الفصل العاشر

وصلت الأم بعد العشاء على اتصال هارون يخبرها بأمر الحادث و أن يارا الآن فى العناية المركزة. ظل فِراس جالس منتظر مع هارون خروج الطبيب من الغرفة بعدما نقلت يارا أمام عينهم للداخل. خرج الطبيب بعد فترة من الغرفة ليواجه الشابين و الأم.

"اطمنوا مفيش حاجة خطيرة، مجرد ارتجاج خفيف فى الدماغ و معاه بعض الكدمات و تمزق فى أربطة الكتف الأيمن." تنهد الجميع بإرتباح فبالفعل لا يبدو أى من ذلك شنيع. تحركت الام نحو ابنها لتستند عليه فى عناق طمأنينة للأخبار.

"بعد اذنكم حد يتوجه للحسابات عشان يحاسب"

"ينفع الفجر مع وصول والدها طيب؟" سألت الأم. فاومأ الطبيب و رحل. فى تلك الأثناء استيقظت عاصي بهدوء و خرجت لتجد لميس بجانب والدها يشاهدان فيلم ما، فحمحمت لتجلب انتباههم.

"مساء الفل" قال الوالد ببسمته التى تنقل مشاعر السعادة و الفرح دائماً "يلا عشان تتعشي"

"هو فين الكُل؟" سألت عاصي و هي تحاول جاهدة إبقاء هدوئها و إقصاء ذكريات أخر أحداث اليوم. وقفت لميس و استعدت الإتجاه نحو المطبخ و هي تجيب

"كُلي الأول و بعدها نتكلم" فى نفس الوقت لكن بمنزل مُنذر عاد هارون توه من المشفى و بعد إلحاح طويل وافقت والدته البقاء عند أختها الأرملة التي سوف ترعاها. دخل و ألقى بنفسه على السرير حيث سلبت حرية أخته عليه و نظر للأعلى بينما كان مُنذر يعد لهما العشاء. نظر هارون بطرف عينه التى لا تغطيها يده نحو الركن الأخر و به كرسي أمامه لوحة يرسمها مُنذر مازالت ملامحها غير واضحة لكنه أدرك وجه أخته فى طرفها. لحظات و دخل مُنذر فى يده صنية بها شاى و بسكويت و عيش محشو رومي مدخن، وضعها على الكمدينو و جلس بجانب هارون الذى اعتدل ليجلس القرفصاء

"هنعمل إيه فى ال*** ده؟"

"متشلش همّ أنا اتصرفت خلاص"

"قولي أن تصرفك هيجبلها حقها" ابتلع مُنذر قضمة من العيش ثم شرد أمامه فى اللوحة

"أه... بالمناسبة خدني بكرا لبيت لميس"

"مش هترضى تشوفك"

"أنا حُر يا هارون" امسك باشياءه من الصينيه و اتجه ليجلس أمام لوحته و بدأ بإعادة إذابة بعض الألوان بينما امسك هارون هاتفه تماماً فى الواتساب ليصتدم ببعض الرسائل الكثيرة التى وصلته

"يا ابن ال***" لف مُنذر رأسه للحظات قبل إعادتها للأمام و هو يستوعب ما صدم هارون. "إيه الوقاحة إلى هو فيها ديه، ما تمسح الى هو قاله يا مُنذر"

"سيبه" أجاب منذر ببرود ثم أرجع رأسه على الكرسي و قال بهدوء "الشباب هاجوا عليه، أنت مش متخيل كام ولد اتصل بيا ينتقم و البنات كانوا قبلهم. خليه يوطى فى نظرهم كلهم قدر المستطاع، سيبه يلعب على الوتر الحساس لحد ما ينفجر فى وشه" اندفع هارون واقف فى اعتراض و اتجه ليقف أمام مُنذر

"أنت مبسوط بالى بيقوله عليك و عاصي، الوصف ده كله! دي أختي كفاية فضايح بقى" تنهد مُنذر و هو يضع القلم الرصاص

