجلس بجانب أسامة ثم قال:

_وهذا زيد صالح يعمل على مراقبة ما تسجله كاميرات المراقبة في أحد المحلات التجارية

ثم أشار إلى الذي قبل الأخير قائلا:
_وهذا صديقي خالد عزيز يعمل محاميا، وهو أكثر الأشخاص تواصلا معي من بين هذه المجموعة

ثم أشار إلى الشخص الأخير قائلا:
_وأخيرا هذا زياد موسى يدير شركته الخاصة، وهي تبيع المواد الغذائية

ثم التفت إليهما قائلا:
_هؤلاء هم الأشخاص الذين سيشاركونكم الاحتفال هذا اليوم

سأل إياد قائلا:
_ومن هذين الشابين يا نجيب؟

رد نجيب قائلا:
_حسنا لقد نسيت أن أعرفكم عليهما

أشار إلى الشاب الواقف على يمينه مباشرة وقال:
_إنه يدعى محمد...

أشار إلى الشاب الذي يقف على يمين محمد ثم قال:
_وهذا صديقه حسن عامر

التفت نحو أصدقائه وأكمل حديثه:
_أعرف محمد منذ فترة فقد ساعد ابني ذات يوم، أما حسن فهذه هي المرة الأولى التي ألتقي به، لقد وجهت دعوة إلى محمد لحضور هذا الحفل الصغير، وقلت له أن يحضر معه من يشاء، وقد أحضر حسنا

توجه نحو أحد الكراسي وجلس قائلا:
_لنبدأ تناول الطعام قبل أن يبرد، تفضلوا!

جلس كل واحد منهم على كرسيه وبدأوا بتناول الطعام، كان كل شيء هادئا، وكانوا يتجاذبون أطراف الحديث بين الفينة والأخرى، ويتذاكرون أشياء حدثت في الماضي، وتشق الضحكات الخفيفة طريقها في المكان، وقد بدا الجو مريحا ومرضيا

شعر محمد بالسعادة لأنه قبل بتلبية الدعوة، والحضور إلى هذا الحفل "الصغير" كما نعته نجيب، وكان هذا حال حسن الذي ابتسم وهمس قائلا:
_أنا محظوظ لأني قبلت القدوم معك إلى هنا

رد محمد بابتسامة أيضا محاولا تجاهل مشاعر التوجس التي انتابته فجأة:
_آمل أن يمر كل شيء على خير ما يرام حتى النهاية

*********

انتهى الفصل الأول

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top