الفصل الثالث
صدع صوت المؤذن فى أرجاء الشقة فاستيقظت يارا بهدوء و نظرت ليدها، لقد نست خلع دبلتها أمس. أمسكت بالهاتف و إذ بها تجد عدد من الرسائل من صديقاتها و لا شئ من حازم، هل أختل عقلها للحظة و ظن أنه سوف يحترم كرامتها؟ توضأت و أنهت صلاتها و أخذت تدعو بينما الدموع تنهمر من كثرة حسرتها على حالها حتى قاطعها صوت رنين هاتفها فنظرت الشاشة و أجابت بثبات
"صباح الخير"
"افتحي باب الشقة"
"حازم، بلاش هبل على الصبح"
"افتحي باب الشقة" زفرت بملل ثم اتجهت نحو الباب و فتحته لتجد علبة عند الباب. أخذتها و أغلقت الباب بروية لكي لا توقظ أحدهم ثم فتحتها لتجد بها عقد بسيط جداً بحرف أسمها الأول فضة.
"حلوة؟" سألها فى الهاتف. كانت ضائعة بين ما تقول، نعم لقد أعجبتها كثيراً لكنها يأست هذا الأسلوب.
"كلمة آسف كانت هتكون أحلى"
"يارا، أنا بحبك أه... بس أنا مش بعتذر لحد. زائد بلاش تفتحي السيرة دي لأن المفروض أنا الى أكون مستني آسف" لم تجب، لن تجيب أبداً. هذا الرجل الغاضب لن يتفوه بها أبداً حتى وفاته، فغروره و كبرياءه لن يمسه أحد أبدا.
"ماشي يا حازم، أنا حدخل أكمل نوم" و دون كلمة أخرى أغلقت الخط و ما أن التفت حتى وجدت والدتها أمامها بتسائول.
"في إيه يا يارا؟ حد يفتح الباب على الفجر كدة؟" ابتسمت يارا و سحبت العقد من العلبة مصطنعة السعادة و هي تقدمه لوالدتها.
"حازم كان عاملي مفاجأة" ابتسمت الأم و هى تبدى شدة إعجابها بالعقد حتى أنها اتجهت لتقبل رأس ابنتها.
"ربنا يخليه ليكي، والله مفيش راجل فى الدنيا ديه هيشيلك فى عيونه زي حازم" اومأت يارا بسعادة و هى تؤكد كلمات والدتها.
"آمين" عادت كلتاهن للنوم لكن كل منهن يشغل تفكيرها أمر مختلف. حين حل الصباح أعدت عاصي لنفسها الفطور قبل انضمام يارا لها فى المطبخ فوجدتها ترتدي ملابس للركض
"رايحة فين؟"
"هنزل أجرى شوية قبل الچيم" أجابت بهدوء و هي تعد عصير من الفراولة. كانت عاصي هادئة عن المعتاد مما أثار شك يارا فقررت الاتجاه نحو هارون و السؤال
"حصل حاجة؟"
"عادي الخناقات المعتادة" أجاب بهدوء و هو يقوم بكوي التيشيرت الخاص به. وقفت يارا أمامه مباشرة و رفعت رأسه بيدها لتنظر فى عينه بتحدي و كررت سؤالها
"حصل حاجة؟"
"قلتلك الخناقات المعتادة، عاصي و عنادها و مامتك و تدخلها" هنا حضرت الوالدة و هي فى ملابس عملها، إنها صاحبة ورشة حياكة تُربحها ما يكفي شهرها.