"هارون، بالراحة. أنا ليه أتدخل لما صحابنا هاجموه و البنات فضحوه فى الفيسبوك. اقسملك أننا هناخد حق عاصي بس بالهداوة، مينفعش تحت أى ظرف تستجيب لإستفزازاته"

"ماشي. أنا هدخل أنام" جاء الصباح الباكر و استيقظ نصف الكرة الأرضية و استعدوا لأعمالهم، لكن الأهم كان والد يارا الذى وصل المشفى مع وقت زيارة يارا اليومية. كانت الوالدة بالغرفة بالفعل و بجانبها هارون حين دخل و وقف بجانب سرير ابنته بينما يسأل هارون

"يعنى إيه إلى حصل ده؟"

"كانت بتعدي منغير انتباه" أجاب بهدوء فإذا الوالد ينظر حوله

"فين عاصي؟"

"مش قادرة تشوف يارا كدة فحتفضل مع صاحبة يارا لميس" الكذبة الرائعة التى صدقها الوالد بعد لحظات من الشك و الأم تأكدت منها من اتصال لميس فى الصباح الباكر. دق أحدهم الباب و بعدما أُذن له ظهر حازم الذى ما أن رأى والد يارا حتى تشاركا عناق عميق كلاهما فى شوق لرؤية الأخر. هذا العناق جعل هارون يريد التقيؤ، كم من نفاق يتمتع به كلاهما! لكنه تسمر مع رؤية صاحب العين العسلية يعبر باب الغرفة بكل برود فى يده بوكيه ورود قد يبلغ على أقل تقدير مائة جنيه، ورود شديدة التناسق فى الألوان و رائحتها غزت الغرفة مع دخولها. أكثر ما لفت انتباه هارون هو كون الوردة البنفسجية البلدية التى تعشقها يارا احتلت أكبر جزء من البوكيه فى كأسه الزجاجي، ابتسم لفِراس و هو يتجه ليلقى عليه الترحاب.

"صباح الخير يا فِراس"

"ألا هو أنت، بتعمل إيه هنا؟" سأل حازم بغضب. وضع فِراس الكأس على الطاولة المجاورة ليارا ثم نظر فى وجهها ملفوف الدماغ مما جعل حجابها فى شكل سئ، لكنها ظلت جميلة فى عينه مما جعله يبتسم متجاهل سؤال حازم و عينه المشتعلة فى غضب.

"فِراس كان معانا طول اليوم أمبارح يا حازم لحد ما ماما مشت بليل" قال هارون مسدد هدف أخر فى زيادة غضب حازم. لكن هذا كله لا يقارن بما حدث مع دخول الممرضة فى يدها دفتر صغير و معه ريسيت

"أستاذ فِراس الفكي؟"

"أنا" أبعدت الممرضة عينها فى خجل و مدت يدها له

"ده إيصال الدفع بتاع حضرتك، كدة كل فلوس آنسه يارا خالصة" خرجت الممرضة ليندفع حازم فى عدم رضا، بينما كان الوالد مصدوم فهو كان قد وصل توه و عرف المقدار من المال المطلوب و سوف يدفعه بينما الأم شعرت ببلاهة تامة فمن هذا!

"هو فى إيه؟ زيارتك مقبولة بس فلوسك، ليه إن شاءالله ملهاش راجل يصرف عليها؟"

"لا فيه، والدها إلى ما كان هنا حتى الصباح و أخوها القاصر. ما بشوفلها رجال آخرين" اندفع حازم و كاد الامساك بياقة تيشرت فِراس إلا أن هارون وقف أمامه و برر بنية صافية، ظاهرية

"أنا الى قلتله يدفع. عارف أنك معكش فلوس بأمارة أنك مش قادر تظبط أخر حجات فى الشقة"

"هارون، هو إيه إلى بيحصل هنا فهمني!" نادت الأم بعدما سأمت الضباب فى الغرفة و وقوف طليقها صامت.

