* البداية *


باطراف احدى المدن حيث اصطفت المنازل جانب بعضها البعض و مقابلة لأخرى على الطرف الثاني لتشكل طرقا مختلفة

عند حلول إحدى الليالي الصيفية الصافية يجلس ~بهاء~ صاحب الثلاثة عشرة سنة و ثمانية اشهر بالضبط ساهرا كالعادة على سطح منزله

قد سحرت تلك النجوم المتناثرة بالسماء كلؤلؤ براق حول الهلال المنير عيونه الزرقاء التي خطفت زرقة السماء بصفائها، محدقا بلوحة فنية من ابداع الطبيعة

كان هذا زاهرة القصة لكن من وجهة نظره فظلمة السماء لم تكن هناك وحسب بل غمرت كل ما في نفسه يجلس وسط الفراغ وحيدا حيث لن ترى انسدال شعره البني على بشرته النقية

البرد عازم على قتله هناك لولا نورٍ خافتِ لا يعرف مصدره ما عاش يوما اخر فردد ما اعتاده بقوة داخله

"سأكمل صمتي منتظراً عودتك .. نعم ستعود مجددا"

تلك النجوم الفاتنة كانت راحته الوحيدة، راحته من تغيرات البشر وافعالهم ، كلماتهم، معانيها، أدق التّفاصيل، حتى ابتسامة غبية قد تُرسم على وجوههم من أجل إخفاء حقيقتهم

كل ما استنتجه ان لاشيء صادق في علاقاتهم أشياء ليست بتلك الاهمية عندهم اشياء قد تتغير بلمح البصر عكس سمائه فمهما تغير موقعه سيراها مجددا

في هذه الاثناء ودون سابق انذار يخرق شهاب مضيء ظلمة الليل الحالكة !

سمع بهاء صوت صراخ مفاجئ ، وقف ملتفتا للمنزل المجاور المتشكل من طابقين الذي علوّه بمستوى منزله حيث كان يقف فتى يبدو بعمره

لم يهتم للشهاب ولا ما يحدث حوله ورغم انه يحدق بذلك الفتى الا انه كان يتخيل له ملامحا أخرى كان يرى وجها آخر

وجها مبتسما اضاء ظلمته، عيون بنية تناسقت مع شعره لبشرة سمراء فاتحة، اتسعت عيناه بدهشة ليحدثه في نفسه متسائلا

"ألست اكبر مني بثمان سنوات؟ لم تبدو بعمري ؟ مع ذلك مازالت تعابيرك لطيفة جدا كالعادة لكن انت تبتسم بصمت من الذي يصرخ !؟"

اراد ان يفهم لكن سرعان ما تجاهل كل شيء من اجل تلك اللحظة حيث ابتسم ببراءة طفل رضيع لكن ذلك الطفل حذر مما يحدث فاكمل حديثه

"اعرف أنك ستختفي مجددا الجميع قال انك مجرد وهم لكن اريدك ان تبقى ! نعم لم اعتد غيابك بعد ارجوك ابقَ !"

كانت بضعة ثوان حتى اختفى الشهاب واختفى ذلك الوهم ايضا كما توقع به

عادت الملامح الباردة اللامبالية لتجد مكانا في وجهه طاردة تلك الابتسامة ليزداد الضلام سوادا بنفسه لكن صوت الصراخ لم ينتهِ وقد بدأ يزعجه

تمعن بالمنزل المجاور ليلاحظ اخيرا فتى بعمره تقريبا لم يستطيع تمييزه ملامحه

إقترب لحافة منزله حيث يفصل بينهما فراغ بسيط بزخارف من حديد كالسياج وقال له بصوت هادئ محاولا التعبير عن انزعاجه : اصمت سيستيقظ الجميع وأُجبر على النزول !

ما كان من ذاك الفتى الغريب سوى الصمت متعجبا ثم أردف : ااه تستطيع الكلام .. إذا كنت هنا طوال الوقت!

ثوان حتى تذكر ما حدث فأكمل الفتى إزعاجه بصوت صاخب، اشار للسماء بتعجب كأنه اول مرة يرى منظرا كذلك : أرأيت الشهاب!؟ لا مثيل لروعته كان مضيء للغاية فلم استطع منع نفسي من الصراخ !