"أنا نازلة يا ولاد. يارا أنا هتأخر فأعملي انتي الأكل" رحلت الأم بينما كان هارون قد أنهي كي ملابسه و أستعد لطرد يارا من غرفته حتى يتسنى له تغيرهم و النزول لكن عاصي حضرت و أمالت جسدها عند الباب و قالت بهدوء
"بابا عاوزينا نروحله لبنان، عيد ميلاد سيرين قرب" التف الأثنان لها فى شئ من الصدمة. سيرين هي اختهم الصغيرة من زوجة والدهم اللبنانية، و هذا يدل على أنها ستتم الست سنين فى هذه السفرية. نزلت عاصي و هارون و على موعد الغذاء عادوا ليأخذوه مع يارا
"إيه رأيكم نروح سينما؟" نظروا لها للحظات ثم لبعضهم البعض، لقد مر بعض الوقت منذ أخر مرة استمتعوا بخروج سويا لذلك وافقوا. بعد الغذاء استعدوا و ارتدوا ملابسهم و في غرفة الفتيات وقفت عاصي أمام المرآة تضع الكحل و ما يزين عينها من أنواع مختلفة
"مش عاوزة أروح لبابا" قالت بخفة. لم تكترث يارا للإلتفات لها بل أجابت و نظرها فى دولابها الخاص
"ما أنا عارفة" توقفت عاصي و نظرت إلى يارا فوجدتها تبتسم قبل النظر لها "عاصي، أنا عارفة أنك وسط كل الي أنتي حساه دلوقتي مش ناقصة تشوفيه و زائد من أخر زيارة"
"أنا قرفانة منه" أعترفت عاصي بعدما أذبهلت للحظات من الطريقة التي تقرأها بها يارا، إلى أى مدى تعرفها يارا؟ لم تدرك ما قالت لكنها صدمت أكثر حين وجدت بسمة يارا هادئة كأنها لم تسب والدهن توها.
"قرفانة ولا مش طايقة أشوفه؟"
"ما قرفانة يترتب عليها مش عاوزة أشوفه" عاودت النظر فى المرآة و تعيد وضع الكحل من البداية. فى تلك الأثناء ارتدت يارا بنطالها قبل القول
"تفرق. علي أى حال، هرجع و أقولك يا عاصي هي ديه الطريقة إلى الرجالة كلهم بيعبروا بيها عن حبهم-"
"فلوس! خدي فلوس بدل كلمة حلوة؟! تولع المادية الزفت الي هما فيها ديه" صرخت عاصي و هي تلقى بقلم الكحل على الطاولة. لم تقصد يارا إغضابها و أخر شئ تحتاجه هو نزهة مع عاصي معكرة المزاج. أمسكت القلم و بدأت تساعد عاصي فى وضعه رغم عنها، رغم ذلك لن ينكر قلب عاصي بسعادته فهي تنتظر هذا اليوم من فترة لأخرى، تنتظر إهتمام يارا بمظهرها من حين لآخر.
"أنا فاهماكي يا عاصي، بس خليني أسألك سؤال" أنهت عينها اليسرى "حبك و كل يوم كلام حلو و جنبك فى الرايحة و الجاية، بس فجأة تعبتي و لأنه كان مشغول فى كل ده مكنش معاه فلوس يعالجك. إيه الاستفادة؟"
كان الصمت حتى أنهت عينها الأخرى و وضعت لها أحمر شفاه بسيط قبل جعلها تقف و تنظر لذاتها فى المرآة.
"عاصي، أحنا بنكمل بعض. لو أحنا دورنا فى البيت فهما برا، بابا مش موجود و مكنش موجود لأنه بيشتغل عشان يجيب فلوس أحنا ندلع بيها."
"ما هو لو وجوده ولا الفقر، يبقى وجوده" أعترضت عاصي فى انعكاس وجه أختها. لفتها يارا و عدلت من قصة شعر ثائرة و هى تبتسم
"عاوزة تقوليلي أنك هتستحملي تعيشي حياة أقل من ديه، مدرسة أقل، أكل أقل، تفكير أقل؟ أعقليها يا عاصي، حتى البنت فينا لما بتدور على الولد الي تحبه بيكون من مستواها فى على الأقل العِلم، و عادتا المديات كمان" قبل إجابة عاصي كان هارون يطرق الباب عليهن و يعترض على تأخرهن
"ما يلا بقي الفيلم هيخلص قبل ما نوصل!" ضحكت كلتاهن قبل الخروج نزولاً نحو سيارة يارا التى هي فى الأصل تخص والدتها. و فى الطريق بين صوت الأغاني و الكثير من الحوارات سأل هارون يارا
"أنتي عزمانا؟"
"أه"
"طيب أنا مسؤول عن نفسي و حدفع لنفسي" توقفت يارا مع وقوف الإشارة و نظرت له بتحدي و شئ من السخرية.
