الفصل الحادي عشر
ركب هارون بجانب مُنذر الذى يسوق السيارة نحو مطعم ما ليأخذا عشائهم، بعد فشلهم بسبب الحالة النفسية فى إعداد غذاء. بعد صمت طويل و بين الشوارع متكدسة السيارات سأل هارون
"مُنذر، لو عاصي طلعت فعلاً حامل هنعمل إيه؟"
"هتجوزها" نظر له هارون بتعجب "هتجوزها النهارده قبل بكرا، أنا مش هسمح لحد يقول عليها كلمة وحشة"
"ده على أساس أن بنت ١٨ سنه أتجوزت من الباب للطاء فى يوم و ليلة مش حيخليهم يتكلموا" سخر هارون و هو يعيد إسناد ظهره على الكرسي. أزاغ مُنذر بعينه فى ضيق من صدق كلمات الأخر. "مُنذر بلاش كلام ملهوش لازمة فى حين أننا عارفين أنا عاصي لو حصلها كدة هتنهار و زود بقى سبب واقعي أنها تتمنى كلنا نتحرق."
"معرفش يا هارون، بجد معرفش و أقفل السيرة بقى"
مر اليوم التالي فى نفس الهدوء فلا شئ من جديد، لم تفق يارا من نومها بعد و لم تتحسن حالة عاصي عدى أن حرارتها بالفعل بدأت تنخفض. اليوم الثالث كان يوم حاسم فى حياة كل من الأختين فمع صدوع صوت مؤذن الفجر فى الأرجاء استيقظت يارا و اتجهت بمساعدة الممرضة للصلاة، و فى نفس الوقت أيقظت لميس عاصي و أجبرتها على القدوم الصلاة معها. بعد ذلك جاء الصباح و نزل هارون متجه إلى المشفى وقت الزيارة فإذا به ينظر إلى أخته التى كانت نائمة و قد طمأنتهم الممرضة أنها استيقظت منذ فترة.
"مين فِراس ده يا هارون؟" سألت الأم بجدية
"ده واحد معجب بيارا"
"و أنت سايبه يقرب منها و هي مخطوبة؟" تنهد هارون بينما يحاول إيجاد أنسب طريقة لوصف لوالدته ما يحدث دون أقامة كوارث
"ماما، الحوار مبقالوش كتير و يارا هي الى مش معترضة فليه أتدخل"
"ليه تدخل؟" استنكرت بروده بحِدة "أنت أمتى بقى حتشيل مسئولية أخواتك و تبقى راجل؟"
"أوعدك، قبل ما أموت هعمل كدة" ضربت يدها على فخدها فى ملل شديد من برود ابنها. هنا دخل حازم و اتجه ليجلس على الأريكة بعد إلقاء التحية على الأم ثم هارون، مع جلوسه فتحت يارا عينها و نظرت قالت بخفوت
"ماما"
"يارا حبيبتي أنتي أحسن دلوقتي؟"
"الحمدلله" لفت نظرها إلى الورود و عادت بسمتها تتسع و هى تسأل بضعف
"مين جاب الورد ده؟"
"فِراس" أجاب هارون سريعاً و تابع اتساع بسمة أخته و أبيضاض وجهها "هو الى جابك هنا و دفع فلوس كل حاجة هنا، و الأهم جه كل يوم"
"أه... يعنى إيه جابك هنا ديه بقى عشان أنا مش فاهم" اختفت بسمة يارا و أصفر وجهها مع سماع لكنة حازم الشديدة فنظرت للجانب الآخر حيث جلس على الأريكة
"عادي كنت بكلمه لما العربية شالتني"
"بتكلميه!" اندفع حازم بشك و تحرك ليقترب من حافة الأريكة.
"أه يا حازم في إيه؟ كان معايا على التليفون بنتفق على ميعاد ننزل فيه نجيب هدية للميس و مالك" هب حازم واقف فى غضب
"لا ماشاءالله، تنزلوا و هدية و تليفون. أنتي نسيتي أنك مخطوبة و ليكي راجل ولا إيه؟"
"السلام عليكم، يارب ما كون جيت بوقت مو مناسب" قاطعهم فِراس من عند الباب فتوجهت كل الأنظار له و خلفه فلبينية ما. ابتسم هارون و هو يرى العلبة التى فى يده بينما تجعد وجه الأم فى عدم راحة من المستقبل القريب و ضيق حازم عينه بغضب قبل القول فى وقاحة
"أه وقت غلط، أتفضل برا"
"أتفضل يا فِراس" عاندت يارا لتتلقى نظرة تحذير تجاهلتها من حازم. دخل فِراس و أعطى العلبة إلى الفلبينية
"إن شاءالله تكوني بخير اليوم" ابتسمت يارا و هى تومئ.