رد بهاء بنبرة باردة متجاهلا أنه يحدثه لأول مرة : أخفض صوتك ألا تفهم !

اقترب الفتى ليقابله بهدوء: آسف .. افهم الان لمَ لم أراك خارجا من قبل
_أكره ذلك
_كيف هذا؟! الخارج مذهل انت فقط لم ترى شيئا
_لا أهتم بمعرفته

بدى على وجهه ملامح الدهشة من كلامه فأي شخص بعمره المفترض أن يستمتع بالخروج واللعب معظم الوقت ليعبر عن ما هو بديهي عنده : غريب .. بالنسبة لي الابتعاد من هنا واكتشاف ما يمكن خارجا تلك هي متعتي

وبالنسبة لبهاء كان ذلك الفتى أكثر إزعاجا من أي أحد آخر قد قابله من قبل، منفعل، يضحك كثيرا، مشرق أكثر من اللازم، اخد يتحدث وكأنه يوجد من يهتم لكلامه حتى فهم نفسه وتوقف بسؤال بسيط : الاهم الان ما اسمك ؟

تفاجأ بعض الشيء ثم اجاب بكلمات متقطعة : اه انا .. امم بـ..ـهاء

اتسعت عيناه قليلا ليهتف بسعادة : حقا! اسماؤنا متقاربة .. انا ضياء ولدت بهذه المدينة وانتمي لهذا المكان اي اني اعرف الكثير من الطرقات والشوارع هنا
_امم
_اذا منذ متى وانت هنا ؟
_شهرين
_شهران والآن اراك !
_امم
_واين كنت تسكن؟
_بمدينة بعيدة
_تغير الكثير عليك لهذا لا تخرج ؟
_لا
_حسنا لا توجد مشكلة سأكون هنا لأريك كل شيء في الارجاء

بهاء صريح للغاية ببساطة لم يجد سبب لكل حديثه فرد : وكأني سأخرج بسبب وجودك!

عبس قليلا غير راضي بجوابه : ماذا؟ ظننت اننا اصبحنا اصدقاء او ماشابه !

~اصدقاء~ من اغبى الكلمات التي قد سمع بهاء بها فرد في استغراب : و هل هذا سيشكل فرقاً ؟

تظاهر بالتفكير للحظات ثم اجابه : من المفترض ان يكون فرقا كبيييرا .. صراحة لا اعرف !
_لا علاقة لي بذلك
_واضح بلا شرح .. اما انا فكل من هنا إما صغار او كبار جدا فلا صديق محدد

فجأة سمع بهاء صوت والدته والسبب واضح فصوت هذا الفتى مزعج بحق : بهاء انت على السطح مجددا هيا الى سريرك الوقت تأخر

لبى ندائها متجاهلا من يقابله لينزل الا انه اوقفه بآخر لحظة والابتسامة لم تفارق وجهه : سنلتقي غدا أليس كذلك
_ربما

رد ضياء بتفاؤل واضح : بل سنفعل سأنتظرك خارجاً

لم يعطه بهاء املا باللقاء فعاد لغرفته متجاهلا كلمات ضياء وكأنه شيء لا يستدعِ التفكير، قرر ان يخرج وحسب

في هذا الحين عاد ضياء ليستلقي على البساط ارضا وهو يفكر بأنْ المتعة حقا مشاركة ماتحبه مع شخص قريب

بعيدا عن عائلته لم يجرب ذلك مع احد لحد الان، ابتسم ليحدث نفسه قليلا

"المكان جميل هنا .. النجوم .. ذلك الشهاب .. حتى هذه الصدفة لرؤيته .. يبدو جامداً كالحجر وبالكاد يبتسم وردّه البارد .. لم يكن مهتما لكن المهم انه هنا"

كان مدركا فعلا أن الآخر كان يتماشى مع اسئلته بملل وكأنه يريد أن يتوقف منذ البداية لكن لم يستطع منع فضوله

"هل ساعرفه اكثر؟ او هل سأجرب ذلك أخيرا؟"

لم تختفس ابتسامته محدقا بالنجوم مستمتعا بنسمات الصيف الباردة شاعرا بالنعاس

حل صباح لتتغلغل اشعة الشمس داخل غرفة فوضوية بشكل مبالغ وصول للراقد على الفراش ومع ازعاج ضوء النهار وتذكر ان له موعدا مهما خارجا ماكان ليستيقظ مداعبا شعره الذي ينافس ظلمة اليل بسواده ويفتح عيونه بكسل ليدخل طرف ثالث ذلك التنافس مع بشرة قمحية بها بعض اثار الجروح والخدوش