"ولا حاجة يا ماما. فِراس هو الى نقل يارا هنا يبقى بديهي هو الى يدفع" نظر إلى حازم و قال "و زى أى راجل حازم فى فترة بيقتصد فيها عشان يعيش يارا حياة حلوة"

"شكراً يا أستاذ فِراس بس كل ده مكنش ليه لزوم. خليني أكتبلك شيك بالرقم المطلوب" نظر الجميع للأب

"لأ يا عمي، هذه هدية بسيطة مني ليارا" نظر فى ساعته الذهبية التى قصد ارتدائها هي عن غيرها لتجذب انتباه والد يارا و حازم "أنا بروح الآن يا هارون، وقت تفوق يارا بس خبرني"
.
.
كانت نهاية هذا اليوم وشيكة جدا حين دخلت لميس غرفتها فوجدت عاصي نائمة لكنها ترتعش بقوة و تتمتم بابتعد بينما جبينها يتعرق بقوة. طوال اليوم أصابها صمت تام، لا تنطق إلا فى الحاجة لكنها كانت حاضرة فى كل شئ ولم تظل بغرفتها أو تنام كأمس، كان وجهها شاحب إلا أن والد لميس أخذ يضحك معهم فاندمجت لفترة قبل عودة الإكتئاب لها. هلعت لميس و اتجهت نحو عاصي و بدأت تهزها بخفه تحاول إيقاظها لكن بلا فائدة فزاد هلعها و خرجت لوالدها تشكى ما يحدث. قفز الوالد و اتجه ليتفقد عاصي فإذا به يبتسم بهدوء

"حمى جامدة، حنزل أشتريلها دوا و أنتي لبسيها حاجة خفيفة و ابدأى كمادات ساقعة" فتح الوالد باب شقته فوجد مُنذر أمامه بجانبه هارون. ضيق مُنذر عينه من مظهر الوالد المتسرع

"عمو فى حاجة؟"

"تعالوا ننزل، عاصي مش كويسة النهارده"

"يعنى إيه، مالها؟" سأل مُنذر بتوتر. كاد الأب إغلاق الباب خلفه و يشرح لهما ببساطة إلا أن صراخ عاصي بابتعد صدع من داخل الشقة الضيقة فنظر الأب خلفه بتلقائية ثم عاود النظر للشابين فوجدهما على آهبة الإستعداد للدخول إلا أنه يجب احترام خصوصية لميس فنادى عليها.

"لميس... هارون و مُنذر هنا." ظهرت لميس خلف والدها

"هاتهم، و اتصلوا بدكتور" دخل الثلاثة و أعطى مُنذر هاتفه إلى هارون و عليه رقم ما

"ده دكتور صاحب ماما" قال بهرولة و هو يدخل غرفة لميس حيث كانت عاصي متقوقعة على السرير ترتعش بشكل أفزعه و لميس بجانبها فى يدها كوب مياه ترفض الأخرى قبوله. أنفاس عاصي سمعت فى الأرجاء

"عاصي" نادى بهدوء فرفعت عينها ببطئ ليجد الشحوب يغطى وجهها فأصبح أسود اللون. نظرت له للحظات قبل أن تتقئ فى فمها ثم تهب واقفة و تركض نحو الحمام، حاول تبعيتها لكن رجل البيت أعترض

"سيبها يا مُنذر" كانت لميس بالفعل قد وصلت للحمام حينها. جلس مُنذر على الأريكة و سمعوا صوت تأوهات عاصي من الداخل التى حاول كلا الشابين التغاضي عنها قدر المستطاع. دقائق عديدة حتى هدأ الصوت تماما و تبعه صوت مياه تقطع الصمت فى الشقة، إنه المساء فلا حركة فى شارع ضيق جانبي و الجيران دائمي الصمت لذلك كل حركة فى الشقة مسموعة. ظهرت لميس و عاصي تستند عليها و الأرق يظهر عليها.

"عاصي" انتفض مُنذر يحاول الوصول لها لكنها شدت على قبضتها فى عناق لميس و أخفت وجهها أكثر فى عنق الأخرى "ردي بس عليا"

"أمشي" قالت بخفوت فلم تسمعها سوى لميس.

