~•°|أيها الفقير|°•~
•
°
•
°
جالسٌ بهدوء يحاول تناول غداءه الذي أعده صباحًا ليأتي حوله طالبان ، دارا حوله وعلى و جههما ارتسمت ابتسامة ساخرة وشامتة
- "ليونهارد روبرت "
سرت رعشة في أرجاء جسده جراء خشونة صوته ، نهض من مقعده موقعًا إياه ليردف :
- " أيها الفقير ، هل هذا اللقب أعجب مسامعك أم تحتاج إلى غيره "
لم ينبس بشيء و نظره إتجه للأسفل ، لم يرد البكاء رفض أن يكون ضعيفًا فقط من أجل هذه الكلمة قال بصوته المحتقن ليتقطع تدريحيًا :
- " ماذ..ا تر.. يد ؟ "
تقدم المعني بدوره ليمسك من شعره ، تمنى أن تتوقف هذه المهزلة ويدقَّ الجرس معلنًا عن نهاية الإستراحة لكن ذلك لم يحدث ' وهل التمني يجلبُ نتيجة في مثل هذه الأوقات الحرجة ' هكذا أقنع ليونهارد نفسه ، توقف الزمن لديه و كل ما يسمعه تلك الضحكات التي تخرج من أفواههم لتخترق أذنيه وياليتها تقتصر على فعل ذلك فقط بل تتدخُل ببطء لتهشمَ قلب طفلٍ صغير لم يذق هذه المعاناة من قبل ، قاطع شروده صفعاتٌ خفيفة ليضربه ذاك الذي ما زال يشد شعره بقوة :
- " طعامك هو ما نريده "
علت على وجهه صدمة كبيرة ، لماذا حتى يأخذون طعام غداءه أوليسوا أغنى منه ؟!
ألا يملكون المال لشرائه ، أراد أن يبكي الآن وبهذه اللحظة حاول تمالك نفسه ومرارًا لكن دموعه تمردت لتشقَ دربها على وجنتيه
كل ما سمعه هو الضحك ، والضحك ولا شيء إلا الضحك وقف أحدهم ليشير جاذبًا الجميع
- " الآن انتبهوا إلى هذا العرض الممتع "
قالها غامزًا لرفيقيه ، أمسك علبة طعامه ليهرسها بقدمه اللعينة ، عضّ على شفتيه فأي إنسانٍ يفعل هكذا بطعام فقيرٍ كما قالوا عنه
ليونهارد
ماذا الآن ، ماذا سيفعلان أنا أتوقع الخطوة الجديدة ، أظن أنه سيطلب مني أن أتناوله أو سيطعمه له رغمًا عنه ، لم كل هذا يحدث معي بالذات ، لمَ أنا من يتلقى كل شيء ، هل الجواب هو : لأنك أصبحتَ فقير
عاصفة هوجاء إشتدت في ذهن الصغير . بقيَّ يتساءل ثم يجيب كالاحمق الذي يكلم نفسه لكن هذه الأسئلة فقط هاجت لتجول في أعماقه ، رفع شعره الأشقر فخرجت الآهات من فمه معلنًة عن ألمٍ شديد ، إزاد وقع خطواته ليقترب أكثر وأكثر حاملًا ذلك الطعام الذي هرسه لتوه ليمرمغ وجهه ، محاولًا إمساك أنفه الصغير ليقطع الهواء عنه ، ظلامٌ حالك ... غطى على عينيه تلك الضحكات التي تعالت مجددًا ليغرق ليونهارد في أفكاره مغلقًا أذنيه بكفيه ، لا زال ذلك الفتى يمسك بأنفه ويدٌ أخرى غطت فمه و جسدهُ قد ثُبِتَ تمامًا رافضًا الخضوع له والتحرك ، سمع أحدهم يعدُ بصوتٍ عالٍ
٨..
٧..
٦..
٥..
٤..
٣..
٢..
١..