بذلك المنظر وقف ~ضياء~ بالحمام يغتسل، فدب به النشاط اخيرا بعدها ليحدق بانعكاس صورته على المرآة ويحدث مستغربا : ااه متى ستختفي اثار هذه الجروح رغم انه مر وقت طويل على مشاجرت بعض الحمقى بالمدرسة .. على كلٍ كيف ما كنت سأبقى وسيما وخاصة عندما ابتسم

قال آخر جملة مبتسما للمرأة بتفاؤل هنا تمر اخته الصغرى ~ريم~ بجانب الحمام وعينيها العسليتان تقدح شرا، تاركة شعرها البني يتطاير خلفها بغرور

كانت تتنصت على اخيها وهو يتفاخر بنفسه فردت عليه ساخرة بصوت مسموع : ها هل اخبرتهم أنه بسبب شجار وليس بسبب سقوطك الغبي؟ انتظر حتى تُكشف حقيقتك واضحك عليك

خرج عندها ممازحا والبسمة لم تغادر وجهه : اعرف انك ستقفين معي !

كتفت ذراكيها لصدرها رادة : من كذب عليك وقال انك وسيم او اني سأقف معك؟

ركضت مباشرة بعدها لتنزل الدرج باتجاه السيدة في اواخر عقدها الثالث ذات شعر متفحم طويل مظفور للأمام وعيناها اللامعتان تماثل عيون ضياء السوداء، متوسطة الطول

تحدثت ريم بصوت عالي : امي ! ضياء كان يحدث نفسه ويقول سأشاجر المدرسة كلها عندما اعود

ركض ضياء خلفها علها تصمت لكنها عنيدة جدا، وصلت لترتمي بحضن والدتها هاربة من اخيها الذي تم فضح فصرخ بتردد وهو يقابلهما : امي بل قلت اني تشاجرت ولن افعلها مجددا انها تكذب

بل الحقيقة ان كلاهما يكذب فضياء يستحيل ان يسمح لاحد ان يمسه بسوء فمعظم ايامه كانت شجارات في المدرسة

ردت السيدة بنبرة تهديد وكأنها كانت تنتظر ان يقول هذا من وقت طويل : اذا كان شجارا حقا ؟!

علا الخوف وجهه من تعابير والدته ففي موقف كهذا هي مخيفة حقا اما ريم ضحكت عليه بتفاخر مبتعدة لتستقر خلف والدتها خشية انتقام اخيها : احمق لقد خدعتك ككل مرة

لم يهتم لسخرية اخته لقد كان داهية يجيد امتصاص غضب امه بطريقته الخاصة ففي النهاية هي اقرب مخلوق لقلبه

جعل عينيه كعيني الجرو البريء وابتسم ابتسامة خجل ثم اقترب من والدته وضمها واعدا اياها أن لا يعيدها إن استطاع تحمل ازعاج الآخرين

أتقن ضياء الدور فما كان من الام إلا ان تداعب خصلات شعره بيدها و تقول : قريبا ستصبح بطولي ولم تتعلم درسك .. انتبه لنفسك أو تريد ان تموت على يدي

ابتسمت ابتسامة رقيقة يكمن وراءها الكثير من الغضب : اخبرني ما الذي لا تفهمه في هذا ؟

شعر ضياء بالغضب ينساب مع تلك الكلمات فاستقر الخوف داخل وطلب منها العذر متأسفا مجددا فبدأت عصافير بطنه تزقزق ليغير الجو بلحظة : امي انا جائع

ضحكت مبتعدة لتخبره ان فطوره جاهز بسبب استيقاظه المتأخر كالعادة
تناول الطعام بمفرده لكن لم يغب بهاء عن باله لحظة ذاك الفتى البارد فأصبح يتمتم ببعض الأحرف: لا أستطيع تخيل نفسي في المنزل مقيدا لمدة يوم كامل دون ان اخرج فكيف لمدة شهرين .. ستكون نهايتي !