"أه الحمدلله.... شكراً على الورد"
"لا عليكي، تذكرت أنك تحبين عباد الشمس و البنفسج البلدي فأحترت بينهم. بس بالصدفة قالي هارون أنك تحبين اللون البنفسجي أكتر و لهذه المناسبة جبتلك هدية"
"شكراً، الآنسه مش بتاخد هدايا من رجالة." قال حازم و هو يقترب ليقطع التواصل البصري بين كل من يارا و فِراس "عداك العيب و أزح، أفضل برا بقى"
"أيوة بعد أذنك يا أستاذ فِراس. كفاية أوى تعب حضرتك معاها لحد هنا" قالت الأم و هى تقف لتساند خطيب أبنتها بينما كان هارون يراقب المشهد بإستمتاع، و يارا مكتوفة الأيدي تريد لو تعبر عن ما بداخلها.
"بس أخر هدية. للأسف ما يمكنني إعادتها للمحل"
"إيه رأيك يا يارا؟" قرر هارون التدخل فانصبت الأنظار إلى يارا التى ظلت صامتة طويلاً ثم نظرت لفِراس و الدموع فى عينها.
"آسفه يا أستاذ فِراس، بس خطيبي قال الصراحة أنا مش باخد هدايا من شباب"
"متل ما تريدين" التف و خرج و تبعته الفلبينية خلفهم اتجه هارون ليوقفه عند باب المشفى الخارجي
"فِراس"
"أتركها... بعطي الهدية للميس تجيبها معها لاحقاً" طمأنه فِراس. "خلينا عنفس طريقنا، بس لترحل أخت حازم"
فتحت باب شقتها فوجدت مُنذر أمامها رائحة عطره تفوح منه بقوة، لكنه عطر لطيف الرائحة. ابتسم مُنذر و سأل
"صحيت؟"
"أه، أتفضل." دخل مُنذر و أتجه نحو غرفة لميس حيث وجد عاصي جالسة على السرير تحت الغطاء، بجانبها هاتفها و سمعاتها تنظر أمامها ببرود. تابعته و هو يجلس بجانبها على السرير و تقابل عينه الخضراء لتجد بهما الحزن و الشوق و مشاعر عديدة خافت تفسيرها.
"هو إيه الصعب فى سيبوني فى حالي؟" سألت بجمود لتجده يمد يده و يحاول الإمساك بخاصتها لكنها سحبتها بسرعة
"أطلع برا"
"مش قبل ما تسمعيني" أجاب بسرعة "مش عاوز منك رد بس حتى الجانى فى المحكمة ليه فرصة يبرر نفسه"
"ماشى" ابتسم مع إيجاد فرصته.
"الى حصل من يومين ده أنا مليش أى يد فيه و معرفش عنه حاجة. أسألي هارون و فِراس، نجم قال أنه عمل هاك للأكونت بتاعي و بعتلك تيجي. أنا كنت هجيبك أه بس مش اليوم ده خالص صدقيني"
"و إيه إلى يأكدلي"
"ولا حاجة" أجاب بخيبة أمل "بس أنا بحبك و الحب قائم على ثقة الطرفين ببعض و أنا عمري ما كنت حسعى فى حاجة زى كدة. عاصي، أنتي من أغلى الحاجات فى حياتي فبلاش تعملي فيا كدة و تعزليني عنك"
"أنت كداب... كلكم كدابين" قالت عاصي و الدموع تتجمع فى عينها "كلكم بتقعدوا توقعوا فينا و فى الأخر تاخدوا إلى عاوزينه و تجروا و تسيبونا. أنا تعبت أنى لعبة-"
"كداب إلى يقول أنك لعبة!" أندفع مُنذر "أنا مش حنكر أنه فى الأول كان الحوار يومين و حيخلص بس عاصي أنا مكدبتش لما قلتلك بحبك، لما قلتلك أبقى معايا لآخر عمري"
"لا كداب" توقف مُنذر بعدما صرخت به. أخذ نفس عميق و هو يدرك أنها لا تنظر لخبرتها به الآن فقط بل بكل ما هو سئ بين علاقات الجنسين ببعضهما البعض، أدرك أنها تنظر لكل الخبرات السيئة التى مرت بها صديقتها من خيانة الشباب لهم و تلاعبهم بهم.