انتهى من العد وأفلته الثلاثة ليدفعوه أرضًا ، أخذت شهقاته تتعالى مرارًا وعانى صعوبًة في إعادة تنظيمها ؛ بسبب ذلك
إحتاج الأمر بضع دقائق ليذهب الجميع متجاهلين ذلك الفتى الذي لم يحتمل هذه المعاناة و هو لا يزال في يومه الأول فهل سيصمد للقادم ؟
انتهى الدوام المدرسي اللعين ظانًا أن الأمور ستوؤل للجيد لأنهم ولحسن حظه لم يقتربوا منه بعد إستراحة الغداء ، تفهم وضعهم وفسره على أنه إستقبال فظيع من قبلهم ، لم يرد أن يقلق والديه أكثر ، دلف إلى الكوخ الصغير وقد أنهكته مسافة الطريق ، خلع حقيبته ليأخذ مذكرته التي أصبحت ومنذ أسبوع مأمن أسراره خط كلماته عليها :
•
°
•
°
الخامس من ديسمبر
الأمر كان فظيعًا لم يخيل إلي يومًا أني سألتقي أناسًا بهذه الفظاعة ، رغم أنهم في مثل سنيّ إلا أنهم كانوا عنيفين للغاية ، تلك الأيادي ثقيلة جدًا ، هل هذا هو الشعور بالفقر ؟
أنا أتساءل وأريد أن أعثر على جوابٍ شافٍ ، سأتعمق في الأمر أكثر
لماذا هم يكرهون الفقراء حتى ، لقد شاهدت طفلًا صغيرًا في ملابس رثة وبالية للغاية منظره يشفق القلب ، تمسك في أحد المارين ويبدو أنه من الطبقة الرفيعة والغنية تمنيت في داخلي بلو أنه لم يفعل ذلك ، فلقد دفعه بقوة ليقذف عليه وابلًا من الشتائم المهينة والتي توجهت معظمها لوالديّ الطفل ، ثم راح يتمتم أنه سيحرقُ ثيابه بسبب تلوثها بيديه القذرتين ، هل لهذه الدرجة الأمر يغضب ، بحق هو لم يفعل شيئًا
كيف لم أشعر أن الفقراء والأغنياء في صراعٍ دائم ؟
مدرستي الجديدة كلُ من فيها أغنياء إذن سأتعرض دائمًا للتنمر
فعلو فيَّ الكثير سخريتهم ، و هرسهم لطعامي ، تهديدهم لي
هذا لا يبشر بالخير
•
°
•
امتقع وجهه ليترك القلم ويقفل دفتره الملون ليخبئه جيدًا ، فكرَّ جليـًا بالأمر ولم يجد الإجابة ليتمتم
- " لما أنا على عجلة من أمري ، في الأيام القادمة سيتضح الكثير "
خرج مسرعًا يريد بأي وسيلة كانت مساعدة والده ، لم يأبه لسخرية الأشخاص ، و لا لذلك الكلام الذي يحطم الكثير في قلبه عمّل في نقل البضائع الثقيلة لم يتهاون صاحب العمل معه ولم يراعِ فارق السن بينه وبين العمال الآخرين ، ولا لضعف عضلاته همه هو الإستهزاء منه بشتى الطرق ... تهاوى جسده إلى الأرض مع أخر صندوق حمله على ظهره ليأتي موبخًا و شتامًا إياه بكل الشتائم التي يحفظها ، صفعه ليرتد جسده الذي نهض بصعوبة على الأرض
-" أيها المدلل ، أتظن أنكَ في قصرك الآن ، من سمح لك بأخذ قسطٍ من الراحة ؟! انهض وقف على قدميك سأخفض من أجركَ لهذا اليوم "
أخفض رأسه بذُلٍ ، قهرٌ اجتاحه ليسيطر عليه ، يمنعه من القول و الإجابة زمَّ شفتهُ السفلى وقبض على يديه بألم ، حمل الصندوق الذي أثقل على كاهله ، أنهى عملهُ ليتهاوى أرضًا بتعب ، تقدم صاحب العمل بسخط ليرمي عليه تلك الدراهم القليلة :
" هيا إنقشع من أمامي ، لا أريد رؤيتكَ مرًة أخرى"
لولا أنه بحاجةٍ ماسة للمال لما أخذه ، تخلى عن كرامته في لمحِّ البصر ، ليضع سعادة والديه نُصبَّ عينيه ، عادَّ أدراجهُ إلى ذلك الكوخ الذي بدأ يرى الدفء في أنحاءه ، تمنى أن يكون ذلك كحلمٍ ويستيقظ منه ، حلمٌ شنيعٌ سلبَّ من والديه الراحة ، لكن ماذا ؟!
هذا ليس حلمًا إنه الواقع المرير الذي يعيشونه ولن يفارقهم
انقضت ليلةٌ أخرى ولم يرََ والديه ، تنهد براحة كبيرة كان يخشى أن يراه والده فيكتشف أمره
دخل إلى تلك المدرسة ليتلقى لكمًة على وجهه أفاقته من شروده دققت زرقاواه في ذلك الفتى الضخم ، أخذوا حقيبته ليرموا بأشياءه أرضًا كل تلك العناية و الإهتمام بأدواته المدرسية تبخر الآن وأمام عينيه
كسروا له أقلامه ، لن يستطيع تدوين ملاحظاته ، مزقوا معظم واجباته الذي استنزفت طاقته بالأمس ، سيعاقبه الأستاذ هذا كل ما فكر فيه
تلاشو من أمامه بخطواتٍ بطيئة ، لملم أدواته على عجل ودموعه بدأت بالإنهمار ، رافضًة التوقف
كان على يقينٍ أنه سيزور المدير لهذا اليوم فماذا سيقول الأستاذ عن رؤيته لطالبٍ فقير لم يحلَّ واجبه
- " مهمل أين عقلك ، كل هذا الشرح المتواصل لتأتي إليّ فارغًا ومن دون أيّ معلومات حتى أنكَ لم تحاول "
تمنى أن يصرخ ليوقفهم عند حدهم لكن تلك النظرات لا تبشر بالخير أبدًا
" إلى غرفة المدير "
وقف بسرعةٍ متجهًا إلى غرفة المدير
عقاب تلو عقاب ، ضربٌ وشتائم لم يتوقفوا عنها طوال أربعة أيامٍ متواصلة ، بكاؤه الذي حمل هموم الجبال ومذكرته التي خطتها أنامله وصوت شهقاته التي ملأت الكوخ الصغير شُقَّ التعب إليه من كل النواحي إحتاج إلى والده الآن حضنٌ يدفئه و ينتشله من هذا الظلام الذي غرق فيه ، إحتاج إلى أمه وصوتها الهادئ وكلاماتها المشجعة
ظلام ...
كل ما حوله هو الظلام فقط
☁انتهى البارت☁
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top