"بس يا بابا، أعمل فيها راجل بعيد عني. ثم عزماكم من فلوس الشهر الي بابا باعتها" ضحكت عاصي فى الخلف على ردة فعل هارون و التى كانت ذم يارا فى سره أو بصوت يكفي لتسمعاه. قاطعها صوت رنين هاتف يارا فأجابت بدون قراءة الإسم لتجد صوت لميس المندفع فيسمعه الجميع بسبب اتصال الهاتف بسماعات السيارة مباشره
"بالله عليكي تكوني فاضية أخر الأسبوع"
"خير اللهم أجعله خير"
"مالك عازمك أنتي و حازم عنده فى البيت. لازم يبقى أجوازنا صحاب ولا أنتي ناسية" تنهدت يارا و هي تعيد أتخاذ الطريق نحو سينما سان ستيفانو.
"حازم برا فى مهمة طول الأسبوع، و لو عرف أني روحت بيت راجل..." لم تكمل يارا لعدم الحاجة، فكل الحاضرين الثلاث يعرفون خير المعرفة عن غضب حازم. لن ينكر أحدهم أنها أحيانا تكون غيرة مُفرطة بلا سبب واقعي لكن من يعترض و الدبلة تشنق إصبعها؟
"و هو هيعرف منين أنك عندي؟ يلا بقى عشان خاطري"
"بلاش يا لميس"
"خلاص أنتي حرة، فاتك أخر يوم لفِراس فى اسكندرية" عقد هارون حاجبيه على نبرة لميس المراوغة بتغزل، بينما تعجبت عاصي فى الخلف فلم يسمع أحدهما بهذا الأسم مسبقاً، أيعقل أن هناك من يشغل عقل أختهما دون حازم؟ بينما شعرت يارا بالإستسلام لمغزى صديقتها و على أى حال لن يعرف حازم فعلاً فوافقت. حضر الثلاثة الفيلم و عادوا للمنزل فإذا بوالدتهم عند باب الشقة النيران تشتعل من عينها و هي تنظر لهارون.
"فهمني إيه حصل فى النادي أمبارح ده!" نظرت له أختاه بتعجب من سؤال الأم و من ملامحه التى أنقلبت من سعادة إلى جفاء و عدم مبالاة.
"أنا حُر"
"حُر! إلاهي تولع فى نار جهنم بحُر ديه. تضرب صاحبك و يضطر يعمل غرز و تقولي حُر. أنت أتجننت يا ***!" صرخت الأم بأعلى صوتها على أمل أن تحرك بداخله أى مشاعر لكنها وجدت برود كالعادة فزادها ذلك غضباً.
"ده على أساس أنك ضامنة أني حدخل الجنة؟"
"يا شيخ خلي عندك دم!" صرخت به فنظر بعيد عنها و هي تحاول تهدأة نبرتها و السؤال "و يا ترى عمل إيه؟"
"ماما، دي حياتي الشخصية و دول صحابي محدش ليه حق يعرف عمل إيه" و أنصرف فورا قبل الاستماع إلى نوبة أخرى من الصراخ الذى لن يفيد فى شئ تماماً. رغم ذلك وقفت الفتاتان و استمعن إلى صوت والدتهم المرهق من عناد المراهق.
"أنا عملت إيه فى حياتي غلط عشان كل ده؟" تدخلت يارا و ضمت والدتها لتحمل عنها قليلاً من الحزن و تشعرها أن هناك من يساندها، فهي ليست وحيدة أمام مضرب المصائب المتلاحقة من التوأم. لكن عاصي كانت تزداد غضباً كل مادا فى داخلها و حاولت بكل الطرق امتلاك كلماتها لكنهم خرجوا بعفوية بعدها
"غلطتك فى الحياة يا ماما أنك جبتينا، أنك اتجوزتي أصلا" ألقت السم و انصرفت كأخيها تاركة عين يارا متوسعة و والدتها تحت تأثير صدمة. هل ترى ابنتها أنها افنت عمرها كله هباء! لحظات و ثواني حتى بدأ جسدها يتلاشى وقوعا على الأرض فاقدة للوعي.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top