"عاصي أقسملك-"

"أمشي!" صرخت به و هي تلتف لتنظر فى عينه. "مش عاوزة أشوفك، أنت إلى سبته فى بيتك، أنت إلى بعتلي أجي البيت. أمشي أنا خلاص... بقيت... بكرهك" و فقدت وعيها بين يد لميس التى تحملها بصعوبة فاتجه كل من الشابين يساعدها فى حملها مرة أخرى للسرير. مرت ساعة كاملة و الرجال فى الخارج بينما تجلس لميس بالداخل تقوم بالكملدات لعاصي، حتى حضر للطبيب و ما أن دخل حتى احتضن مُنذر فى اشتياق.

"إيه اخبارك يا مُنذر و ماما و بابا؟"

"كويسين الحمدلله" تراجع الطبيب و البسمة واسعة.

"فين البنوتة؟" قادهم الوالد للداخل و بسبب ضيق الغرفة ظل هارون مكانه و خرجت لميس لتعطى الطبيب مساحة للجلوس على الكرسي مكانها. قام بإجرائاته قبل النظر لوالد لميس ظنا منه أنه والدها.

"دى حمة شديدة شوية، حكتبلها أدوية بس لو متحسنتش فى يومين يبقى حناخد حقن. هي كام سنه؟"

"هتقفل التمنتاشر" أجاب مُنذر. كتب الطبيب الأدوية لكنه توقف لحظة ثم رفع نظره بين الوالد و مُنذر

"هو مين حيدفع؟"

"أنا... أكتب يا دكتور الأدوية المستوردة إلى عاوزها" أجاب مُنذر بسرعة قبل تدخل والد لميس، الذى بدوره نظر له بإستنكار لكنه فضل الصمت حاليا. مد الطبيب الورقة إلى مُنذر و أعطاه إرشادات العلاج و بدأ يلملم أشياءه حين قال مُنذر

"دكتور، ممكن تكشف عليها و تتأكد أنها مش حامل" توقف الطبيب و صدم الوالد. التف الطبيب لمُنذر و ابتسم له بخبث و سأل بمزاح.

"إيه يا مُنذر مقدرتش تصبر على رزقك؟" ابتسم مُنذر بسخرية و حزن

"صدقني يا عمو كان نفسي يكون أنا" نظر لعاصي بتمعن "بس الى حصل ده كان غصب عني و عنها"

"ده كان أمتى؟"

"امبارح الظهر" أجاب منذر و عينه لا تغيب عن وجهها.

"يبقى سخنيتها ديه بسبب الحالة النفسية." أغلق حقيبته "أسف يا مُنذر بس ده مش تخصصي و بدري أوى، حملها من عدمه حيظهر من تحاليل أو هي تقولك لما تفوق"

"تمام" صاحب مُنذر و الوالد الطبيب للخراج و نزل معه مُنذر ليشترى الأدوية. توقفا فى الأسفل عند باب العمارة ليقول له الطبيب

"ليلي حكتلي على الى حصل" تسمر الأصغر مكانه فى قلق "شكراً ليك يا مُنذر، بنتي كانت هتضيع لولاك" التف مُنذر و ابتسم

"ليلي أختي و أنا مقبلش أخواتي يصيبهم سوء" أومأ الطبيب و هو يضع يده على كتف مُنذر ليعبر عن امتنانه

"أبقى كلم البنت إلى فوق لما تفوق، أنت أكتر حد هي حتكون محتجاه"

"هي حتى مش عاوزة تشوف وشي"

"عادي يا مُنذر، الصدمة هتاكل عقلها من كل حته. خليك أنت بقى فى النص، فى المكان إلى الصدمة هتقف عنده بطبيعة الحال. أسمع مني، وجودك حتى لو كان بالغصب عنها دلوقتي هيفرق قدام و فيه يوم هتشكرك عليه."

"يارب" أعطى مُنذر الأدوية إلى والد لميس و نظر مرة أخيرة لعاصي المهدأة بدواء ما ثم رحل بسيارته مع هارون الذى سوف يخوض معه حوار شديد الأهمية للأثنان.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top