خرج ضياء على أمل ان يلتقي بهاء مجددا فبدأ السير بين منزليهما ذهابا و إيابا متسائلا في سره

"هل سيسمحون له بالخروج بشكل عادي ؟ سأناديه مثلا"

ثم اطلق تنهيدة طويلة : آه ماذا افعل بالكاد أعرفه

في أوج تفكيره حدث ما لم يتوقعه، قطع بهاء طريقه كشبح صامت فجأة ليخيفة فبدأ ضياء بالتلعثم لقد فاجأه ذلك : انت هنا .. متى .. م .. اذاا.. كيف وصلت
_رايتك من فوق !

كلماته الصريحة الباردة لم تفارقه تأمل ضياء وجه الآخر للحظات ليتفاجئ بعيونه الزرقاء الصافية البارزة رغم انسدال خصلات شعره الامامية

حاول أن يبتسم له ربما يغير تعابيره الباردة لكن لا استجابة تذكر، باشرا بالمشي فلاحظ ضياء ان الآخر اقصر منه

اقترب منه دون ان يلامسه لمعرفة الفرق بينهما فوجده يصل حد انفه، ضحك ضحكة صغيرة لكن برودة بهاء لم يتغير فلم يسأله عن سبب ضحكه وكأن شيئا لم يحدث

توتر ضياء واصبح يحاول ان يجد شيئا ليقوله : امم سمحوا لك بالخروج
_كانت امنية امي .. ان اخرج
_يعني انت فقط لاتريد
_امم
_اغرب ما رايت .. اذا كيف ؟
_هكذا فقط
_حسنا

هنا اصبحت ملامح بهاء اقرب إلى التعجب بدلا من البرودة عندما رأى منزلا يبعد بضعة خطوات عن منزليهما فسأل مشيرا للمنزل : أكانت فيه شجرة كبيرة .. و تطل على شارع؟
_آه نعم كيف عرفت ذلك؟

بدا بهاء وكأنه يتذكر المكان وبكلماته المتقطع : يبدو .. مؤلوفا

_نعم كانت هناك شجرة وقطعت من اربع سنوات أو اكثر .. اتيت مؤخرا .. لا اعرف ما اقول

عاد بهاء ليسير صامتا وضياء بجانبه ومازال يحاول ايجاد ما يقول، سأل متمنيا ان يكون اصغر منه فعلى الاحترام والادب ان يدخل بينهما ان كان اكبر : كم عمرك ؟
_ثلاثة عشرة سنة امم و نصف
_مثلي ولكن لم نصف؟
_الرابع عشرة من الشهر الاول

تنهد اسود الشعر بهدوء مدركا موقعه : وافهم انك اكبر مني بستة اشهر كاملة .. الخامس والعشرون من الشهر سادس .. اذا ستعاملني على اني اصغر منك

اجابه بتعبير شبه ساخر : بالكاد اعيش وسط عائلتي .. حتى اعاملك

استغرب ضياء جوابه متسائلا في نفسه

"حتى في منزله هكذا؟! لا افهم"

لم يستطع كبت استغرابه ليظهره مباشرة : لهذه الدرجة؟
_امم

لم يفهم ضياء ماقصته مع الصمت و ~اممم~ هذه بدأ ينزعج من عدم اكتراثه فحاول الحديث بحماس عله يستفيق ليكون الجو افضل : سيكون الامر رائعا ببساطة انتظر فقط .. طبعا لا توجد اشياء كثيرة في كل هذه المنطقة لكن حتما سنجد ما نفعل

توقف مكانه ليأخذ نظرة سريعة لوجه الآخر ثم ابعد وجهه بلا مبالات : ببساطة .. نمشي منذ دقائق بلا فائدة .. تدرك هذا

تم قصف ضياء لكنه قرر ان يبقى متفائلا حتى يبتعد اكثر فقابله بابتسامة : في العادة لا ابتعد عن المنزل كثيرا .. لكن معك هذا كان شرط امي
_الا تبتعد وحدك
_نعم .. وعدى هذا انا لا اعود للبيت الا وقت الغداء والعشاء
_ماذا تفعل؟