"عاصي، أنا مش هنكر أنه الكلام الحلو و التمثيل بيه مش فى دمي كراجل، بس أنا مستخدمتهوش عليكي أبدًا لأنه كله واقعي" ظل الصمت و هي لم تنظر له منذ جلوسه بجانبها فلم ترى الصدق بعينه و النبرة لا تكفى أبدا. لكنها نظرت له و هو يخلع السلسلة الفضية حول عنقه و يمسك يدها عنوة ليضعها فى يدها و يقابل أخيراً عينها
"يوم أشترينا السلسة ديه سوا، قلتلك حفضل لابسها و لو قلعتها أعرفي أني زعلان منك فى حاجة." أغلق أطرافها عليها بقوة و شعر برعشتها مع الدموع التى ترسم على خدها "خليها معاكي و خليها تفكيرك بكل الحلو و المر بينا، خليها وعد أنك حترجعيلي، و أنا مش حلبسها تاني غير لما تلبسيهالي بنفسك زى أول مرة. اتفقنا؟"
. "خلصت؟" سألته بعدما سحبت يدها وضعت السلسلة بجانبها فى عدم مبالاة "أطلع برا و برا حياتي كلها عشان أنت كداب"
"عاصي!"
"أطلع برا!" صرخت به فعزم أمره
"قوليلي طيب أعمل ايه عشان أثبت أني مش كداب"
"أطلع برا!" كررت و حين عاود الكرة بدأت تصرخ فتدخلت لميس مسرعة فخرج مكسور الجناح. مع أذان المغرب دخلت لميس على عاصي لتعطيها الدواء و قالت
"يارا فاقت و عاوزة تشوفك. تيجي معايا؟"
"لأ" اومأت لميس ثم بدأت ترتدي ملابسها. قبل سماع جرس الباب الذى فتحه والدها ثم بعد دقائق طرق الباب عليها و أذنت له بالدخول
"عاصي، مُنذر باعتلك الهدية ديه" وضع اللوحة المغلفة بجانبها و خرج. بعد خروج لميس قررت عاصي فتحها و تفقد ما بداخلها التى جعلتها تبكى بشدة. هذه رسمة غريبة لكنها معبرة جداً، عاصي جالسة على يسار اللوحة ضامة قدميها إلى صدرها و دموعها ماء صافي غطى الأرض حولها، أمامها يوجد زجاج أو باب خلفه يقف مُنذر يحاول كسره و يداه ملطخة بالدماء من تمزق جلده بسبب الزجاج و فوقهم عين سوداء تذكرت صاحبها فشعرت بقشعريرة لعودة الذكريات لها، صاحبها الذى كان فى الرسمة يقف فوق الحائط بينهما و على الأرض أدى لما هى عليه. معه ورقة بها أسم اغنية (لحظة تفاهم- مصطفى قمر) و معها أغاني أخرى عديدة كعادة مُنذر إذا أعطاها لوحة أعطاها اسماء الأغاني التى رسم اللوحة عليها. أمسكت يارا هاتفها بيدها السليمة و بدأت تقلب فيه بملل حتى وجدت رسالة فِراس يخبرها فيها بأنه سوف يرسل هديتها مع لميس.
-مش مستاهلة كل ده يا فِراس بجد كفاية الورد.
-لا مستاهلة. بكلمك بعدين ببدأ تصوير الآن.
وضعت يارا هاتفها و تنهدت مطولاً فى عشق، لقد مر ثلاثة أشهر منذ يوم حديثها و باتت تقريبا تعرف عنه الكثير و العكس صحيح، كل هذا أوقعها فى حبه أكثر فتأكدت من الصفات التى استشفتها من الشات أنه الأنسب لا حازم. بالحديث عن حازم تذكرت أمس حين تركتهم والدتهم وحدهم و حذرها حازم من بقاء هذا الرجل حولها، و إن فعل فسوف ينتشر فى اليوتيوب سر أخيها.
"يا مساء العسل و النور و السكر على المدغدغين" نظرت لها يارا بسعادة غامرة و لم تتمكن سوى من الضحك و هى تتابع الأخرى التى وضعت الهدية على الأريكة ثم اتجهت لاحتضانها طويلاً.
"وحشاني"
"ما هو لو حضرتك بتعدي الشارع بعقل مكنتش وحشتك" ضربتها يارا بخفة قبل أن تبتعد لميس
"تصدقي أنا غلطانة أمشي أبت برا يا بت" ضحكت لميس و معها يارا. جلست لميس على الكرسي و كان الصمت للحظات تستجم كل منهن بوجود الأخرى حتى سألت يارا
"إيه أخبار عاصي؟"
"أحسن... النهاردة الصبح بابا أخدها معاه يجيبوا أكل، و بدأت تتكلم معانا عادي أه مش كتير... بس أحنا كنا فين و بقينا فين" أمسكت لميس يد صديقتها لتطمأنها أن كل شئ سيكون على ما يرام، فى خضام هذا الصراع بين قلبها و عقلها فى أمر فِراس، لم تحتج إصابة عاصي بمكروه مماثل أرسله لها هارون فى الشات. هذه كانت وسيلتها الوحيدة فى المشفى لتعرف ما حدث بالخارج، و لكي لا تشعر والداها بما يحدث.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top