اخيرا سأل عن شيء ما ليجيبه : لا شيء مهم جدا

عاد لرفع عيونه الزرقاء لتلتقي بالعيون السوداء المقابلة كأنه يضيع وقته ثم استدارا بسرعة عائدا الا ان الآخر وقف في طريقه ليمنعه : ستبقى هنا ماذا يعجبك بالمنزل اصلا .. ألا تمل التحديق بالسقف والجدران من حولك وكل ذاك الضيق .. ألا ترى حريتك هنا
_ضع خطة

كلمات قليلة قالهما وقد بدت ثقيل على لسانه ولا صبر يملكه للعودة فعاد اسود الشعر لتفكير : خطة حسنا .. امممم

تم التوقيع على نفاد صبره لينبس بهدوء منزعجا : لا خطط .. افعلا تجيد تفكير .. او انك تتحدث طول الوقت .. بلا فائدة
_اصبر للحظة المهم ان تبقى

كان كل شيء بالنسبة لبهاء ممل لم يبالي بشيء لكن لم يشأ ضياء ان يدعه يعود بهذه السرعة ففكر قليلا واقترح ان يذهبا الى شجرة توت عالية اراد ان يشاركه بهاء تسلقها لكن بهاء كاد يجلب الجنون له فلا يسأل اي سؤال و لا يستفسر فقط يكتفِ ب ~امم~ يتحدث و كأنه مجبر على ذلك

عرض عليه ضياء ان يتسابقا إلى نهاية الشارع و بدأ بالركض مشتعلا حماسا ظنا منه ان بهاء يركض معه لكن لم تفارق البرودة ملامحه او تصرفاته فصرخ ضياء بعد ان ابتعد : لمَ لم تقل من البداية انك لن تركض؟

لكن بهاء فضل الصمت ومتابعة المشي بهدوء فما كان من ضياء الا ان يقف بمكانه والغضب يعتريه ينتظر وصول بهاء إليه عابرا شارعهم

كل ما لاحظه ان بهاء ممل أكثر من اي احد آخر لا يجيد الابتسام حتى لو كان تظاهرا، بهذا أعلن ضياء الاستسلام فمع رد بهاء البارد هذا لا داعٍ لفتح أي موضوع مردد في نفسه

"انه اكبر مني اي حظ امتلكه"

مشيا قليلا حتى وصلوا إلى المنطقة التي تتواجد فيها شجرة التوت الضخمة

كانت المنطقة تشعرك بهدوء نفسي فهي الفاصل الذي يبعد الناس وضجيجهم عن نقاء الطبيعة وهدوءها بعدها

هل يوجد ما هو افضل من استنشاق هواء نقي والاستمتاع بالمناظر الخلابة التي يحال ان تمل منها متناسيا مشاكلك مبتعدا عن مشاكل البشر؟

كانت منطقة الشجرة اجمل من ذلك بكثير ما ان بدءا يقتربا منها حتى بدت بعض ملامح التعجب اخيرا على وجه بهاء لشدة ضخامة الشجرة وجمالها

كانت الشجرة بافضل حالاتها بما انه موسمها جذوعها ضخمة أوراقها نضرة وجذابة مليئة بالتوت طولها تقريبا بعلو ثلاثة طوابق لهذا لم يتسلقها ضياء من قبل فقال : اتعرف الحصول على التوت ليس بالأمر الصعب انظر

هزَ قليلا تدلي الفروع فتساقطت بعض الحبات من الأعلى، امسكها ضياء قبل ان ترتطم بالأرض وقدمها لبهاء مع ابتسامته الصافية

اكلها لكن لم يتغير تعبيره البارد وكأن شيئا لم يدخل فمه فأردف ضياء وكانت الابتسامة مازالت تشق طريقها على وجهه : أعجبتك ؟

لكن جواب بهاء واحد يحال ان يتغير : امم
بتذمر رد : اصنع تعبيرا على الأقل
_الشجرة ..كيف ستصعد؟

لا امل من تغيير مزاجه وضياء كان يظن ان طعم التوت قد يفعل ذلك اوقف التفكيره قائلا : كن سندا لي لأصل فوق
_انا احد ادواتك!

لم يقصد ضياء ذلك لكن حديث بهاء جعله يغير كلامه ليجيبه : طبعا يمكنني استخدامك ان ازعجتني
_امم

رده الغريب كان ساخرا بعض الشيء قد صدم ضياء فالاكيد ان كلامه لم يغير مزاج بهاء فحاول تصحيح ذلك ممازحا : اقصد ستساعدني وحسب
_امم .. اصعد

~ امم~ جوابا لكل شيء، كان ضياء يفكر أن يصعد معتمداً على تشابك يدي بهاء بعد ان استعد لذلك لكن ازرق العينين كان ضعيف البنية وهزيل حتى انه اقصر من ضياء، فطلب من بهاء ان يستند على تشابق يديه ويصعد أولا ثم اضاف : عندما تصل للجذع سارمي لك هذا الحبل ! وجدته من قبل و تركته هنا اربطه جيدا وانزله ليساعدني اتفقنا ؟
_امم
_ستصعد صحيح
_امم
_هذاا ليس جوابا !
_نعم

لقد وافق بهاء على طلبه رغم ان الانزعاج كان واضحا عليه ! صعد بهاء اولا و ارسل الحبل لضياء فاستطاع لحاقه

أخذا بالصعود للأعلى ببساطة، كان ضياء متعجبا فرغم رد بهاء البارد إلا انه كان ينفذ ما يطلبه حرفيا وعندما كانا يصعدا على الجذوع المتقاربة انزلقت قدم بهاء !

كاد يسقط لولا تصرف ضياء بسرعة فأمسك يده قبل فوات الأوان لكن بهاء كان ينظر إليه باستغراب شديد فصرخ ضياء : انتبه ! ألم تصعد شجرة في حياتك ام ماذا ؟!

أما عن بهاء فقد واصل تحديقه ليس الى ضياء بل الى الوهم السابق ليأخذ مكانه مجددا، يرى بهاء شخصا آخر بدلا من ضياء

هذا ماكان ينتظره ليحدث ذلك الوهم في نفسه "لقد عدت مجددا لم اراك الان؟ لماذا كل تصرفاتك تشبهه؟ اردت ان اسألك لكنك لا تجيبني كعادة"

فعاد ضياء لصراخه عله يوقظه من شروده : مابال اندهاشك نحن فوق شجرة الا تلاحظ
_امم

لكن ذلك الوهم اطال البقاء مشرقا بعيني بهاء هذه المرة ، أكملا طريقهما نحو القمة فحدث ما لم يكن متوقع لقد كُسِرَت قاعدة برودة بهاء

انفعل قليلا رافعا صوته فهو يعرف جيدا الشخص الذي يقف بجانبه : راااائـــــــع يمكن رُؤية الجبال المجاورة ! مذهل ! و عال جدا و الأفضل أنه لاتوجد منازل .. لا أحد هناك
_معك حق
_السماء .. كأني أراها لاول مرة .. الغيوم تبدو اقرب بعض الشيء ! لم الاحظ هذا .. حسنا لم اخرج من وقت طويل

بدا و كأنه يريد ان يضحك للحظات لكنه يعود لهدوئه، فحدثه ضياء ممازحا : انتبه و أعد رأسك او سنسقط

شعر ضياء بخليط بين الغرابة والسعادة غير مصدق فهذه اول مرة يراه يتكلم بهذا الاهتمام لدرجة انه كاد يجزم انه ليس طرفا بحديثه الا ان تلك هي الحقيقة التي لا يعرفها

انتبه ضياء لشجرة فوق قمة الجبل المقابل لهما فتحدث مشيرا لها : اه انظر هناك
_الشجرة تبدو صغيرة من هنا .. ما الذي بجوارها برأيك !

لم يكن ضياء يفهم ما هذا التغيير المفاجئ لبهاء لكنه كان سعيد لذلك فأجابه : منزل صغير .. بئر لا اعرف
_يبدو بئرا فعلا لكن على رأس جبل ليس أمرا منطقيا أبدا

هل كان ذلك مزاحا مثلا مع انه لا يعرف الجواب ضحك بخفة مضيفا : يبدو رائعا

رفع بهاء يده للسماء : لو كنا هناك فسنستطيع لمس الغيوم
_ لا يمكننا ذلك

فتشبث بهاء بالغصن وقال بلهجة طفولية بعد أن أخذ نظرة سريعة عن صاحب العيون البنية جواره : أريد البقاء هنا بلا حراك
_اااه ما قصتك مع السكون .. لنقل مارأيك بالذهاب هناك ونكتشف ما يكون

رد و هو يحدق بقمة الجبل: نعــــم سيكون افضل من هنا بكثير
_ستخرج مجددا ؟
_امم

كان نوع من السعادة قد تملك كلماته فجأة وهذا الرد الوحيد الذي كان يعني نعم من كل اعماقه

رفع ضياء قبضة يده في الهواء بتفاؤل : اذا هذه هي الوجهة .. الى قمة الجبل
_حـــــاضر

بقيا يحدقان بالجبل بعض الوقت، من اول لحظة لحد الان كانت اول مرة يظهر فيها بهاء اهتمامه

كأنه تغير كليا بشكل مفاجئ او ربما ضياء لم يعرفه بعد ! المهم هنا انه وجد من يبتعد معه ليس ليوم واحد بل لما تبقى من حياته وينفد شرط والدته بسعادة

نزلا بهدوء وتلك العيون الزرقاء تلتفت للسماء للحظة وللجبل بعدها

ضحك ضياء من تصرفاته قائلا : انتبه اين تضع قدميك اولا .. سنصل هناك لا تستعجل
امم

قبل ان يصلا للارض قطفا بعض التوت وملؤا جيوبهم، بتفاؤل وكأنه وجد صديقا ليمض الوقت معه قال ضياء: حسنا لنعد ونخطط لما سنفعل
_امم

امضيا طريق العودة بأكل التوت الذي قطفاه من اعلى شجرة في المدينة، بعد وقت عاد ضياء لاسئلته بما أن الآخر قرر الحديث مسبقا : و اذا هل نلتقي مساء؟
_ستخرج ؟
_حسنا اعجبني جلوس السطح لنصعد هناك
_حسنا

بهاء لم يرد ب~امم~ خاصته فعاد ضياء للضحك على موافقته لطلباته

جار وصديق بآن واحد لم تكن بالفكرة السيئة ثم اكمل اسئلته ليتعرف على بهاء اكثر : ستخرج مجددا سيكون هذا رائعا بالفعل
_سنذهب للجبل

بدت كلمات مبتسمة رغم تلك التعابير الباردة على وجه بهاء فرد الاخر مبتسما مكانه : انت مهتم؟
_امم
_اذا هل انت وحيد عائلتك ؟
_انا .. انا .. امم

انقلب وجه بهاء فجأة لما كان عليه وعادت لا مبالاته و صمته لاحظ ضياء ذلك ليعتذر سريعا : اسف لو ضايقتك بأسئلتي
_امم
_اما انا فأملك اختا صغرى .. اصغر مني باربعة سنوات ستراها بالجوار تلعب مساء
_امم

شعر ضياء باختلاف بهاء مردداً في نفسه

"ان به شيء مختلف! شيء لا افهمه"

لم يجد داعٍ ليكمل اسئلته فالواضح ان بهاء غير مهتم بل بدى تائها بعد سؤال انه وحيد أضاف ضياء لحديثه مع نفسه

"معك حق إن الوحدة مزعجة جدا"

اكملا الطريق بصمت حتى وصلا قرب منزليهما وبابتسامة قال ضياء : اذا مساء على سطح
_امم

لم يفهم جوابه ولم يشأ ازعاجه بسؤال اخر فقرر ان ينتظره على السطح مهما كان ما يعنيه بجواببه

دخل ضياء منزله وكان وقت الغداء ليجلس على الطاولة في المطبخ

بما انه فصل صيف فلا خروج بعدها لان الحرارة عالية بالخارج ، حدث والدته او لنقل ازعجها بحديثه الكثير رغم بساطة ما فعل ثم عاد للنوم بعد الظهيرة حتى يستطيع السهر

اطفأ مصباح غرفته و ارتمى على سريره

"المضحك هنا انه جواري منذ شهرين مازلت لا افهم كيف لم ألاحظه ! كان كل شيء ممتعا رغم بساطته"

فقال ببعض الحيرة :ماذا عنك ~بهاء~

واصل حديصه ضاحكا بنفسه

"لم ننادي بعض بأسمائنا حتى"

ابتسم بطريقة ما قابضاً على صدره

"اريد ان التقيه مجددا"

اغمض عيناه و نام بعمق والبسمة تعلو وجهه

أما في المنزل المجاول فالوضع كان مختلفا كليا، دخل المنزل والتساؤلات تملأ تفكيره لحد الألم

"لم اختفيت؟ هل ساراك مجددا؟ لم لا تجبني؟ انا لم اخطئ صحيح .. فقط اريد رؤيتك أكثر"

نعم وكأن شخصا ما غير ضياء كان معه ورحل فجأة لتعود برودة وجهه شخص يريد البقاء قربه فقرر ان يتبع ضياء ويحتمله لم يكن يفهم شيئا مما حدث ومادخل هذا بذلك!

دخل المطبخ شاردا لا مباليا كعادته وكل ما قاله : امي لقد عدت

قابلته بابتسامة دافئة وعيون زرقاء سعيدة : اهلا بعودتك كيف كان يومك ؟

لم يتغير شيء من مزاجه ليقف بارتباك بالمطبخ : لابأس .. به
_ماذا فعلتما بالخارج اذا ؟
_لا شيء .. مهم
_اه هيا الا يمكنك الحديث قليلا ؟!
_حسنا تسلقنا شجرة عالية وعدنا فقط !

هكذا كان الامر بالنسبة له اما والدته مصرت لتعرف المزيد : حسنا وماذا عن ذلك الفتى ؟
_امم
_جارنا صغير اهو بنفس عمرك ؟
_امم
_اذا ستدرسان معا هذه السنة
_امم

هنا بدأ الضيق يخنق بهاء فهو يعرف ما سترد به والدته و يجب ان استمع رغم انه يريد العودة لغرفته وحسب بدل اجبار نفسه بالرد بشيء مناسب حيث سيكون الفشل نتيجته ليرد ب~امم~ لا أكثر

بنبرة حادة قالت : إنْ عاملته هكذا ستضايقه و يذهب ! لم تحصل على اصدقاء من قبل فكن لطيف معه وغير ردك هذا مفهوم !
_امم

مجددا لم يجد مع يقول وبما انها تلاحظ ارتباكه التي اعتادت عليه هدأت : حسنا مع كل هذا لم يتغير شيء

ابتسم بهاء ابتسامة باردة تخلو من المشاعر : ربما

هذا كل ما قاله مصرا في نفسه

"ولن يتغير أبدا مهما فعلتم"

لكنها ابتسمت بتفاؤل واضح وهي تضع الغداء على الطاولة : حاول بني .. حاول .. والآن الغذاء جاهز تفضل

اكمل بهاء غدائه منصتا بصمت لحديث والدته ثم انصرف لغرفته ليغلق على نفسه بعيدا عن الجميع وتلك الكلمة تدور براسه

~ اصدقاء ~

عاد لتساؤلاته قاصدا ضياء بكلامه

"اهو صديق؟ متى كان؟ هذا ما قاله ايضا! هو حدثني لدقائق فاصبحنا اصدقاء! تقضية بعض الوقت يجعلكم اصدقاء؟ لكن مادخلي بينكم؟ هو مجرد جار منفعل وسيبقى كذلك لا اكثر .. ما هي الصداقة اصلا؟! العلاقات ليست بهذه البساطة فقد يختفي كل شيء .. و سينتهي فقط!"

كل هذه الفوضى بنفسه قد رافقته طول اليوم لكن وصل لحله المعتاد بتجاوز اي شيء في طريقه

صعد لسريره جلس ضاما ساقيّه واسند رأسه جهة ركبتيه في مشهد كئيب محاولا اقناع نفسه بان ماحدث مع ضياء : سيتهي . . سيتهي فقط !

واصل حديثه مع نفسه لكن هذه مرة كان يقصد شخص غير ضياء شخص قد رآه اخيرا بعد طول انتظار

"كبت هذه الدموع اصبح صعب .. بعد ماذا بعد عودتك .. لماذا قبلتُ ان اخرج؟! لا اريد الاقتراب من احد ~لا شيء~ فراغ وحسب لا اجيد الحديث الا مع نفسي"

ارتعش وكأن ريح باردة عصفت به لتسخر نفسه منه متذكرا آخر ماسمع من ذلك الجار ~وحيد عائلتك~ قبض على معصمه بقوة وما قاله كابتا صراخه دوى بنفسه : اعرف انك لا تسمعني ! ولن تجيبني!

....... يتبع

رايكم بالبداية؟
رأيكم بالشخصيات لحد الآن
من هذا الشخص الذي يراه بهاء ويحدثه؟
هل من توقعات

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top